الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
إنه كما أن الشجر المثمر يخرج ثمرة كل حين، كذلك شجرة الإيمان تخرج ثمارها الطيبة بشكل مستمر، ومن ههنا كان للإيمان شعب، وقد حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها بضعة وسبعون شعبة وفي رواية البخاري بضع وستون ورجحها بضعهم.
وانبثاق هذه الشعب عن الإيمان القلبي إنما يكون إذا اكتمل الإيمان في القلب وأصبح نوراً خالصاً وكان مع ذلك علم بهذه الشهب، وللوصول إلى هذا الكمال لابد من بذل الجهد بالأوراد وقراءة القرآن والعلم والإقبال على الله، وكثيرون من الناس يحاولون معالجة الفرع ويتركون الأصل، أما أهل المعرفة في الله فإنهم يركزون على الأصل ولا يغفلون الفرع.
إن دخول الإنسان في الإسلام يعني التزامه بالأوامر والنواهي التي وردت في الكتاب والسنة، والأوامر منها: الفرائض والنوافل والآداب، والنواهي منها: المحرمات والمكروهات وخلاف الأولى.
وما مر معنا في فصل أعمال الإسلام أمهات مما يطالب به من دخل في الإسلام فهي الشعب الأولى للإيمان والإسلام، ولكن الإيمان له بضع وسبعون شعبة، وإقامة بعض هذه الشعب يعني الكفء عما يقابلها، فكلمة التوحيد شعب من شعب الإيمان يقابلها الشرك وهو منهي عنه وكثير من شعب الإيمان يقابلها معاص، والمعاصي منها ما هو مكفر وكبيرة، ومنها ما هو كبيرة وليست كفراً. ومنها ما هو من الصفائر. والصفائر منها اللمم، ومنها ما يعتبر الإصرار عليه والاستمرار فيه كبيرة.
إنه بمجرد ما يدخل الإنسان في دائرة الإيمان عليه أن يعمل وأن يترك، ودائرة العمل تشمل ابتداء شعب الإيمان، ودائرة الترك تشمل ابتداء المنهيات كلها وأولها الكبائر.
(1) إبراهيم: 24، 25.
وبعض شعب الإيمان يدخل فيها فروع كثيرة، فحفظ اللسان يدخل فيه أكثر من عشرين فرعا، وحفظ الفروج يدخل فيه حفظها عن الزنا واللواط وهكذا يتوضع حول شعب الإيمان فكرة الطاعات والمعاصي، فالطاعات والأعمال الصالحة أثر عن الإيمان وما يقابلها أثر عن كفر أو ضلال أو فوق.
إن الأعمال الصالحة تغذي الإيمان، وكلما قوي الإيمان انبثق عنه ثمرات، وهكذا نجد بين شعب الإيمان والأعمال الصالحة صلة.
قال النووي: قال ابن الصلاح: وقد صنفت في ذلك مصنفات ومن أغزرها فوائد كتاب المنهاج لأبي عبد الله الحيمي إمام الشافعيين ببخاري وكان من رفعاء أئمة المسلمين وحذا حذوه الحافظ أبو بكر البيهقي رحمه الله في كتابه الجليل الحفيل كتاب شعب الإيمان أ. هـ.
وقال النووي: قال القاضي عياض رحمه الله: وقد تقدم أن أصل الإيمان في اللغة التصديق، وفي الشرع تصديق القلب واللسان، وظواهر الشرع تطلقه على الأعمال كما وقع هنا أفضلها لا إله إلا الله وآخرها إماطة الأذى عن الطريق وقد قدمنا أن كمال الإيمان بالأعمال وتمامه بالطاعات، وأن التزام الطاعات وضم هذه الشعب من جملة التصديق ودلائل عليه، وأنه خلق أهل التصديق، فليست خارجة عن اسم الإيمان الشرعي ولا اللغوي، وقد نبه صلى الله عليه وسلم على أن أفضلها الوحيد المتعين على كل أحد، والذي لا يصح شيء من الشعب إلا بعد صحته وأدناها ما يتوقع ضرره بالمسلمين من إماطة الأذى عن طريقهم، وبقي بين هذين الطرفين أعداد لو تكلف المجتهد تحصيلها بغلبة الظن وشدة التتبع لأمكنه، وقد فعل ذلك بعض من تقدم وفي الحكم بن ذلك مراد النبي صلى الله عليه وسلم صعوبة، ثم إنه لا يلزم معرفة أعيانها ولا يقدح جهل ذلك في الإيمان إذا أصول الإيمان وفروعه معلومة محققة، والإيمان بأنها هذا العدد واجب في الجملة. هذا كلام القاضي رحمه الله.
وقال الإمام الحافظ أبو حاتم بن حبان- بكسر الحاء- تتبعت معنى هذا الحديث مدة وعددت الطاعات فإذا هي تزيد على هذا العدد شيئاً كثيراً فرجعت إلى السنن فعددت كل طاعة عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين فرجعت إلى
كتاب الله تعالى فقرأته بالتدبر وعددت كل طاعة عدها الله تعالى من الإيمان فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين فضمت الكتاب إلى السنن وأسقطت المعاد فإذا كل شيء عده الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم من الإيمان تسع وسبعون شعبة لا تزيد عليها ولا تنقص. فعلمت أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا العدد في الكتاب والسنن. وذكر أبو حاتم رحمه الله جميع ذلك في كتاب وصف الإيمان وشعبه، وذكر أن رواية من روى بضع وستون شعبة أيضا صحيحة فإن العرب قد تذكر للشيء عددا ولا تريد نفي ما سواه.
وله نظائر أوردها في كتابه منها في أحاديث الإيمان والإسلام والله تعالى أعلم أ. هـ.
شرح صحيح مسلم/ كتاب الإيمان.
وها نحن سنعرض شعب الإيمان في الكتاب ثم في السنة: