الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
قال تعالى: {وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (1).
{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (7).
إن كتاب ربنا وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام قد جمعا الخير كله وبينا لنا الشرّ كله، وكما طالبنا ربنا عز وجل في أتباع الخير وأهله فقد نهانا أن نتابع الشر وأهله، وكما أمرنا بالاقتداء بالرسل والأنبياء والصديقين والشهداء فقد نهانا عن متابعة أهل الأهواء، وقد بين لنا انحرافات أمم أنزل عليها وحي فانحرفت عنه، وبين لنا رفض بعض الأمم لما أنزل عليهم من وحي أصلاً، ولكن الطبيعة البشرية هي الطبيعة البشرية تتشابه على مدار الأزمنة والأمكنة والأجيال {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} (8) ومن ثم فإن هذه الأمة على ما أكرمها الله عز وجل من كتاب معصوم معجز ومن سنة محفوظة باقية سيظهر فيها ما ظهر في الأمم من انحرافات، فلا عجب والأمر كذلك أن نرى أفراداً أو جماعات من هذه الأمة تواطئ
(1) النساء: 26.
(2)
النساء: 69.
(3)
الفاتحة: 6، 7.
(4)
المائدة: 48.
(5)
الجاثية: 18.
(6)
النحل: 89.
(7)
الأنعام: 90.
(8)
البقرة: 116.
انحرافات الأمم وتتخذ من هذه الأمم في انحرافاتها قدوة، فالنصوص النبوية ذكرت أن هذا واقع، وذكرها له تحذير منه، وعلى الربانيين والمصلحين أن يعملوا ليجددوا حياة الإسلام وحيويته، ولينقذوا المتأثرين بالفكر الغريب والسلوك المنحرف أو المريب.
إن هناك انحرافات بشرية فردية، وهناك انحرافات جماعية، وهناك انحرافات محلية، وانحرافات عالمية، وهناك مسرى للانحراف قد يكون فردياً أو محلياً وعالمياً، وقد تتعدد مسربات الانحراف عند الأمم وهناك مسرى منحرف لأهل الأديان الباطلة في الجملة، وهناك مسرى منحرف خاص بأهل كل دين، وهناك مسربات منحرفة لمن لا دين له.
والأمة الإسلامية معرضة لأن يسري إليها ذلك كله، ومن ههنا كان الإسلام بحاجة إلى تجديد في كل جيل من أجيال هذه الأمة، وكان من رحمة الله بهذه الأمة ألا تنقطع سلسلة المجددين.
إن المسرى السيايس العام للعالم هو السير نحو العلمانية بألا يكون للدين علاقة في الحياة السياسية، تجد ذلك قاسماً مشتركاً عند أتباع الأديان الباطلة من بوذية أو كونفوشيوسية أو برهمية أو زرادشتية أو يهودية أو نصرانية أو وثنية، وتجد أن هذا المسرى قد اختطف الكثيرين من أبناء الأمة الإسلامية حتى غلب ولا زال يغلب على الكثير من أقطارها، وتجد أن بعض أهل الأديان وصلوا إلى إعطاء أحبارهم ورهبانهم صفة العصمة، فتجد أن ذلك سرى إلى كثير من أبناء الأمة الإسلامية، وأكثر ما ظهر ذلك عند طوائف الشيعة وبعض المتصوفة.
وتجد أن اتباع الأهواء وكسب الملذات والدعوة إلى حرية الإنسان في ذلك قد غلبت على العالم وسرى ذلك للكثيرين من أبناء الإسلام.
وهذا وأمثاله قد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقوعه وحذرنا منه وعلمنا الله أن ندعوه في كل صلاة أن يجنبنا ذلك {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (1) والمغضوب عليهم هم اليهود والضالون هم النصارى،
(1) الفاتحة: 6، 7.
فإذا حذرنا من متابعة انحرافات هؤلاء وهما الأشهر في الديانة والتدين فمن باب أولى غيرهم، ولذلك وجب على المسلم أن يفتش في ذاته وفي سلوكه وفي ولاءاته وفي انتماءاته وفي أعماله وأقواله وفي بيته وفي مواقفه عما إذا كان يواطئ غير المسلمين في شيء من انحراف عن الإسلام.
لقد كان من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخالف سنة اليهود والنصارى والمجوس ليعلمنا الحذر من المواطأة إلا فيما أجازته شريعتنا.
لقد أخبرنا الله عز وجل أنه لم يترك أمة إلا أرسل لها رسولاً: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} (1).
وقال عليه السلام: "أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله"(2).
والنصوص لم تصف كل الأمم التي أرسل لها رسل إلا ما ذكر عن بني إسرائيل وعن النصارى وبعض الأقوام، والديانات المعروفة قديماً وحديثاً كثيرة:
فهناك النصرانية واليهودية والبوذية والكونفوشيوسية والمجوسية ....
وهناك أديان بادت وانقرضت كالديانات المصرية القديمة والديانات اليونانية، والمعروف عنها أنها ديانات شِركيّة، وهناك الديانات الوثنية والشركيَّة، وبعضها لا زال موجوداً، ولئن لم يحدثنا القرآن عن كل الأديان فقد ذكر لنا ما نعرف به من خلال المذكور ما غاب عنا، فلا يغيب عمن قرأ القرآن وفهمه أن يعرف الهدى من الضلال، ليس في باب الديانات فحسب بل في باب المذاهب الفلسفية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها سواء في ذلك ما انتهى ودرس أو ما زال موجوداً.
(1) فاطر: 24.
(2)
الترمذي (5/ 226) 48 - كتاب تفسير القرآن 3 - باب ومن سورة آل عمران.
وقال: هذا حديث حسن.
والمستدرك (4/ 84). وقال: صحيح الإسناد.
وقال الحافظ عنه: حسن صحيح.
فهناك ديانات اندرست، فإذا ما قرأ المسلم عنها لا يفوته مواطن الكفر والانحراف فيها كالديانات اليونانية والمصرية والرومانية، وهناك ديانات لا زالت موجودة لا يغيب عن المسلم أن يعرف مواطن الكفر والضلال فيها كالبوذية والكونفوشيوسية والبرهمية واليهودية والنصرانية والصابئية والمانوية والزرادشتية، وهناك مذاهب فلسفية واجتماعية ظهرت قديماً كالفلسفة اليونانية والإباحية المزدكيّة، وهناك فلسفات معاصرة أو وسيطة ومذاهب اجتماعية واقتصادية وسياسية، وكل ذلك لا يغيب عن المسلم العارف بدينه أن يعرف مواطن الكفر والانحراف فيها.
قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (1).
وقد كلّف الله عز وجل الإنسان أن يؤمن بالله وأن يكفر بالطاغوت: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} (2).
ومن ههنا كان من معالم الإسلام الكبرى ألا يتابع المسلم أحداً فيما يدخل في باب الديانات. وقد أعطانا الله عز وجل نموذجين تفصيليين على انحرافات أمتين أنزل عليهما وحي وهما اليهود والنصارى، ولقد استمرَّت الانحرافات عند اليهود والنصارى بعد نزول القرآن الكريم حتى وصلوا إلى الإلحاد وإلى اللادينية والإباحية في الفكر الرأسمالي والفكر الشيوعي، فانحراف يوصل إلى انحراف وهكذا.
ولما كانت هذه الانحرافات أثراً عن أهواء أو جهل، ولما كان الإنسان مَظِنَّة الجهل والهوى:{وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (3) فإن احتمال أن تسري على أمتنا انحرافات الأمم قائم، ومن ههنا أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبَّهنا على ذلك وحذرنا منه وفيما يلي نصوص في ذلك.
(1) النحل: 81.
(2)
البقرة: 256.
(3)
الإسراء: 72.