الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 - فرق الباطنية
قال عبد القاهر:
اعلموا -أسعدكم الله- أن ضرر الباطنية على فرق المسلمين أعظم من ضرر اليهود والنصارى والمجوس عليهم، بل أعظم من مضرة الدهرية وسائر أصناف الكفرة عليهم، بل أعظم من ضرر الدجال الذي يظهر في آخر الزمان؛ لأن الذين ضلوا عن الدين بدعوة الباطنية من وقت ظهور دعوتهم إلى يومنا أكثر من الذين يضلون بالدجال في وقت ظهوره؛ لأن فتنة الدجال لا تزيد مدتها على أربعين يومًا، وفضائح الباطنية أكثر من عدد الرمل والقطر. ا. هـ.
والأصل الأصيل عند جميع فرق الباطنية قولهم إن للقرآن باطنًا يخالف الظاهر وينقضه، ومن أشهر فرقهم التي لا زال لها في عصرنا وجود:
1 -
النصيرية.
2 -
الإسماعيلية.
3 -
الدروز.
من عقائد النصيرية:
ذكر الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتابه (مذاهب الإسلاميين) عقائد النصيرية، وهي:
1 -
علي بن أبي طالب إله، أو حلت فيه الألوهية، وهي يسكن السحاب، والرعد صوته والبرق ضحكه، وهم لهذا يعظمون السحاب، وهو أساس الدور السابع، ويوصف بأنه "المعنى" غير أننا نعرف أن النصيرية ينقسمون إلى قسمين: الشمالية، وهم الذين يسكنون السواحل في لواء اللاذقية. والكلازية، وهم الذين يسكنون الجبال. والشمالية يقولون إن عليًا حال في القمر. والكلازية يذهبون إلى أنه حال في الشمس.
2 -
سلمان الفارسي هو رسول علي. وكلمة السر عندهم ثلاثة أحرف وهي: ع (=
علي). م (= محمد). س (= سلمان الفارسي).
3 -
وهم يخفون مقالتهم، ومن أذاعها فقد أخطأ عندهم. ويرون أنهم على الحق. وأن مقالتهم مقالة أهل التحقيق. ومن أنكر ذلك فقد أخطأ.
4 -
"ولهم (اعتقاد) في تعظيم الخمر. ويرون أنها من النور ولزمهم من ذلك أن عظموا شجرة العنب التي هي أصل الخمر حتى استعظموا قلعها".
5 -
ويحبون ابن ملجم. قاتل علي رضي الله عنه. ويقولون إنه خلص اللاهوت من الناسوت ويخطئون من يلعنه.
6 -
وقسمهم يبين عن معتقداتهم: وقد أورد نصه ابن فضل الله العمري في "التعريف بالمصطلح الشريف" ونقله عنه القلقشندي في "صبح الأعشى"(جـ 13 ص 250 - 251) وهذا نصه: "إنني وحق العلي الأعلى، وما أعتقده في المظهر الأسني. وحق النور وما نشأ منه. والسحاب وساكنه وإلا برئت من مولاي "علي" العلي العظيم. وولائي له. ومظاهر الحق. وكشفت حجاب سلمان بغير إذن، وبرئت من دعوة الحجة "نصير" وخضت مع الخائضين في لعنة ابن ملجم، وكفرت بالخطاب، وأذعت السر المصون، وأنكرت دعوى أهل التحقيق. وإلا قلعت أصل شجرة العنب من الأرض بيدي حتى أجتث أصولها وأمنع سبيلها. وكنت مع قابيل على هابيل، ومع النمرود على إبراهيم. وهكذا مع كل فرعون قام على صاحبه. إلى أن ألقى العلي العظيم وهو علي ساخط وأبرأ من قول قنبر وأقول إنه بالنار ما تطهر".
وهذا القسم إذا حللناه وجدنا:
أأن علي بن أبي طالب يلقب بلقب "العلي العظيم. وهما من أسماء الله. وإن كان لا يتحدث عن "عبادة" بل عن "ولاء" لعلي. وعلى هذا تكون العلاقة هي علاقة المولى بمن يتولاه. أو بالعبد.
ب أن سلمان الفارسي هو صاحب الحجاب. أي الباب الذي يفضي إلى العلم والحكمة وأسرار الباطن وباطن الأسرار.
ج- أن الخطاب هو الديانة والدعوة والبلاغ.
د- أن مبادئ النصيرية سر مصون لا يجوز إذاعته.
هـ- أن شجرة العنب مقدسة عندهم بحيث لا يجوز اقتلاعها. لأن من ثمرها تصنع الخمر وهم يعظمون الخمر كما رأينا.
و- وقوله: أبرأ من قول "قنبر" يشير إلى ما قاله علي بن أبي طالب:
لما رأيت الأمر أمرًا منكرًا
…
أججت نساري ودعوت قنبرًا
ا. هـ.
ومن كلام ابن تيمية في وصف مذهبهم:
فمن حقيقة الخطاب عندهم والدين: أن يعلم أن عليًا هو الرب، ومحمد هو الحجاب. وسلمان هو الباب -وذلك على الترتيب. لم يزل ولا يزال. ومن شعر بعض ضلالهم -وكلهم ضلال- المشهور عنه قوله الملعون:
أشهد أن لا إله إلا
…
علي الأنزع البطين
ولا حجاب عليه إلا
…
محمد الصادق الأمين
ولا طريق إليه إلا
…
سلمان ذو القوة المتين
ا. هـ.
من عقائد الدروز:
1 -
قولهم: بألوهية الحاكم بأمر الله الفاطمي.
2 -
قولهم: بالتناسخ والتقمص والحلول، وهذه العقيدة تسللت إلى بعض الفرق الباطنية عن الديانة البرهمية.
من عقائد الإسماعلية:
والإسماعيليون على أنواع، ومن أشد فرقهم غلوًا الفرقة القائلة بألوهية الإنسان وبالتناسخ.
وقد عقد الدكتور محمد أحمد الخطيب مقارنة بين عقائد الدروز النصيرية والإسماعيلية في كتابه الحركات الباطنية في العالم الإسلامي ذكر فيها:
"من خلال الاستعراض السابق الذي استكملنا فيه دراسة عقائد وأفكار الحركات الباطنية المتواجدة في العالم الإسلامي، يمكننا أن نرى كثيرًا من أوجه الشبه أو الاختلافات بين عقائد هذه الحركات.
إلا أنه في الوقت نفسه، يجب أن لا يغيب عن أذهاننا أن الحركة الإسماعيلية كانت المغذي الرئيسي لكثير من هذه الحركات، ولن نتعدى الصواب إذا قلنا: إن الأفكار الرئيسية الموجودة في عقائد الإسماعيلية، لا تختلف إلا في بعض التفاصيل عن عقائد الفرق الأخرى.
فكافة هذه الفرق اتخذت من الفلسفات الوثنية من إغريقية وإسكندرانية أداة لها في إثبات صحة مزاعمها، وبالتالي في تشكيك الناس بدينهم وعقيدتهم.
وينبغي أن نلاحظ أن أتباع كل فرقة من هذه الفرق يعتبرون أنفسهم هم (الموحدون)، أما غيرهم -على حسب زعمهم- فالمسافة شاسعة بينهم وبين التوحيد، لذلك فالدروز يطلقون على مذهبهم (مسلك التوحيد) باعتبار أنهم وحدهم سلكوا هذا المسلك؟!
من الأمثلة الواضحة على أن الإسماعيلية كانت الرائدة في فلسفة كافة الفرق، نظرية الفيض الأفلاطونية، فقد كانت الإسماعيلية أول من حاول فرض هذه النظرية على العقائد الإسلامية، لذا أصبحت علما في هذا الاتجاه.
وإذا تتبعنا أوجه الاتفاق بين الفرق الباطنية، فإننا نرى أن نظرتهم للألوهية والتوحيد متشابهة رغم بعض الاختلافات في الأسماء والمسميات، وذلك لانبثاقها عن نظرية الفيض، فالإسماعيلية -حسب زعمها- ترى أن الخالق الحقيقي للكون هما (العقل الكلي والنفس الكلية)، وأنها من جملة الحدود في العالم العلوي، وهذان الحدان يقابلهما -على حسب قاعدة المثل والممثول- في العالم السفلي حد النبي وحد الإمام أو الوصي، لذا فإن كل
الألقاب التي تطلق على الله تطلق أيضًا على الوصي والإمام بصفتهما ممثلي العقل الكلي. وهذه القاعدة تقول بها جميع الفرق الإسماعيلية الأخرى على اختلاف أسمائها.
ولكن الدروز رغم انشقاقهم عن الإسماعيلية، وأخذهم الكثير من عقائدها، إلا أنهم رفضوا نظرية المثل والممثول التي تقول بها الإسماعيلية، وقرروا أن الحدود العلوية الموجودة في العالم العلوي هي ذاتها الموجودة في العالم السفلي ولا اختلاف بينها. وبما أن الدروز انشقوا عن الإسماعيلية لإظهارهم -الزعم- بألوهية الإمام الإسماعيلي (وهي العقيدة التي حاولت الإسماعيلية إخفاءها خوفًا وتقية)، فقد أعلنوا جوهر هذه العقيدة وهي: أن الله يتخذ على مر العصور والأزمان حجابًا أو صورة ناسوتية يتجلى فيها لخلقه -تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا-، وأن الحجاب الأخير الذي ظهر فيه كان بصورة الحاكم بأمر الله العبيدي، وبذلك أظهروا عقيدة كانت الإسماعيلية تخفيها ولا تعلنها.
وفي الوقت نفسه أخذوا عن الإسماعيلية نظرية العقول السبعة وطبقوها على ظهورات الله بالصورة الناسوتية، وزعموا أن عدد هذه الظهورات كانت سبعًا، آخرها الحاكم.
أما النصيرية، فتعتبر أن الذات الإلهية متشخصة بالمعنى وهو (علي بن أبي طالب) -تعالى الله عن ذلك-، ولكنها في الوقت نفسه لم تتجاهل نظرية الفيض التي قالت بها الإسماعيلية والدروز، فزعمت أن العقل الكلي هو (الميم) أي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن النفس الكلية هي (السين) أي سلمان الفارسي، وهو حسب زعمهم الذي خلق السموات والأرض والأيتام الخمسة كذلك.
وجميع الصفات الإلهية التي وصف الله بها نفسه في القرآن الكريم لا تعترف بها كافة الفرق الباطنية، فهم ينفون نفيًا مطلقًا هذه الصفات، إيجابية كانت أم سلبية، لأنه تعالى -على حسب زعمهم- فوق متناول العقل، والعقل عاجز عن إدراك كنهه، فإثبات هذه الصفات، حسب زعمهم- يعني عدم التوحيد. ولذلك فهم يزعمون أن هذه الصفات تليق فقط بحدوده وخاصة العقل والنفس، باعتبارهما من فيضه ومبدعاته.
وثمة وجه آخر من أوجه الشبه بين هذه الفرق، وهي عقيدة التناسخ، ورغم أن
الإسماعيلية لا تجاهر أو تصارح بالقول بها، إلا أن المتتبع لآراء الإسماعيلية يجزم أنها تؤمن بها شأنها شأن الفرق الأخرى، ولكن هناك بعض الاختلافات بين هذه الفرق، فالإسماعيلية والتنصيرية تؤمنان بوجود عالم روحاني تسكنه الملائكة، وعالم سفلي هو عالم الكون والفساد. وهم إضافة إلى ذلك يعتقدون بأن الأجساد مصدر الشقاء والآلام، وأن المؤمن حين موته تذهب نفسه إلى العالم العلوي، وأما الكافر فينقلب في الأجساد البشرية وغير البشرية عقاباً له على ما قدم، وعلى هذا فالإسماعيلية والنصيرية تؤمنان بالمسخ، أي أن تأتي نفس الكافر عقاباً لها - على حسب زعمهم - بقمصان رديئة كالحيوانات، أو أن تأتي بصورة جامدة من معدن أو حجر فتذوق بذلك عذاب جهنم؟!
وهذا الاعتقاد بالنسخ والمسخ، يخالف اعتقاد الدروز، الذين ينحصر التناسخ عندهم في الصور البشرية فقط، ولا يكون في البهائم أو الجمادات، ولذلك فقد عبروا عن التناسخ بكلمة التقمص، لأن في انتقال النفس إلى جسم حيوان ظلم لها، فالثواب والعقاب بني - حسب زعمهم - على قاعدة العدل الإلهي في محاسبة الأرواح بعد مرورها في القمصان البشرية.
وهناك عقيدة أخرى لا يختلفون فيها أبداً، وهي عقيدة التقية، فالتستر والكتمان عند جميع هذه الفرق فرض لا يجوز التهاون فيه، لأن البوح بأسرار اعتقاداتها إلى غير أهلها تدنيس لها، لذا فقد طالبت الإسماعيلية والدرزية والنصيرية أتباعها بالاستتار وعدم التظاهر بما يبطنون، وهكذا فقد أصبحت هذه العقيدة عادة مستحكمة عند جميع أتباع هذه الفرق، لأنها تعني التظاهر بشيء آخر، وبالتالي فقد جعلت هذه العقيدة من أتباعها بؤرة للنفاق والخداع يتصفون به جميعهم، وهذا واضح في تاريخهم.
ويمكن أن يضاف إلى عقيدة التقية أمر آخر مرتبط بها، وهو أن جميع هذه الحركات تطلب من المستجيبين لها عهوداً وأيماناً غليظة يجب أن يؤديها حتى يوثق به، ومع ذلك فإنهم لا يسلمونه كل الأسرار دفعة واحدة، بل على التدرج وكما هو واضح عند الدروز والنصيرية.
وهناك أيضاً عقائد بين الدروز والنصيرية أهمها:
"قضية العاقل والجاهل، فالعقال يسترون دينهم عن الجهال منهم، وإذا أراد أحد الجهال أن يدخل في أمور دينهم، فلا يسلمون الديانة له إلا بالتدريج بعد أن يتتلمذ على أحد المشايخ دينهم ويتخذه والدا دينيا، ويتفقون معهم أيضاً بقدمية العالم، وأن العالم قد خلق على ما هو عليه الآن، وأن عدد البشر كان كما هو الآن لا يزيد ولا ينقص". وهم ينفقون كذلك بالإضافة إلى الإسماعيلية في تأويل آيات القرآن حسب معتقداتهم، وأن له ظاهراً وباطناً حتى يثبتوا صحة معتقداتهم المناقضة للقرآن الكريم.
ونستنتج مما سبق، أن نقطة الخلاف والالتقاء الرئيسية بين الإسماعيلية والدروز والنصيرية هي عقيدة الألوهية، فجميعهم يقرون بإمكانية تجسد الألوهية في صورة إنسان، ولكن الإسماعيلية تراها في الأئمة الإسماعيليين جميعاً، بينما الدروز والنصيرية جعلتا لتجسد الألوهية ظهوراً أخيراً، فكان عند الدروز بشخص الحاكم، وعند النصيرية بشخص على بن أبي طالب - تعالى الله عن ذلك - أما بقية العقائد فقد يلتقون في سيء منها، ويختلفون في شيء آخر، ولكنهم متفقون في جوهرها. أ. هـ.
أقول:
إن من درس واقع الثلاث في عصرنا يجد زيادات كثيرة على ما ذكر فيما مضى، فالألوهية عند النصيرية والإسماعيلية لا تزال تتجسد برجال، ولا يزال يظهر عند النصيرية أنبياء، والمرأة عند النصيرية لا دين لها، وقد أسقط أئمة الإسماعيلية في هذا القرن تكاليف الاستتار عن المرأة، وحاول بعض فلاسفة الدروز المحدثون أن يدخلوا الجديد على العقيدة الدرزية، والملاحظ أن أبناء هذه الفرق هم أشد الناس غلواً في فصل الدين عن الدولة، وكثيرون من رجالهم يقومون بأدوار سياسية خطرة على الإسلام والمسلمين.
* * *