المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌النصوص 442 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي - الأساس في السنة وفقهها - العقائد الإسلامية - جـ ١

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأولمعالم عقدية

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأولفي:الجسد والروح والعقل والقلب والنفس

- ‌مقدمة الفصل

- ‌الفقرة الأولى: نصوص في الجسد

- ‌الفقرة الثانية: نصوص في الروح

- ‌الفقرة الثالثة: نصوص في العقل

- ‌الفقرة الرابعة: نصوص في القلب

- ‌ نصوص الكتاب في القلب:

- ‌ نصوص السنة في القلوب

- ‌الفقرة الخامسة: نصوص في النفس

- ‌1 - نصوص في النفس ويراد بها الذات

- ‌2 - نصوص في النفس ويراد بها الروح

- ‌3 - نصوص في النفس ويراد بها الروح بعد تلبسها بالجسد

- ‌4 - نصوص في النفس ويراد بها القلب

- ‌الفصل الثانيفيالتكليف ومسؤولية الإنسان أمام الله عز وجل

- ‌المقدمة

- ‌1 - نصوص ونقول في التكليف

- ‌مباحث في العذر بالجهل

- ‌التكليف بما يشق:

- ‌2 - مسائل في التكليف

- ‌المسألة الأولى في أهل الفترة:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌المسألة السادسة: في مسئولية الطفل والمجنون مالياً:

- ‌المسألة السابعة:

- ‌المسألة الثامنة:

- ‌الفصل الثالثفي:مباحث في الإسلام والإيمان

- ‌الإيمان والإسلام

- ‌تحقيقات للعلماء في الإسلام والإيمان:

- ‌الفصل الرابعفي فضل الانتساب إلى الأمة الإسلامية

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌الفصل الخامسفي:فصل الإيمان وفي فضل المؤمن

- ‌المقدمة

- ‌النصوص الحديثة

- ‌الفصل السادسفيأمثال مثل بها لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلموللمستجيبين له

- ‌النصوص

- ‌الفصل السابعفي:الإسلام وأسهمه وأركانه ومقاماته وبعض أعماله

- ‌المقدمة

- ‌الفقرة الأولى: أسهم الإسلام

- ‌الفقرة الثانية: أركان الإسلام

- ‌الفقرة الثالثة: مقامات الإسلام

- ‌الفقرة الرابعة: في أمهات من أعمال الإسلام

- ‌الفصل الثامنبعض شعب الإيمان

- ‌مقدمة

- ‌الفقرة الأولى: نصوص من الكتاب في بعض شعب الإيمان

- ‌الفقرة الثانية: نصوص في بعض شعب الإيمان في السنة

- ‌الفصل التاسعفي:بعض الموازين التي يزن بها المؤمنإيمانه وإسلامه

- ‌مقدمة

- ‌نصوص

- ‌الفصل العاشرفي:فضل الشهادتين وكلمة التوحيد التي هي أصل الإيمان

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌تعليقات

- ‌مسائل وفوائد حول الشهادتين وكلمة التوحيد

- ‌الفصل الحادي عشرفي:الإيمان الذوقي وما يقابله

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الفصل الثاني عشرفي:الجيل الأرقى تحققًا

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌الفصل الثالث عشرفي:الوساوس العارضة وفي خفوت نور الإيمانوزيادته وتجديده وإقلاعه

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌الفصل الرابع عشرفي:الفطرة وحقيقة الإيمان والكفر والنفاق

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌الفصل الخامس عشرفيالكفر والشرك والكبائر

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌تحقيقات

- ‌الفصل السادس عشرفي:النفاق وعلاماته وشعبه

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌الفصل السابع عشرفي:نواقض الشهادتين

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌مسائل وفوائدفي نواقض الشهادتين وتعداد بعضها

- ‌الفصل الثامن عشرفي:الاعتصام بالكتاب والسنة

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌الفصل التاسع عشرفيالتمسك بالسنة

- ‌النصوص

- ‌الفصل العشرونفي:البدعة

- ‌تقسيمات البدعة

- ‌أولًا: تقسيم البدعة إلى عادية وتعبدية:

- ‌ثانيًا: تقسيم البدعة إلى حقيقية وإضافية:

- ‌ثالثًا: تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة:

- ‌رابعًا: تقسيم البدعة إلى فعلية وتركية:

- ‌خامسًا- تقسيم البدعة إلى اعتقادية وقولية وعملية:

- ‌سادسًا: تقسيم البدعة إلى كلية وجزئية:

- ‌سابعًا: تقسيم البدعة إلى بسيطة ومركبة:

- ‌الفصل الحادي والعشرونفي:افتراق هذه الأمة افتراق اليهود والنصارى وزيادةفي:وجوب الكينونة مع الفرقة الناجية وهم أهل السنة والجماعة واعتزال فرق الضلال

- ‌النصوص

- ‌الوصل الأولفي:أشهر فرق اليهود

- ‌أشهر فرق اليهود

- ‌(الفريسيون):

- ‌(الصدقيون):

- ‌(القراءون):

- ‌(الكتبة):

- ‌(المتعصبون):

- ‌الوصل الثانيفي:أشهر فرق النصارى

- ‌أشهر فرق النصارى

- ‌المجامع

- ‌البروتستانتية:

- ‌الوصل الثالثفي:افتراق الأمة الإسلاميةوفي:أشهر الفرق الضالة التي نشأت في بيئات إسلاميةوفي:الفرق الناجية

- ‌المقدمةفي:أسباب انشقاق الفرق الضالة

- ‌الفقرة الأولىفي:ضرورة التعرف على فرق الضلالوبعض الملاحظات حول ذلك

- ‌الفقرة الثانيةفي:نصوص تتحدث عن أعلام في الضلال

- ‌تعليق:

- ‌الفقرة الثالثةفي أشهر الفرق التي نشأت في بيئات إسلاميةوليست من أهل السنة والجماعة

- ‌1 - فرق الخوارج

- ‌2 - المعتزلة

- ‌3 - المرجئة

- ‌4 - بعض الفرق الشاذة من الزيدية

- ‌5 - فرق الكيسانية

- ‌6 - فرق النجارية

- ‌7 - فرق الكرامية

- ‌8 - الإمامية

- ‌9 - فرق الباطنية

- ‌10 - في بعض فرق المشبهة

- ‌11 - في الجاهلية وهم في الجبرية

- ‌12 - الحلوليون والإباحيون

- ‌13 - القائلون بوحدة الوجود

- ‌14 - البابية

- ‌15 - البهائية

- ‌دين البابية والبهائية

- ‌16 - القاديانية

- ‌الفقرة الرابعةفي:الخوارج خاصة

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌الفقرة الخامسةفي:ضرورة لزوم الجماعةوفي:التعرف على الفرقة الناجية

- ‌النصوص الحديثية

- ‌النقول

- ‌الفصل الثاني والعشرونفي:الاختلاف الجائز والاختلاف الممنوع

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌الفصل الثالث والعشرونفي:التحذير من مواطأة الأمم في انحرافاتها

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌التعقيب:

- ‌الفصل الرابع والعشرونفي:التحذير من الفتن والأهواء وأهلها

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌التعقيب

الفصل: ‌ ‌النصوص 442 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي

‌النصوص

442 -

* روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق".

443 -

* روى البخاري ومسلم عن سويد بن غفلة، قال: قال علي رضي الله عنه: إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا، فوالله لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه.

وفي رواية (3): من أن أقول عليه ما لم يقل، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم، فإن الحرب خدعة، وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"سيخرج قوم في آخر الزمان حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، يقرؤون القرآن، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة".

444 -

* روى مسلم عن عبيدة بن عمرو السلماني، عن علي رضي الله عنه، أنه ذكر الخوارج فقال: فيهم رجل مخدج اليد، أو مثدون اليد، أو مودن اليد، لولا أن تبطروا

442 - مسلم (2/ 745) 12 - كتاب الزكاة 47 - باب ذكر الخوارج وصفاتهم.

وأبو داود (4/ 217) كتاب السنة 13 - باب ما يدل على ترك الكلام في الفتنة.

(تمرق مارقة): مرق السهم في الهدف: إذا نفذ منه وخرج، والمراد: أنه تخرج طائفة من الناس على المسلمين فتحاربهم، والمارق: الخارج عن الطاعة المفارق للجماعة وهم الخوارج، وفي الحديث شهادة لعلي رضي الله عنه أنه على الحق. وذلك من معجزاته صلى الله عليه وسلم.

443 -

البخاري (12/ 283) 88 - كتاب استتابة المرتدين 6 - باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم.

مسلم (2/ 746) 12 - كتاب الزكاة 48 - باب التحريض على قتل الخوارج.

أبو داود (4/ 244) كتاب السنة- باب في قتال الخوارج.

(3)

مسلم: الموضع السابق.

(أخر): خر من السطح يخر: إذا وقع، وكل من سقط من موضع عال فقد خر.

(حدثاء الأسنان): أي شباب لم يكبروا حتى يعرفوا الحق، وقد يكبرون سنًا، ويبقون وكأنهم أحداث في تصرفاتهم.

(سفهاء الأحلام): الأحلام: العقول. السفه: الخفة في العقل والجهل.

444 -

مسلم (2/ 747) 12 - كتاب الزكاة 48 - باب التحريض على قتل الخوارج.

(مثدون اليد): روي "مثدون اليد" و "مثدن اليد" ومعناهما: صغير اليد مجتمعها، بمنزلة ثندوة الثدي، وأصله: مثند، فقدمت الدال على النون. (أو مودن اليد): رجل مودن ومودون اليد، أي صغيرها وناقصها.

ص: 451

لحدثتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم. قال: فقلت: أنت سمعت هذا من محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: إي، ورب الكعبة- قالها ثلاثًا-.

445 -

* روى مسلم عن عبيد الله بن رافع- مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الحرورية لما خرجت على علي بن أبي طالب، فقالوا: لا حكم إلا الله، قال علي: كلمة حق أريد بها باطل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف لنا ناسًا، إني لأعرف صفتهم في هؤلاء، يقولون الحق بألسنتهم، لا يجاوز هذا منهم- وأشار إلى حلقه- من أبغض خلق الله إليه، منهم أسود، في إحدى يديه طبي شاة، أو حلمة ثدي. فلما قتلهم علي بن أبي طالب، قال: انظروا. فنظروا، فلم يجدوا شيئًا، فقال: ارجعوا، فوالله ما كذبت ولا كذبت- مرتين أو ثلاثًا- ثم وجدوه في خربة فأتوا به، حتى وضعوه بين يديه، قال عبيد الله: وأنا حاضر ذلك من أمرهم وقول علي فيهم. زاد في رواية (1): قال ابن حنين: رأيت ذلك الأسود.

446 -

* روى مسلم عن زيد بن وهب الجهني، رضي الله عنه، أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي، الذين ساروا إلى الخوارج، فقال علي: أيها الناس، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"يخرج قوم من أمتي، يقرؤون القرآن، ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية" لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم لنكلوا عن العمل، وآية ذلك: أن فيهم رجلًا له عضد، ليس له ذراع، على عضده، مثل حامة الثدي، عليه شعرات بيض، فتذهبون إلى معاوية

445 - مسلم (2/ 749) 12 - كتاب الزكاة 48 - باب التحريص على قتل الخوارج.

(1)

مسلم: الموضع السابق.

(الطبي): لذوات الحافر والسباع كالضرع لغيرها، وقد يكون لذوات الخف.

446 -

مسلم (2/ 748) 12 - كتاب الزكاة 48 - باب التحريض على قتل الخوارج.

وأبو داود (4/ 244) كتاب السنة- باب قتال الخوارج.

(تراقيهم): التراقي: جمع ترقوة، وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق.

(الرمية): ما يرمى من صيد أو نحوه.

(نكلت): عن العمل أنكل: إذا فترت عنه وجبنت عن فعله.

(وآية ذلك): الآية: العلامة التي يستدل بها.

ص: 452

وأهل الشام، وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم؟ والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم، فإنهم قد سفكوا الدم الحرام، وأغاروا في سرح الناس، فسيروا. قال سلمة بن كهيل: فنزلني زيد بن وهب منزلًا، حتى قال: مررنا على قنطرة، فلما التقينا- وعلى الخوارج يومئذ: عبد الله بن وهب الراسبي- فقال لهم: ألقوا الرماح، وسلوا سيوفكم من جفونها، فإني أخاف أن يناشدوكم، كما ناشدوكم يوم حروراء، فرجعوا فوحشوا برماحهم وسلوا السيوف، وشجرهم الناس برماحهم، قال: وقتل بعضهم على بعض، وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان، فقال علي: التمسوا فيهم المخدج.، فالتمسوا، فلم يجدوه، فقام علي بنفسه، حتى أتى ناسا، قد قتل بعضهم على بعض، قال: أخروهم، فوجدوه مما يلي الأرض، فكبر ثم قال: صدق الله، وبلغ رسوله، قال: فقام إليه عبيدة السلماني، فقال: يا أمير المؤمنين، الله الذي لا إله إلا هو، لسمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إي والله الذي لا إله إلا هو، حتى استحلفه ثلاثًا وهو يحلف له.

وفي أخرى لأبي داود (1) عن أبي الوضيء قال: قال علي: اطلبوا المخدج

فذكر الحديث، واستخرجوه من تحت قتلى في الطين، قال أبو الوضيء: فكأني أنظر إليه، حبشي عليه قريطق له، إحدى يديه مثل ثدي المرأة، عليها شعيرات مثل الشعيرات التي تكون على ذنب اليربوع. قال أبو مريم: إن كان ذلك المخدج لمعنا يومئذ في المسجد، نجالسه بالليل والنهار، وكان فقيرًا، ورأيته مع المساكين يشهد طعام علي مع الناس، وقد كسوته برنسا لي. قال أبو مريم: وكان المخدج يسمى نافعًا، ذا الثدية، وكان في يده مثل ثدي المرأة، على رأسه حلمة مثل حلمة الثدي، عليه شعيرات مثل سبالة السنور.

= (جفون السيوف): أغمادها.

(وحشت بسلاحي): وبثوبي: إذا رميت به وألقيته من يدك.

(التشاجر بالرماح): التطاعن بها، وشجره برمحه: إذا طعنه.

(المخدج): الناقص، والخداج: النقص.

(قريطق): تصغير قرطق، وهو شبيه بالقباء، فارسي معرب.

(ذو الثدية): تصغير الثندوة.

(السبالة): الشارب والجمع السبال، والهاء في "سبالة" لتأنيث اللفظة.

(1)

أبو داود في الموضع السابق.

ص: 453

قال الخطابي: قد أجمع علماء المسلمين على أن الخوارج على ضلالتهم فرقة من فرق المسلمين، ورأوا مناكحتهم وأكل ذبائحهم، وأجازوا شهادتهم، وسئل عنهم علي بن أبي طالب، فقيل: أكفارهم؟ قال: من الكفر فروا، فقيل: فمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلًا، وهؤلاء يذكرون الله بكرة وأصيلا، قيل: من هم؟ قال: قوم أصابتهم فتنة فعموا وصموا. قال الخطابي: فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "يمرقون من الدين" أراد بالدين: أنهم يخرجون من طاعة الإمام المفترض الطاعة، وينسلخون منها، والله أعلم.

أقول:

هؤلاء ثوم دخلوا في الإسلام وخرجوا منه سريعًا، ومظهر ذلك أن يقبلوه ثم لا يلتزموا بأحكامه.

أقول:

يلاحظ أنه ورد في هذه الرواية (لا تجاوز صلاتهم تراقيهم) وفي رواية سويد بن غفلة (لا يجاوز إيمانهم حناجرهم) وفي رواية عبيد الله بن أبي رافع: (يقولون الحق لا يجاوز هذا منهم- وأشار إلى حلقه) فهذه كلها علامات عليهم، ومن ثم فإن على المربين في الأمة الإسلامية أن يلحظوا هذا فيركزوا على الإيمان القلبي وعلى الخشوع القلبي في الصلاة وعلى أن يوافق القول العمل، وفي الرواية اللاحقة سنرى رواية أبي سعيد الخدري:(يقرأون القرآن لا يجاوز حلوقهم أو حناجرهم). فقراءة القرآن وتأثر القلب بها علامة على أن الإنسان ليس من هؤلاء وإلا فالخطر كبير.

447 -

* روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، من رواية أبي سلمة وعطاء بن يسار، أنهما أتيا أبا سعيد الخدري فسألاه عن الحرورية، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها؟ قال: لا أدري من الحرورية؟ ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

447 - البخاري (10/ 551) - 78 - كتاب الأدب 95 - باب ما جاء في قول الرجل "ويلك".

مسلم (2/ 743) 12 - كتاب الزكاة 47 - باب ذكر الخوارج وصفاتهم.

=

ص: 454

"يخرج في هذه الأمة- ولم يقل: منها- قوم، تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، يقرؤون القرآن، لا يجاوز حلوقهم- أو حناجرهم- يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، فينظر الرامي إلى سهمه، إلى نصله، إلى رصافه، فيتمارى في الفوقة: هل علق بها من الدم شيء؟ ".

وفي رواية أبي سلمة والضحاك الهمداني (1): أن أبا سعيد الخدري قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسمًا، أتاه ذو الخويصرة- وهو رجل من بني تميم- فقال: يا رسول الله، اعدل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل"؟ - زاد في رواية: "قد خبت وخسرت إن لم أعدل" فقال عمر بن الخطاب: ائذن لي فيه فأضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"دعه، فإن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم" زاد في رواية: "يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام". وفي رواية: "من الدين- كما يمرق السهم من الرمية، ينظر أحدهم إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه فلا يوجد فيه شيء- وهو القدح- ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء، سبق الفرث والدم، آيتهم: رجل أسود، إحدى عضديه- وفي رواية: إحدى يديه- مثل البضعة تدردر، يخرجون على حين فرقة من الناس" قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل، فالتمس فوجد، فأتي به حتى نظرت إليه

= (الرصاف): العقب الذي يكون فوق مدخل النصل في السهم، واحدها: رصفة، بالتحريك.

(التمارى): تفاعل من المرية: الشك، والمراد: الجدال.

(1)

مسلم (2/ 744) الكتاب والباب السابقان.

(النضي): بالضاد المعجمة .. بوزن النقي: القدح أول ما يكون قبل أن يعمل، ونضي السهم: ما بين الريش والنصل، ونضو السهم: قدحه، وهو ما جاوز الريش إلى النصل، وقيل: النضي: نصل السهم، والمراد به في الحديث: ما بين الريش والنصل.

(قدح): القدح: السهم قبل أن يعمل فيه الريش والنصل، وقبل أن يبرى.

(الفرث): السرجين وما يكون في الكرش.

(البضعة): القطعة من اللحم.

(تدردر): التدردر: التحرك والترجرج مارًا وجائياً

=

ص: 455

على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعت.

وفي أخرى (1)، قال أبو سعيد: بعث علي رضي الله عنه وهو باليمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة في تربتها، فقسمها بين أربعة: الأقرع بن حابس الحنظلي: ثم أحد بني مجاشع، وبين عيينة بن بدر الفزاري، وبين علقمة بن علاثة العامري، ثم أحد بني كلاب، وبين زيد الخيل الطائي، ثم أحد بني نبهان، فتغضبت قريش والأنصار، فقالوا: يعطيه صناديد أهل نجد ويدعنا؟ قال [رسول الله صلى الله عليه وسلم]: "إنما أتألفهم" فأقبل رجل غائر العينين، ناتئ الجبين كث اللحية، مشرف الوجنتين، محلوق الرأس، فقال: يا محمد، اتق الله، فقال:"فمن يطيع الله، إذا عصيته؟ أفيأمنني على أهل الأرض، ولا تأمنوني؟ " فسأل رجل من القوم قتله- أراه خالد بن الوليد- فمنعه، فلما ولى، قال:"إن من ضئضئ هذا قومًا يقرؤون القرآن، لا يجتوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد".

ولمسلم نحوه بزيادة ألفاظ (2)، وفيها: بذهيبة في أديم مقروظ، لم تحصل من ترابها- وفيها- والرابع: إما علقمة بن علاثة، وإما عامر بن الطفيل- وفيها- "ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحًا ومساءً"- وفيها- فقال: يا رسول الله، اتق الله، فقال:"ويلك! أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟ " قال: ثم ولى الرجل، فقال خالد بن الوليد: يا رسول الله: ألا أضرب عنقه؟ فقال: "لا، لعله أن يكون يصلي" قال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فقال

(1) مسلم (2/ 742) الكتاب والباب السابقان.

(الصناديد): جع صنديد، وهو السيد الشريف.

(التألف): الإيناس والتحبب، والمراد: لأحبب إليهم الإسلام وأزيل نفورهم منه.

(2)

مسلم: الموضع السابق.

(الذهيبة): تصغير الذهب، وهو في الأصل مؤنث، والقطعة منه ذهبة، فلما صغر أضيف إليه الهاء، كما يقال في تصغير قوس: قوية، وفي تصغير قدر قديرة.

(الأديم): المقروظ المدبوغ بالقرظ.

=

ص: 456

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم"، قال: ثم نظر إليه وهو مقف، فقال:"إنه يخرج من ضئضئ هؤلاء قوم يتلون كتاب الله رطبًا، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية" قال: أظنه قال: "لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود".

وفي رواية (1): فقام إليه عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ قال:"لا" فقام إليه خالد سيف الله، فقال: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ قال:"لا".

وفي رواية البخاري (2) أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، ويقرؤون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر في النصل فلا يرى شيئًا، وينظر في القدح فلا يرى شيئًا، وينظر في الريش فلا يرى شيئًا، ويتمارى في الفوق".

وللبخاري (3) طرف منه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يخرج ناس من قبيل المشرق يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوقه" قيل: ما سيماهم؟ قال: "سيماهم التحليق- أو قال: التسبيد-".

ولمسلم في أخرى (4): أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قومًا يكونون في أمته، يخرجون في فرقة من

= (أنقب): التنقيب: التفتيش.

(مقف): قفى الرجل الرجل يقفي، فهو مقف: إذا أعطاك قفاه وولى.

(الضئضئي): بالهمزة: الأصل، والمراد: يخرج من صلبه ونسله.

(1)

مسلم (2/ 743) الكتاب والباب السابقان.

(2)

البخاري (9/ 99) 66 - كتاب فضائل القرآن 36 - باب إثم من راءى بقراءة القرآن

إلخ.

(3)

البخاري (13/ 535) 97 - كتاب التوحيد 57 - باب قراءة الفاجر والمنافق

إلخ.

(التحليق) والتحالق: حلق الشعر، وهو تفاعل منه، كأن بعضهم يحلق بعضًا.

(التسبيد): حلق الشعر واستئصاله.

(4)

مسلم (2/ 745) الكتاب والباب السابقان.=

ص: 457

الناس، سيماهم التحالق، قال:"هم شر الخلق- أو من أشر الخلق- يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق". قال فضرب النبي صلى الله عليه وسلم لهم مثلًا- أو قال قولًا- "الرجل يرمي الرمية- أو قال: الغرض- فينظر في النصل فلا يرى بصيرة، وينظر في الفوق فلا يرى بصيرة". قال أبو سعيد: وأنتم قتلتموهم يا أهل العراق.

أقول: الرمية الصيد ومروق السهم منها دون أثر عليه يشير إلى الدخول فيها والخروج منها بسرعة دون أن يظهر أثر ضئيل عليه فهؤلاء دخلوا في الإسلام ولم يلبثوا أن خرجوا منه باعتقاداتهم الفاسدة يقرؤون القرآن يحسبونه لهم وهو عليهم، وأخشى أن ينطبق هذا على بعض مسلمي عصرنا فليحاسب الإنسان نفسه.

448 -

* روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنه ذكر الحرورية؛ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية".

449 -

* روى البخاري ومسلم عن يسير بن عمرو رضي الله عنه، قال: قلت لسهل بن حنيف: هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الخوارج شيئًا؟ قال: سمعته يقول: - وأهوى بيده قبل العراق- "يخرج منه قوم يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية".

وفي رواية (3) قال: "يتيه قوم قبل المشرق، محلقة رؤوسهم".

450 -

* روى النسائي عن شريك بن شهاب، قال: كنت أتمنى أن ألقى رجلا من

= (الغرض): الهدف.

(البصيرة): الدليل والحجة الذي يستدل به لأن الدليل يوضح المعنى ويحققه، فكأن صاحبه يبصر به، والبصيرة: هو شيء من الدم يستدل به على الرمية.

448 -

البخاري (12/ 283) 88 - كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم 6 - باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم.

449 -

البخاري (12/ 290) 88 - كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم 7 - باب ترك قتال الخوارج للتألف

إلخ.

مسلم (2/ 750) 12 - كتاب الزكاة 49 - باب الخوارج شر الخلق والخليقة.

(3)

مسلم في الموضع السابق.

450 -

النسائي (7/ 119) 37 - كتاب تحريم الدم 26 - باب من شهر سيفه ثم وضعه في الناس. =

ص: 458

أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، آسأله عن الخوارج، فلقيت أبا بررة في يوم عيد في نفر من أصحابه، فقلت له: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الخوارج؟ قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني، ورأيته بعيني، أتي رسول الله بمال، فقسمه، فأعطى من عن يمينه، ومن عن شماله، ولم يعط من وراءه شيئًا، فقام رجل من ورائه، فقال: يا محمد، ما عدلت في القسمة- رجل أسود مطموم الشعر، عليه ثوبان أبيضان- فغضب رسول الله غضبًا شديدًا وقال:"والله لا تجدون بعدي رجلًا هو أعدل مني" ثم قال: "يخرج في آخر الزمان قوم، كأن هذا منهم، يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، سيماهم التحليق، لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع المسيح الدجال، فإذا لقيتموهم هم شر الخلق والخليقة".

قال ابن الأثير: (مطموم الشعر): كثيره، قد طم رأسه، أي: غطاه، والطم: الشيء الكثير.

أقول: ويحتمل أن يكون مطموم شعر اللحية حليق الرأس كما في رواية ستأتي معنا عن عامر بن واثلة.

وعلى فهم ابن الأثير أقول تعليقًا: هذا خارجي لم يحلق شعر رأسه فالظاهر أن حلق الشعر بعد ذلك كان شعارًا لجميع الخوارج وهو وحده ليس علامة فارقة فلقد حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه وكان بعض الصحابة يحلقون رؤوسهم، ولم يزل بعض صالحي الأمة يحلقون رؤوسهم وليس فيه نهي أما النهي فقد ورد في حلق اللحى ولذلك احتملت أن تشير كلمة (التسبيد) الواردة في بعض النصوص أنها إشارة إلى خارجية تأتي بعد الخارجية الأولى سيماهم حلق اللحى وهو احتمال لم أر من نص عليه، لكنه احتمال قوي خاصة مع ورود النهي عن حلق اللحي فما لم يكن هناك عذر من خوف أو نحوه فإن المرجو من حملة الإسلام ألا يتساهلوا في حلق اللحي. (1)

= قال محقق الجامع: وهو حديث حسن.

ص: 459

451 -

* روى مسلم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بعدي من أمتي- أو سيكون بعدي من أمتي- قوم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه، هم شر الخلق والخليقة".

قال ابن الصامت: فلقيت رافع بن عمرو الغفاري [أخا الحكم الغفاري قلت: ما حديث سمعته من أبي ذر كذا وكذا؟] فذكرت له هذا الحديث، فقال: وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

452 -

* روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: قال: أتى رجل بالجعرانة- منصرفنا من حنين- وفي ثوب بلال فضة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها ويعطي الناس، فقال: يا محمد، اعدل، فقال:"ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل؟! لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل" فقال عمر بن الخطاب: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق، فقال:"معاذ الله أن يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه، إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية".

وأخرجه البخاري (1) قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم غنيمة بالجعرانة إذ قال له رجل: اعدل، فقال:"لقد شقيت إن لم أعدل".

453 -

* روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله

451 - مسلم (2/ 750) 12 - كتاب الزكاة 49 - باب الخوارج شر الخلق والخليقة.

(الخلق والخليقة): أسمان بمعنى: وهم الخلائق كلهم. وقيل: الخلق: الناس. والخليقة: الدواب والبهائم.

أقول: المراد بالخلق: المسلمون، فهم شر المسلمين، لأن المرجو أن يكون مألهم الجنة على ما هم عليه. إلا من كفر منهم.

وقد رأينا في كلام عبد القاهر أن بعض الخوارج قد حكم عليهم بالكفر.

452 -

مسلم (2/ 740) 12 - كتاب الزكاة 47 - باب ذكر الخوارج وصفاتهم.

(1)

البخاري (6/ 238) 57 - كتاب فرض الخمس 15 - باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين

إلخ.

453 -

الترمذي (4/ 481) 34 - كتاب الفتن- 24 - باب في صفة المارقة. وقال: حسن صحيح. وهو كما قال.

ص: 460

صلى الله عليه وسلم: "يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية".

454 -

* روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري، وأنس بن مالك رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال؛ "سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، وقوم يحسنون القيل، ويسيئون الفعل، يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون حتى يرتد على فوقه، هم شر الخلق، طوبى لمن قتلهم وقتلوه، يدعون إلى كتاب الله، وليسوا منه في شيء، من قاتلهم كان أولى بالله منهم" قالوا: يا رسول الله، ما سيماهم؟ قال:"التحليق".

وفي رواية عن أنس (1) نحوه قال: "سيماهم التحليق والتسبيد، فإذا رأيتموهم فأنيموهم".

أقول: إن القاعدة عند علماء التفسير أنه ما من وعيد في الكفار إلا وينبغي أن يأخذ المسلم منه عبرة، وأن ينظر ما إذا كان فيه شيء من أخلاق الكافرين ليتجنبه، فإذا كان هذا في الكفار فمن باب أولى أن يتخوف المسلم أن يكون على شيء من أخلاق فرقة ضالة، ومن ههنا ننبه مسلمي عصرنا وكل عصر على أن يتأملوا في أخلاق الخوارج ويتجنبوها، لأن الخارجية كما تفيد النصوص متجددة في الأمة الإسلامية.

ومن الأمثلة على ما ينبغي أن يحذره المسلم من أخلاقية الخوارج ما ورد في هذا النص:

1 -

إحسان القول وإساءة الفعل.

2 -

عدم التأثر القلبي بالقرآن.

454 - أبو داود (4/ 243) كتاب السنة- باب في قتال الخوارج. وهو حديث صحيح.

(1)

أبو داود (4/ 244) الكتاب والباب السابقان.

(القيل): هو القول.

(التسبيد): هو حلق الرأس واستئصال الشعر، وقيل: ترك التدهن وغسل الرأس.

(الإنامة): القتل، يقال: ضربه فأنامه: إذا قتله.

ص: 461

3 -

الخروج السريع من الدين وذلك: كأن يدخل فيه ثم لا يأخذ حظه من العلم والحكمة والتزكية، فيفتي بجهل ويعمل بهوى ويتصرف بسوء خلق ويعتبر ذلك كله دينًا وما هو من الدين.

4 -

يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء وذلك أنهم من حيث المبدأ يؤمنون بكتاب الله ويدعون إليه ولكن حظهم من التلاوة والفهم والتدبر والتأثر والحفظ شبه معدوم.

5 -

التحليق والتسبيد: لا يبعد أن يكون بعض الخوارج في بعض العصور ممن يحلقون لحاهم ويسبدون شعور رؤوسهم، لأن حلق الرأس وحده وإكرام اللحية ليس مأخذًا شرعيًا، ولذلك احتملنا أن يكون هذا الحديث في نوع من الخوارج يرتكبون منكر حلق اللحية وذلك هو المأخذ الشرعي. فالمسلم وهو يقرأ مثل هذا الحديث عليه أن يحاسب نفسه فيما إذا كان عنده شيء من مثل هذه الأخلاق.

455 -

* روى أحمد عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يكون في آخر الزمان قوم يقرؤون القرآن يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية قتالهم حق على كل مسلم".

أقول: إن راوي الحديث وهو الإمام علي رضي الله عنه قد ابتلى بقتال الخوارج الأول، وقد سن لنا في ذلك سننًا، والعلماء بنوا أحكامهم في الخوارج على ما سن، لأنه خليفة راشد، ونحن مأمورون باتباع سنة الخلفاء الراشدين، ومما سنه الإمام علي رضي الله عنه، أنه لم يبدأ الخوارج بالقتال إلا بعد ما قرروا القتال وبدأوه فعلًا. فالحديث محمول على مثل هذا، وعلماء المسلمين قرروا أنه يجب القتال مع الإمام الحق إذا خرجت عليه طائفة بغير الحق، فإذًا: لا يصح لأفراد الأمة الإسلامية أن يقتلوا من هو مظنة الخارجية إلا بقضاء إسلامي عادل وبعد تصرفات من الخارجي أو أقوال تبيح قتله، ثم لابد من ملاحظة أنه:"لا تزر وازرة وزر أخرى".

455 - مسند أحمد (1/ 156).

مجمع الزوائد (6/ 231) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

ص: 462

456 -

* روى الحاكم عن عبد الله بن عباس قال: لما اعتزلت [الحرورية في] حروراء وكانوا في دار على حدتهم قلت لعلي: يا أمير المؤمنين أبرد [في] الصلاة لعلي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم. قال: فإني أتخوفهم عليك، قال: قلت كلا إن شاء الله. قال: فلبست أحسن ما أقدر عليه من هذه اليمانية ثم دخلت عليهم وهم قائلون في نحر الظهيرة قد خلت على قوم لم أر قومًا قط أشد اجتهادًا منهم، أيديهم كأنها ثفن الإبل ووجوهم معلبة من آثار السجود [أي فيها أثر بسبب السجود]، قال: فدخلت، فقالوا: مرحبًا بك يا ابن عباس ما جاء بك، قال: جئت أحدثكم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل الوحي وهم أعلم بتأويله، فقال بعضهم: لا تحدثوه. وقال بعضهم: لنحدثنه، قال: قلت: أخبروني ما تنقمون على ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وأول من آمن به وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معه؟ قالوا: ننقم عليه ثلاثًا، قلت: ما هن؟ قالوا: أولهن أنه حكم الرجال في دين الله وقد قال الله {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} (1) قال: قلت وماذا؟ قالوا: وقاتل ولم يسب ولم يغنم، لئن كانوا كفارًا لقد حلت له أموالهم ولئن كانوا مؤمنين لقد حرمت عليه دماؤهم. قال: قلت وماذا؟ قالوا: ومحا نفسه من أمير المؤمنين فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين. قال: قلت أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله المحكم وحدثتكم من سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم ما لا تنكرون أترجعون؟ قالوا نعم، قال: قلت أما قولكم إنه حكم الرجال في دين الله فإنه يقول {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} وإلى قوله {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} (2) وقال في المرأة وزوجها {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} (3) أنشدكم الله، أحكم الرجال في حقن دمائهم وأنفسهم وصلاح ذات بينهم أحق أم في أرنب ثمنها ربع درهم؟ قالوا: اللهم في حقن دمائهم وصلاح ذات بينهم. قال:

456 - المستدرك (2/ 150) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

وقال الهيثمي: رواه الطبراني وأحمد ورجالهما رجال الصحيح. مجمع الزوائد (6/ 239).

ثفن: جمع ثفنة وهي ما ولي الأرض من كل ذات أربع إذا بركت كالركبتين وغيرهما، ويحصل فيها غلظ من أثر البروك.

(1)

يوسف: 40.

(2)

المائدة: 95.

(3)

النساء: 35.

ص: 463

خرجت من هذه؟ قالوا: اللهم نعم. وأما قولكم إنه قاتل ولم يسب ولم يغنم. أتسبون أمكم [أي عائشة رضي الله عنها] أم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها؟ فقد كفرتم، وإن زعمتم أنها ليست بأمكم فقد كفرتم وخرجتم من الإسلام، إن الله عز وجل يقول {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} فأنتم تترددون بين ضلالتين فاختاروا أيهما شئتم؟ أخرجت من هذه؟ قالوا: اللهم نعم. [قال]: وأما قولكم إنه محا نفسه من أمير المؤمنين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قريشًا يوم الحديبية على أن يكتب بينه وبينهم كتابًا فقال: "اكتب [أي لعلي] هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله" فقالوا والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فقال:"والله إني لرسول الله وإن كذبتموني اكتب يا علي محمد بن عبد الله" فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفضل من علي. أخرجت من هذه؟ قالوا: اللهم نعم. فرجع منهم عشرون ألفًا وبقي منهم أربعة آلاف فقتلوا.

أقول: يلاحظ من خلال النقاش الدائر بين ابن عباس رضي الله عنهما والخوارج أنه قد رجع القسم الأكبر منهم إلى جادة الصواب، وهذا يفيد أنه بالعلم الصحيح وبالحجة القوية يمكن أن تعالج ظاهرة الخارجية في الأمة الإسلامية، ومن ههنا أكثرنا من الحض على التعرف على كل أصول الثقافة الإسلامية وفروعها، لأنه بذلك وحده يوجد العاصم عن الخطأ الاعتقادي، وتوجد الحصانة ضد الفكر الشاذ، وشرطنا لهذه الثقافة أن تكون على ضوء فهوم الراسخين في العلم من هذه الأمة ممن شهدت لهم الأمة بالعدالة، ولم يعرف عنهم شذوذ اعتقادي أو فتوى تخالف إجماعًا.

457 -

* روى الطبراني في الصغير والأوسط عن علي قال: لقد علم أولو العلم من آل محمد وعائشة بنت أبي بكر فاسألوها أن أصحاب ذي الثدية ملعونون على لسان النبي الأمي صلى الله عليه وسلم. وفي رواية أن أصحاب النهروان.

457 - مجمع الزوائد (6/ 239) وقال رواه الطبراني في الصغير والأوسط بإسنادين ورجال أحدهما ثقات. أهـ وللحديث شواهد.

ص: 464

458 -

* روى أبو يعلى عن عبيد الله بن عياض بن عمرو القاري أنه جاء عبد الله بن شداد بن الهاد فدخل على عائشة ونحن عندها جلوس مرجعه من العراق ليالي قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقالت له: يا ابن شداد بن الهاد، هل أنت صادقي عما أسألك عنه؟ حدثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي قال: ومالي لا أصدقك؟ قالت: فحدثني عن قصتهم. قال: فإن علي بن أبي طالب لما كاتب معاوية وحكم الحكمان خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس فنزلوا بأرض يقال لها حرورا من جانب الكوفة وإنهم عابوا عليه فقالوا: انسلخت من قميص كساكه الله واسم سماك الله به ثم انطلقت فحكمت في دين الله. فلا حكم إلا لله. فلما بلغ عليًا ما عابوا عليه وفارقوه عليه فأمر مؤذنا فأذن أن لا يدخل على أمير المؤمنين إلا من قد حمل القرآن، فلما امتلأت الدار من قراء الناس دعا بمصحف إمام عظيم فوضعه بين يديه فجعل يصكه بيده ويقول: أيها المصحف حدث الناس، فناداه الناس: يا أمير المؤمنين ما تسأل عنه إنما هو مداد في ورق يتكلم بما رأينا منه، فما يزيد، قال: أصحابكم أولئك الذين خرجوا بيني وبينهم كتاب الله. يقول الله في كتابه في امرأة ورجل {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} (1) فأمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم حرمة أو ذمة من رجل وامرأة: ونقموا علي أني كاتبت معاوية، وكتبت علي بن أبي طالب، وقد جاء سهيل بن عمرو فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم قال: لا تكتب بسم الله الرحمن الرحيم. قال: "وكيف نكتب"؟ قال سهيل: اكتب باسمك اللهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فاكتب محمد رسول الله" فقال: لو أعلم أنك رسول الله لم أخالفك. فكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله قريشًا. يقول الله في كتابه {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} (2) فبعث إليهم عبد الله بن عباس فخرجت معه حتى إذا توسطنا عسكرهم قام ابن الكوا فخطب الناس فقال: يا حملة القرآن هذا عبد الله بن عباس فمن لم يكن يعرفه فليعرفه فأنا أعرفه من كتاب الله هذا ممن نزل فيه وفي قومه {قَوْمٌ

458 - مجمع الزوائد (6/ 235). وقال: رواه أبو يعلى ورجاله ثقات.

(1)

النساء: 35.

(2)

الأحزاب: 21.

ص: 465

خَصِمُونَ} (1) فردوه إلى صاحبه ولا تواضعوه كتاب الله. قال: فقام خطباؤهم فقالوا والله لنواضعنه الكتاب فإن جاء بالحق نعرفه لنتبعنه وإن جاء بباطل لنبكتنه بباطل ولنردنه إلى صاحبه. فواضعوا عبد الله بن عباس ثلاثة أيام فرجع منهم أربعة آلاف كلهم تائب فيهم ابن الكوا حتى أدخلهم على علي الكوفة فبعث علي إلى بقيتهم قال: قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم فقفوا حيث شئتم، بيننا وبينكم أن لا تسفكوا دمًا حرامًا أو تقطعوا سبيلًا أو تظلموا ذمة فإنكم إن فعلتم فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء إن الله لا يحب الخائنين قال فقالت له عائشة: يا ابن شداد فقد قتلهم، قال: فوالله ما بعث إليهم حتى قطعوا السبيل وسفكوا الدماء واستحلوا الذمة. فقالت: والله؟ قال الله الذي لا إله إلا هو لقد كان. قالت: فما شيء بلغني عن أهل العراق يتحدثونه يقولون ذا الثدية مرتين. قال: قد رأيته وقمت مع علي معه على القتلى فدعا الناس فقال: أتعرفون هذا؟ فما أكثر من جاء يقول رأيته في مسجد بني فلان يصلي ولم يأتوا فيه بثبت يعرف إلا ذاك. قالت: فما قول علي حين قام عليه كما يزعم أهل العراق؟ قال: سمعته يقول: صدق الله ورسوله. قالت: فهل رأيته قال غير ذلك؟ قال: اللهم لا. قالت: أجل صدق الله ورسوله يرحم الله عليا إنه كان من كلامه لا يري شيئًا يعجبه إلا قال صدق الله ورسوله. فيذهب أهل العراق فيكذبون عليه ويزيدون في الحديث.

أقول:

الظاهر من الرواية أن عائشة لم تر نسبة قضية ذي الثدية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تكذب عليًا، والروايات الصحيحة لم تدع مجالا للشك أن عليا سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تناقض بين هذه الرواية والتي قبلها، فقد ذكر الراوي هناك روايتين في الكلمة المنقولة عن علي وأصحاب الثدية أو أصحاب النهروان، والظاهر أن عائشة لم تنكر قتل أهل حروراء بل ورد على لسانها ما يدل على معرفتها بغلوهم كما في سؤالها للمرأة (أحرورية أنت).

(1) الزخرف: 58.

ص: 466

459 -

* روى الطبراني عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} (2) قال: "هم الخوارج".

460 -

* روى الطبراني في الكبير والأوسط عن حميد بن هلال قال: غزا عمارة بن قرض الليثي غزاة له فمكث فيها ما شاء الله ثم رجع حتى إذا كان قريبًا من الأهواز سمع صوت الأذان فقال: والله مالي عهد بصلاة بجماعة من المسلمين منذ ثلاث. وقصد نحو الأذان يريد الصلاة، فإذا هو بالأزارقة فقالوا له: ما جاء بك يا عدو الله فقال: ما أنتم إخواني؟ قالوا: أنت أخو الشيطان لنقتلنك. قال: أما ترضون مني بما رضي به رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا أي شيء رضي به منك؟ قال: أتيته وأنا كافر، فشهدت أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله فخلى عني فأخذوه فقتلوه.

461 -

* روى أحمد عن أبي سعيد الخدري، أن أبا بكر الصديق جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني بواد كذا وكذا فإذا رجل متخشع حسن الهيئة يصلي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اذهب فاقتله". قال: فذهب إليه أبو بكر فلما رآه على تلك الحال كره أن يقتله فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: "اذهب فاقتله" فذهب عمر فرآه على الحال الذي رآه أبو بكر فيه، قال فرجع. فقال: يا رسول الله إني رأيته يصلي متخشعًا فكرهت أن أقتله. قال: يا علي "اذهب فاقتله". فذهب علي فلم يره فرجع علي فقال: يا رسول الله لم أره. قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا

459 - المعجم الكبير (8/ 325).

مجمع الزوائد (6/ 233) وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات. و (6/ 327) وقال: إسناده جيد.

(2)

آل عمران: 188.

460 -

مجمع الزوائد (1/ 26) وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح.

(الأزارقة): من الخوارج نسبوا إلى نافع بن الأزرق.

461 -

مسند أحمد (3/ 15).

مجمع الزوائد (6/ 225) وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات.

فوق السهم: موضع الوتر منه.

ص: 467

يعودون فيه حتى يعود السهم في فوقه فاقتلوهم هم شر البرية".

أقول: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل هذا الشخص وحيًا، أما نحن فلا يحل لنا أن نقتل إلا على بينة، وقد رأينا أن عليا لم يقتل الخوارج ولم يقاتلهم إلا بعد أن بدأوا بسفك الدماء المعصومة واستحلال الأموال المعصومة وحيازاتها، والفقهاء يعتبرون فعل علي في شأن البغاة هو الأصل الذي يرجع إليه لأنه القدوة فيه فهو الخليفة الراشد.

462 -

* روى أحمد عن شريك بن شهاب قال: كنت أتمنى أن ألقى رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثني عن الخوارج فلقيت أبا برزة في يوم عرفة في نفر من أصحابه فقلت: يا أبا برزة حدثنا بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله في الخوارج قال: أحدثك بما سمعت أذناي ورأت عيناي، أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنانير فكان يقسمها وعنده رجل أسود مطموم الشعر عليه ثوبان أبيضان بين عينيه أثر السجود فتعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه من قبل وجهه فلم يعطه شيئًا، فأتاه من قبل يمينه فلم يعطه شيئًا، ثم أتاه من خلفه فلم يعطه شيئًا، فقال: والله يا محمد ما عدلت في القسمة منذ اليوم. فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبًا شديدًا ثم قال: "والله لا تجدون بعدي أحدًا أعدل عليكم مني" قالها ثلاثًا، ثم قال:"يخرج من قبل المشرق رجال كأن هذا منهم، هديهم هكذا، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية لا يرجعون إليه". ووضع يده على صدره "سيما التحليق لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع الدجال فإذا رأيتموهم فاقتلوهم"، قالها ثلاثًا "شر الخلق والخليقة" قالها ثلاثًا، وقال حماد: لا يرجعون فيه.

أقول: هذا الحديث يدل على أن الخارجية متجددة الظهور في الأمة الإسلامية. وقوله عليه السلام: "فإذا رأيتموهم فاقتلوهم": يفيد أن القتل متوقف على رؤية هؤلاء الموصفين بهذه الصفات يقينًا، لأن القتل لا يجوز بالظن، والمعرفة اليقينية متوقفة على

462 - مسند أحمد (4/ 421).

مجمع الزوائد (6/ 228). وقال: رواه أحمد. والأزرق بن قيس وثقه ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح.

المستدرك (2/ 146). وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وسكت عنه الذهبي.

ص: 468

الحقيقة والآثار، وحقيقة ما في القلوب مغيبة عنا فلم يبق إلا الآثار التي تبيح القتل، والأصل: أن نحسن الظن بالمسلم. ولا يخالف هذا الأصل إلا بأدلة تبيح ذلك، فكيف بالقتل وقد غلب في العصور المتأخرة التسرع في القتل بحجة الخارجية، والذي نراه لقارئ النصوص الواردة في الخوارج أن يتهم نفسه وأن يحترس في اتهام الآخرين إلا إذا وصل عن طريق العلم الصحيح إلى يقين، ومع ذلك فإن هذا اليقين لا يكفي للقتل إلا إذا تصرف هؤلاء التصرفات التي تبيح قتلهم وقتالهم، وقد رأينا تفصيلات ذلك.

463 -

* روى الطبراني عن عبد الله بن عمرو، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "يخرج ناس من قبل المشرق يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم كلما قطع قرن نشأ قرن حتى يكون مع بقيتهم الدجال".

464 -

* روى الطبراني عن عامر بن واثلة قال: لما كان يوم حنين أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل مجزوز الرأس أو محلوق الرأس قال: ما عدلت. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فمن يعدل إذا لم أعدل أنا؟ " قال: فغفل عن الرجل فذهب. فقال: "أين الرجل"؟ فطلب فلم يدرك. فقال: "إنه سيخرج في أمتي قوم سيماهم سيما هذا يمرقون من الدين كمل يمرق السهم من الرمية ينظر في قدحه فلم ير شيئًا، ينظر في رصافه فلم ير شيئًا، ينظر في فوقه فلم ير شيئًا".

(القدح): السهم قبل أن يراش ويركب نصله.

أقول: من مظاهر الخارجية: الورع الجاهل والتشدد المنبعث عن قوة نفس لا عن قوة إيمان، ومن مظاهرها: سوء الأدب مع من يجب لهم التوقير والاحترام كما في فعل هذا: إذ يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعدل، ولقد فشا سوء الأدب، وهذا مما ينبغي أن يفطن له المربون ولا يعالج هذا الأمر إلا بأن يكون الكبير جديرًا بالاحترام، وتصرفاته حكيمة وأقواله مستقيمة وأن يربي الصغير على توقير الكبير.

463 - مجمع الزوائد (6/ 230). وقال: رواه الطبراني وإسناده حسن. أهـ وللحديث شواهد.

464 -

(6/ 230) وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات. أ. هـ. وسبق له شاهد نحوه.

ص: 469

465 -

* روى البزار عن عقبة بن وساج قال: كان صاحب لي يحدثني عن عبد الله بن عمرو في شأن الخوارج، فحججت، فلقيت عبد الله بن عمرو، فقلت: إنك بقية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جعل الله عندك علمًا، إن ناسا يطعنون على أمرائهم ويشهدون عليهم بالضلالة. قال: على أولئك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسقاية من ذهب أو فضة فجعل يقسمها بين أصحابه فقام رجل من أهل البادية فقال: يا محمد لئن كان الله أمرك بالعدل فلم تعدل. فقال: "ويلك فمن يعدل عليكم بعدي"؟ فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في أمتي أشباه هذا يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم فإن خرجوا فاقتلوهم ثم إن خرجوا فاقتلوهم". قال ذلك ثلاثًا.

أقول: نفهم من كلام ابن عمرو: أن الطعن في الأمراء والحكام من أخلاق الخوارج، وهذه القضية لها تفضيلاتها. فأمراء العدل تجب علينا طاعتهم، وتحرم علينا غيبتهم لأن هذا يؤدي إلى خلخلة الثقة، وفي ذلك ما فيه من إفساد العباد والبلاد، أما أمراء الجور والكذب والضلال فهؤلاء ننصحهم إن استطعنا أو نجفوهم، ويصح الكلام فيهم إذا صحت النية وتحققت المصلحة كإبعاد مسلم عن تصديقهم في كذب أو طاعتهم في باطل أو ظلم إلى غير ذلك، ولا يعرف حدود ذلك إلا عليم حكيم زكي النفس، ولذلك كان من مهمات الرسل عليهم الصلاة والسلام: تلقين العلم والحكمة وتزكية الأنفس، والمسلمون بحاجة مستمرة إلى البيئات التي يجتمع لهم فيها تلقن العلم والحكمة وتزكية الأنفس.

466 -

* روى الحاكم عن شداد بن عبد الله أبي عمار قال شهدت أبا أمامة الباهلي رضي الله عنه وهو واقف على رأس الحرورية عند باب دمشق وهو يقول: كلاب أهل النار- قالها ثلاثًا- خير قتلى من قتلوه. ودمعت عيناه. فقال له رجل يا أبا أمامة أرأيت قولك هؤلاء كلاب النار أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو من رأيك؟ قال إني إذًا لجريء، لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا مرة أو مرتين أو ثلاثاً

465 - كشف الأستار (2/ 359).

مجمع الزوائد (6/ 228). وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.

466 -

المستدرك (2/ 149). وصححه الذهبي.

ص: 470

وعد سبع مرات ما حدثتكموه. قال له رجل: إني رأيتك قد دمعت عيناك قال: إنهم لما كانوا مؤمنين وكفروا بعد إيمانهم، ثم قرأ {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} (1) الآية فهي لهم مرتين.

أقول: ليس المراد بالكفر هنا الكفر الحقيقي، فالإمام علي نفسه لم يكفر الخوارج، وإنما هو كفر نعمة الوحدة والائتلاف، وقد رأينا أن أهل السنة لم يكفروا من الخوارج إلا بعض فرقهم الذين استحلوا الحرام القطعي.

والملاحظ: أن أبا أمامة حدث عن خوارج خرجوا في العهد الأموي، ومن موقف أبي أمامة هذا ندرك أن الخروج المسلح على الحكام هو على شفتا خطرٍ إلا إذا وجد الكفر البواح أو وجدت الفتوى البصيرة من أهلها، والفتوى في هذه الحالة محكومة بموازنات متعددة، وحتى في حالة الكفر البواح فإن القتال لا تجب مباشرته إلا إذا توافرت شروط ولا يبعد أن تكون مباشرته من فروض الكفاية في بعض الأحوال، ولكن ذلك كله يخضع للفتوى البصيرة من أهلها، وما أقل الذين يعرفون الفتوى، والذين يعرفون أن يفتوا في مثل هذه الشؤون على ضوء فهوم الراسخين في العلم وأئمة الاجتهاد، وقد ذكر ابن عابدين - من فقهاء الحنفية- في كتاب الجهاد من حاشيته:"أن الجهاد قد يكون فريضة عينية ولا يأثم من لم يباشره"، وضرب أمثلة على ذلك.

467 -

* روى ابن ماجه عن أبي أمامة يقول شر قتلى قُتلوا تحت أديم السماء وخير قتيلٍ من قتلوا، كلابُ أهل النار، قد كان هؤلاء مسلمين فصاروا كفاراً قلت يا أبا أمامة هذا شيء تقوله؟ قال: بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

468 -

* روى الإمام أحمد عن أنس قال: ذُكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ولم أسمعه منه:

(1) آل عمران: 105.

467 -

ابن ماجه (1/ 62) المقدمة 12 - باب ذكر الخوارج.

وإسناده حسن.

468 -

مسند أحمد (2/ 183).

مجمع الزوائد (6/ 229). وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

ص: 471

"إن فيكم قوماً يتعبدون فيدأبون حتى يعجب بهم الناس وتُعجبهم أنفسهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية".

469 -

* روى الإمام أحمد عن عبد الملك بن مُليل السليحي قال: كنت جالساً قريباً من المنبر يوم الجمعة فخرج محمد بن أبي حذيفة فاستوى على المنبر فخطب ثم قرأ عليهم سورة من القرآن وكان من أقرأ الناس فقال عقبة بن عامر: صدق الله ورسوله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ليقرأن القرآن رجال لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية".

أقول: محمد بن أبي حذيفة ممن خرج على عثمان رضي الله عنه، ولذلك وصفه عقبة بن عامر بما وصف به الخوارج.

470 -

* روى الإمام أحمد عن سعيد بن جُمهان قال لقيت عبد الله بن أبي أوفى وهو محجوب البصر فسلمتُ عليه فقال: من أنت؟ قلت: أنا سعيد بن جمهان. قال: ما فعل والدك؟ قلت: قتلته الأزارقة قال: لعن الله الأزارقة، حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كلاب النار. قال: قلت الأزارقة وحدهم أم الخوارج كلها قال: بل الخوارج كلها. قال: قلت: فإن السلطان يظلم الناس ويفعل بهم ويفعل بهم. قال: فتناول يدي فغمزها غمزةً شديدة ثم قال: ويحك يا ابن جمهان عليك بالسواد الأعظم -مرتين- إن كان السلطان يسمع منك فائته في بيته فأخبره بما تعلم فإن قبل منك وإلا فدعه فإنك لست بأعلم منه.

أقول: هذا في سلطان يقيم الصلاة ولا يعلن الكفر البواح، ويقيم في الناس كتاب الله على خلل في العمل أو في التطبيق، لكن الفقهاء قالوا: إذا فسق السلطان استحق العزل ما لم يكن في عزله فتنة أكبر من إبقائه، وبعضهم قال: ينعزل الإمام بمجرد فسوقه، فلا تجب

469 - مسند أحمد (4/ 145).

المعجم الكبير باختصار (17/ 325).

مجمع الزوائد (6/ 231). وقال: رواه أحمد والطبراني باختصار ورجالهما ثقات.

470 -

مسند أحمد (4/ 383).

مجمع الزوائد (5/ 230) وقال: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات.

ص: 472

بذلك طاعته شرعاً، وإن لم يستطع المسلمون عزله فلا عليهم.

471 -

* روى الإمام أحمد عن مِقْسم بن بُجرة مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: خرجتُ أنا وتليدُ بن كلاب الليثي حتى أتينا عبد الله بن عمرو بن العاص وهو يطوف بالبيت مُعلقاً نعليه بيده، فقلنا له: هل حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كلمه التميمي يوم حنين قال: نعم، أقبل رجل من بني تميم يقال له ذو الخويصرة فوقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعطي الناس فقال: يا محمدُ قد رأيتُ ما صنعت منذ اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أجل فكيف رأيت؟ " قال: لم أرك عدلت قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ويحك إن لم يكن العدل عندي فعند من يكون؟ " فقال عمر بن الخطاب رحمه الله: ألا تقتله. قال: "لا، دعوه فإن له شيعةً يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية ينظر في النصل فلا يجد شيئاً ثم في القدح فلا يوجد شيء ثم في الفوق فلا يوجد شيء سوى الفرث والدم".

472 -

* روى الحاكم عن أبي بُردة قال كنت جالساً عند عُبيد الله بن زياد فأُتي برؤوس الخوارج كلما جاء رأس قلت: إلى النار. فقال عبد الله بن يزيد الأنصاري أو لا تعلم يا ابن أخي أني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "إن عذاب هذه الأمة جعل في دنياها".

أقول: من المعروف عُبيد الله بن زياد من عتاة الأمراء، وهو الذي كان أميراً على العراق يوم قتل الحسين رضي الله عنه، فهو الذي أرسل الجيش لقتاله، وكلام أبي بردة في خوارج خرجوا عليه تتحقق فيهم صفات الخوارج لكن رد عبد الله بن يزيد الأنصاري بما يفيد "أن القتل كفارة تمنع من النار" يشير إلى ما ذكره الفقهاء فيما بعد أن البغاة هم

471 - مسند أحمد (2/ 216).

مجمع الزوائد (6/ 227). وقال: رواه أحمد والطبراني باختصار، ورجال أحمد ثقات.

قوله: (سوى الفرث والدم): إشارة إلى أنه لا يُرى منهم إلا ما قبح، فأعمالهم سيئة ودعاواهم فارغة وعباداتهم معلولة وإيمانهم لا يصل إلى قلوبهم.

472 -

المستدرك (1/ 49) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولا أعلم له علة ولم يخرجاه وله شاهد صحيح. ووافقه الذهبي.

ص: 473

الخارجون على الإمام الحق بغير الحق، فإذا ما خرج ناس بالحق على الإمام الحق فليسوا ببغاة. ويجب على الإمام أن يتراجع، وإذا ما خرج ناس على الإمام غير الحق فليسوا ببغاة، ولمثل هذه المعاني أراد عبد الله بن يزيد الأنصاري أن يُشْعِر أبا بردة بأن هؤلاء ليسوا من كلاب النار، بل قد يكونون من الناجين عند الله.

* * *

ص: 474