الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيمان والإسلام
الإيمان في اللغة: هو التصديق. قال تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} (1) أي وما أنت بمصدقٍ لنا.
والإسلام في اللغة معناه التسليم والاستسلام والإذعان. قال تعالى {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} (2) والمطلوب من المكلف أن يكون مؤمناً مسلماً في قلبه ابتداءً، أي مصدقاً بقلبه مذعناً بقلبه ليدخل في أصل الإيمان وأصل الإسلام، فلا إيمان بلا إذعان ولا إذعان بلا تصديق لصحة اسم الإيمان والإسلام، ثم الإيمان الكامل يقتضي تطابقاً بين تصديق الجنان وإقرار اللسان وعمل الجوارح بالأركان، والإسلام الكامل يقتضي إسلام القلب كله لله رب العالمين بالتصديق والتسليم، وإسلام اللسان بالإقرار وعمل الجوارح بالأحكام، ومن ههنا كان الإسلام والإيمان في حدهما الأدنى متطابقين وفي حدهما الأعلى متطابقين.
ولذلك نجد نصوصاً تذكر هذا التطابق من مثل قوله تعالى:
{يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} (4).
فالمؤمن الحق هو المسلم الحق وهو من آمن بالكتاب والسنة وآمن بالأحكام والأوامر والنواهي المنبثقة عن الكتاب والسنة وأذعن لذلك وصدقت أقواله وأفعاله تصديقه وإذعانه.
ولكن من الناحية العملية الناس يتفاوتون، ومن ها هنا تتوضع مباحث شتى حول تعريف الإيمان والإسلام وحقيقة الإيمان والإسلام، وما هو القدر المنجي عند الله من الإيمان والإسلام. ومتى يتطابق الإيمان والإسلام؟ ومتى يتداخلان؟ ومتى بتكاملان؟ وماذا.
(1) يوسف: 17.
(2)
الحجرات: 14.
(3)
الذاريات: 35، 36.
(4)
يونس: 84.
يدخل في الإيمان والإسلام؟ وما هي شروط قبول الإيمان والإسلام؟ وإذا كان العمل في الإسلام يتفاوت بين آحاد المتكلفين، فهل التصديق القلبي يتفاوت؟ وهل النور القلبي يتفاوت؟
وهكذا يتوضع حول موضوعي الإيمان والإسلام مسائل شتى منها محل اتفاق بين أهل السنة والجماعة وغيرهم من فريق منشقة عن الجماعة، ومنها ما هو محل اختلاف لفظي، ومنها ما هو محل اختلاف بين أهل السنة والجماعة ونحن إذ تطالب كل مسلم أن يدرس عقائد أهل السنة والجماعة في كتبها وعلى أهلها لا نرغب أن نتوسع في هذه المسائل حتى لا يخرج هذا الكتاب عن مقصوده، ولذلك فإننا نكتفي في ذكر أمهات من المسائل:
- المعتزلة يقولون أن الإيمان هو العمل والنطق والاعتقاد، فمن ترك العمل فليس بمؤمن لأنه فقد جزء الإيمان وليس بكافر لوجود التصديق، فهم عندهم بين الكافر والمؤمن ويخلد في النار ويعذب بأقل من عذاب الكافر، والخوارج يكفرون مرتكب الكبائر، وأهل السنة يقولون: من وجد منه التصديق المعهود شرعاً، وهو تصديق النبي بكل ما جاء به، وعلم من الدين بالضرورة مع الإذعان القلبي فقد ثبت له أصل الإيمان ولو لم يرافقه عمل ومآله إلى الجنة وهو في المشيئة إن شاء الله أن يعذبه على نقصان العمل عذبه وإن شاء عفا. قال تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1).
وهناك بعض التفصيلات هي محل خلاف بين أهل السنة والجماعة.
ومن أدلة محققي أهل السنة والجماعة لهذا المذهب قوله تعالى:
{أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ} (2).
{وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} (3).
{إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} (4).
(1) النساء: 116.
(2)
المجادلة: 22.
(3)
الحجرات: 14.
(4)
النحل: 106.
{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} (1).
والشروط غير المشروط فدل ذلك على أن الإيمان خير العمل:
{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} (2).
أثبت أصل الإيمان ولو حدثت مخالفة، وقال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (3).
عطف العمل الصالح على الإيمان والعطف يقتضي المغايرة، ثم إن الله خاطب أهل الإيمان بالعمل:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ} (4).
فأثبت لهم أصل الإيمان ثم طالبهم بالعمل، فدل ذلك على أن الإيمان غير العمل.
والخلاف بين أهل السنة والجماعة وغيرهم أو بين المحققين من أهل السنة من غيرهم يرجع إلى الاستيعاب والاستشراق، ووضع كل نص في محله في الهيكل العام لمضمون الإيمان والإسلام، فهناك الحقيقة والمجاز والنقص، والحد الأدنى والحد الأعلى.
- إذا وجد التصديق القلبي دون الإذعان فإن ذلك لا ينفع صاحبه عند الله عز وجل، فقد وصف بعض الكافرين بقوله:
(1) طه: 112.
(2)
الحجرات: 9.
(3)
مريم: 96.
(4)
البقرة: 183.
(5)
النمل: 14.
(6)
البقرة: 146.
- إذا وجد التصديق والإذعان والقبول ولم ينطق الإنسان بالشهادتين سواء باللغة العربية أو بغيرها من اللغات فإن كل ذلك لمانع كالخرس أو لوجود الموت المفاجئ بعد الإيمان فصاحبه ناج عند الله، وإن اتفق له عدم النطق دون عناد أو إباء فهناك خلاف، فبعضهم قال: لا ينجو عند الله. وبعضهم قال: هو عاصٍ فقط وهو ناجٍ، وكلهم أجمعوا على أننا لا نعامله معاملة المسلمين في الدنيا فلا نزوجه ولا ندفنه في مقابر المسلمين، أما من نطق الشهادتين نفاقاً دون تصديق وإذعان قلبي فذلك لا ينفعه عند الله لأنه منافق، ولكنا نعامله معاملة المسلمين في الأحكام الدنيوية وأما من أبى النطق بالشهادتين عناداً وإباء ولو كان مصدقاً فهو كافر إجماعاً.
ومن مباحث كتاب العقائد:
زيادة الإيمان ونقصه، وهو خلاف لفظي في النهاية وفي بعض دقائق الموضوع، لأنهم كلهم متفقون بأن أعمال الإسلام يتفاوت الناس فيها، فليست طاعات الأفراد واحدة، والطاعة أثر من آثار الإيمان وكلهم يتفقون على أن ما يرافق هذه الأعمال من معان قلبية متفاوت، ولذلك علاقة بالإيمان والإسلام، وكلهم متفقون بأن إيمان الصديقين أرقى من إيمان غيرهم، وكلهم متفقون على أن نور الإيمان في القلوب يختلف من مكلف لمكلف، ُم إن الفهم الفطري للنصوص يدل على أن الإيمان يزيد. قال تعالى:
(وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً)(1).
{لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} (2).
{وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} (3).
(1) الأنفال: 2.
(2)
الفتح: 4.
(3)
المدثر: 31.
(4)
التوبة: 124.
(5)
الأحزاب: 22.
{قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} (1).
ومن نصوص السنة في هذا الشأن ما يلي:
117 -
* روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقول الله تعالى "أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان".
118 -
* روى الترمذي عن أنس قوله صلى الله عليه وسلم: "يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من إيمان، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من إيمان، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه ذرة من إيمان".
وذلك يدل على تفاوت الإيمان في القلوب، فالذرة دون البرة، والبرة دون الشعيرة.
- إذا أراد كافر أن يدخل في الإسلام، فباب الدخول هو النطق بالشهادتين، وهل يشترط التلفظ بكلمة (أشهد) في الشهادتين أو مرادفه، قولان للعلماء، والاحتياط النطق بهما.
- قد يصل بعض الكفار إلى التوحيد وأصل الرسالة مع بقائهما على معتقدٍ كفري كالقول بعدم العالم أو كالقول بخصوصية الرسالة المحمدية للعرب، أو كالقول أن التكليف بالإسلام كله للجيل الأول فقط، فهذا وأمثاله لا يخرج الإنسان عن الكفر ولو نطق بالشهادتين.
- هناك من يدعي الإسلام وعنده نواقض للشهادتين يتستر عليها، كطوائف الباطنية والزنادقة والوجوديين والماديين وأمثال هؤلاء فهؤلاء إذا تابوا وأرادوا الدخول في الإسلام
(1) البقرة: 260.
117 -
البخاري (1/ 72) 2 - كتاب الإيمان 15 - باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال.
مسلم (1/ 167) 1 - كتاب الإيمان 81 - باب معرفة طريق الرؤية.
النسائي (8/ 112) 47 - كتاب الإيمان 18 - باب زيادة الإيمان.
118 -
الترمذي (4/ 711) 40 - كتاب صفة جهنم 9 - باب ما جاء أن للنار نفسين
…
الخ.
وقال: هذا حديث حسن صحيح.
حقاً فلابد أن يتبرأوا من معتقداتهم هذه.
إذا عرفت ما مر أدركت بعض جوانب ما يجب عليك من إيمان وإسلام، ثم من تصديق اللسان والأعمال للإيمان والإسلام، ثم التحقق لكمال الإسلام والإيمان والقلبيين والعلميين، وفي عصرنا المليء بالفتن لابد أن تحذر من الكفر ونواقض الشهادتين، وهذا كله يقتضي علماً ليعرف المكلف أن يضع كل شيء في محله، فبدون العلم المحيط بنصوص الكتاب والسنة والعلوم التي انبثقت عنها كعلوم أصول الفقه والعقائد والفقه والسلوك، فإن الإنسان قد يهجم على المكفرات وهو لا يدري، وقد يهجم على تكفير الناس وهم مؤمنون، وقد يثبت لهم الإيمان وهم كافرون، وقد يستحل دمائهم وهي معصومة، وقد يرى عصمة دمائهم وحكمهم القتل، فالعلم العلم على أصول أهل السنة والجماعة ومذاهبهم فإنه باب النجاة.
* * *