الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولقد أدركت عائشة رضي الله عنها هذا المعنى، فيما رواه البخاري، قالت:"حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام.. ولو نزل أول شيء: "لا تشربوا الخمر" -لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا"1.
وأكد عمر الثاني -بن عبد العزيز- بدوره أهمية هذا المنهج في المجال السياسي، ففيما يحكى عنه أن ابنه عبد الملك قال له:"ما لك لا تنفذ الأمور، فوالله ما أبالي لو أن القدور غلت بي وبك في الحق؟ ".
فقال له عمر: "لا تعجل يا بني، فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين، وحرمها في الثالثة، وإني أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة، فيدفعوه جملة، ويكون من ذا فتنة"2.
1 صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب تأليف القرآن.
2 الموافقات، لأبي إسحاق الشاطبي 2/ 93 ط. التجارية.
جـ-
تحديد الواجبات وتدرجها:
وهكذا نجد أن الإلزام الأخلاقي قد جاء في القرآن مشروطًا بأمرين:
أولهما: أن النشاط الذي يستهدفه يجب أن يكون يسيرًا على الطبيعة الإنسانية بعامة، أي:"خاضعًا لإرادة الإنسان".
وثانيهما: أن يكون هذا النشاط ميسرًا في واقع الحياة المحسوسة، أي:"يمكن ممارسته، وغير استبدادي".
وليس هذا هو كل شيء؛ إذ إنه لا يكفي، حتى ونحن في نطاق الخير الأخلاقي، أن يوصف نشاط بأنه ممكن وعملي، ليدخل في عداد الواجبات، فسوف نصادف هنا سلمًا من القيم الإيجابية والسلبية، رتبت بعلم، وتنوعت في وفرة.
ولو أننا -بادئ ذي بدء- نحينا جانبًا الواجبات الأولية المحددة التي لا يؤدي تطبيقها إلى أدنى لبس، مثل: "لا تكذب - أد الأمانة - كن في حاجة الآخرين
…
" لبقي أمام الفضيلة المبدعة والبناءة ميدان نشاط متراحب، يضم عددًا لا ينتهي من الدرجات، كلها ممكنة وعملية، فهل يجب استيعابها؟ أم أنه يكفي الاجتزاء ببعضها؟ وبعبارة أخرى، هل الخير والواجب فكرتان متطابقتان؟ وهل لا يوجد فوق السلوك الملزم بشكل صارم درجات يتزايد استحقاقها للثواب، ويصح تجاوزها دون ارتكاب موقف غير أخلاقي؟
إن رجوعنا إلى الضمائر الفردية سوف يصطدم بأن كل الناس ليس لديهم نفس القدر من التشدد، ولا نفس الطاقة الأخلاقية، ويترتب على ذلك أن التنوع في الإجابات يرينا كثيرًا من الاتجاهات المتعارضة؛ فعلى حين أن الأنفس ذات العزيمة القوية1 تجعل واجباتها في أعلى درجات الكمال الممكن، وبذلك يتطابق لديها المفهومان "أي: مفهوم الواجب والخير" يتجه الكافة بعكس ذلك إلى ما هو أقل وأدنى؛ ليحددوا الواجب على أنه الحد الأدنى من النزعة الإنسانية وحسن المعاشرة.
وعلى الرغم مما يدعيه "كانت" فإننا نتردد في وضعه بين الفلاسفة الذين يؤيدون ارتباط فكرة الإلزام بفكرة الخير؛ بالمعنى الواسع الذي نقصد إليه من هذه الكلمة؛ لأنه لكي يضع فكرة الواجب فوق كل شيء، بدأ بأن استبعد من مجالها علاقات الإنسان بالكائن الأعلى "L' ETRE SUPERIEUR"؛ وبالكائنات الدنيا "LES ETRES INFERIEURS" قاصرًا إياها على الفرد والمجتمع
1 انظر مثلًا الغزالي في الإحياء 4/ 10، وكذلك أبو المعالي، الذي يرى أنه لا توجد خطيئة عرضية، فكل شر أخلاقي هو كبيرة "أبو المعالي بالإرشاد، ذكره الشاطبي في الموافقات 3/ 253".
الإنساني؛ ثم إنه ميّز في هذا المجال المقيد طائفتين من الواجبات يطلق على بعضها؛ كاملة أو جوهرية، وعلى الأخرى؛ ناقصة أو عارضة1.
وأخيرًا: نجد أن الواجبات التي أدخلها في هذه الطائفة الأخيرة هي على وجه التحديد ما كان موضوعها تحقيق الكمال للفرد نفسه، وسعادة الغير.
أما الواجبات التي يصفها بأنها صارمة STRICTS -فلم تكن في جوهرها سوى واجبات منصبة على التحريم، لا تحط من كرامة الإنسان، ولا تستخدمه مجرد وسيلة.
والكمال الوحيد الذي أعلن أنه ملزم على وجه الإطلاق، وهو في الوقت نفسه مستحيل في هذه الحياة هو: النية الأخلاقية التي تنطوي على تأدية الواجب، بدافع الواجب وحده.
بيد أننا يمكن أن نسأل أولئك الذين يمدون "الواجب" إلى جميع مجالات الخير، ويريدون في الوقت نفسه أن يعينوا لكل مجال أعلى درجات الكمال الممكن على أنها إلزامية وملحة -نسألهم عما إذا كانوا يرون أن هذه الكمالات جميعًا "واجب" على كل شخص، أو أنهم يتركون لكل أن يختار مجال كماله؟
ومن الواضح أن الافتراض الأول يقتضي شيئًا هو فوق القدرة الإنسانية، أما الثاني فإنه يستحوذ على الإنسان ببعض القيم، ويفرغه لها تمامًا على حساب القيم الأخرى، فهل هذا يشبع الحاجة الأخلاقية؟
إن الكائن الإنساني تركيب من العلاقات: فالعنصر الحيوي، والشخصي، والأسري، والاجتماعي، والإنساني، والإلهي -كل ذلك نظام من العناصر
1 Kant: grit. De la R. prat. P. 168-9.
المترابطة المتواثقة، وكله قابل للتطور والتقدم، وليس من الممكن أن نغفل أي واحد منها دون أن نخلخل هذا التناسب العجيب الذي أبدع فيه الإنسان، أو نشوهه، أو نبتره.
والحاسة الخلقية تتطلب ازدهار هذا المجموع ككل، وهو ما لا يمكن إلا بشرط أن نربي -على التوازي- جميع الجوانب إلى مستوى معين، أي: إنه يجب أن تمارس النفس الإنسانية جميع القيم، قبل أن تتخصص في واحدة من بينها، وذلكم هو المفهوم الإسلامي للواجب:"إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا" وفي رواية: "ولزَوْرِك، فأعط كل ذي حقٍّ حقه"1.
فعن هذه المنافسة في القيم ينتج بالضرورة أن الواجب فرع من فروع الحياة لا ينبغي له أن يشغل سوى امتداد معين من الخير الممكن والميسور في هذا الفرع نفسه، تاركًا المجال للفروع الأخرى كي تشبع احتياجاتها؛ وتحرز نصيبها الشرعي من نشاطنا.
وهنالك مقياس تستطيع الضمائر الطاهرة أن تلمح به الحد الأعلى؛ الذي يتحول عنده معنى كل فضيلة إلى نقيضها؛ حين تلحق الضرر بفضيلة أخرى.
بيد أن هذا الحد الأعلى؛ الذي يختلف تبعًا لاستعداد كل فرد، وتبعًا للظروف التي يمر بها -لا يحدد ميدان الخير الأخلاقي إلا على نحو جزئي وسلبي؛ إذ لما كان الميدان رحبًا عرف كل فرد فيه درجات مختلفة من الفضل والاستحقاق؛ بحيث يستتبع النقص في درجة أو في أخرى؛ تارة تأنيبًا قاسيًا؛ وأخرى عتبًا رقيقًا، أو عتابًا شديدًا؛ وثالثة لا يثير أدنى رد فعل في الضمير.
1 صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب 84-86.
أليس معنى هذا أن الفرد قد عرف ضمنًا أن فكرة الخير يجب أن تتضمن قيمتين مختلفتين: حدًّا أدنى إلزاميًّا، وإضافة أكثر إغراء بالثواب؟
إن الضمائر لا تخطئ في هذا؛ ولكنها تخطئ عندما تريد أحيانًا أن تأخذ الجانب الإلزامي على أنه أدنى الدرجات الممكنة، وهو مقياس لا يجد فيه الناس ما يبلغ رضاهم بصفة عامة.
أما أهل الصلاح من الناس فهو أكثر إلحاحًا؛ إنه يقدر لنفسه بطريقة مبهمة -قدرًا وسطًا من الخير لا يستطيع أن يقيسه قياسًا دقيقًا، فكيف نبلغ في الواقع تحديد هذا القدر المتوسط بالنسبة إلى كل واجب من واجباتنا؟
ليس هناك أي مقياس عقلي، وموضوعي يستطيع أن يقدمه العقل الإنساني.
فهل نركن إلى الضمير الفردي؟
ليس هناك اتفاق في هذا الصدد، فهل نحاول وضع حد اتفاقي؟
إن هذا يعني اللجوء إلى التحكم والاعتساف.
وهكذا نجدنا بحاجة ماسة إلى هذه التحديدات.
إن شمولية القانون "L' UNIVERSALITE DE LA LOI" تتطلب قدرًا من التجانس في الأساس، وبغير ذلك ربما لا تبقى لنا أية قاعدة؛ ثم لا يصبح القانون أكثر من كلمة تردد، فارغة من مضمونها.
لقد حاولنا أحيانًا أن نحدد تحديدًا عقليًّا واجبنا الدقيق نحو أندادنا، ولكنا لم نستطع أن نقدم سوى جانبه السلبي: ألا نلحق بهم ظلمًا، ومعنى ذلك أن يكون للناس حق في عدالتنا، لا في إحساسنا، وتلكم هي الأنانية شامخة في القانون!!
ثم
…
كيف نقدر الحد الأدنى الضروري من واجباتنا نحو الله، ونحو أنفسنا؟ عن هذه النقاط جميعها تقدم الأخلاق الإسلامية إشارات ثمينة.
ففيما عدا الواجب المطلق الذي لا يتضمن تقييدًا، ولا تحديدًا، أعني:"الإيمان" -نجد أن هذه الأخلاق تعين في كل عمل يقبل التحديد درجتين من الخير، وتعطي لكل منهما علامات مميزة، ومحددة بدرجة كافية: الحد الأدنى، الذي لا يهبط العمل دونه، إلا إذا أخل بالواجب؛ ثم ما يعلو فوق ذلك دون تجاوز للحد الأقصى؛ وبعبارة أخرى: الخير الإلزامي، والخير المرغوب فيه. ومعنى ذلك بالنسبة إلى ما سبق أن ما وصف بأنه ضرورة صارمة يمثل مشاركة جوهرية في كل قيمة1.
وفضلًا عن ذلك، إن القرآن يفتح الطريق في كل مجال إلى مشاركة أكبر، وهو يحث كل إنسان على ألا يقنع بهذه المرحلة المشتركة، وأن يرتفع دائمًا إلى درجات أكثر جدارة، في مثل قوله تعالى:{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} 2؛ وقوله: {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} 3، وقوله:{وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} 4، فهو يضع فضيلة "الإسماح - CONDESCENDANCE" فوق "الحق الثابت"، ويلح بخاصة على فضيلة "الإحسان"، واسمع في ذلك قوله تعالى:{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} 5.
وإمهال المدين عندما يكون عاجزًا عن الوفاء -واجب، ولكن إعفاءه
1 وعلى سبيل المثال: شهر من الحرمان يفرض على شهواتنا، وعشر من محاصيلنا، وجزء من أربعين جزءًا من أموالنا يواجهها إلى الفقراء، وخمس صلوات في كل يوم
…
إلخ.
2 البقرة: 184.
3 البقرة: 219.
4 الفرقان: 64.
5 البقرة: 237.
نهائيًّا من دينه بادرة جديرة بالثناء. {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} 1.
والدفاع عن النفس ضد الظلم حق، ولكن التحمل والمغفرة أجمل. {لَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} 1.
وأداء الفرائض خير، ولكن {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} 3.
في مقابل هذه الدرجات للقيمة الإيجابية، والتي سبق أن ذكرناها في المفهوم الأخلاقي للخير، في القرآن -من اليسير أن نتعرف درجات القيمة السلبية التي وضعها القرآن على النقيض.
بيد أن سلم القيم، مع هاتين القائمتين المتوازيتين لما يُستنفد، حتى في سطوره البارزة؛ ذلك أنه سلم ثلاثي، يتقارب فيه هذان الطرفان المتضادان بوساطة حد وسط يربطهما، دون أن ينقطع استمرارهما؛ فبين "القيمة"، و"نقيض القيمة" يقحم القرآن "اللاقيمة"؛ إذ يوجد بين "المفروض" و"المحرم" مكان لـ"المباح".
ثم إنه يميز في "المفروض" -أولًا- الواجب الرئيسي، ثم يجيء دور التكاليف الأخرى، ثم أخيرًا الأعمال التي يتصاعد ثوابها.
كما أنه يرتب في "المحرم" الكبائر، ثم تأتي السيئات الأخرى، من الفواحش أو اللَّمَم.
وكذلك نراه يميز بين درجتين في الأعمال المباحة، ونعني بهما: المسموح به، والمتغاضى عنه.
فمن الحق إذن أن نتساءل عما إذا كان أدق العقول وأكثرها إدراكًا للتنوع -يمكنه أن يجد أشياء أخرى يضيفها إلى هذا البناء المتدرج للقيم؟!
1 البقرة: 280.
2 الشورى: 41-42.
3 البقرة: 158.
ولقد حاولنا عبثًا أن نعثر على أية ثغرة تسوغ ما ذهب إليه "جوتييه" من إطلاق تعبير "العقل المولع بالفصل" -على العقل الإسلامي الذي أقر هذا التدرج، وهو بحسب ما اعترف به هذا المفكر سمة إسلامية خالصة1، إذ يقول: "إن وضع الشيء بإزاء نقيضه هو الصيغة التي تتلخص فيها جميع الأشياء في العالم العربي، وبخاصة المسلم، بما في ذلك الدين، والتاريخ
…
إلخ" 2.
تلك على أية حال ملاحظة عابرة؛ ولنعد إلى عرضنا، إلى النقطة التي تركنا الحديث عندها، لنقول كلمة عن المغزى الحق لهذا التدريج، فيما يتعلق بالمعفو عنه، والمباح القرآني، فلا ريب أن المباح بالمعنى الصحيح إنما يتناول الأعمال التي لا دخل فيها للأخلاق3.
أما فيما يتعلق بالمعفو عنه فيجب أولًا أن نبعد الفكرة التي تجعل منه رخصة ببعض ما يمس الأخلاق، رخصة ببعض الميول والأهواء لدى كل فرد.
إن ذلك سوف يكون إنكارًا مسبقًا للأخلاق ذاتها، التي هي بحسب التعريف "قاعدة السلوك"، فماذا يكون -على الحقيقة- الالتزام بقاعدة، إن لم يكن التمسك الصارم بها، وعدم الخضوع للمغريات التي تصد عنها؟!
ولكن
…
ها هو ذا وضع المسألة: فإذا ما وجد نوع من المشقة، ووقف القرآن أمامها صلبًا لا يتزعزع، ثم وجدناه يحثنا على أن ننتصر عليها بأي ثمن -فذلك هو ما يستتبع على وجه التحديد مقاومتنا لميولنا، إذ يجب أن نختار بين طاعة الله، وبين الخضوع للرغبات الجامحة، ومن ثم قال الله
1 Gauthier، Introd. A l'etude de la philos. Musulmanne، p. 125.
2 المرجع السابق ص37.
3 فمثلًا: تناول طعام معين أو غيره -كلاهما صواب، وهما سواء صحة وطهارة.
سبحانه {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} 1، وقال:{فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} 2، وقال:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ} 3.
فلم يكن المعفو عنه في القرآن -إذن- لكي ننحرف أمام أهوائنا، وإنما هي بكل بساطة وصدق مسألة مراعاة للواقع المحسوس الذي يجري فيه نشاطنا، دون أن نذهب في هذه الطريق إلى أحد إلغاء جهدنا، وإعفاء أنفسنا من واجبها. فقد رأينا -عمومًا- أن القاعدة لا تخضع للموقف بذاتها، وإنما هي تخضع له في خصائصها المكانية - الزمانية - كالكمية، والمدة، والشكل، والتاريخ
…
إلخ.
فإذا أردنا ألا يكون القانون الأخلاقي حرفًا ميتًا فيجب -في الواقع- أن نجعله في إطار صارم من الزمان، والمكان، والظروف الخارجية المحضة، يجب أن يجد القانون مجال تطبيقه بشكل أو بآخر.
ومن الطبيعي والعدل أن تتطلب فاعلية هذا التطبيق مرونة مناسبة، للتكيف مع الواقع المستقل عن إرادتنا؛ وعندما يخضع التكليف للضرورة عند هذا الحد، فيقف أمام عقبة في هذا الواقع لا تقهر، "مثلًا: حالة الإنسان العاجز عن أداء واجبه العسكري، أو المحروم الجائع الذي لا يستطيع أن يمتنع عن الأطعمة النجسة" -هنا تصبح المسألة أساسًا هي تفادي الهلكة، في فضيلة واحدة على حساب فضائل أخرى تعدلها، أو تفوقها أهمية. وهكذا نجد أن لطف الشريعة لم يكن الهدف منه تقليل الجهد، بل إرساءه على أساس عقلي، أي: "عَقْلَنَته" إن صح التعبير.
ولسوف نرى فيما بعد4، بأية طريقة حقق القرآن تركيب هاتين الفكرتين، فلنكتف الآن باستخلاص موقف القرآن أمام المشكلات المتعلقة بمفهوم الإلزام في ذاته.
1 ص: 26.
2 النساء: 135.
3 القصص: 50.
4 انظر الفصل الخامس، الفقرة الثالثة.