الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة:
المجنون ليس مكلفا إن بلغ مجنونا واستمر على ذلك حتى مات بخلاف ما لو بلغ عاقلا ثم جن وكان كذلك فهو غير ناج وهو محاسب بعد البلوغ على الفترة التي عقل فيها.
المسألة الرابعة:
اتفق الأصوليون على أن العبد لا يؤاخذ إلا بما هو في طاقته فلا يؤاخذ بما لا يمكنه فعله ولا يكلف أصلا بأمر مستحيل الوقوع عقلا أو عادة كالجمع بين الضدين.
المسألة الخامسة:
هل الكفار مخاطبون بالأصول والفروع ومكلفون بها ومحاسبون على الجميع، أو أنهم مكلفون بالأصول فإذا آمنوا كلفوا بالفروع؟
قولان للعلماء، وجمهور العلماء: أن الكفار غير مكلفين بالفروع إلا بعد الإيمان.
والمراد بالأصول: أصول العقائد من إيمان بالله وبالرسول وباليوم الآخر إلى غير ذلك، والمراد بالفروع ما ينبثق عن الأصول من أحكام الشريعة كأداء الصلاة والزكاة والصوم والحج وغير ذلك.
المسألة السادسة: في مسئولية الطفل والمجنون مالياً:
"ولكن يلاحظ أن المجنون وهو فاقد التمييز، والصبي غير المميز مثله تتعلق بهما تكليفات مالية، فإذا أتلف أحدهما شيئاً وجب في ماله، وإذا جنى أحدهما جناية وجبت الدية في مالهما، وقد قرر جمهور الفقهاء أن الزكاة تجب في مالهما، [والحنفية لا يرون ذلك].
وقرر الفقهاء بالإجماع أن زكاة الزرع والثمار تجب من زرعها وثمارهما" أ. هـ. [أصول الفقه - أبو زهرة].
المسألة السابعة:
في أولاد المسلمين والمشركين:
رأينا أن مما يناط به التكليف: البلوغ، وعلى هذا فما لم يبلغ الإنسان لا يعتبر مكلفا، فإذا مات قبل البلوغ فالمرجو أن يكون ناجياً عند الله، غير أن الشارع أدبنا أن نسكت
عن هذا الموضوع وأن نفوض الأمر فيه لله عز وجل لأن في السكوت عنه مدعاة لبذل الجهد في الدعوة للصغار وتربيتهم.
وفي شأن الصغار ورد عدد من الآثار يلحظ في بعضها ما ذكرناه. وهذه بعض النصوص في ذلك:
114 -
* روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: توفي صبي، فقلت: طوبي له، عصفور من عصافير الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أولا تدرين أن الله خلق الجنة، وخلق النار، فخلق لهذه أهلاً ولهذه أهلا".
وفي رواية: قالت: دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة صبي من الأنصار، فقلت: يا رسول الله، طوبي لهذا، عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل السوء، ولم يدركه، فقال:"أو غير ذلك يا عائشة، إن الله خلق للجنة أهلاً، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم".
وأخرج أبو داود والنسائي الثانية، وقالا فيه: طوبي لهذا، لم يعلم سوءاً ولم يدر به (2).
هذا نموذج على ما أدبنا به الشارع في التفويض في أمر الذين يموتون وهم صغار للحكم التي ذكرناها مع أن القواعد تفيد أنهم ناجون ويشهد لذلك الحديث اللاحق:
115 -
* روى البزار عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم عمن في الجنة؟ فقال:"النبي في الجنة والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة والمؤودة في الجنة".
114 - مسلم (4/ 2050) 46 - كتاب القدر 6 - باب معنى كل مولود يولد على الفطرة.
(2)
أبو داود (4/ 229) كتاب السنة - باب في ذراري المشركين.
النسائي (4/ 57) 21 - كتاب الجنائز 58 - باب الصلاة على الصبيان.
(طوبي): فعلى من الطيب، وقيل: هو اسم الجنة، وقيل: هو اسم شجرة فيها.
115 -
كشف الأستار (3/ 31).
مجمع الزوائد (7/ 219). وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن معاوية بن مالج وهو ثقة.
ورواه أحمد وأبو داود من طريق حسناء بنت معاوية عن عمها وحسنه الحافظ في الفتح ورمز السيوطي لصحته، وضعفه بعضهم وفي كل الأحوال فإن معناه صحيح. المسند (5/ 58).
116 -
* روى الشيخان وأبو داود والنسائي عن ابن عباس، سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال:"الله إذ خلقهم أعلم بما كانوا عاملين".
وهذان النصان يؤكدان فكرة تأديب الشارع للمسلم أن يفوض في أمر الصغار لما يترتب على ذلك من حكم، ومن أمثال هذا أخذ العلماء فكرة أدب الوعظ وأدب العلم، فأدب الواعظ ألا يدخل في تفصيلات تخفف من قوة التأثير والتأثر أو تؤدي إلى إثارة أسئلة عند العامة أو تؤدي إلى تشويش عقائد العامة أو تستدرجهم لمواطن فتنة في الرأي أو في العمل، وأدب العالم مع طلاب العلم أن يدرجهم في التعليم حتى يوصلهم إلى أن يفهموا دقائق العلوم وعويصات المسائل. فأدب الواعظ: ليس كل ما يعلم يقال، وأدب العالم مع طلاب العلم الذين يؤهلون للإمامة في الدين أن يقول لهم كل شيء مع ملاحظة التدرج، وتشهد لذلك كثير من نصوص السنة.
كما أخذ العلماء من الأحاديث فكرة الحكم العقلي والحكم الشرعي، والواجب العقلي لله، والواجب الشرعي، فمثلاُ: قالوا: إن قدرة الله صالحة أن تعذب الكافر والمؤمن، فالواجب العقلي أن نعتقد أنه يجوز على الله أن يعذب الكافر والمؤمن، ولكن إذ ورد الشرع أن الله لا يعذب مؤمناً، فقد أصبح الواجب الشرعي أن نؤمن بأن الله لا يعذب مؤمناً ولا يترك كافراً، والأحاديث التي بين أيدينا تدل على هذا المذهب الذي هو مذهب أهل السنة والجماعة، وخالفهم فيها المعتزلة، وهذه من عويصات المسائل التي لا يدركها إلا العلماء المحققون. ويتفرع عنها مسائل كثيرة تذكر في كتاب العقائد.
ولنعد إلى موضوعنا:
فمن أقوال العلماء في أطفال المشركين ما يلي:
116 - البخاري (3/ 345) 23 - كتاب الجنائز 92 - باب ما قيل في أولاد المشركين.
مسلم (4/ 2049) 46 - كتاب القدر 6 - باب معنى كل مولود يولد على الفطرة.
أبو داود (4/ 229) كتاب السنة 18 - باب في ذراري المشركين.
النسائي (4/ 95) 21 - كتاب الجنائز 60 - باب أولاد المشركين.
شرح السنة (1/ 155).
قال البغوي: "لا يحكم لهم بجنة ولا نار بل أمرهم موكول إلى علم الله فيهم كما أفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وقال ابن القيم: في الاستدلال هذا نظر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجب فيهم بالوقف ولمن وكل علم ما كانوا يعلمون إلى الله سبحانه، والمعنى: الله أعلم بما كانوا يعملون لو عاشوا فيعلم القابل المهدي والعامل به والقابل منهم للكفر المؤثر له .... وأنه يعلم منهم ما هم عاملون بتقدير حياتهم".
وقال النووي: أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو في الجنة". أ. هـ.
واخرج البخاري بسنده عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث (1) إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم".
أقول:
أفلا يكون الأولاد في الجنة خاصة وقد وردت نصوص أنهم يشفعون لآبائهم وأمهاتهم.
وقال المحقق الأستاذ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على شرح السنة: إن المذهب الصحيح الذهب ذهب إليه المحققون من العلماء وارتضاه جمع من المفسرين والمتكلمين هو أنهم في الجنة واحتجوا بما رواه البخاري في صحيحه من حديث سمرة بن جندب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحد منكم رؤيا؟. قال فيقص عليه ما شاء الله أن يقص، وأنه قال لنا ذات غداة:"أتاني الليلة آتيان" .... فذكر حديث، وفيه
…
"وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم وأما الولدان الذين حوله: فكل مولود مات على الفطرة" قال؟: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأولاد المشركين".
(1) الحنث: الإدراك والبلوغ.