الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
الكتاب والسنة أصلاً الإسلام والإيمان، فهما ركن من أركان الإيمان، فمن كفر بالكتاب أو بالسنة فقد كفر بالإسلام كله، فعلى كل مسلم أن يؤمن بالكتاب والسنة وأن يعظمهما ويجلهما ويخدمهما، قال تعالى:{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (1) فإذا كان هذا شأن تعظيم الشعائر فكيف بكلام الله؟ فكيف بوحي الله؟
كما أنه يفترض على كل مسلم أن يعتقد وجوب التزام الكتاب والسنة، ومن لم ير ذلك فهو كافر، ولكن السنة منها المتواتر ومنها ما سوى ذلك، ومنها ما هو قطعي الثبوت وما هو ظني الثبوت، ومنها ما هو قطعي الدلالة ظني الثبوت، وظني الدلالة قطعي الثبوت، وظني الثبوت ظني الدلالة، والقرآن كله قطعي الثبوت، ولكن منه ما هو قطعي الدلالة، ومنه ما هو ظني الدلالة، فالحكم بالكفر إنما هو على من أنكر وجوب الالتزام بالكتاب أو السنة أصلاً، ومن أنكر ما هو قطعي الثبوت قطعي الدلالة، ثم بعد ذلك توجد تفصيلات ولذلك تقول: إن تفصيل مدلول الالتزام بالكتاب والسنة بالنسبة لكل نص على حدة منوط بتفسير أهل الحق من أئمة الاجتهاد وأئمة العقائد وأئمة التفسير والسنة، فهم الذين أعطوا هذا المعنى مضمونه التفصيلي، ومن تكلم في هذا الشأن من غيرهم أو مخالفاً لاجتهاداتهم فإنه يَسِف أو يَضِل أو يُخطئ على حسب نوع الكلام الذي يقوله وحكمهم عليه.
وقد توزعت أقوال الأئمة المرتبطة بموضوع الالتزام بالكتاب والسنة في كتب العقائد والفقه وأصول الفقه وأصول علم التفسير وأصول علم الحديث، والعالِم المحيط بهذه العلوم هو الذي يدرك تفصيلات المراد بالتزامٍ بالكتاب والسنة، فالالتزام بالكتاب والسنة يعني الالتزام بالإجماع والقياس والعرف الصالح والمصالح المرسلة والاستحسان والاستصحاب، وهناك قواعد تضبط الفهم وتضبط كيفية استنباط الحكم، وهناك قواعد للترجيح بين الأدلة، وهذا وغيره من كلام الأئمة كله تفصيل دقيق للمراد بالتزام الكتاب والسنة.
(1) الحج: 32.
ولقد رفع الخوارج شعار "لا حكم إلا لله"، وهو شعار صحيح، ثم وصلوا منه إلى ضلال، وهناك ناس يرفعون شعار العودة إلى الكتاب والسنة، ولكن رافق دعوة غلاتهم من الخطأ ما يلغي التراث الفقهي والعلمي، ويشكك بالأمة والأئمة، فاقتضى ذلك التنبيه.
وقد حضت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة على الالتزام بهما، فمن آيات القرآن في ذلك:
{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (1)، {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (2)، {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (3)، {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (4)، {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} (5)، {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} (6)، {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} (7). قال الحسن: تدبُّر آياته: اتباعه والعمل بعلمه. وقال مجاهد في قوله تعالى: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} (8) يعملون به حق عمل به. ومن قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} (9)، قيل معناه: من يعرض عن ذكر القرآن وما فيه من الحكم إلى أقاويل المضلين وأباطيلهم نعاقبه بشيطان نقيضه له حتى يضله ويلازمه قريناً له وقوله {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ
…
} (10). (شرح السنة).
فالإسلام في البداية والنهاية هو التسليم للكتاب والسنة، والكتاب والسنة فيهما بيان كل شيء مما يحتاجه المكلف، قال تعالى عن القرآن:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (11)، {وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ} (12). فالكتاب والسنة وما انبثق عنهما من فهومٍ
(1) النساء: 59.
(2)
آل عمران: 32.
(3)
الحشر: 7.
(4)
آل عمران: 103.
(5)
المائدة: 15، 16.
(6)
الزمر: 55.
(7)
ص: 29.
(8)
البقرة: 121.
(9)
الزخرف: 31.
(10)
الأحزاب: 26.
(11)
النحل: 89.
(12)
يوسف: 111.
صحيحة، وما استنبط منهما بطريقٍ صحيحٍ كل ذلك إسلام، فالإسلام واسع لأنه ما من قضية من قضايا الحياة إلا ولله فيها حكم، فالإسلام هو الحياة بكل ما فيها:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} (1)، وكان ولا يزال رمز الدخول في الإسلام هو الشهادتين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل الداخلين في الإسلام على معالم كبرى من هذا ليبدأوا عهدهم بالإسلام فيها، ثم لتكون هي البداية في السير على ضوء الكتاب والسنة، وقد غلط من فهم أن مثل هذه النصوص هي الدين كله، فَذِكْرَ الخاص وإرادةُ العام أو ذِكْرَ العام وإرادةُ الخاص، وذِكرُ الجزء وإرادةُ الكل وذِكرُ الكل وإرادةُ الجزء هي بعض أساليب الخطاب التي تعرفها العرب بفطرتها، والراسخون في العلم يضعون الأمور في مواضعها، وهذه بعض النصوص التي تحض على التزام الكتاب والسنة.
(1) الأنفال: 24.