الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النصوص
قال تعالى: {وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} (1).
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} (2).
{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} (3).
فضرب الأمثال أسلوب جاء به القرآن، وقد تأدب به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يكثر من ضرب الأمثال، والعالم وحده هو الذي يدرك حقيقة المثل، قد يفهم الإنسان العادي المثل، ولكن الفهم شيء وإدراك حقيقة المثل شيء آخر، وقد مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم لدعوته أمثلة كثيرة. وهذه نماذج من ذلك:
164 -
* روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مثل ما بعثني الله من الهدى والعلم، كمثل غيث أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة طيبة، قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا منها، وسقوا ورعوا، وأصاب طائفة منها أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله عز وجل، ونفعه ما بعثتي الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به".
قال النووي في شرح مسلم، أما الغيث: فهو المطر، وأما العشب والكلأ والحشيش، فكلها أسماء للنبات، لكن الحشيش مختص باليابس. والعشب والخلا - مقصوراً - مختصان بالرطب، و"الكلأ" بالهمز يقع على اليابس والرطب. "والأجادب" بالجيم والدال المهملة، وهي التي لا تنبت كلأ.
(1) إبراهيم: 35.
(2)
البقرة: 26.
(3)
العنكبوت: 43.
164 -
البخاري (1/ 175) 3 - كتاب العلم 20 - باب فضل من علم وعلم.
مسلم (4/ 1787) 43 - كتاب الفضائل 5 - باب بيان مثل ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم.
وقد جاء في "الفتح": قال القرطبي وغيره: ضرب النبي صلى الله عليه وسلم، لما جاء به من الدين مثلاً بالغيث العام الذي يأتي الناس في حال حاجتهم إليه، وكذا حال الناس قبل مبعثه، فكما أن الغيث يحيي البلد الميت، فكذا علوم الدين تحيي القلب الميت، ثم شبه السامعين له بالأرض المختلفة التي ينزلها بها الغيث، فمنهم العالم العامل المعلم، فهو بمنزلة الأرض الطيبة شربت فانتفعت في نفسها وأنبتت فنفعت غيرها، ومنهم الجامع للعلم المستغرق لزمانه، غير أنه لم يعلم بنوافله، أو لم يتفقه فيها جمع لكنه أداء لغيره، فهو بمنزلة الأرض التي يستقر فيها الماء فينتفع الناس به، وهو المشار إليه بقوله "نضر الله امرءاً سمع مقالتي فأداها كما سمعها"، ومنهم من يسمع فلا يحفظه ولا يعمل به، ولا ينقله لغيره، فهو بمنزلة الأرض السبخة أو الملساء التي لا تقبل الماء أو تفسده غيرها، وإنما جمع في المثل بين الطائفتين الأوليين المحمودتين لاشتراكهما في الانتفاع بهما، وأفراد الطائفة الثالثة المذمومة لعدم النفع بها، والله أعلم.
أقول: الأرض الجدباء هنا هي الأرض التي لا تنبت لكنها تحفظ الماء على ظهرها، والمراد بالقاع هنا الأرض التي لا تنبت ولا تحفظ الماء على ظهرها.
لقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم متمثلاً بالكتاب والسنة، والكتاب والسنة للقلوب بمثابة المطر للأرض، والمسلمون أقسام: فقسم لا يقرأ ولا يسمع كتاباً وسنة ولو سمع وقرأها ما أفاد ولا استفاد قلوبهم كالصحاري، وناس يقرؤون فيستفيدون فيعلمون ويفيدون فهؤلاء بساتين هذه العالم وناس يحفظون ويعلمون فهؤلاء أحواض يشرب منها الناس، إن الذين يسمعون فلا يحفظون ولا يعلمون هم غرابيل الناس.
وعلى كل فلا شيء يكشف طبيعة القلوب مثل عرض الكتاب والسنة عليها، وهذه مهمة الربانيين: اقرأ على الناس الكتاب والسنة فتظهر قلوبهم، وعلى من لم يكن قلبه بستاناً أن يجاهد نفسه. فالله تعالى يقول:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} (1).
(1) العنكبوت: 69.
165 -
* روى الترمذي عن النواس بن سمعان، رفعه:"إن الله ضرب مثلاً صراطاً مستقيماً، على كنفي الصراط داران لهما أبواب مفتحة، على الأبواب ستورٌ، وداع يدعو على رأس الصراط وداع يدعو فوقه، {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} والأبواب التي على كنفي الصراط حدود الله، فلا يقع أحد في حدود الله، حتى يكشف الستر والذي يدعو من فوقه واعظ ربه".
في الحديث: إشارة إلى: إسلام وقرآن وفطرة: فالإسلام هو دين الله وهو الصراط المستقيم، ومما يثبت على الصراط القرآن وواعظ الله في القلب المؤمن، فمن كان له تلاوة في القرآن، ومن كانت في قلبه بقية من حياة وفطرة، فجرى به أن يستقيم، وعوامل الانحراف كثيرة وأبوابها كثيرة والشيطان ودعاة الضلال يدفعون نحو هذه الأبواب فالشهوات الحسية والمعنوية والضلالات والشبهات كل من أفرادها باب من دخله ضل إلا أن يرجع.
وأهل الصراط المستقيم هم المطيعون من أهل السنة والجامعة، وإذن هم من اجتمع لهم اعتقد صحيح وعمل صحيح، أما من سوى ذلك من المكلفين فهم بين داخل في طريق كفري أو في ضلال أو معصية:
{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} (2).
165 - الترمذي (5/ 144) 45 - كتاب الأمثال 1 - باب ما جاء في مثل الله لعباده. وقال: حسن غريب.
وأحمد (4/ 182، 183).
وأخرجه الحكام وصححه وأقره الذهبي.
(ذارزان): جدران. وفي بعض الروايات سوران.
(كنفي): جانبي.
(1)
الانعام: 159.
(2)
الأنعام: 153.
166 -
* روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن مثلي ومثل ما بعثني الله به، كمثل رجل أتي قومه فقال: إني رأيت الجيش بعيني، و [إني] أنا النذير العريان. فالنجاء، النجاء، فأطاعه طائفة من قومه، فأدلجوا، فانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبت طائفة منهم، فأصبحوا مكانهم، فصبحهم الجيش فأهلكهم، واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني، واتبع ما جئت به، ومثل من عصاني، وكذب ما جئت به من الحق".
167 -
* روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما مثلي ومثل الناس، كمثل رجل استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حوله، جعل الفراش وهذي الدواب، التي تقع في النار، تقع فيها، فجعل ينزعهن ويغلبنه، فيتقحمن فيها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تقحمون فيها".
168 -
* روى مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذكر أحاديث منها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثلي كمثل رجل استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها وجعل يحجزهن ويغلبنه فيتقحمن فيها. قال فذلكم مثلي ومثلكم. أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار هلم عن النار، فتغلبوني وتقحمون فيها".
وأخرجه الترمذي بنحوه (4).
166 - البخاري (11/ 316) 81 - كتاب الرقاق 26 - باب الانتهاء عن المعاصي.
مسلم (4/ 1788) 43 - كتاب الفضائل 6 - باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته .. الخ.
(النجاء) أي: اطلبوا الخلاص، وأنجوا أنفسكم وخلصوها.
(فاجتاحهم) استأصلهم، وهو من الجائحة التي تهلك الأشياء.
(النذير العريان) الذي لا ثوب عليه، وخص العريان، لأنه أبين في العين، وأصل هذا: أن الرجل منهم كان إذا أنذر قومه، وجاء من بلد بعيد انسلخ من ثيابه، ليكون أبين للعين.
(أدلجوا) إذا خفف - من أدلج يدلج - كان بمعنى؟: سار الليل كله، وإذا ثقل - من ادلج - كان إذا سار آخر الليل.
167 -
البخاري (11/ 316) 81 - كتاب الرقاق 26 - باب الانتهاء عن المعاصي. وهذه رواية البخاري.
168 -
مسلم (4/ 1789) 43 - كتاب الفضائل 6 - باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم.
(4)
الترمذي (5/ 154) 45 - كتاب الأمثال 7 - باب ما جاء في مثل ابن آدم وأجله وأمله. =
169 -
* روى مسلم عن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً، فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها، وهو يذبهن عنها، وأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تفلتون من يدي".
170 -
* روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمن كمثل شجرة خضراء، لا يسقط ورقها، ولا يتحات". فقال القوم كذا، هي شجرة كذا، فأردت أن أقول: هي النخلة، وأنا غلام شاب، فاستحييت، فقال:"هي النخلة".
171 -
* روى البخاري عن جابر بن عبد الله؛ قال: جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو نائم، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم، إن العين نائمة، والقلب يقظان فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلاً، فاضربوا له مثلا، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة، والقلب يقظان. فقالوا: مثله كمثل رجل بنى داراً، وجعل فيها مأدبة، وبعث داعياً، فمن أجاب الداعي، دخل الدار، وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي، لم يدخل الدار، ولم يأكل من المأدبة.
= (الحجز): جمع حجزة، وهي مقعد الإزاز، وحجزة السراويل معروفة.
(التقحم): الإقدام والوقوع في الأمور الشاقة من غير تشبث.
169 -
مسلم (4/ 1790) 43 - كتاب الفضائل 6 - باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ومبالغته في تحذيرهم
…
(الجنادب) جمع جندب، وهو طائر كالجراد، يصر في الحر.
(تفلتون): التفلت والانفلات: التخلص من اليد.
وأما "تفلتون" فروي بوجهين: يقال: أفلت مني وتفلت: إذا نازعك الغلبة والهرب، ثم غلب وهرب، ومقصود الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم، أرسله الله ليمنع بقدر طاقته تساقط الجاهلين بشركهم وبمعاصيهم وشهواتهم في غضب الله وعذابه في الدنيا. وفي نار الآخرة، وهم حريصون بهمى بصائرهم وجاهليتهم على الوقوع في ذلك منعه إياهم وقبضه على مواضع المنع منهم، فهم يتساقطون في الفساد تساقط الفراش في النار، لهواهم وضعف تمييزهم، فكلاهما حريص على هلاك نفسه، ساع في ذلك.
170 -
البخاري (10/ 523) 78 - كتاب الأدب - 79 - باب مالا يستحيا من الحق، للتفقه في الدين.
مسلم (4/ 2164) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم 15 - باب مثل المؤمن مثل النخلة.
(يتحات): تحات ورق الشجر: إذا انتثر وتساقط بنفسه.
171 -
البخاري (13/ 249) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة 2 - باب الاقتداء بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم.
فقالوا: أولوها له يفقها، قال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة، والقلب يقظان، فقالوا: فالدار: الجنة، والداعي: محمد، فمن أطاع محمداً، فقد أطاع الله، ومن عصى محمداً، فقد عصى الله، ومحمد فرق بين الناس.
* * *