الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دوافع العمل
مدخل
…
دوافع العمل:
كان الجزء الأول من هذا الفصل مخصصًا لدراسة النية، من حيث هي "علاقة بين الإرادة وموضوعها المباشر"، أعني: العمل نفسه، بصرف النظر عن كل توقع يمكن أن يستثير هذا النشاط. ولقد رأينا:
أن هذه الرؤية الداخلية، وهذا الإدراك الشعوري لما يفعله الإنسان وبالوصف الذي يفعله به -يعتبر عنصرًا رئيسيًّا في الأخلاقية "ولكنه ليس كل شيء"، وأن غيبة هذا العنصر تفسد أكثر تصرفات الإنسان دقة، ومطابقة للواجب من الوجهة المادية.
وأن كل تحول في النية، أعني: كل خطأ في الوصف الصادق للعمل -إما أن يدين سلوكنا، وإما أنه يكفي فقط ليمنحنا العفو.
وأن من بين العنصرين المكونين للحدث الأخلاقي تظفر النية بالأولوية والتقدم على العمل.
وأن النية وحدها خير أخلاقي يمكن تقديره، ويكتفي بنفسه عند الاقتضاء، ولكنه على أية حال لا يتساوى في القيمة مع العمل الأخلاقي الكلي.
وعلينا الآن أن نستخرج عنصرًا آخر، ترك حتى الآن دون نظر. "فالجانب الغائي للإرادة"، وهو الذي ضربنا عنه صفحًا خضوعًا لحاجة المنهج -ينبغي منذئذ أن يوضع في دائرة الضوء. فأنا قبل أن أعمل، أعرف ما ينبغي أن أعمل، وبهذا الاعتبار سوف أمضي إلى فعله. وعندما أكون بسبيلي إلى أدائه أعرف أن ذلك هو واجبي، فأفعله عن وعي، وبقصد ونية.
ولكن، لماذا أفعل واجبي، وفي سبيل أي هدف؟
هذان السؤالان: ماذا؟ ولماذا؟ لا ينفصلان قط في عمل من أعمال الإرادة يدرك ذاته على سبيل الكمال. ترى، هل تندمج الإجابة عنهما في شيء واحد فحسب؟ إنهما لا يواجهانا بنفس الدرجة من الإلحاح فحسب، ولكن الإجابة التي نعطيها للثاني هي التي تفرض الإجابة عن الأول. أي: إن الغاية تفرض الوسائل "ولا أقول: إنها تسوغها، لو كانت ظالمة في ذاتها".
وموضوع دراستنا هذه هو أن نعرف: ما الأهمية التي تلصقها الأخلاق القرآنية بهذه الإجابة؟ هل تبدو هذه الأخلاق لامبالية بكل الغايات التي قد تقصد إليها الإرادة حين تطيع أوامر الأخلاق؟ وفي حالة النفي ما الغايات التي تعتبرها هذه الأخلاق غير مسوغة مطلقًا؟ وما الغايات التي ترتضيها، أو تسمح بها؟ وما المبدأ الأسمى الذي ينبغي أن يلهم أعمالنا؟ وهل هذا المبدأ المثالي مطلوب أيضًا في كل الأعمال؟ أم أن ذلك يتفاوت كثرة وقلة، بحسب ما إذا كان يتعلق بواجب، أو بمجرد طريقة للعيش الفردي، في الظروف العادية جدًّا المتصلة بحياتنا اليومية؟
إننا حين نجيب بطريقة واضحة ومحددة على مثل هذه الأسئلة، وحين لا نتوقف عند العموميات -يمكننا بذلك أن نقدم النظرية الأخلاقية للقرآن في هذا الصدد، تقديمًا دقيقًا.