الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسائل وفوائد حول الشهادتين وكلمة التوحيد
1 -
مما يوصف به الإسلام أنه دين الوحدة والتوحيد والوحدانية، وهذه الكلمات القليلة يدخل فيها ما لا يحصى من المعاني: فنحن نثبت لله عز وجل الوحدة والوحدانية في ذاته وصفاته وأفعاله ونثبت أن الخلق كلهم عبيد لواحدٍ هو الله عز وجل، وأن الذات الإنسانية ينبغي أن تتوجه بالعبادة والعبودية والطاعة لواحدٍ هو الله عز وجل، ونثبت أن الذات البشرية ينبغي أن تكون موحدة في توجهاتها نحو الخالق، وأن البشرية كلها ينبغي أن تكون واحدة في هذا التوجه وفي الخضوع وفي الطاعة وفي الاستسلام لله في دينه، وإذا لم تتوحد البشرية على ذلك فالمستجيبون ينبغي أن يكونوا أمة واحدة وجسدًا واحدًا.
2 -
مما يخدش جناب التوحيد عند أهل السنة والجماعة: القول بالقوة المودعة ولذلك قال صاحب الخريدة:
ومن يقل بالقوة المودعة
…
فذاك بدعي فلا تلتفت
فالقول بالقوة المودعة تعطيل لنصوص كثيرة، وهو يخدش الفهم الصحيح لأحدية الذات الإلهية وصمديتها وقيوميتها، فمن عرف أحدية الذات الإلهية وصمديتها وقيوميتها كما ورد ذلك في نصوص الكتاب والسنة نفى القوة المودعة، ونفى القوة المودعة يقتضي منا أن نعتقد أن كل شيء ابتداء وحالاً واستقبالاً بعلم الله وإرادته وقدرته وإمداده وأنه لا تأثير لشيء من الكائنات في أثرٍ ما إلا بالله، ومن قال غير ذلك فقد نفى افتقار كل شيء إلى الله، ويدخل في نفي القوة المودعة اعتقاد أن شيئًا من الأشياء يؤثر بطبعه دون أن يكون للقدرة الإلهية دخل مباشر في ذلك فكل شيء في الماضي والحاضر والمستقبل مفتقر إلى إيجاده وإمداده، وهذه المسألة من أهم المسائل التي وقع فيها خلاف بين أهل السنة والجماعة من جهة وبين المعتزلة من جهة أخرى وهي المسألة المشهورة بمسألة خلق الأفعال. فالنصوص متضافرة على أن كل شيء بفعل الله ابتداءً وانتهاءً. قال تعالى:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (1)، {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (2)، {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} (3)، {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} (4)، {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ
(1) الزمر: 62.
(2)
الرحمن: 29.
(3)
الصافات: 96.
(4)
الواقعة: 58 - 59.
أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} (1)، {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} (2)، {مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} (3)، {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} (4)، {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} (5)، {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} (6)، {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} (7)، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (8). وهذا لا ينفي أن الله عز وجل جعل قوانين وأسبابًا، ولكن لو قلنا: إن هذه القوانين والأسباب تعمل بالقوة المودعة دون تدخل مباشر للذات الإلهية فكأننا نقول: إن الله لا دخل له بما يجري في هذا الكون وإنما هي أسباب توصل إلى أسباب، وأين هذا من قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ
…
} (9)، {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ} (10). وفي الحديث الذي رواه الحاكم (11)"إن الله خالق كل صانع وصنعته"، فإذا قال قائل كيف نوفق بين التكليف والمحاسبة وبين أن كل شيء فعل الله؟ قلنا: إن قدرة الله تخلق على وفق الإرادة، والإرادة تخصص على وفق العلم، والعلم كاشف لا مخبر فالله لم يعط أحدًا القدرة على الفعل المستقل وذلك مقتضى كماله، ولكن أجرى أعمال الإنسان على علم منه بما سيختاره، ويحاسبه على اختياره المحسوس الذي يحس به كل مكلف فلا منافاة.
وهذا الموضوع مفصل في كتب العقائد والتفسير وشروح السنة، ويغلط فيه الكثيرون لتأثرهم بالحس ونسيانهم النصوص وعدم دراستهم لعقيدة أهل السنة والجماعة في كتبها، مع أن دراستها حفظ للمسلم من الوقوع في ما ذهبت إليه الفرق الضالة.
3 -
ومن أراد الدخول في الإسلام فإنه يفترض عليه النطق بالشهادتين بنية الدخول في الإسلام باللغة العربية أو بأي لغة، أما من نشأ في الإسلام وكان يعتقد بالشهادتين فلا يفترض عليه النطق بهما بنية الدخول في الإسلام لكنه يفترض عليه أن ينطق بهما في كل
(1) الواقعة: 63 - 64.
(2)
الأنفال: 17.
(3)
الكهف: 39.
(4)
الشعراء: 80.
(5)
الزمر: 42.
(6)
الأعراف: 155.
(7)
التوبة: 14.
(8)
الفاتحة: 5.
(9)
آل عمران: 6.
(10)
آل عمران: 160
(11)
المستدرك (1/ 31). وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
صلاة أو يسن على خلافٍ بين الفقهاء في فرضية قراءة (التحيات) أو وجوبها أو سنيتها في الصلاة.
ويدخل في شهادة لا إله إلا الله الاعتراف باللسان والاعتقاد بالقلب أنه لا معبود إلا الله.
ويدخل في شهادة أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم الاعتراف باللسان والإذعان بالقلب أن محمدًا صلى الله عليه وسلم مرسل من عند الله إلى الأنس جميعًا والجن جميعًا وأنه صادق في كل ما بلغه عن الله عز وجل، ولا يعتبر مسلمًا إلا من جمع الشهادتين وأقر بهما وكل من ليس مسلمًا فإنه كافر، ومن شك في كفره أو توقف فهو كافر وقد رأينا فيما مضى حال من لم تبلغه الدعوة أو كان غير عاقلٍ أو غير بالغٍ أو فقد منذ الصغر وقبل التبليغ من الحواس مالا يستطيع معه إدراك الخطاب.
إنه لا إيمان ولا إسلام ولا قبول للأعمال الصالحة إلا بالشهادتين، وليعلم أن مما يخدش جناب التوحيد التوجه بشيء مما هو من حقوق الربوبية لغير الله، وأن مما يخدش جوانب التوحيد عدم التأدب مع الذات الإلهية بما ينقض الشهادتين. وهذا بحث سيأتي معنا.
* * *