المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌خاتمة: فتلك إذن أرقام تتحدث ببلاغة أكثر من أي تعليل نظري. - دستور الأخلاق في القرآن

[محمد بن عبد الله دراز]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مقدمة

- ‌مدخل

- ‌ الوضع السابق للمشكلة:

- ‌تقسيم ومنهج

- ‌مدخل

- ‌الجانب العملي:

- ‌الجانب النظري:

- ‌ دراسة مقارنة:

- ‌النظرية الأخلاقية كما يمكن استخلاصها من القرآن

- ‌الفصل الأول: الإلزام

- ‌مدخل

- ‌مصادر الإلزام الأخلاقي

- ‌مدخل

- ‌أولًا: القرآن

- ‌ثانيًا: السُّنة

- ‌ثالثًا: الإجماع

- ‌رابعًا: القياس

- ‌خصائص التكليف الأخلاقي

- ‌مدخل

- ‌ إمكان العمل:

- ‌ اليسر العملي:

- ‌ تحديد الواجبات وتدرجها:

- ‌تنافضات الإلزام

- ‌كانت

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى:

- ‌المرحلة الثانية:

- ‌المرحلة الثالثة:

- ‌فردريك روه

- ‌خاتمة:

- ‌الفصل الثاني: المسئولية

- ‌مدخل

- ‌ تحليل الفكرة العامة للمسئولية:

- ‌شروط المسئولية الأخلاقية والدينية

- ‌الطابع الشخصي للمسئولية

- ‌ الأساس القانوني:

- ‌ العنصر الجوهري في العمل:

- ‌ الحرية:

- ‌ الجانب الاجتماعي للمسئولية:

- ‌خاتمة:

- ‌الفصل الثالث: الجزاء

- ‌مدخل

- ‌ الجزاء الأخلاقي:

- ‌ الجزاء القانوني:

- ‌نظام التوجيه القرآني ومكان الجزاء الإلهي

- ‌مدخل

- ‌طرق التوجيه الكتابية:

- ‌نظام التوجيه القرآني:

- ‌النتائج غير الطبيعية "أو الجزاء الإلهي

- ‌الجزاء الإلهي

- ‌مدخل

- ‌ الجزاء الإلهي في العاجلة:

- ‌ الجزاء الإلهي في الحياة الأخرى:

- ‌خاتمة:

- ‌الفصل الرابع: النية والدوافع

- ‌مدخل

- ‌النية

- ‌مدخل

- ‌ النية كشرط للتصديق على الفعل:

- ‌ النية وطبيعة العمل الأخلاقي:

- ‌ فضل النية على العمل:

- ‌ هل تكتفي النية بنفسها

- ‌دوافع العمل

- ‌مدخل

- ‌دور النية في المباشرة وطبيعتها

- ‌ النية الحسنة:

- ‌ براءة النية:

- ‌ النيات السيئة:

- ‌ إخلاص النية واختلاط البواعث:

- ‌خاتمة:

- ‌الفصل الخامس: الجهد

- ‌مدخل

- ‌جهد وانبعاث تلقائي

- ‌مدخل

- ‌ جهد المدافعة:

- ‌ الجهد المبدع:

- ‌الجهد البدني

- ‌مدخل

- ‌ النجدة:

- ‌ الصلاة:

- ‌ الصوم:

- ‌الصبر والعطاء، والعزلة والاختلاط:

- ‌ جهد وترفق:

- ‌خاتمة:

- ‌خاتمة عامة:

- ‌تنبيه:

- ‌الأخلاق العملية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: الأخلاق الفردية

- ‌أولًا: الأوامر

- ‌ثانيًا: النواهي

- ‌ثالثًا: مباحات

- ‌رابعًا- المخالفة بالاضطرار:

- ‌الفصل الثاني: الأخلاق الأسرية

- ‌أولًا: واجبات نحو الأصول والفروع

- ‌ثانيًا: واجبات بين الأزواج

- ‌ثالثًا: واجبات نحو الأقارب

- ‌رابعًا: الإرث

- ‌الفصل الثالث: الأخلاق الاجتماعية

- ‌أولًا: المحظورات

- ‌ثانيًا: الأوامر

- ‌ثالثًا: قواعد الأدب

- ‌الفصل الرابع: أخلاق الدولة

- ‌أولًا: العلاقة بين الرئيس والشعب

- ‌ثانيًا: العلاقات الخارجية

- ‌الفصل الخامس: الأخلاق الدينية

- ‌إجمال أمهات الفضائل الإسلامية:

- ‌فهارس الكتاب

- ‌فهرس الأحاديث النبوية الشريفة

- ‌فهرس الأعلام والفرق والقبائل والأماكن:

- ‌قائمة المصطلحات الأجنبية والعربية:

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌ ‌خاتمة: فتلك إذن أرقام تتحدث ببلاغة أكثر من أي تعليل نظري.

‌خاتمة:

فتلك إذن أرقام تتحدث ببلاغة أكثر من أي تعليل نظري. وأخطر الاعتراضات التي تثار غالبًا ضد الأخلاق الدينية بعامة ينحصر في القول بأنها تضرب صفحًا عن الضمير، فرديًّا كان أو جماعيًّا، وأنها تستمد كل قوتها، وكل سلطانها من إرادة علوية، خارجة عن طبيعة الأشياء، وأنها تفرض نفسها بخاصة عن طريق الترغيب في الثواب، والخوف من العقاب الذي قررته تلك الإرادة العليا1.

ونحن ندرك الآن أن هذا النقص -في أية حالة من حالاته- لا يمس الأخلاق الإسلامية، فالقرآن -كما رأينا- يعلن أن النفس الإنسانية مستودع قانون أخلاقي فطري، نفخ فيها منذ الخلق، والنبي صلى الله عليه وسلم يأمر كلًّا منا أن يستفتي قلبه، كيما يعرف ما يأخذ وما يدع.

بل إن أكثر المذاهب الإسلامية محافظة تتفق على أن تسلم للعقل الإنساني بمجال خاص في التقدير والتشريع، حين يكون تحديد الخير والشر مرجعه العقل، سواء أكان كمالًا أم نقصًا، وسواء أكان موافقًا أم مخالفًا للفطرة.

1 انظر: Boutteville، La Morale de l'eglise، et la morale naturelle، p. 445.

ص: 403

والمشكلة التي أثارت اختلاف المذاهب في هذه النقطة كانت فقط هي: أيجب أن نأخذ أمر العقل أمرًا نهائيًّا؟ وهل هو يتفق دائمًا، أينما كان، مع واقع الأشياء؟ وهل هو يتوافق بخاصة مع العقل الإلهي؟

فأما أن الضمير مزود -بطريقة كافية- بسلطة لتأكيد مسئوليتنا أمام أنفسنا، فأمر لا يماري فيه أحد، ولكن هل لديه من هذه السلطة ما يكفي لإثبات مسئوليتنا أمام الله؟

على هذه المسألة المحددة دار النقاش.

وعلى هذا، أليس واضحًا ما يحدث لنا غالبًا من أن تُعْمِيَ العاداتُ ضميرنا، أو تضلله الأوهام، أو تتسلط عليه المنفعة، وأن تتحدث إلينا العاطفة أحيانًا متخفية في ثوب العقل، ومتقلدة بلغته؟

بل إننا قد نميل إلى القول بأن العقل في هذه الحالات هو الذي يتحدث إلينا، لكنه عقل ساقط فاسد؛ لكثرة ما سخر نفسه لخدمة الغريزة البهيمية، فإذا ما بلغ هذا الحد من الضلال فإنه يزعم أن دوره الرئيسي أن يكشف عن وسائل إشباع منافعنا العاجلة، وأن يحاول إنجاحها.

ولكن عجبًا!! إننا حين يتعارض العقل والمشاعر على نحو سافر، وذلك ما يحدث في أكثر الحالات، نسلم بانتظام للعقل بحقه في السيطرة على المشاعر، فهل نحن بهذا في موقف محايد؟

وحين يستأثر العقل في زهو بسلطة حسم النقاش ألا يجعل من نفسه بذلك حكمًا وخصمًا في آن؟

فإذا ما أمضينا هذا الاستدلال إلى غايته حق لنا أن نتساءل عما إذا كان خالق هذه الفطرة البالغة التنوع يرضى فعلًا أن يضحي بالجانب الأكبر والأقدم من صنعه، في سبيل آخر قادم، ما الذي يدل في الواقع على أن الله قد أمر بهذه التضحية؟

ص: 404

وأين هو التوكيل الذي بمقتضاه يتحدث جزء واحد فقط من الخلق باسم الخالق؟ وما الذي يهدينا في هذه الدعوى؟ أهو غريزة الصدق أم هو الكبرياء والزهو بالذكاء؟

ولا ريب أن الإرادة العاقلة هي أثمن جزء في وجودنا، فهي التي نتميز بها، على حين أن ما تبقى مشترك بيننا وبين الكائنات الدنيا. إنها الملكة القادرة على أن تركزنا في ذواتنا، على حين أن الحواس والغرائز تبعثرنا خارجها. فهي إذن مخصصة ليمنحها الخالق حق السيادة، ودور المبدأ المنظم.

ولكن، هل يكون عدلًا أن يحكم سيد رعاياه دون استشارتهم؟ أليس من الواجب أن يبذل كل طاقته ليضمن لهم النمو الذي يقدرون عليه؟

أين ينتهي العمل الديموقراطي، وأين يبدأ الطغيان والاستبداد في هذا التنظيم؟ ومن ذا الذي يستطيع أن يرسم هذا الخط الفاصل على أساس من الحياد؟

لقد أدرك ذلك الفقهاء المسلمون، فيما خلا عددًا قليلًا من المعتزلة وأشباههم. وقد قرر هؤلاء الفقهاء أنه لإيجاب مسئولياتنا أمام الله لا بد من شريعة تأتي من عند الله بطريقة إيجابية وصريحة، في مقابل ذلك القانون الضمني المستودع ابتداء في فطرتنا. ولن يكون دور هذه الشريعة الجديدة -بلا ريب- أن تبطل قانون الفطرة؛ لأنهما حقيقتان، ما كان لهما أن تتعارضا، ولكن دور الشريعة الإلهية أن تثبت قانون الفطرة، وأن تمنحه سندًا متينًا، وذلك بعد أن تستخلصه بكل نقائه وطهارته.

ويجب أن يبدأ مشروع هذا التطهير المسبق -بداهة- بمنع ضلالات العقل المزعوم قبل وقوعها، وبإيقاظ الضمير النائم تحت أنقاض الأوهام. يقول تقي الدين ابن تيمية: "إن الرسل إنما بعثت بتكميل الفطرة، لا بتغيير

ص: 405

الفطرة"1، وانطلاقًا من هذه الفكرة يمكن القول بأن الأطر التي سوف تثبتها هذه الشريعة الإيجابية حتى تتيح للضمير الفردي أن يمارس حقه بطريقة حرة ومشروعة -هذه الأطر سوف تكون منطلقًا، لا لما هو من باب الحلال والحرام فحسب، بل وفي الوقت نفسه لما هو معقول حقًّا وما ليس كذلك. فما يضاد النقل سيكون كذلك مضادًّا للعقل، وكما قال ابن تيمية: "وكل ضلالة فهي مخالفة للعقل، كما هي مخالفة للشرع"2.

وعلى هذا النحو، فإن هذه الشرعية الدينية لم تأتِ لتحل محل الأخلاقية ولا لتضادها، بل هي تفترضها، وترجع إليها دائمًا. ولقد رأينا في الواقع مدى العناية التي يلتزم بها القرآن، وهو يصوغ أوامره، فهو يحرص على مطابقتها للعقل، وللحكمة، وللحقيقة، وللعدالة، وللاستقامة، إلى جانب قيم أخرى، يتكون منها بناء الضمير الأخلاقي ذاته.

ورأينا كيف يقدم القرآن النتائج التي تحدث في النفس من اتصالها بالفضيلة، والتأثر الذي يمارسه الفعل على القلب والروح، وأهمية الندم والتوبة. وهذا كله يتصل بالضمير الفردي.

بيد أن الإنسان، وهو كائن عاقل، هو في نفس الوقت كائن اجتماعي؛ إنه في ملتقى قوتين؛ باطنة وظاهرة، يتلقى منهما معًا أو على التوالي، أوامره. وقد يجوز لنا أن نقول: إن الجانب الأكبر من الغذاء الروحي، وأغلب المثل العليا، بالنسبة إلى كل إنسان يعيش في المجتمع -إنما تأتيه أولًا

1 انظر منهاج السنة، لابن تيمية 1/ 82، هكذا وردت فيه، وذكر المؤلف أن النص:"لتكميل الفطرة لا لتغيير الفطرة" باللام بدل الباء، وهو خطأ. "المعرب".

2 المرجع السابق: 1/ 81، وبدء العبارة "وفرعوا في صفات الله وأفعاله ما هو بدعة مخالفة للشرع، وكل بدعة ضلالة

". "المعرب".

ص: 406

من خارج، وهو مختار، بعد أن يعيد التفكر فيها ويجترها، أن يتمثلها كاملة أو يرفضها، ويستبدل بها خيرًا منها.

فما الجانب الذي يعود إلى الأمة الإسلامية في السلطة الأخلاقية؟

هذا الجانب على الرغم من كونه محدودًا، إلا أنه من أهم الجوانب؛ لأن حدوده ليست سوى الحدود التي تفرضها العدالة الفطرية، والقواعد العامة للعدالة المنزلة. إننا لا ندين بالاحترام والطاعة ولاء للإجماع فحسب، وهو القرار الإجماعي للهيئة التشريعية المختصة، ولا لكل صيغة صادرة عن السلطة التنفيذية، من أجل إقرار النظام، وتوفير الخير العام فحسب، بل إن كل تفصيل إرادي تافه في ذاته، ولكنه يعتبر موضوعًا لأمر شرعي -ينال بهذه الصفة قوة القانون الأخلاقي.

ولكي نبرهن على أن الضمير العام ليس في الإسلام وهمًا، بل ولا نسخة من الضمير الفردي -لا نجد خيرًا مما سبق أن ذكرناه، أعني: تكليف الأمراء أن يطبقوا الجزاءات الشرعية على من يستحقونها، حتى بعد توبتهم، وهدايتهم التامة.

قد يخطر لنا أن نتساءل: أليس في تغيير المذنب لموقفه، والتزامه طريقًا من السلوك المرضي، ما قد يرضي الأخلاقية إرضاء كاملًا؟ ومن وجهة نظر الإيمان، أليس مكفولًا العفو عن ذنوب الذين يعودون إلى الإيمان في طهارة وعزم؟

ومع ذلك، يبقى علينا أن نطهر جوًّا دنسته الجريمة، وأن نأسو جراح الضمير العام الذي صدم بها، وأن نتدارك تقليد المثل السيئ، الذي قدمته.

وتلكم هي الاعتبارات، ذات الطابع الاجتماعي المحض، التي حتمت هذا الإجراء البالغ القسوة، الذي يعاقب إنسانًا صلح حاله، وصفت سريرته.

ص: 407

ولنذكر واقعًا اجتماعيًّا آخر، يتصل، هذه المرة، بالعلاقة بين الأفراد، فلقد رأينا في الواقع صفة القداسة التي يضفيها الإسلام على حق الغير، بحيث أن أي ضرر يحدث لإخواننا، حتى في حال عدم علمهم، يظل على عاتق من تسبب فيه، إلى أن يعترف لضحاياه، فينال منهم عفوًا صريحًا وواعيًا.

وهكذا نرى أن انتهاك الحق العام، يقتضي من الناحة الأخلاقية، جزاءات أخرى، أكثر من مجرد الندم، والتوبة، والصلاح الشخصي، جزاءات تصل في مداها إلى ما هو أبعد من الرضا الإلهي.

إن من وراء أوامر الضمير الفردي، والضمير العام نظامًا أكثر صلابة منهما، هو نظام الفطرة الكونية الشاملة، بقانون سببيته الذي لا يعرف الهوادة، فهذه طريقة في العمل تؤدي إلى نهاية حسنة، وتلك طريقة أخرى تعود ضد صاحبها، ولذلك تنصحنا الفطنة الحكيمة بأن نحسب حساب النتائج قبل الشروع في أي عمل.

على أن هذه الاعتبارات الغائية لا يمكن من وجهة النظر الأخلاقية أن تنال صفة الشرعية إلا حين لا تحيد عن الواجب، بل تمضي بالأحرى متوافقة معه، طالبة منه المزيد.

وبهذه الشروط، أليس من حق أية تربية حسنة أن تلجأ إلى مثل هذا الأسلوب أحيانًا، لدعم تعليمها؟ على هذا النحو، جرى القرآن في كل حال، وهو يذكرنا، بعدد قليل من الأمثلة، بالنتائج الطبيعية لسلوكنا، وهي نتائج مختارة من بين أكثرها عمومًا، وأكثرها واقعية وبقاء.

إن المنابع العقلية التي يستقي منها الأخلاقيون عادة، كل بحسب هواه، برهانهم لوضع أسس التكليف الأخلاقي -هي: الاقتضاء الأخلاقي المحض، والضرورة الاجتماعية في جوهرها، والعقل الراشد العملي، وتلكم هي المنابع مجتمعة.

ص: 408

وهنا تتوقف الأخلاق العلمانية، ولكن الأخلاق القرآنية لا تقتصر على هذه الاعتبارات، بل هي تشملها، وتتجاوزها، وتكملها لحسن الحظ بمبدأ سام من جانب آخر، هو الإيمان بوجود سيد مشرع، له سلطته العلوية الضرورية للتصديق على كل قرار يتخذ من جهة أخرى، واعتماده.

ولقد رأينا على هذه الأرض الجديدة أن أمر القرآن تقوم دعائمه على ثلاثة أسباب مختلفة:

أولًا: على أن السلطة التشريعية وحدها، لمن قرر الأمر؛ والله سبحانه جدير أن تكون كلمة أمره مطاعة دون شرط، ودون ما حاجة إلى أي سر آخر:{هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى} 1، كما أنه صوت الحقيقة والعدل ذاته:{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} 2.

ثانيًا: على الشعور بمعيته الحبيبة المهيبة، وهذا الشعور من شأنه أن يحرك شجاعتنا إلى فعل الخير، وإلى أن نفعله على خير وجه، كما أنه قادر على أن يدفع دفعًا رقيقًا كل ميولنا السيئة.

ثالثًا: على توقع إجراءات الجزاء التي قررها الله سبحانه.

وإذا وصلنا إلى هذه النقطة، فقد بدا لنا منهج التعليم القرآني مرة أخرى في صورة مركبة، مزدوجة في تركيبها؛ إذ تستهدف الحياة الدنيا والحياة الأخرى معًا، وتعلن للإنسان بأن عليه أن يتقبل في كلتا الحياتين الثمن الأخلاقي، والبدني، والروحي لأفعاله.

لقد أثرنا من قبل مسألة معرفة ما إذا كان تغير الوسط الجغرافي، والظروف الاجتماعية -قد استطاع أن يفرض بعض التعديلات في المفهوم القرآني عن الحياة الآخرة.

1 المدثر: 56.

2 الأنعام: 115.

ص: 409

ولقد لزمنا -لكي نجيب عن هذه المسألة- أن نعود مرة أخرى إلى النصوص نستشيرها، ونميز فيها مجموعتين، تبعًا لنزول الوحي بها قبل الهجرة أو بعدها. وهنا نلاحظ: وجود نوعين من السعادة "الروحية والحسية" في المرحلتين، مصحوبين بتفاصيل عديدة.

ومع ذلك، فقد لاحظنا قلة عددية، تكاد تبلغ أحيانًا حد الندرة، في الآيات المدنية، المتعلقة بالجنة أو النار، حتى في جانبهما الروحي.

فإذا ما وسعنا نطاق البحث وجدنا أيضًا أن مراجع القيم الباطنة من النصوص كثيرة جدًّا، في المرحلتين، وكأنها متناسبة مع زمانها الخاص، ومع حجم الحديث المطابق لها1. وفي مقابل ذلك نجد أنه على حين يبدأ الحديث الأخروي يقل في المدينة -يظهر اتجاه معاكس له في إطار الاعتبارات الأخرى، فمن الآن فصاعدًا يفسح التبليغ مكانًا أرحب للشعور بالحضور الإلهي، وللنتائج العاجلة، ذات الطابع الأخلاقي، والاجتماعي، والروحي.

ونرى أيضًا مجموعة جديدة تظهر، يفرض الواجب فيها بسلطانه الشكلي المحض، وكل هذا يسمح لنا أن نرى، أن العالم الإسلامي قد شهد مع الهجرة تقدمًا للأفكار الأخلاقية، لا تخلفًا كما كان يقال غالبًا.

وأيًّا ما كان الأمر، فإذا كنا قد عرفنا -هكذا- الوسائل الكثيرة التي يستخدمها القرآن لتسويغ أمره، والجانب الذي فسحه للدوافع الأخلاقية السامية، بما في ذلك التجرد المطلق، والخضوع للشرع لمجرد احترام الشرع -إذا عرفنا ذلك يصبح من الظلم بداهة أن نتهم الأخلاق القرآنية بأنها أخلاق نفعية.

1 من المعلوم أن النصوص المنزلة بعد الهجرة تكاد تشغل ثلث القرآن.

ص: 410

إن أكثر ما نملك هو أن نتطلب لأخلاق محضة جزاء أخلاقيًّا لا غير، وبذلك يمكن أن ننكر على هذه الأخلاق أن تكون مختلطة. وربما كان هذا الجهاز المادي للثواب والعقاب الأخروي -على الرغم من أنه ليس الوحيد في المواجهة- من الأمور التي نود ألا تكون، حتى نرد إلى الجزاء الإلهي قيمته الكبرى.

ولنلاحظ أولًا أن هذا المفهوم عن الجزاء الأخروي، وهو مفهوم مادي جزئيًّا، ليس إسلامي النوع؛ فهو يعتبر عنصرًا مشتركًا بين جميع الأخلاق الدينية، التي تعترف للناس بحياة أخرى، سوف يجتمع فيها البدن والروح من جديد، بعد أن يكونا قد انفصلا مؤقتًا بالموت، يجتمعان ليلتقيا معًا ثوابًا خالدًا، أو عقابًا أبديًّا.

ولا ريب أن هذه هي حال الأخلاق المسيحية، فلقد أجمع الآباء، وفقهاء الكنيسة على أن يعلموا عقيدة بعث الجسد، وعقيدة اشتراكه مع الروح في الجزاء1، وهما عقيدتان قائمتان على أساس متين من تعليم السيد المسيح والدعاة، فقد قال يسوع لحوارييه:"لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد، ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها، بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم"2. وقال أيضًا: "يرسل ابن الإنسان ملائكته، فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم، ويطرحونهم في أتون النار، هناك يكون البكاء وصرير الأسنان"3.

وكثيرًا ما صورت جهنم على أنها "النار التي لا تطفأ، حيث دودهم لا

1 انظر: A. boulanger; Doctrine Catholique، lere part P. 231-233.

2 إنجيل متى 10/ 28.

3 المرجع السابق 13/ 43.

ص: 411

يموت والنار لا تطفأ"1، ويصرخ الغني الخبيث الذي كان يلبس الأرجوان والبز مترفهًا، ولم يكن يعطي المسكين لعازر حتى مات جوعًا، يصرخ وهو في عذاب الهاوية قائلًا: "يا أبي إبراهيم، ارحمني، وأرسل لعازر ليبل طرف إصبعه بماء، ويبرد لساني؛ لأني معذب في هذا اللهيب"2، ونقرأ في رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي: "وأما الخائفون، وغير المؤمنين، والرجسون، والقاتلون، والزناة، والسحرة، وعبدة الأوثان، وجميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت"3.

وعلى الرغم من أن الكنيسة لم تقل شيئًا عن طبيعة النار، فإنها تقرر أنها نار واقعية، لها سماتها من: اللهب، والجمر، والأوار الذي لا يخمد

إلخ.

وإذن، فقد كان ديكارت على حق حين اعترض على نظرية بعض اللاهوتيين الذي كانوا يقولون:"إن الله يخيب أمل المعذبين عندما يقر في أذهانهم أنهم يرون ويستشعرون نار الجحيم التي تحرقهم، وإن لم يكن موجودًا منها شيء في الواقع"، ويرد ديكارت على ذلك بقوله:"إن الله لا يمكن أن يكون خادعًا، إذ كيف يمكن أن نؤمن بأمور أوحاها الله إلينا إذا كنا نظن أنه يخدعنا أحيانًا؟ إن شعور المعذبين ليس خيبة أمل، بل هم معذبون حقًّا بالنار؛ لأن الله قادر على أن يجعل الروح تذوق آلام النار المادية بعد الموت، كما كانت تحس بها قبله"4.

ومع أن الإشارة إلى الجنة كانت أقل ترددًا في العهد الجديد من موضوع النار، فإنها تحمل كثيرًا طابع السعادة الحسية، بجانب السعادة الروحية.

1 إنجيل مرقص 9/ 43-48 نفس العبارة مكررة.

2 إنجيل لوقا 16/ 24.

3 رؤيا يوحنا اللاهوتي 21/ 8.

4 ديكارت reponses aux 5emes opjections.

ص: 412

ولقد رأينا آنفًا توسلات الغني الخبيث، يلتمس قليلًا من الماء ليبل لسانه.

ولذلك يقرر يسوع في أكثر العبارات صراحة، وعمومًا:"وأنا أجعل لكم كما جعل لي أبي ملكوتًا، لتأكلوا، وتشربوا على مائدتي في ملكوتي، وتجلسوا على كراسيٍّ تدينون أسباط إسرائيل الاثنى عشر"1، وقال أيضًا للذي دعاه: "إذا صنعت غداء أو عشاء

فادع المساكين، الجدع، العرج، العمي، فيكون لك الطوبى، إذ ليس لهم حتى يكافئوك؛ لأنك تكافَى في قيامة الأبرار"2، وأكثر من ذلك تحديدًا أيضًا قوله في آخر اجتماع له مع حوارييه: "وأقول لكم: إني من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة، هذا إلى ذلك اليوم، حينما أشربه معكم جديدًا في ملكوت أبي"3، وقد عبر عن فكرة مماثلة لهذه بمناسبة تناول القربان المقدس، قال: "شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم؛ لأن أقول لكم: إني لا آكل منه بعد، حتى يكمل في ملكوت الله

"4.

بيد أن الجانب الحسي من نعيم الجنة أكثر ظهورًا في رؤيا القديس يوحنا: "من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله،5 من المن المُخفى6 من يغلب فذلك سيلبس ثيابًا بيضًا7، أنا أعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجانًا8، لن يجوعوا بعد، ولن يعطشوا بعد، ولا تقع عليهم الشمس، ولا شيء من الحر"9.

واقرءوا وصف القدس الجديدة لنفس المؤلف، كتب يقول:

"والمدينة ذهب نقي شبه زجاج نقي، وأساسات سور المدينة مزينة

1 إنجيل لوقا 22/ 29-30.

2 السابق 14/ 12-14.

3 إنجيل متى 26/ 29 ومرقص 14/ 25 ولوقا 22/ 18.

4 انظر: لوقا 22/ 15 و16.

5 رؤيا يوحنا اللاهوتي 2/ 7.

6 السابق: 2/ 17.

7 السابق: 3/ 5.

8 السابق: 21/ 6.

9 السابق: 7/ 17.

ص: 413

بكل حجر كريم"1. "ومن هناك شجرة حياة تصنع اثنتي عشرة ثمرة، وتعطي كل شهر ثمرها

"2 إلخ.

هل يقال: إن هذه رؤيا قديس شجعته في ذلك العصر التعاليم الأخروية التي قالت بها اليهودية؟

3

هذا ممكن، ولكنه أحد أمرين: إما أن الرؤيا وهم شعري، ومحض خيال حالم، وإما أنها تطابق مع شيء من الواقع، لا أقول: إنها أدركت كل شيء، ولكن أقول: إنها تقترب وتوجز؛ لأنه كما قيل: "إن الأشياء التي أعدها الله لمن يحبونه أشياء لم ترها العين، ولا سمعتها أذن، ولا خطرت على قلب إنسان"4. فهي إذن أشياء سوف تراها العين، وتسمعها الأذن، وسوف تمس القلب.

والحق أنه لا يوجد نص يؤكد تشابه الحياتين، ولكن لا يوجد نص يمنع إمكان نوع من الاستمرار بينهما، بل إننا نقول: إن هذا الاستمرار شرط في تيسير إدراكهما على نحو بالغ.

ولكن إذا كان العالم الذي وعدنا به عالمًا جديدًا على وجه الإطلاق، لا يرى، ولا يمس، ولا مثال له في عالمنا الحاضر، فأي سلطان سيكون له علينا؟ وأي اضطراب سوف يلقى حينئذ في أذهاننا؟ أنكون إذن بحيث يتعرف بعضنا على بعض، ونحس بنفس القدر من البساطة أنه لم تمضِ سوى ساعة بين الموت والبعث؟ 5

ثم تجربتنا الراهنة لجميع الملذات

1 رؤيا يوحنا اللاهوتي 21/ 19-20.

2 المرجع السابق: 22/ 1.

3 انظر: Fillion، Vie de N. S. Jesus T. III p.

4 انظر st. paul corin ii p. 9.

5 مصداقًا لقوله تعالى 10/ 45: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُم} .

ص: 414

والآلام البدنية والأخلاقية، أتصلح بحسبانها شيئًا ذا قيمة كبيرة؟ ألا يتمثل سبب وجودها، في جانب كبير منه، في أنها تعرفنا بأوليات هذه الحياة الجديدة، وتقدمها إلينا على سبيل الإيجاز، والتشويق؟

إني لأعرف التأويل الذي أمكن أن يوضع لكلمات المسيح، إنهم لكي يتقوا هجمات العقليين، وهم في الوقت نفسه يسلمون نصًّا بما أعد للمعذبين من آلام بدنية بالغة القسوة، يريدون أن يعتبروا النصوص الإنجيلية المتعلقة بالمائدة الطيبة التي أعلنت للسعداء من قبيل الرموز، على حين لا مجال هنا، ولا أثر لأي مقارنة. فهذه النصوص قد تناولها المسيحيون الأوائل تناولًا حرفيًّا، كما كان يفعل آباء الكنيسة السريانية1، وكما يفعله حتى الآن البروتستانت في القدس الجديدة2.

وإني لأعرف أيضًا أن هذا التأويل يمكن أن نواجهه عند نظرنا في النصوص القرآنية، بل وربما كان على جانب أكبر من الصواب؛ لأن هذا التعليم يجيء في مواضع كثيرة على أنه "مثل" أو رمز "مثل الجنة

"3.

بيد أنه، على الرغم من أن كلمة "مثل" تعني "الوصف"، كما تعني "المقارنة" فمن الصعب أمام كثرة الآيات الأخرى التي لا تظهر فيها هذه الكلمة -أن نعريها من معناها الحقيقي، وأن نتناولها على أنها مجرد رموز. ولا ريب أن القرآن -فيما يبدو- يؤكد لنا أن ملذات الجنة ذات شبه بأحوال الأرض وأشيائها، دون أن يكون بينهما تماثل جوهري؛ {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} 4، وقد استطاع ابن عباس أن يقول: إنها ليس لها منها

1 انظر: T. Andrae. Mohammed، Sa vie et sa Doctrine p. 87.

2 انظر: Tassy، les lois de Mohomet، P. 132.

3 13/ 35 و47/ 15.

4 2/ 25.

ص: 415

سوى الاسم. ولكن، إلى أي حد سيكونان متمايزين؟ أهو تمايز المعقول من المحسوس؟ أم أن أشياء الجنة سوف تحتفظ ببعض التماثل الطبيعي مع أشياء الأرض؟

ومع ذلك، إذا لم يكن الجسد المبعوث سيتقاسم مع النفس كل متعها المشروعة ألا يكون بعثه عبثًا، والجزاء على كل حال ناقصًا؟

ذلك أنه على حين أن الجزاء القانوني والجزاء الأخلاقي، بطبيعتهما، لا يؤثر كل منهما مباشرة إلا على عنصر مختلف من الشخص "الحاسة، أو الضمير" -فإن ما يميز الجزاء الإلهي هو أنه يجب أن يكون كليًّا وكاملًا، فطبيعة هذا الجزاء المركبة ليست عيبًا، ولكنها فيما يبدو لنا بعكس ذلك، شرط في كماله، من حيث هي متفقة مع تركيب الطبيعة الإنسانية، على النحو الذي نعرفه اليوم، ويبدو أن هذه الطبيعة ستظل -إلى أن يثبت العكس- محتفظة بهويتها هذه، أعني: بهذا الارتباط الوثيق بين الجانب البدني، والجانب الأخلاقي.

وهكذا نرى الآن رحابة الفكرة القرآنية عن الجزاء. إنها ليست نزعات خاصة لإنسان، ولا آراء شخصية لفيلسوف ولا رأيًا شائعًا في عصر، أي عصر، سواء أكان معاصرًا للإسلام، أم سابقًا عليه، أم لاحقًا به، ليس ذلك كله هو ما تعبر عنه هذه النظرية، إذ إنها لما كانت شاملة بفضل غايتها أرادت أن تكون كذلك شاملة بفضل منهجها، ومن ثم فإن ما تركه الحكماء الأقدمون منذ سقراط وإيبيكتيت epictete، وما كتبه فلاسفة العصر الحديث حتى "كانت" و"ميل" وما جاء به القديسون، والأنبياء، منذ بدء الزمن، حتى موسى وعيسى -كل مذهب من هذه المذاهب لا بد أن يجد في النظرية القرآنية إحدى الصيغ التي يوافق عليها.

وما ذلك إلا لأنها تستهدف النفس الإنسانية بكل قواها وفي كل أعماقها، ولأنها تدعو جميع الناس، في جميع الطبقات، ومن جميع درجات العقل.

ص: 416

وليس عدلًا في ذاته فحسب أن تتساوى المكافأة مع الجهد المكافَأ، من حيث التركيب والغناء، ولكن من حكمة المنهج أن يكون التعليم الشامل مزودًا بنظام للبرهنة يتساوى في تنوعه مع تنوع الاتجاهات، والأمزجة، والعقول، لدى من يتوجه إليهم، بحيث يستطيع كل منهم، تبعًا لطريقته في التفكير، أن يرى فيه أمورًا صالحة لإقناعه. فيجب أن يجد الأمر بالواجب تسويغه في الحقيقة، بأية صورة تمثلت، ويجب أن يكون قادرًا على ممارسة تأثيره في النفس، بأية عين تأملته، وذلكم هو ما يقدمه لنا القرآن.

إن جلال الأمر الإلهي، ومطابقته للحكمة، وتوافقه مع الخير في ذاته، والرضا الذي يمنحه لأشرف المشاعر وأرقها، والقيم الأخلاقية التي يؤدي تطبيقه إلى تحقيقها، والغايات العظمى في هذه الدنيا، وفي الأخرى

كل ذلك يسهم في دعم سلطان الواجب القرآني.

بيد أن خاتمتنا هذه، بدلًا من أن تذلل جميع الصعوبات، يبدو أنها أثارت صعوبة جديدة؛ ذلك أن جميع الطاقات حين تسخر على هذا النحو، وإذا ما توترت كل القوى ونشطت، وإذا ما تهيأت كل الوسائل واستعدت، فلا يبقى سوى أن تتحرك تحت عصا الإرادة -فهل سيكون من حق هذه الإرادة أن تستعير دوافعها من مجالات جدّ مختلفة؟ وهل يمكن أن يقوم أي شيء، في نظر القرآن على أنه حافز على العمل؟

وبعد أن وفقت الأخلاق القرآنية بين الاختلافات، وأجابت عن جميع المقتضيات المشروعة، على صعيد الجزاء -هل تبدو هذه الأخلاق لامبالية في مجال "النية" وذلك من وجهة نظر عرضنا للموضوع؟

أتكفيها المطابقة المادية، أيًّا كان المبدأ الذي يلهمها، أو حتى في غيبة الشعور بالواجب كلية؟

تلكم هي المسألة التي تواجهنا الآن بإلحاح، وهي ما خصصنا له الفصل التالي.

ص: 417