الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"اسلك بحيث يمكن للقاعدة التي تقبلها إرادتك أن تصلح في الوقت نفسه كمبدأ يتخذ أساسًا لتشريع عام"1.
وهنا أيضًا نتعرف على مسلك العقل "المبتذل - triviale"، الذي أراد -كانت- أن يعلو عليه.
جـ- وحيث قد وصلنا إلى قمة التجريد بهذه الصيغة التي لا يمكن أن نتصور ما يفوقها في العمومية -فإننا نستطيع أن نعفي أنفسنا من الإشارة إلى المنحدر الذي يجب أن نهبط منه، لنجد تطبيقات هذا القانون العام على الطبيعة الإنسانية.
ولنعد الآن مرة أخرى إلى تتبع هذا المذهب في مراحله الثلاث المتعاقبة؛ كيما نسبر غوره.
1 المرجع السابق ص30.
المرحلة الأولى:
- ولنسأل أنفسنا -أولًا- عما إذا كان يوجد في الواقع علاقة ضرورية بين فكرة العموم وفكرة الأخلاق.
أصحيح أن إمكان تحول قاعدة إلى قانون عام يعتبر الشرط الضروري والكافي لنخلع عليها الوصف الأخلاقي؟
أصحيح أيضًا "أن القاعدة إذا لم تصمد أمام تجربة التماثل مع القانون الطبيعي عمومًا، فإنها تصبح مستحيلة أخلاقيًّا"1.
وعلى حد قول مؤلفنا: إن في هذا المقياس المزدوج -"القانون الذي يسمح بتقدير سلوكنا بعامة"2، والوسيلة إلى أن نتعلم "بأسرع ما يمكن
1 المرجع السابق ص27.
2 fondement de le met. Des moenrs، P. 142.
مع عصمتنا من الخطأ"1، وقال: "وبهذا المقياس في أيدينا يصبح لدينا في جميع الحالات التي تطرأ، كامل الاختصاص لتمييز ما هو خير مما هو شر، ما هو مطابق للواجب مما هو مناقض له"2.
ولا يحتاج الأمر إلى كثير من الحصافة لكي نرى كم يضم الجزء الأول من هذا المقياس، تحت نفس المفهوم -قيمًا شديدة الاختلاف فيما بينها، ابتداء من الواجب، حتى نقيضه تمامًا، مارة بالأعمال المحايدة والمشبوهة.
والواقع أننا إذا نحينا جانبًا طرق السلوك التي قد يرفض الإنسان التبادل فيها، فإن ما يتبقى يعتبر في نظره سلوكًا لا مؤاخذة فيه، تقبل أحكامه أن تتحول -في رأيه- إلى قانون عام. ونبدأ بقاعدة السلوك التي يتخذها الإنسان المتوسط لنفسه في ناحية من نواحي حياته اليومية: وهي أن يسير وراء أهوائه البريئة التي يجوز الترَخُّص في إرضائها، وحينئذ نجد أن السلوك الحسن أخلاقيًّا، والسلوك المحايد أخلاقيًّا قد أصبحا غير متميزين، بحسب المفهوم الذي يقول:"بإمكان تعميم مثل هذه القاعدة" -ليس هذا فحسب، ولكن الواجب قد هبط إلى مستوى مجرد المباح؛ لأنه شتان بين أن نقول: إن التشريع يجب أن يكون عامًّا، وبين أن نقول: إنه يمكن أن يكون كذلك.
ولما كان هذا الاختلاف هو الذي يتميز به السلوك "الملزم" من السلوك "الجائز" فقط، فإن الصيغة الكانتية شأنها شأن الصيغة السوقية -vulgaire- التي تعتري إليها -عاجزة عن تقديمه.
ومعلوم من ناحية أخرى بأية عناية ميز "كانت" بين طائفتين من قواعد السلوك التي تدور حول الواجب "كإسداء الخير للغير":
1 المرجع السابق ص104.
2 المرجع السابق ص106.
الطائفة الأولى: تأمر بالامتثال للواجب، لا أكثر، "أي: مهما يكن الدافع: استعداد طيب، أو مزهو، أو ذو مصلحة
…
".
والأخرى: تشترط في الوقت نفسه تحديد الواجب بفكرة الواجب.
ولما كان واضحًا أن مقياس العمومية، سواء أكان ممكنًا أم ضروريًّا، لا يوضح لنا هذه الفروق الطفيفة مع أهميتها القصوى، فإن التباسًا آخر يحدث هنا ما بين الأخلاقية والشرعية "moralite et legalite".
بيد أن الالتباس الأسوأ هو الالتباس الذي يحدثه هذا "المحك" المزعوم في الضمير الفردي، حين يمنحه الحق في أن يطلق وصف "الخير الأخلاقي" على كل سلوك يريد ببساطة رفعه إلى مرتبة القانون العام، حتى لو كان من أكثر الأعمال تهمة، إن لم يكن بحكم الضمير العادي، فعلى الأقل في نظر الحكمة الكانتية ذاتها.
فلنختبر، مثلًا، شعور أولئك الذين يرتكبون مخالفات تتفاوت في خطورتها، ضد القانون الأخلاقي: "الطبيب الذي يخدع مريضه ليشفيه، والمحسن الذي يرتكب كذبة بريئة لينقذ حياة، والإنسان المرهف الحس الذي يؤثر أن ينتحر على أن يتحمل عارًا
…
" -ألا يعطي هؤلاء لسلوكهم قيمة قانون عام، يجب أن يطبق على جميع الناس الذين يوجدون في نفس الظروف التي وجدوا هم فيها؟
ثم ماذا؟! هذا الإنسان الوقح الذي يرتمي في أحضان الفسق الداعر، هل يحس بأدنى عيب في أن يقتدي الناس به؟ أوَليس هناك بعض الناس يريدون أن يخلعوا صفة القانون العام على العري، وجميع آثاره اللاأخلاقية؟!
بيد أن هناك، على عكس ذلك، قواعد للسلوك لا يمكن أن ترتفع إلى درجة العمومية، دون أن تتعارض في ذاتها، أو دون أن تعرض الطبيعة الإنسانية للخطر، ومع ذلك لا نستطيع أن ننسبها إلى اللاأخلاقية.