الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقرة الثالثة: مقامات الإسلام
قال تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} (1) فالعمل بالإسلام يوصل إلى الإيمان القلبي وذلك يوصل إلى الإحسان الذي هو أحد مقامات الصديقين. قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (2) والإحسان هو المقام الأرقى في العبادة، والعبادة توصل إلى التقوى. {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (3) والتقوى توصل إلى الشكر {فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (4) فهذه مقامات الإسلام.
وهذه نصوص:
177 -
* روى مسلم عن يحيى بن يعمر، قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة: معبد الجهني، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجبين، أو معتمرين، فقلنا: لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر؟ فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه داخلاً المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي، أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلى، فقلت: أبا عبد الرحمن! إنه قد ظهر قبلنا أناس يقرؤون القرآن، ويتقفرون العلم، وذكر من شأنهم، وأنهم يزعمون أن لا قدر، وأن الأمر أنف، فقال: إذا لقيت أولئك فأخبرهم: أني بريء منهم، وأنهم براء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر: لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه، ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر، ثم قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب، قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذا طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه اثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي
(1) الحجرات: 14.
(2)
الحديد: 19.
(3)
البقرة: 21.
(4)
آل عمران: 123.
177 -
مسلم (1/ 26: 40) 1 - كتاب الإيمان 1 - باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان
…
إلخ.
وأبو داود. (4/ 222) كتاب السنة 17. باب في القدر.
والترمذي (5/ 6) 41 - كتاب الإيمان 4 - باب ما جاء في وصف جبريل للنبي (ص) الإيمان والإسلام.=
صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا" قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خير وشره" قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان، قال:"أن تعبد الله كأنك تراه، فأن لم تكن تراه، فإنه يراك" قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" قال: فأخبرني عن أماراتها؟ قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة، العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان" قال: ثم انطلق، فلبث مليا ثم قال لي:"يا عمر، أتدري من السائل؟ " قلت الله ورسوله أعلم، قال:"فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم".
وأخرجه أبو داود بنحوه (1)، وفيه "فلبث ثلاثاً".
وفي أخرى له (2): قال: فما الإسلام؟ قال: "أقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وحج البيت، وصوم شهر رمضان، والاغتسال من الجنابة".
178 -
* روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة وأبي ذر رضي الله عنهما، قالا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بارزاً للناس، فأتاه رجل فقال: يا رسول الله، ما الإيمان؟ قال:"أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتابه ولقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث الآخر".
قال: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: "الإسلام أن تعبد الله، لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان" قال:
والنسائي (8/ 97) 47 - كتاب الإيمان 5 - باب نعت الإسلام.
وابن ماجه (1/ 22) المقدمة 9 - باب في الإيمان.
(1)
أبو داود الموضع السابق.
(2)
أبو داود الموضع السابق.
178 -
البخاري (1/ 114) 2 - كتاب الإيمان - 37. باب سؤال جبريل النبي (ص) عن الإيمان والإسلام
…
إلخ.
مسلم (1/ 39) 1 - كتاب الإيمان 1 - باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان .. إلخ.
كلاهما رواه عن أبي هريرة وحده.
يا رسول الله ما الإحسان؟ قال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإنك إن لم تره فإنه يراك" قال: يا رسول الله، متى الساعة؟ قال:"ما المسؤول عنه بأعلم من السائل، ولكن سأحدثك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربتها، فذاك من أشراطها، وإذا كانت العراة الحفاة رؤوس الناس، فذاك من أشرطها، وإذا تطاول رعاء البهم في البنيان، فذاك من أشراطها، في خمس لا يعلمهن إلا الله، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (1). قال: ثم أدبر الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلمك "ردوا على الرجل"، فأخذوا ليرده، فلم يروا شيئان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم".
وفي أخرى نحوه، في أوله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سلوني فهابوه أن يسأله، فجاء رجل، فجلس عند ركبتيه، فقال: يا رسول الله، ما الإسلام؟ وذكر نحوه- وزاد: أنه قال له في آخر كل سؤال منها: صدقت- وقال في الإحسان: "أن تخشى الله كأنك تراه" وقال فيها: "إذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض، فذاك من أشراطها" وفي آخرها- "هذا جبريل أراد أن تعلموا، إذ لم تسألوا".
179 -
* وعند الطبراني في الكبير من رواية ابن عمر: "ما جاءني [أي جبريل] في صورة قط ألا عرفته إلا في هذه الصورة".
= ونحوه عند النسائي وأبي داود عنهما.
النسائي (8/ 101) 47 - كتاب الإيمان 6 - باب صفة الإيمان والإسلام.
أبو داود (4/ 225) كتاب السنة 17 - باب في القدر.
(1)
لقمان: 34.
179 -
المعجم الكبير (12/ 430).
مجمع الزوائد (1/ 40). وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون.
لفت رسول الله صلى الله عليه وسلم النظر في هذا الحديث إلى أركان الإسلام، وإلى أركان الإيمان، وإلى الدرجة العليا في العبادة وهي مقام الإحسان، وهذا الحديث أصل من الأصول:
فهو يتحدث عن ثلاثة مقامات من مقامات الدين الإسلامي، فالإنسان يسلم فيقيم المطلوب منه من أركان الإسلام، وهذا يصل به إلى حقيقة الإيمان، وحقيقة الإيمان تصل له إلى مقام الإحسان، ومقام الإحسان يوصله إلى حقيقة التقوى، وحقيقة التقوى توصله إلى حقيقة الشكر، وهذه مقامات الإسلام والنصوص تشهد لذلك كما مر معنا. وهذا حديث في المقام الرابع وهو التقوى:
180 -
* روى أحمد وأبو يعلي عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الإسلام علانية، والإيمان في القلب" قال: ثم يشير بيده إلى صدره ثلاث مرات. قال: ثم يقول: "التقوى ههنا التقوى ههنا"
لقد فصلنا في موضوع التقوى في كتابنا (جند الله ثقافة وأخلاقاً) تفصيلاً واسعاً.
وهاهنا نكتفي بذكر بعض النصوص القرآنية، ونشير إلى بعض ما تفيده:
قال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} (1).
فالهداية أثر الإيمان والمجاهدة:
{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} (2).
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} (3).
180 - مسند أحمد (3/ 134).
كشف الأستار (1/ 19) مختصرا وقال: تفرد به علي بن مسعدة.
مجمع الزوائد (1/ 52). وقال: رواه أحمد وأبو يعلى بتمامه والبزار باختصار ورجاله رجال الصحيح ما خلا علي ابن مسعدة وقد وثقه ابن حبان وأبو داود الطيالسي وأبو حاتم وابن معين وضعفه آخرون. أ. هـ.
وقال في التقريب (405) بتحقيق محمد عوامة: صدوق له أوهام.
وقوله: (التقوى هاهنا) أخرجه البخاري وغيره عن أبي هريرة بغير هذا السياق.
(1)
محمد: 17.
(2)
التغابن: 11.
(3)
العنكبوت: 69.
والهداية توصل إلى التقوى بفضل الله، فالتقوى عطية من الله وهدية، والتقوى توصل إلى الشكر. قال تعالى:
{فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (1).
والشكر أرقى المقامات، قال تعالى:
{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (2).
لأن الشكر أن تستعمل كل ما أعطاك الله عز وجل في الأحب إلى الله، وهذا نص في الشكر:
181 -
* روى البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة، رضي الله عنه، قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه، فقيل له: قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبداً شكوراً؟ ".
وفي رواية (3)، إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم- أو ليصلي- حتى ترم قدماه- أو ساقاه- فيقال له، فيقول:"أفلا أكون عبداً شكوراً؟ ".
وفي أخرى: حتى ترم أو تنتفخ (4).
وفي أخرى (5)، أنه صلى حتى انتفخت قدماه، فقيل له: أتكلف هذا، وقد غفر لك؟ فقال .. وذكره.
* * *
(1) آل عمران: 123.
(2)
سبأ: 12.
(3)
البخاري (3/ 14) 19 - كتاب التهجد، 6 - باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم الليل.
(4)
البخاري (11/ 303) 81 - كتاب الرقاق 20 - باب الصبر عن محارم الله
(5)
مسلم الموضع السابق.