الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَتَتَّبِعُنَّ سُنَّة مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، بَاعًا بِبَاعٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، وَشِبْرًا بِشِبْرٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمْ فِيهِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: "فَمَنْ إِذًا؟ " (1).
18 - بَابُ فِتْنَةِ الْمَالِ
3995 -
حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ الْمِصْرِيُّ، أَخبَرنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ:"لَا، وَاللَّهِ مَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ -أَيُّهَا النَّاسُ- إِلَّا مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا" فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ:"كَيْفَ قُلْتَ؟ " قَالَ: قُلْتُ: وَهَلْ يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْخَيْرَ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ، أَوَ خَيْرٌ هُوَ؟ إِنَّ كُلَّ مَا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ، إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ، أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَلَأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ الشَّمْسَ، فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ، ثُمَّ اجْتَرَّتْ، فَعَادَتْ فَأَكَلَتْ، فَمَنْ يَأْخُذُ
(1) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل محمَّد بن عمرو -وهو ابن علقمة الليثي-.
وهو في "مسند أحمد"(9819) عن يزيد بن هارون.
وأخرجه البخاري (7319) من طريق سعيد المقبري، عن أبي هريرة.
"السُنة": هي الطريق، قال النووي: والمراد بالشبر والذراع وجُحْر الضب التمثيل بشدة الموافقة في المعاصي والمخالفات لا في الكفر.
مَالًا بِحَقِّهِ يُبَارَكُ لَهُ، وَمَنْ يَأْخُذُ مَالًا بِغَيْرِ حَقِّهِ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ" (1).
3996 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْمِصْرِيُّ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخبَرنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ بَكْرَ بْنَ سَوَادَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ رَبَاحٍ حَدَّثَهُ
(1) إسناده صحيح.
وأخرجه مسلم (1052) من طريقين عن الليث بن سعد، بهذا الإسناد.
وهو في "صحيح ابن حبان"(3226).
وأخرجه البخاري (6427) من طريق عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري.
قوله: يقتل حبطًا. قال الأصمعي: الحبط: هو أن تأكل الدابة فتكثر حتى تنتفخ بطنها وتمرض، يقال: حَبَطَت تَحْبَط حبطًا، قال أبو عُبيد: قوله: أو تُلِمُ: يعني يقرب من ذلك.
قال الأزهري: فيه مثلان ضرب أحدهما للمفرط في جمع الدنيا ومنعها من حقها، وضرب الآخر للمقتصد في أخذها والانتفاع بها.
فأما قوله: "وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطًا" فهو مثل للمفرط الذي يأخذها بغير حق، وذلك أن الربيع ينبت أحرار العشب، فتستكثر منها الماشية حتى تنتفخ بطونها لما قد جاوزت حق الاحتمال، فتنشق أمعاؤها فتهلِك، كذلك الذي يجمع الدنيا من غير حِلِّها، ويمنع ذا الحق حقه يَهلِكُ في الآخرة بدخول النار.
وأما مَثَلُ المقتصد، فقوله صلى الله عليه وسلم:"إلا آكلة الخضر" وذلك أن الخضر ليست من أحرار البقول التي ينبتها الربيع، فتستكثر منها الماشية، ولكنها من كلأ الصيف التي ترعاها المواشي بعد هيج البقول شيئًا فشيئًا من غير استكثار، فضرب مثلًا لمن يقتصد في أخذ الدنيا، ولا يحمله الحرص على أخذها بغير حقها، فهو ينجو من وبالها. وقوله: "استقبلت الشمس
…
" أراد أنها إذا شبعت بركت مستقبلة الشمس تجتر وتستمرئ بذلك ما أكلت، فإذا ثلطت زال عنها الحَبَطُ وإنما تحبط الماشية إذا كانت لا تثلط ولا تبول. قال الخطابي: وجعل ما يكون من ثلطِها وبولها مثلًا لإخراج ما يكسبه من المال في الحقوق.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:"إِذَا فُتِحَتْ عَلَيْكُمْ خَزَائِنُ فَارِسَ وَالرُّومِ، أَيُّ قَوْمٍ أَنْتُمْ؟ " قَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: نَقُولُ كَمَا أَمَرَنَا اللَّهُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَوَغَيْرَ ذَلِكَ، تَتَنَافَسُونَ ثُمَّ تَتَحَاسَدُونَ، ثُمَّ تَتَدَابَرُونَ ثُمَّ تَتَبَاغَضُونَ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. ثُمَّ تَنْطَلِقُونَ فِي مَسَاكِينِ الْمُهَاجِرِينَ، فَتَجْعَلُونَ بَعْضَهُمْ عَلَى رِقَابِ بَعْضٍ"(1).
3997 -
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الْمِصْرِيُّ، أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ
عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَهُوَ حَلِيفُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ، يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنْ الْبَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتْ الْأَنْصَارُ بِقُدُومِ أبي عُبَيْدَةَ، فَوَافَوْا صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَآهُمْ، ثُمَّ قَالَ: "أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ
(1) إسناده صحيح.
وأخرجه مسلم (2962) عن عمرو بن سوَّاد، بهذا الإسناد.
وهو في "صحيح ابن حبان"(6688).
قال النووي في "شرح مسلم" 18/ 76: قال العلماء: التنافس إلى الشيء: المسابقة إليه، وكراهة أخذ غيرك إياه، وهو أول درجات الحسد، وأما الحسد، فهو تمني زوال النعمة عن صاحبها، والتدابر: التقاطع وقد بقي مع التدابر شيء من المودة، أو لا يكون مودة وبُغض، وأما التباغض فهو بعد هذا، ولهذا رتبت في الحديث.