الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقرة الأولى
في:
ضرورة التعرف على فرق الضلال
وبعض الملاحظات حول ذلك
لقد حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه عن قائد كل فتنة يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعدًا كما ورد عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: والله ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوا؟ والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قائد فتنة إلى انقضاء الدنيا، يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعدًا، إلا قد سماه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته (1).
فدل ذلك على أن التعرف على أئمة الضلال مما ينبغي أن يعرفه المسلم، وأن التعريف على أئمة الضلالة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم كان قسم كبير من هذا الوصل في هذا الشأن.
* * *
الفرق التي خرجت عن الاعتقاد الحق على أنواع، فمنها: ما خرج من الإسلام بالكلية وإن كانت أصوله إسلامية وادعى أنه يبني على فهمٍ لنصوصٍ، وهل مثل هذه الفرق داخلة في الفرق الثنتين والسبعين أو لا؟ الراجح أنه داخلة بها قياسًا على فرق اليهود والنصارى، وبعض الفرق لم يصل إلى حد الكفر المطلق، وإنما هم ضلال مبتدعون، وبعضهم أكثر ضلالاً من بعضهم الآخر، وبعضهم تعتبر بدعته خفيفة وبعضهم تعتبر بدعته شديدة، وأفظع أنواع الابتداع ابتداع الاعتقاد، أما بدع الأعمال فهذه على أنواع، فمنها: ما يكره، ومنها: ما يحرم، ومنها: ما يجوز. والعبرة فيها للفتوى من أهلها.
* * *
وهناك فرق بدأ ضلالها من غلو في فكرة صحيحة في الأصل ثم تشعبت من هذه الفرق
(1) أبو داود (4/ 95). كتاب الفتن والملاحم، باب ذكر الفتن ودلائلها. وإسناده صحيح.
فرق أشد غلوًا، وهكذا من غلو أخف إلى غلو أشد وصلت بعض التوجهات إلى مداها المكفر، فحب آل البيت ابتداء شيء مطلوب شرعًا، واعتقاد أن عليًا هو خليفة راشد وأن الحق والصواب كانا معه مدة خلافته، كل هذه أفكار صحيحة، فإذا قال قائل بعد ذلك: إنه الأحق بالخلافة من الأئمة الثلاثة الذين كانوا قبله مع التسليم بخلافتهم فهذه بدعة خفيفة مع أنها تخالف ما التقى عليه الصحابة، فإذا ما رفض آخرون أن يسلموا بإمامة الشيوخ الثلاثة فقد دخلوا في بدعة ضلالة، فإذا كفروا الأئمة الثلاثة فقد وصلوا إلى الكفر كما ذكر الشيخ عبد القاهر البغدادي:"فإذا ما غلوا بعلي وآل بيته حتى أعطوهم صفة الألوهية فذلك إيغال في الكفر، فإذا ما اجتمع إلى هذا آراء كفرية أخرى كالقول بالتناسخ وأن للقرآن باطنًا يخالف الظاهر، وأن الباطن يستقل بفهمه الإمام، فإذا بلغهم عمن يدعي الإمامة ما ينقض الشريعة تابعوه فذلك كفر على كفر وظلمات بعضها فوق بعض".
وكثيرًا ما حدث في تاريخ الفرق أن غلوًا خفيفًا أوصل إلى غلو غليظ، وأحيانًا يحدث العكس غلو شديد يعدل إلى غلو أخف، فالمعتزلة مثلا عدلوا القول بنفي القدر بالجملة، وعلى كل فإنه تتولد عن فرقة أم فرق مختلفة، ومن الفرق التي لها وجود فعلي في الأمة: الشيعة الإثنا عشرية، والإسماعيليون، والدروز، والنصيرية، والجارودية، واليزيدية عباد الشيطان، فلهم بقية في سورية والعراق، والمعتزلة فلم تزل بعض عقائدهم تتسلل إلى كثير من الناس، والقاديانية، والبهائية، والقائلون بإسقاط التكليف، والمشبهة، والقائلون بوحدة الوجود، والعلمانيون القائلون بفصل الدين عن الدولة وهم المرتدون الذين يشكلون تيارًا عريضًا.
* * *
أما أحكام الفرق الثنتين والسبعين فتختلف من فرقة إلى فرقة، فبعض الفرق الثنتين والسبعين لهم أحكام المسلمين الدنيوية كاملة، وبعض أهل هذه الفرق لهم بعض أحكام المسلمين الدنيوية لا كلها، وبعض هذه الفرق ليس لها أحكام المسلمين أصلاً بل ولا أحكام أهل الكتاب لأنهم مرتدون أو استمرار للمرتدين، فلهم بذلك أحكام خاصة لأنهم ورثوا الردة، فهؤلاء المرتدون ومن تابعهم على ردتهم لا يجوز تزويجهم ولا التزوج منهم ولا أكل
ذبائحهم ولا دفنهم في مقابر المسلمين ولا الصلاة عليهم.
قال عبد القاهر البغدادي:
[فإن كان على بدعة الباطنية، أو البيانية، أو المغيرية، أو الخطابية الذين يعتقدون إلهية الأئمة أو إلهية بعض الأئمة، أو كان على مذاهب الحلول، أو على بعض مذاهب أهل التناسخ، أو على مذهب الميمونة من الخوارج الذين أباحوا نكاح بنات البنات وبنات البنين، أو على مذهب اليزيدية من الإباضية في قولها بأن شريعة الإسلام تنسخ في آخر الزمان، أو أباح ما نص القرآن على تحريمه، أو حرم ما أباحه القرآن نصًا لا يحتمل التأويل: فليس هو من أمة الإسلام ولا كرامة له. وإن كانت بدعته من جنس بدع المعتزلة، أو الخوارج، أو الرافضة الإمامية، أو الزيدية، أو من بدع النجارية، أو الجهمية، أو الضرارية، أو المجسمة فهو من الأمة في بعض الأحكام، وهو جواز دفنه في مقابر المسلمين، وفي أن لا يمنع حظه من الفيء والغنيمة إن غزا مع المسلمين، وفي أن لا يمنع من الصلاة في المساجد، وليس من الأمة في أحكام سواها، وذلك أن لا تجوز الصلاة عليه ولا خلفه، ولا تحل ذبيحته ولا نكاحه لامرأة سنية، ولا يحل للسني أن يتزوج المرأة منهم إذا كانت على اعتقادهم. وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه الخوارج: علينا ثلاث: لا نبدؤكم بقتال، ولا نمنعكم مساجد الله أن تذكرا فيها اسم الله، ولا نمنعكم من الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا]. ا. هـ (الفرق بين الفرق).
والمسألة لها تفصيلات كثيرة، وللفقهاء اجتهادات متعددة، وبعض من انتب في الفرقة قد لا يؤمن بكل ما عليه فرقته فله حكم خاص، والعبرة في حق كل شخص بما هو عليه، والفتوى البصيرة من أهلها هي محل العمل.
* * *
وإذ لم يكن هذا الكتاب ملتزمًا بالتفصيل إلا فيما تمس إليه الحاجة، وإذ كان الكلام عن الفرق يحتاج إلى كتب خاصة بذلك، فإننا نكتفي بإشارات مع ملاحظة أننا اعتمدنا في التعريف على بعض الفرق على كلام عبد القاهر البغدادي، وقد كتب كتابه (الفرق بين
الفرق) في القرن الخامس الهجري وبعض من كتب عنهم واستمروا بعده، قد يكونون بقوا على ما كانوا عليه وقد يكونون ازدادوا غلوًا وقد يكونون قد خف غلوهم.
* * *