المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مقدمة

- ‌مدخل

- ‌ الوضع السابق للمشكلة:

- ‌تقسيم ومنهج

- ‌مدخل

- ‌الجانب العملي:

- ‌الجانب النظري:

- ‌ دراسة مقارنة:

- ‌النظرية الأخلاقية كما يمكن استخلاصها من القرآن

- ‌الفصل الأول: الإلزام

- ‌مدخل

- ‌مصادر الإلزام الأخلاقي

- ‌مدخل

- ‌أولًا: القرآن

- ‌ثانيًا: السُّنة

- ‌ثالثًا: الإجماع

- ‌رابعًا: القياس

- ‌خصائص التكليف الأخلاقي

- ‌مدخل

- ‌ إمكان العمل:

- ‌ اليسر العملي:

- ‌ تحديد الواجبات وتدرجها:

- ‌تنافضات الإلزام

- ‌كانت

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى:

- ‌المرحلة الثانية:

- ‌المرحلة الثالثة:

- ‌فردريك روه

- ‌خاتمة:

- ‌الفصل الثاني: المسئولية

- ‌مدخل

- ‌ تحليل الفكرة العامة للمسئولية:

- ‌شروط المسئولية الأخلاقية والدينية

- ‌الطابع الشخصي للمسئولية

- ‌ الأساس القانوني:

- ‌ العنصر الجوهري في العمل:

- ‌ الحرية:

- ‌ الجانب الاجتماعي للمسئولية:

- ‌خاتمة:

- ‌الفصل الثالث: الجزاء

- ‌مدخل

- ‌ الجزاء الأخلاقي:

- ‌ الجزاء القانوني:

- ‌نظام التوجيه القرآني ومكان الجزاء الإلهي

- ‌مدخل

- ‌طرق التوجيه الكتابية:

- ‌نظام التوجيه القرآني:

- ‌النتائج غير الطبيعية "أو الجزاء الإلهي

- ‌الجزاء الإلهي

- ‌مدخل

- ‌ الجزاء الإلهي في العاجلة:

- ‌ الجزاء الإلهي في الحياة الأخرى:

- ‌خاتمة:

- ‌الفصل الرابع: النية والدوافع

- ‌مدخل

- ‌النية

- ‌مدخل

- ‌ النية كشرط للتصديق على الفعل:

- ‌ النية وطبيعة العمل الأخلاقي:

- ‌ فضل النية على العمل:

- ‌ هل تكتفي النية بنفسها

- ‌دوافع العمل

- ‌مدخل

- ‌دور النية في المباشرة وطبيعتها

- ‌ النية الحسنة:

- ‌ براءة النية:

- ‌ النيات السيئة:

- ‌ إخلاص النية واختلاط البواعث:

- ‌خاتمة:

- ‌الفصل الخامس: الجهد

- ‌مدخل

- ‌جهد وانبعاث تلقائي

- ‌مدخل

- ‌ جهد المدافعة:

- ‌ الجهد المبدع:

- ‌الجهد البدني

- ‌مدخل

- ‌ النجدة:

- ‌ الصلاة:

- ‌ الصوم:

- ‌الصبر والعطاء، والعزلة والاختلاط:

- ‌ جهد وترفق:

- ‌خاتمة:

- ‌خاتمة عامة:

- ‌تنبيه:

- ‌الأخلاق العملية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: الأخلاق الفردية

- ‌أولًا: الأوامر

- ‌ثانيًا: النواهي

- ‌ثالثًا: مباحات

- ‌رابعًا- المخالفة بالاضطرار:

- ‌الفصل الثاني: الأخلاق الأسرية

- ‌أولًا: واجبات نحو الأصول والفروع

- ‌ثانيًا: واجبات بين الأزواج

- ‌ثالثًا: واجبات نحو الأقارب

- ‌رابعًا: الإرث

- ‌الفصل الثالث: الأخلاق الاجتماعية

- ‌أولًا: المحظورات

- ‌ثانيًا: الأوامر

- ‌ثالثًا: قواعد الأدب

- ‌الفصل الرابع: أخلاق الدولة

- ‌أولًا: العلاقة بين الرئيس والشعب

- ‌ثانيًا: العلاقات الخارجية

- ‌الفصل الخامس: الأخلاق الدينية

- ‌إجمال أمهات الفضائل الإسلامية:

- ‌فهارس الكتاب

- ‌فهرس الأحاديث النبوية الشريفة

- ‌فهرس الأعلام والفرق والقبائل والأماكن:

- ‌قائمة المصطلحات الأجنبية والعربية:

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌ الجزاء الإلهي في العاجلة:

أ-‌

‌ الجزاء الإلهي في العاجلة:

هذا الوعد بالجزاء الإلهي هو في جانب كبير منه ذو طابع أخلاقي: عقلي أو روحي، فالطابع المادي الخالص يمثل هنا، على نقيض المنهج العبراني، نسبة تافهة، إن لم يكن كمية سلبية، وسنرى الآن أي اعتدال يتفرد به القرآن وهو يعبر عن هذا النوع من الخير العاجل.

1-

الجانب المادي:

والموضع الوحيد الذي ينشئ وعدًا ببعض الخير العاجل -فيما عدا العبارات الموجزة التي ذكرناها آنفًا، والتي تعلن ببساطة أن الفضيلة سوف تحصل على نصيب من ثوابها في هذه الحياة، وعلى جزء آخر "وهو الأفضل" فيما بعد -فيما عدا هذا فإن الموضع الوحيد الذي يحتوي في الظاهر عنصرًا ماديًّا قد جاء على هذا النحو في قوله تعالى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} 1 "= 1 ب".

والقول الثاني في نفس السورة أقل من هذا تحديدًا -أعني تضمنًا للجانب المادي، وهو قوله تعالى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} 2.

1 الطلاق: 2-3.

2 الطلاق: 4.

ص: 345

وفي آية أخرى لا يشتمل التعبير على معنى وحيد، إذ قد يكون له تأويل يحمل عليه، قوله تعالى:{وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} 1، فقد يكون معناه:"يجد في الأرض حرية ورخاء"، وقد يكون معناه:"يجد في الأرض منجاة من أعدائه، ويؤدي عمله في أوسع مجال"، وهذا التفسير الأخير يتفق مع السياق: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا

} 2.

وإنا لنلمح نفس الغموض في العبارة التي تعد هؤلاء المهاجرين بقوله تعالى: {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ} 3.

وفكرة الخير الموعود في هذه الحياة لأهل الخير هي فكرة أكثر عمومًا، فالحق سبحانه يقول:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ} 4.

وأخيرًا ترتدي السعادة المعلنة صفة سلبية شاملة، في ذلك الخطاب للكافرين:{ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} 5.

أما بقية النصوص فليست وعودًا، ولا إنذارات مباشرة، ولكنها أنباء تاريخية، قديمة أو معاصرة للوحي، تفسرها علاقاتها بالأحداث الأخلاقية، وأكثر النصوص تلح بخاصة على الجانب العقابي أو السالب من الجزاء. فبلد معين، أو مجموعة معينة كانت تعيش في بحبوحة، تجد نفسها في أمن ودعة، حتى ذلك اليوم الذي توعدها الله فيه بالرعب والمسغبة، فضربها الله بمصيبة تهلك حرثها وثمراتها، وتنزف منابعها.

1 النساء: 100.

2 النساء: 97.

3 النحل: 41.

4 الزمر: 10.

5 هود: 3.

ص: 346

وفي بعض الآيات ينسب القرآن هذا البلاء، وهذا التحول في المصير -إلى نقص الإيمان بالله، وجحود فضله، ومن ذلك قوله تعالى:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا} 2.

وفي مواضع أخرى يفسر القرآن ذلك التحول في المصير إما لفرط الطمأنينة التي يحس بها الناس تجاه مستقبلهم "ناسين قدرة الله"، وفي ذلك يقول سبحانه:{قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا، وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً}

{فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} 3، وإما أن يكون العقاب بسبب إخلال الناس بواجباتهم الاجتماعية، وعدم إحساسهم ببؤس إخوانهم، مثل قوله تعالى: {

إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ}

{فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} .... {أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ}

{كَذَلِكَ الْعَذَاب} 4.

وجملة القول أن القرآن يفسر التحول بالكبائر الإنسانية: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} 7.

1 النحل: 112.

2 سبأ: 17.

3 18/ 35-42.

4 68/ 17-33.

5 الروم: 40.

6 الأنعام: 93.

7 المائدة: 66.

ص: 347

وأخيرًا: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا، لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} 1.

وهذا النص الأخير -فضلًا عن ذلك- لا يقدم هذا الإحسان الموعود على أنه مكافأة، بل هو اختبار وفتنة.

ففي الحالات الشديدة الخطر يدفع المتمردون من حياتهم، لا من أموالهم، أما حالة الفساد العام فإن الله سبحانه يقابلها بتدمير الشعب كله وإهلاكه:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} {فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} 3. وهذا طبعًا باستثناء أولئك الذين يبرهنون على إحسانهم وطاعتهم، فهؤلاء ينجيهم الله من وقع ضرباته: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ}

{كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَر} {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين} 5.

وهكذا يستخدم القرآن بلا توقف تاريخ الأمم القديمة العاصية، حتى يكون لدى الظالمين الذين يخلفونهم على الأرض مثل أسلافهم، متمثلًا دائمًا في أذهانهم، ولا سيما الكافرين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم الذين لم يكونوا خيرًا ولا أشد قوة من الأقدمين:{أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ}

1 الجن: 16.

2 هود: 102.

3 الإسراء: 16.

4 القمر: 34 و35.

5الصافات: 80.

6 القمر: 43.

ص: 348

بل على العكس: {مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} 1.

وإذن، فالخونة جميعًا عرضة للمؤاخذة، تؤهلهم ذنوبهم لأن يعاقبوا بقسوة، وليس في طاقة أحد أن يؤمن العصاة من أن تحل بهم مصيبة، في البر أو في البحر، على حين غفلة:{أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ}

{أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى} 2، أو تصيبهم قارعة وهم نائمون، أو وهم يلعبون:{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ، أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ} 3، أو يكون ذلك خلال سفرهم:{أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِين} 4، أو يكون صاعقة سماوية:{يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} 5، أو خسفًا:{أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ} 6، أو بأية وسيلة أخرى لا يعلمونها:{أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ} 7، وعلى كل حال فسيان أن يكون ذلك إهلاكًا شاملًا عاجلًا، أو إفناء بطيئًا:{أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّف} 8.

ومن الواضح في كل ذلك أن الأمر لا يتصل مطلقًا بعقوبة مقدرة بقدرها، بل بدرس يستخلص من التاريخ الإنساني، ومن القانون الكوني، فالمهم هو إثارة الانتباه لدى الأغنياء والأقوياء، ليروا أن أمنهم وترفهم بمكان من الوهم والبطلان.

1 6/ 6 و30/ 9 و35/ 44 و40/ 21 و82 و46/ 26.

2 الإسراء: 68-69.

3 الأعراف: 97-98.

4 النحل: 46.

5 17/ 68 و67/ 17.

6 16/ 45 و67/ 16.

7 النحل: 45.

8 النحل: 47.

ص: 349

ب- عنصر يتصل بأتييد جماعة المؤمنين:

هنالك فوق الحياة البدنية والمادية المحضة مجال آخر تعز فيه الهموم على الناس وتغلو، أعني: مجال مصير مثلهم العليا، ومجال مشاعرهم الجماعية، وبهذا الملحظ نجد أن الوعود على العكس أكثر عددًا، ومباشرة، وصراحة. فقد حدث أثناء المعارضة الضارية التي هبت ضد النبي وصحابته أن تحالف الكفار والمنافقون، فلم يكتف القرآن بأن ساق إلى المؤمنين هذا العزاء الذي يقول لهم:{وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} 1، ولم يقتصر على قوله:{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} 2، ولكن يعدهم بتأييده الإيجابي:{وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِين} {مَعَ الْمُتَّقِين} {مَعَ الصَّابِرِين} 5، وهو {وَلِيُّ الْمُؤْمِنِين} 6، و {مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا} {فَنِعْمَ الْمَوْلَى} 8.

وإذا كانت القدرة مما تفرد به الله، فإنه يعطي بعضها لأوليائه:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُون} 10، والله سبحانه يتيح لهذا الحزب المساعدة والنصر:{نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيب} 11، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُه} 12، {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ

1 آل عمران: 120 "= 1 ب".

2 الحج: 38 "= 1 ب".

3 الأنفال: 19 "= 1 ب".

4 2/ 194 و9/ 36 و123 "= 3 ب".

5 2/ 152 و8/ 46 و66.

6 و7 و8 3/ 68 ومحمد: 11 والحج: 38 "= 3 ب".

9 المنافقون: 8 "= 1 ب".

10 المائدة: 56 "= 1 ب".

11 الصف: 3 "= 1 ب".

12 الحج: 40 "= 1 ب".

ص: 350

وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} 1، {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِين} {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 5.

أما خصومهم فعلى العكس من ذلك مسوقون إلى الهزيمة، وإلى العذاب:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} 6، وهم موعودون بالذل:{أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّين} 7، مشمولون بالخزي:{وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ} {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} 9، ولسوف تحطم قوتهم:{دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} 10، ولا ريب:{إِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} 11، ولكن:{وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} 12، {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ

1 محمد: 7 "= 1 ب".

2 الروم: 47 "= 1 أ".

3 الصافات: 171-173 "= 1 أ".

4 المجادلة: 21 "= 1 ب".

5 آل عمران: 193 "= 1 ب".

6 آل عمران: 12 والأنفال: 36 والقمر: 45 "= 1 أو2 ب".

7 المجادلة: 30 "= 1 ب".

8 التوبة: 2.

9 الحشر: 5 "= 2 ب".

10 محمد: 11 "= 1 ب".

11 الجاثية: 19.

12 محمد: 11 "= 1 ب".

ص: 351

بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} 1، {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} 2.

ويمضي أحد النصوص في هذه الطريقة إلى أقصى غاية، فإن الأفق الذي يفتحه أمام المؤمنين الصالحين لا يقتصر على انتصار قضيتهم العادلة، وانتصارالذائدين عنها، وإنما هو الحكم في هذه الدنيا:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} 3.

وإنا لنعلم أن ذلك كان خلال عدة قرون، ولكنه يبقى ما بقيت شروطه متحققة، فإذا كان بعض الأمور قد اختلف، فإنما قد كان طبقًا لنفس القانون؛ لأن من المكتوب الإلهي:{أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} 4. وأهم الفضائل المطلوبة لأهلية الحكم الفضيلة الاجتماعية، فمن المشاهد أن حكمًا علمانيًّا يمكن أن يستمر ويزدهر بالاتحاد والعدالة أكثر من حكم أدعياء الإيمان، إذا ما ركنوا إلى الأخلاق المنحلة، وإلى الفوضى والعصيان، ولقد أعلن القرآن هذه الحقيقة في قوله: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} 5.

فهذه فيما يتعلق بالجانب الجماعي "= 4 أو31 ب".

1 التوبة: 32-33، والفتح: 28، والصف: 8 و9 "= 3 ب".

2 الروم: 4-5 "= 1 أ".

3 النور: 55 "= 1 ب".

4 الأنبياء: 105.

5 محمد: آخر آية "= 1 ب".

ص: 352

جـ- "الجانب العقلي والأخلاقي":

بيد أن الجزاء الإلهي لا يتوقف عند هذا الحد، فهو لا يقتصر على تثبيت أقدام المؤمنين أمام عقبات الحياة المادية، أو إشباع مطامحهم الجماعية إلى السلام والرفعة، وإنما هو يتعمق أكثر، حتى يصل إلى أعمق ملكاتنا، وأكثرها رقيًّا، ليصبح بذلك مكملًا ضروريًّا للجزاء الأخلاقي الحق.

والواقع أننا عندما قلنا آنفًا: إن الخير ينير النفس، ويزكي القلب، ويقوي الإرادة الخيرة، وإن الشر يدنس، ويعمي، ويفسد -فقد كانت تلك إشارة إلى اتجاه، أكثر منه واقعًا، وإلى نواة، أكثر منها كائنًا مصورًا، وإلى مرحلة أولى في تاريخ طويل، وإلى حالة نشأت حافلة بإمكانات عديدة، قابلة للإيقاف، والتحول، للتقدم والنكوص، إلى ما لا نهاية. ولكي نضع هذه الحالة الناشئة على إحدى الطرق المفتوحة أمامها يلزمنا مبدأ فعال، قادر على توجيهها في هذا الاتجاه أو ذاك.

وإذن

فهاكم ذلكم المبدأ الفعال!! إن خالق الفطرة ذاته هو الذي أوجب على نفسه هنا أن يهدي هذه الفطرة إلى الغاية التي تتجه إليها.

فالله سبحانه سوف يرشد أولئك الذين يعملون له -إلى الطرق التي تهدي إليه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} 1، وسوف يهدي قلوب الذين يؤمنون به:{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} 2، وسوف يبدد ظلماتهم، ويوصلهم إلى النور:{يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} 3.

1 العنكبوت: 69 "= 1 أ".

2 التغابن: 11 "= 1 أ".

3 2/ 257 و5/ 16 و33/ 43 و65/ 11 "= 4 ب".

ص: 353

وسوف يرشدهم إلى الطريق المستقيمة: {وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} 1.

والذين يلزمون الصدق والاستقامة في أقوالهم يصلح الله لهم نقائص أفعالهم: {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} 2.

والذين يراعون أوامره على تقوى سوف يمنحهم القوة على تمييز الحق من الباطل، والخير من الشر:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} 3. وسوف يقدم إليهم نورًا هاديًا: {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِه} 4. وسوف يصلح نوايا الذين آمنوا وعملوا الصالحات: {وَأَصْلَحَ بَالَهُم} 5.

والذين اختاروا الاتجاه الحميد "أو يعملون على أن يتجهوا وجهة الخير" -سوف يزيدهم الله نورًا، ويهدي خطاهم على دروب مستقيمة:{وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} 6. وهو ينزل في قلوبهم الطمأنينة التي لا قلق معها، كيما يدعم إيمانهم: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} 7.

أما الكافرون، الظالمون، المتكبرون، المعتدون، الجاحدون، المرتابون، المستبدون، الكاذبون، الحانثون، المفرطون، المنحرفون، وكل أولئك الذين اختاروا نهائيًّا أن يكونوا ضد الشرع -فإن الله سبحانه لا يقتصر على عدم هدايتهم، وهو القائل: {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ

1 4/ 68 و175 و5/ 16 و10/ 10 و22/ 54 "= 1 أو4 ب".

2 33/ 71 "= 1 ب".

3 الأنفال: 29 "= 1 ب".

4 الحديد: 28 "= 1 أ".

5 محمد: 2 "= 1 ب".

6 21/ 76 و47/ 17 "= 1 أو1 ب".

7 48/ 4 و18 "= 2 ب".

ص: 354

اللَّهِ لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 1. بل إنه يبقي على ضلالهم، ويزيده: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِين} 2، وهو يقسي قلوبهم: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} 3، ويختم على قلوبهم وآذانهم وأعينهم: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} 4.

وهو يصمهم ويعميهم: {فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} 5، ويزيد مرضهم:{فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} 6، ويطيل زمن ضلالهم وعماهم:{وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ} 7، ويصيبهم بالنفاق:{فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِم} 8، وينسيهم أنفسهم حين نسوا الله:{فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} 9، ويتركهم للشيطان:{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا} 10، ويقودهم في الظلمات:{يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} 11.

ولكن الظالمين ليسوا وحدهم الذين يلقون هذا الإذلال، فالمؤمنون أنفسهم يجب أن يذكروا أن نورهم وإلهامهم ليسا سوى هبة من فضل الله، يمكن أن تسحب، إذا ما غيروا موقفهم:{وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} 12، وهكذا تبلغ النصوص التي تصور هذه الحالة من ردود الفعل الأخلاقية العاجلة "= 23 أو40 ب ".

1 16/ 104 و3/ 86 و5/ 51 و6/ 144 و9/ 19 و100 و46/ 10 و61/ 7 و62/ 5 و5/108 و9/ 24 و80 و63/ 6 و61/ 5 و5/ 67 و9/ 37 و16/ 107 و39/ 3 و40/ 28 "= 6 أو13 ب".

2 14/ 27 و40/ 34 و45/ 23 و61/ 5 "= 3 أو1 ب".

3 5/ 13 "= 1 ب".

4 2/ 7 و4/ 155 و7/ 101 و9/ 87 و93 و10/ 74 و16/ 108 و18/ 57 و40/ 35 و45/ 23 و63/ 3 "= 6 أو5 ب".

5 47/ 23 "= 1 ب".

6 2/ 10 "= 1 ب".

7 2/ 15 "= 1 ب".

8 9/ 77 "= 1 ب".

9 59/ 19 "= 1 ب".

10 43/ 36 "= 1 أ".

11 2/ 257 "= 1 ب".

12 17/ 86 و42/ 24 "= 2 أ".

ص: 355

د- الجانب الروحي:

وفي الجزاء الإلهي العاجل عنصر أخير، يتمثل في التعديل الذي تحتمه أفعالنا في علاقاتنا مع الله. وليس ما يهمنا الآن هو هذه العلاقة الخارجية على نحو ما، علاقة المشرع بالمشرع له، أو علاقة القاضي بالمقضى فيه، وهي العلاقة التي تتجلى في نوع من إطلاق السراح أو الإدانة، وتتيح لنا أن ننال مكافأة، أو نتعرض لعقاب، وإنما يهمنا علاقة أخرى أكثر عمقًا، وخصوصية، كل ما عداها ليس إلا رمزًا تختلف درجة كماله، هذه العلاقة، حتى في حالة عدم وجود أي تعبير إيجابي عنها، تحتفظ بكل قيمتها العاطفية، وهي أسبق في الوجود، وفي الأهمية. ذلك أن موقفنا في مواجهة الشريعة يجد إجابته العاجلة عند الله، في قبوله أو رده، قبل أن يحدث أي رد فعل خارجي، فموقفنا هو الذي يجعلنا مرضيين أو مردودين في عينه، وهو الذي يكسبنا أو يفقدنا حبه؛ الشيء الجدير بأن نلتمسه عنده.

ولسوف يبرز القرآن الآن هذا الجانب الخاص، ليؤكده من خلال تعبيره الشفاف:

{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين} {يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} {يُحِبُّ الصَّابِرِين} {يُحِبُّ الْمُتَّقِين} {يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين} {يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين} 6، {فَاتَّبِعُونِي

1 2/ 193 و3/ 134 و148 و5/ 93 "= 4 ب".

2 5/ 42 و49/ 9 و60/ 8 "= 3 ب".

3 3/ 146 "= 1 ب".

4 3/ 31 و9/ 4 و7 "= 3 ب".

5 2/ 222 و9/ 108 "= 2 ب".

6 3/ 159 "= 1 ب".

ص: 356

يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} 1، {يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} {يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} 3، وهو يذكر من يذكره:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} 5، والصابرون:{عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} 6، و {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} 7.

{اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّه} 8 -أو- اتبعوا، {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} 9.

والذين لا يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أقرباءهم -أولئك {رضي الله عنهم} 10. وهو الذي {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} 11. والله مع الذين يخشونه فلا يفعلون الشر: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} 12، {وَهُوَ يَتَوَلَّى

1 3/ 31 "= 1 ب".

2 61/ 4 "= 1 ب".

3 22/ 37 "= 1 ب".

4 2/ 152 "= 1 ب".

5 35/ 10 "= 1 أ".

6 2/ 157 "= 1 ب".

7 48/ 18 "= 1 ب".

8 3/ 162 و174 "= 2 ب".

9 39/ 7 "= 1 أ".

10 58/ 22 "= 1 ب".

11 السابقة "= 1 ب".

12 16/ 128 و29/ 69 "= 2 أ".

ص: 357

الصَّالِحِين} ، وهو {وَلِيُّ الْمُتَّقِين} 1.

وأخيرًا، فكلما وقف الناس موقفًا يحترم أوامره كسبوا لديه تقديرًا أكثر:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} 2.

ونقيض هذه المذكورات كلها قلما يغيب عن أعيننا، فابتعادنا عن الإيمان أو عن القاعدة يحدث انقطاعًا متفاوت القوة في علاقاتنا بالله، قد يمكن إصلاحه، وقد يعسر. إن الإنسان حينئذ -بدلًا من أن يستحق محبته- يستوجب غضبه، ونقمته، ولعناته، فضلًا عن إجراءات النكال الإيجابي، التي سوف نشرحها حسب تصنيفها:{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} 3، والله {لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} و {لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِين} 4 و {لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين} "وهم أولئك الذين يبدءون الهجوم أو يتمادون في القتال بلا مبرر".

و {لا يُحِبُّ الظَّالِمِين} 6، و {لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِين}

1 7/ 196 و45/ 19 "= 2 أ" -ولاحظوا أن هذه الوحدة، وهذا الحلف والولاية- الذي يمكن أن تحدده السور المدنية، على أنه إمداد عسكري يستهدف الدفاع على المؤمنين وحمايتهم من ضربات أعدائهم -ينبغي أن يمتدا أكثر من ذلك في اتجاه العزاء الروحي، إذ لم يكن القتال مأمور به، ولا موافقًا عليه إلا متأخرًا جدًّا، بعد نزول هذه الآيات المكية، بل إنه حتى في السور المدنية توجد آيات تعطي تحديدًا أخلاقيًّا صرفًا لهذه الولاية الإلهية للمؤمنين، وذلك مثل قوله تعالى:{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة: 257]"= 1 ب".

2 49/ 23 "= 1 ب".

3 17/ 38 "= 1 أ".

4 2/ 205 و5/ 64 "= 2 ب".

5 2/ 190.

6 3/ 57 و140 و42/ 40 "= 1 أو2 ب".

7 6/ 141 و7/ 31 "= 2 أ".

ص: 358

و {لا يُحِبُّ الْخَائِنِين} 1، و {لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِين} 2، و {لا يُحِبُّ الْكَافِرِين} {لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} 4، و {لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيم} 5، و {لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْر} 7، و {لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِين} 8، و {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} 9. والله يمقت الأقوال تكذبها الأفعال:{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} 10، {وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا} 11، ويزيدهم كذلك مقتًا جدالهم في آيات الله على غير أساس:{الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا} 12. ولكن غضب الله العلي ولعنته ليسا وقفًا على هؤلاء المجادلين المعاندين: {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ} 13. بل إنهما يلحقان المرتدين: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ}

1 8/ 58 "= 1 ب".

2 16/ 23 "= 1 أ".

3 3/ 32 و30/ 45 "= 1 أو1 ب".

4 4/ 36 و57/ 23 "= 1 أو1 ب".

5 2/ 276 "= 1 ب".

6 4/ 107 "= 1 ب".

7 39/ 7 "= 1 أ".

8 9/ 96 "= 1 ب".

9 4/ 148 "= 1 ب".

10 61/ 3 "= 1 ب".

11 35/ 39 "= 1 أ".

12 40/ 35 "= 1 أ".

13 42/ 16 "= 1 أ".

ص: 359

{أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ} 1، ويلحقان الكافرين بعامة:{لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِم} 2، وهما أيضًا جزاء القتلة:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} 3. والناكثين بعهد الله: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ}

{أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَة} 4، والطاعنين في الأعراض المحصنة:{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ}

{لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} 5، والهاربين يوم الزحف:{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} 6، وأدعياء الإيمان الذين يتجاوزون أمتهم، ليبحثوا عن ولاء لهم لدى الكافرين، دون أن يكونوا مضطرين إليه دفاعًا عن أنفسهم -فهؤلاء الأدعياء يقطعون صلتهم بالله:{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} 7.

فالنصوص المتعلقة بالجزاءات الروحية العاجلة تبلغ في جملتها إذن "= 20 أو58 ب".

"قصورالجزاء العاجل":

وهكذا نجد -ابتداء من هذه الحياة- إجابة إلهية على طرقنا في العمل، حسنة كانت أو سيئة، وهي إجابة تأتي على المستوى المادي، والعقلي،

1 3/ 86-87 و16/ 106 "= 1 أو1 ب".

2 2/ 88 و89 و90 و159 و161 و3/ 162 و4/ 52 و5/ 80 و33/ 57 و61 و64 و40/ 52 و47/ 23 و48/ 6 "= 1 أو13 ب".

3 4/ 93 "= 1 ب".

4 13/ 25 "= 1 أ".

5 24/ 23 "= 1 ب".

6 8/ 16 "= 1 ب".

7 3/ 28 "= 1 ب".

ص: 360

والأخلاقي، والروحي، سواء في ذلك الفرد أو الأمة. ولكن هذا كله يبدو في عيني العدالة السماوية غير كاف.

أولًا: لأن هذه كلها عينات ومقدمات للعدالة الكلية، فالجزاءات الإلهية التي تبرز لنا في هذا العالم ليست شاملة، ولا كاملة، وهي ليست في ذلك أكثر من الجزاءات الطبيعية، والجزاءات الإنسانية. فإما أنها ليست شاملة فالله يقول:{وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} 1، وأما أنها ليست كاملة، فالله يقول:{وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة} 2.

وبعد ذلك؛ لأن السعادة وضروب التعاسة مختلطة بعضها ببعض، في هذه الدنيا، فالصالحون يدفعون في الواقع ثمن أخطائهم، حق ما كان منها لممًا، من آلامهم، وما يلقون من عقبات في هذه الدنيا، والله يقول:{فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ} 3، ويقول:{قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} 5 -هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى إن أحلك القلوب ظلمة، وأشد النفوس سوادًا لا تعدم أن تفعل بعض الخير، ولقد تكون هذه الأفعال مغرضة، أو عفوية، أعني: غاب فيها الإيمان بسلطة الأمر. ومع ذلك فإن هؤلاء لن يحرموا حرمانًا كاملًا من أجرهم، بل إن لهم على العكس مكافأة مضمونة، تدفع لهم فورًا، من طيبات هذه الدنيا. بحيث تبقى جرائمهم دون مقاصة، تنتظر الفصل يوم الدين، فـ {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ

1 الشورى: 30.

2 آل عمران: 185.

3 آل عمران: 153.

4 آل عمران: 165.

5 النساء: 79.

ص: 361

إِلَّا النَّار وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 1، وعليه فلن يبقى من هذا الاختلاط أي أثر ليوم الجزاء، فمتى ما استقر كل معسكر في مقامه الأبدي، فلن يكون هنالك سوى التهنئة الخالصة بالنسبة إلى بعضهم:{لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} {وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ} 3، وسوى الفزع الدائم بلا انقطاع للآخرين، بحيث:{لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} 4.

وأخيرًا؛ لأن ما يحدث لنا من خير وشر خلال حياتنا الدنيا، لا ينبغي أن يتصور على حدة، على أنه ثواب أو تكفير عن أعمالنا التي قمنا بها، بل على أنه ابتلاء، ومحرك لجهدنا:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} 5.

فمن هذا الاعتبار الثلاثي تنبع ضرورة جزاء، لا يقتصر على كونه كاملًا وخالصًا فحسب، ولكن يكون حسابيًّا محضًا، لا وقائيًّا، فهو ثمرة نهائية للجهد، وليس حثًّا على بذل المزيد منه.

وهكذا ينبغي أن يقابل هذا العالم الحافل بالتكاليف المتكاثرة دائمًا -عالم من المحاسبات، نتصوره على هذا النحو فحسب.

فكيف سلك القرآن ليؤدي هذا التحذير؟ ذلكم هو ما سنمضي في دراسته الآن، حتى نهاية الفصل.

1 11/ 15-16، وانظر أيضًا: 17/ 18 و42/ 20 و46/ 20.

2 18/ 108.

3 35/ 30.

4 35/ 36.

5 2/ 214 و3/ 140 و141 و142 و152 و166 و9/ 16 و21/ 35 و29/ 2 و3 و30/ 41 و32/ 21 و47/ 31.

ص: 362