المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الجهد البدني ‌ ‌مدخل … 2- الجهد البدني: لنذكر أولًا أنه إذا كانت هنالك أخلاق - دستور الأخلاق في القرآن

[محمد بن عبد الله دراز]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مقدمة

- ‌مدخل

- ‌ الوضع السابق للمشكلة:

- ‌تقسيم ومنهج

- ‌مدخل

- ‌الجانب العملي:

- ‌الجانب النظري:

- ‌ دراسة مقارنة:

- ‌النظرية الأخلاقية كما يمكن استخلاصها من القرآن

- ‌الفصل الأول: الإلزام

- ‌مدخل

- ‌مصادر الإلزام الأخلاقي

- ‌مدخل

- ‌أولًا: القرآن

- ‌ثانيًا: السُّنة

- ‌ثالثًا: الإجماع

- ‌رابعًا: القياس

- ‌خصائص التكليف الأخلاقي

- ‌مدخل

- ‌ إمكان العمل:

- ‌ اليسر العملي:

- ‌ تحديد الواجبات وتدرجها:

- ‌تنافضات الإلزام

- ‌كانت

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى:

- ‌المرحلة الثانية:

- ‌المرحلة الثالثة:

- ‌فردريك روه

- ‌خاتمة:

- ‌الفصل الثاني: المسئولية

- ‌مدخل

- ‌ تحليل الفكرة العامة للمسئولية:

- ‌شروط المسئولية الأخلاقية والدينية

- ‌الطابع الشخصي للمسئولية

- ‌ الأساس القانوني:

- ‌ العنصر الجوهري في العمل:

- ‌ الحرية:

- ‌ الجانب الاجتماعي للمسئولية:

- ‌خاتمة:

- ‌الفصل الثالث: الجزاء

- ‌مدخل

- ‌ الجزاء الأخلاقي:

- ‌ الجزاء القانوني:

- ‌نظام التوجيه القرآني ومكان الجزاء الإلهي

- ‌مدخل

- ‌طرق التوجيه الكتابية:

- ‌نظام التوجيه القرآني:

- ‌النتائج غير الطبيعية "أو الجزاء الإلهي

- ‌الجزاء الإلهي

- ‌مدخل

- ‌ الجزاء الإلهي في العاجلة:

- ‌ الجزاء الإلهي في الحياة الأخرى:

- ‌خاتمة:

- ‌الفصل الرابع: النية والدوافع

- ‌مدخل

- ‌النية

- ‌مدخل

- ‌ النية كشرط للتصديق على الفعل:

- ‌ النية وطبيعة العمل الأخلاقي:

- ‌ فضل النية على العمل:

- ‌ هل تكتفي النية بنفسها

- ‌دوافع العمل

- ‌مدخل

- ‌دور النية في المباشرة وطبيعتها

- ‌ النية الحسنة:

- ‌ براءة النية:

- ‌ النيات السيئة:

- ‌ إخلاص النية واختلاط البواعث:

- ‌خاتمة:

- ‌الفصل الخامس: الجهد

- ‌مدخل

- ‌جهد وانبعاث تلقائي

- ‌مدخل

- ‌ جهد المدافعة:

- ‌ الجهد المبدع:

- ‌الجهد البدني

- ‌مدخل

- ‌ النجدة:

- ‌ الصلاة:

- ‌ الصوم:

- ‌الصبر والعطاء، والعزلة والاختلاط:

- ‌ جهد وترفق:

- ‌خاتمة:

- ‌خاتمة عامة:

- ‌تنبيه:

- ‌الأخلاق العملية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: الأخلاق الفردية

- ‌أولًا: الأوامر

- ‌ثانيًا: النواهي

- ‌ثالثًا: مباحات

- ‌رابعًا- المخالفة بالاضطرار:

- ‌الفصل الثاني: الأخلاق الأسرية

- ‌أولًا: واجبات نحو الأصول والفروع

- ‌ثانيًا: واجبات بين الأزواج

- ‌ثالثًا: واجبات نحو الأقارب

- ‌رابعًا: الإرث

- ‌الفصل الثالث: الأخلاق الاجتماعية

- ‌أولًا: المحظورات

- ‌ثانيًا: الأوامر

- ‌ثالثًا: قواعد الأدب

- ‌الفصل الرابع: أخلاق الدولة

- ‌أولًا: العلاقة بين الرئيس والشعب

- ‌ثانيًا: العلاقات الخارجية

- ‌الفصل الخامس: الأخلاق الدينية

- ‌إجمال أمهات الفضائل الإسلامية:

- ‌فهارس الكتاب

- ‌فهرس الأحاديث النبوية الشريفة

- ‌فهرس الأعلام والفرق والقبائل والأماكن:

- ‌قائمة المصطلحات الأجنبية والعربية:

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌ ‌الجهد البدني ‌ ‌مدخل … 2- الجهد البدني: لنذكر أولًا أنه إذا كانت هنالك أخلاق

‌الجهد البدني

‌مدخل

2-

الجهد البدني:

لنذكر أولًا أنه إذا كانت هنالك أخلاق ترى في الألم النازل بأجسادنا، من حيث هو، قيمة جديرة بأن تطلب لذاتها، أو باعتبارها نظامًا لنجاة النفس -فإن هذه ليست أخلاق القرآن، على وجه التأكيد. ذلك أن هذه الأخلاق لا ترى أن يبحث الإنسان عن الألم البدني صراحة، فضلًا عن أن تأمر به فهي قد فرقت تفرقة واضحة بين الجهد البدني الذي يتضمنه واجب مقرر، أو الذي يصحبه من وجه طبيعي، وبين جهد مندوب، هو إبداع خالص لهوى أنفسنا.

إنها ترفض هذا النوع الأخير من الجهد، وتحرمه. ولعلنا نعرف خبر أولئك النفر من المؤمنين الذين اعتقدوا أن قيامهم بواجب العبادة المشكور يقتضي أن يفرضوا على أنفسهم ضروبًا مختلفة من الحرمان والتقشف، وهو أمر أشار إليه القرآن، دامغًا إياه بالإفراط والمخالفة، فقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ، وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} 1.

وقد روت السُّنة تفاصيل هذا الموقف فيما روي عن أنس أن نفرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر، فقال بعضهم:

المائدة: 87-88.

ص: 630

لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه، فقال:"ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني"1.

والواقعة التالية تعطينا مثالًا آخر، من هدي رسول الله، فعن ابن عباس قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، إذا هو برجل قائم، فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم، ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم:"مره فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه"2.

ألا يترتب على هذا بداهة أن الجهد البدني في الإسلام لا يمكن أن تكون له قيمة منفصلة عن مضمونه؟

ولهذا، فعندما يكون الأمر بالعكس، أي: عندما لا يكون أداء الواجب إلا مع تحمل بعض المشقة البدنية، فإن القرآن والحديث لا يألوان جهدًا في طلب جهدنا في مختلف صوره:

- جهد من أجل المعيشة: {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْض} {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} 4.

1 صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب 1.

2 صحيح البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب 30. وقد اختلف النص الذي نقلناه من الصحيح عن نص الأصل في عبارة "مروه" والصواب ما أثبتناه. "المعرب".

3 الجمعة: 10.

4 الملك: 15.

ص: 631

- جهد من أجل اكتساب ما يكون صدقة1.

- جهد لأداء العبادة في وقتها المحدد، دون نظر إلى الفصول، وتغير ظروف الجو والمناخ. ولهذا كان من الواجب أداء الصلاة، بطريقة أو بأخرى، متى حان وقتها:{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} 2، حتى خلال الحرب:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} 3. والصوم يجب أداؤه، في أطول الأيام، مثلما يؤدى في أقصر الأيام: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهْ} 4.

والحج يؤدى، في أي فصل من فصول السنة وقع:{يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} 6.

ومن المعلوم، فيما قبل الإسلام، أن العرب لكي ييسروا تجارتهم في سوقهم السنوية، ولكي يوفقوا بينها وبين هذه العبادة -جعلوها ثابتة في الربيع، واقتضاهم هذا أن يقوموا بعملية تأجيل تسمى "النسيء"، فألغى القرآن هذه العادة حين أثبت "أو بالأحرى أعاد تثبيت" تاريخه القمري المحدد، بحيث يمر على التوالي بجميع فصول السنة، وفي ذلك يقول تعالى:{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} 7.

- وهناك أخيرًا، جهد الدفاع عن الحقيقة المقدسة، وفي هذا يصبح التوجيه أكثر ترديدًا، وأعظم قوة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ

1 انظر ص481 من الأصل: "حديث الصدقة".

2 النساء: 103.

3 البقرة: 239.

4 البقرة: 185.

5 البقرة: 189.

6 البقرة: 197.

7 التوبة: 37.

ص: 632

بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ، إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ} 1.

وكذلك: {وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئًا يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} 3.

وهذه الروح القوية في الجهاد لا تظهر فقط من خلال تكرار الأمر بالجهاد في القرآن، بل إن لها صداها في القول الذي كان السابقون إلى الإسلام يبايعون عليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "فعن عبادة بن الوليد بن عبادة عن أبيه عن جده قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، في العسر واليسر،

1 التوبة: 38-42.

2 التوبة: 81.

3 التوبة: 120.

ص: 633