الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويجوز عكس هذه المسألة: وهو كون ما يشبه الفعل يعطف علَى الفعل؛ كَقَولِ الشَّاعرِ:
يَا رُبَّ بَيضَاءَ مِنَ العَوَاهِجِ
…
أُمِّ صَبِيٍّ قَدْ حَبَا أَو دَاِجِ
(1)
فعطف (دارج) علَى (حبا).
و (العواهج): المرأة التّامة الخلق.
وجعل منه المصنف قوله تعالَى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} .
وقال الزّمخشري: معطوف علَى (فالق) من قوله تعالَى: {فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} .
تنبيه:
الكوفيون والبغاددة: أَن (ليس) تأتي عاطفة، واحتجوا بقوله:
أَينَ المَفرُّ وَالإِلَهُ الطَّالِبُ
…
وَالأَشرَمُ المَغلُوبُ لَيسَ الغَالِبُ
(2)
(1)
التخريج: البيت من رجز الأشموني (3/ 120) والتصريح (1/ 142، 2/ 152)، والكافية الشافية (497)، واللسان: درج، وعهج.
قال العيني: أنشده المبرد ولم يعزه إلى قائله، وقيل: لجندب بن عمرو يذكر امرأة الشماخ بن ضرار الغطفاني.
اللغة: العواهج - جمع عوهج - وهي في الأصل: الطويلة العنق من الظباء والنوق والنعام، وأراد بها ههنا: المرأة التامة الخلق. حبا: زحف ومشى على عجزه. دارج: اسم فاعل من درج الصبي، إذا مشى هينًا متقارب الخطو.
المعنى: يريد الشاعر امرأة تامة الخلق تشبه الظباء في طول عنقها، ولا يكون معها غير صبي يحبو، أو قريب عهد بالمشي لا يكاد يدرك.
الإعراب: يا: للتنبيه، رب: حرف جر شبيه بالزائد. بيضاء: مبتدأ مجرور برب لفظًا في محل رفع، من العواهج: جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لبيضاء، أمِّ: - بالجر - بدل أو عطف بيان لبيضاء باعتبار اللفظ، وبالرفع باعتبار المحل، أو خبر لمبتدأ محذوف، صبي: مضاف إليه، حبا: فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر، والجملة صفة لصبي، أو دارج: معطوف على حبا لتأويله بدرج.
الشاهد: قوله: (حبا أو دارج) حيث إنه عطف الاسم المشبه للفعل وهو (دارج) على الفعل وهو (حبا).
(2)
التخريج: الراجز هو نفيل بن حبيب، انظر: شرح التسهيل 3/ 346، والهمع 2/ 138، والدور 6/ 146.
الشاهد: قوله: (المغلوب ليس الغالب) فإن (ليس) عاطفة؛ كقولك: (المغلوب لا الغالب).
فهي بمنزلة (لا).
وأجاب المانعون: بأن (الغالب): اسم (ليس)، والخبر: محذوف لفهم المعنى؛ أَي: (ليس الغالب إِياه)؛ كما قال الآخر:
…
...
…
....
…
إِنَّمَا يُجزَى الفَتَى لَيسَ الجَمَل
(1)
(1)
التخريح: هذا عجز بيت من الرجز، وصدره قوله: وإذا أُقرِضت قرضًا فاجزه
وهو من شواهد التصريح 1/ 191، 2/ 135، وسيبويه 1/ 370، والمقتضب 4/ 410، ودلائل الإعجاز 299، والخزانة 4/ 68، 477، والعيني 4/ 176، ومجالس ثعلب 515، وديوان لبيد 179.
اللغة: أُقرِضت قرضا: أُعطِيت شيئًا من المال على سبيل القرض لتؤديه بعد، والمراد: إذا قدمت إليك معونة ما، أو صنع معك معروف. فاجزه: كافئ صاحبه. الفتى: الإنسان. الجمل: الحيوان المعروف، وقد يراد بالفتى: الشاب الذي في طراوة الشباب، وبالجمل: الرجل الذي تقدمت به السن.
المعنى: إذا أسدى إليك أحد يدًا، أو صنع معك معروفًا .. فكافئه بمثله، أو بخير منه، فإن هذا شأن الشاب القادر الخيِّر؛ أما من كان كالجمل في اللؤم والخداع، أو من ضعف وقعدت به السن .. فلا يجازي على المعروف إلا مضطرًا.
الإعراب: إذا ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية. أُقرضت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الفتح، في محل رفع نائب فاعل. قرضًا: مفعول مطلق منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وجملة أقرضت قرضًا: في محل جر بالإضافة بعد إذا. فاجزه: الفاء واقعة في جواب الشرط غير الجازم، اجز: فعل أمر مبني على حذف الياء، والفاعل: ضمير مستتر وجوبًا؛ تقديره: أنت؛ والهاء: ضمير متصل مبني على الكسر، في محل نصب مفعول به؛ وجملة (اجزه): جواب شرط غير جازم، لا محل لها. إنما: أداة حصر، لا محل لها. يجزي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل. الفتى: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر. ليس: حرف عطف بمعنى (لا) على مذهب البغداديين. الجمل: اسم معطوف على الفتى مرفوع مثله، وعلامة رفعه الضمة، وسكن لضرورة الروي.
الشاهد: قوله: (ليس الجمل)؛ حيث استعمل (ليس) حرف عطف بمعنى (لا)؛ لتنفي صنع الخير الذي ثبت لما قبلها؛ وهذا على رأي البغداديين، تبعًا لابن عصفور؛ ونقله أبو جعفر النحاس، وابن بابشاذ عن الكوفيين، وجرى عليه الناظم في التسهيل.
ويخرج المانعون الشاهد كما يلي: ليس: فعل ماضٍ ناقص، والجمل: اسمها، وخبرها: محذوف؛ والتقدير: ليس الجمل جازيا. انظر شرح التصريح: 2/ 135.
أَي: (ليس الجمل مجزيًا).
وسبق أنه قَدْ يقتصر علَى مرفوع (ليس) .. فليست عاطفة علَى الصّحيح.
* وعن الأخفش والفراء: العطف بـ (إلا).
* وعن الكسائي: بـ (لولا) و (متَى)؛ كـ (مررت بزيد فلولا عمرٍو أَو فمتى عمرٍو).
* وعن الكوفيين: العطف بـ (أين)، و (هلا)؛ كـ (هذا زيد فأين عمرٌو)، و (جاء زيد فهلا عمرٌو).
* وعن هشام: العطف بـ (كيف)؛ نحو: (ما قام زيد فكيف أخوه).
* ولَا يجوز تقديم المعطوف علَى المعطوف عليه علَى الصّحيح.
وأجازه الكوفِيون فِي الاختيار بشرط:
* أن يكون بالواو.
* وأن لا يقع حرف العطف صدرًا، فيمتنع (وبكر خالد قائمان).
* وأن لا يلي حرف العطف عاملًا غير متصرف، فيمتنع نحو:(إن وعمرًا زيدًا ذاهبان).
* وأن لا يكون المعطوف مخفوضًا، فيمتنع (مررت وخالدٍ ببكر)، والأصل:(مررت ببكر وخالد).
ومن التّقديم؛ قوله:
لَعَنَ الإِلَهُ وَزَوْجَها مَعَهَا
…
هِندَ الهُنودِ طَوِيلَةِ البَظْرِ
(1)
والأصل: (لعن الإلهُ هندَ الهنود وزوجها).
وقال آخر:
(1)
البيت منسوب لحسان بن ثابت في ديوانه، وهو في الهمع 2/ 141، وإن كان المقصود هند بنت عتبة زوج أبي سفيان .. لا تصحّ رواية البيت، لأنها أسلمت وزوجُها أبو سفيان، وصارا من الصحابة، ولعلّ حسان قاله بعد وقعة أحد.
الشاهد: قوله: (لَعَنَ الإِلَهُ وَزَوْجَها مَعَهَا هِندَ الهُنودِ) حيث قدم المعطوف وهو (وزوجها) على المعطوف عليه وهو: (هند الهنود)، وذلك ممنوع على رأي الجمهور، وجائز عند الكوفيين بشروط ذكرها المصنف.
أَلَا يَا نَخلَةً مِن ذَاتِ عِرقٍ
…
عَلَيكِ وَرحمَةُ اللهِ السَّلامُ
(1)
والأصل: (عليك السّلام ورحمة الله).
وأبو الفتح: يحتمل عطف (رحمة الله) علَى الضّمير فِي (عليك) وهو المنتقل إِليه من الكون العام المحذوف، وهو كائن أَو مستقر.
ويجوز الفصل بَينَ العاطف والمعطوف بالقسم نثرًا أَو نظمًا؛ لكن مع غير (الواو)، و (الفاء)؛ لأنهما أشد افتقارًا إِلَى ما يتصل بهما من غيرهما، فتقول:(قام زيد ثم والله عمرو).
وأَجازَ المصنف: الفصل مع (الواو) و (الفاء) بالظرف والمجرور إن لم يكن المعطوف:
* فعلا، فَلَا يجوز:(قام زيد وفِي الدّار قعد).
* أَو اسمًا مجرورًا، فَلَا يجوز:(مررت بزيد وأمس عمرو)، خلافًا للفراء فِي الثّانية.
وجعل منه قوله تعالَى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} فِي قراءة من فتح الباء؛ أَي: (بإسحاق ويعقوبَ ومن وراء إسحاق).
ورد: بأنه مفعول (لوهبنا) محذوفًا.
ومن الفصل بالظّرف: قوله تعالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} ، ففصل بـ (إِذا) وما أضيفت لهُ بَينَ الواو، و (أن تحكموا) وهو معطوف علَى (أَن تؤدوا).
ومن الفصل بالمجرور: قوله تعالَى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} ففصل
(1)
التخريج: البيت من الوافر وهو للأحوص في ديوانه ص 190 (الهامش)؛ وخزانة الأدب 2/ ض 92، 3/ 131؛ والدرر 3/ 19، 155؛ وشرح شواهد المغني 2/ 777؛ ولسان العرب 8/ 191 (شيع)؛ ومجالس ثعلب ص 239؛ والمقاصد النحويّة 1/ 527؛ وبلا نسبة في الخصائص 2/ 386؛ والدرر 6/ 79، 156؛ وشرح التصريح 1/ 344.
الشاهد: قوله: (عليك ورحمة الله والسلام) حيث قدم المعطوف وهو (ورحمة الله) على المعطوف عليه وهو: (السلام)، وذلك ممنوع على رأي الجمهور، وجائز عند الكوفيين بشروط ذكرها المصنف.
بَينَ: (الواو) و (مثلهن) بـ (من الأرض).
وعن الفارسي: أنه يمنع الفصل بالظّرف والمجرور.
ومن الفصل بَينَ المتعاطفين فِي القرآن: {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا} ، فـ (فسقًا): معطوف علَى (ميتة).
والزّمخشري: أنه مفعول لهُ قدم علَى عامله أعني (أُهِلَّ).
قال أبو حيان فِي "النّهر": هذا إعراب متكلف جدًّا، وتركيب هذا الإعراب خارج عن الفصاحة. انتهَى.
ويجوز العطف علَى التّوهم؛ نحو: (ليس زيد قائمًا ولَا قاعدٍ)، بجر (قاعد) علَى توهم دخول البا في (قائمًا)، ومنه قوله:
بَدَا لِيَ أَنِّي لَستُ مُدرِكَ مَا مَضَى
…
وَلا سَابِقٍ شَيئًا إِذَا كَانَ جَائِيَا
(1)
(1)
التخريج: البيت من الطويل، وخزانة الأدب 8/ 492، 496، 552، 9/ 100، 102، 104، والدرر 6/ 163، وشرح شواهد المغني 1/ 282، وشرح المفصل 2/ 52، 7/ 56، والكتاب 1/ 165، 3/ 29، 51، 100، 4/ 160، ولسان العرب 6/ 360 (نمش)، ومغني اللبيب 1/ 96، والمقاصد النحويَّة 2/ 267، 3/ 351، وهمع الهوامع 2/ 141، ولصرمة الأنصاري في شرح أبيات سيبويه 1/ 72، والكتاب 1/ 306، ولصرمة أو لزهير في الإنصاف 1/ 191، وبلا نسبة في أسرار العربية ص 154، والأشباه والنظائر 2/ 347، وجواهر الأدب ص 52، وخزانة الدب 1/ 120، 4/ 135، 10/ 293، 315، والخصائص 2/ 353، 424، وشرح الأشموني 2/ 432، وشرح المفصل 8/ 69، والكتاب 2/ 155.
وهو من قصيدة يذكر زهير فيها النعمان بن المنذر حيث طلبه كسرى ليقتله، ففر وأتى طيئا.
اللغة: بدا لى: أي نشأ له فيه الرأي.
المعنى: قد نشأ لي وظهر أنني لا أدرك ما فات، ولا أقدر أنني أسبق على ما سيجيء من الحوادث.
الإعراب: بدأ: فعل ماض، لي: جار ومجرور، أني: حرف توكيد ونصب والياء اسمها وهي في محل رفع فاعل بدا، لست: فعل ماض ناقص واسمه، مدرك: خبر ليس منصوب بالفتحة الظاهرة، ما مضى: جملة في محل الجر بالإضافة، ولست مع جملتها في محل رفع خبر أن، ولا سابق: بالجر عطفًا على خبر ليس على توهم إثبات الباء الزائدة في خبر ليس، شيئًا: مفعول سابق، جائيا: خبر كان، واسمها: ضمير، وجواب (إذا): محذوف تقديره: إذا كان جائيًا فلا أسبقه.
الشاهد: قوله: (ولا سابق)، فإنه مجرور بالباء المقدرة عطفًا على خبر ليس على توهم إثبات الباء فيه. =
بجر (سابق) علَى توهم دخول الباء في (مدرك)، فجوؤ هذا الشّاعر العربي ملاحظة ذلك فِي المعطوف عليه فعطف ملاحظًا لهُ فهو عطف علَى المعنَى.
ويعطف علَى معمولي عاملين مختلفين إِذا كَانَ أحد العاملين جارًا، نحو:(فِي الدّار زيدٌ والحجرةِ عمرو) بجر (الحجرة) ورفع (عمرو).
وكذا نحو: (زيدٌ فِي الدّارِ والحجرةِ عمرٌو) فالعاملان فِي هذا الموضع: هما حرف الجر العامل فِي (الدّار)، والابتداء العامل فِي (زيد)، والمعمولان:(الدّار)، و (زيد)، وأما (الحجرة): فمعطوفة علَى (الدّار)، وعامل (الدّار): حرف الجر كما علم، و (عمرو): معطوف علَى (زيد)، وعامل (زيد): الابتداء كما ذكر، فعطف علَى معمولي عاملين، أحدهما: حرف جر.
وممن أجازه: المبرد والكسائي والفراء والأخفش وابن السّراج.
وأنشد الفراء:
…
...
…
... ولِلطَّيرِ مَجرًى وَالجُنُوبِ مَصَارعُ
(1)
فعطف (الجُنوبِ) علَى (الطّيرِ)، و (مصارعُ) علَى (مجرى).
فإِن قدر حرف الجر .. كَانَ فِي حكم المذكور، وَلَم يكن حينئذ عطف علَى معمولي عاملين مختلفين؛ كما تقول:(للطير مجرى وللجنوب مصارع)، بَلْ هو
= هكذا روي بالجر، وقد روي بالنصب أيضًا عطفًا على اللفظ .. فحينئذ لا شاهد فيه.
(1)
التخريج: عجز بيت من الطويل، وصدره: ألا يا لقومي كل مما حم واقع
وهو للبعيث في لسان العرب 12/ 151 (حمم)؛ وتاج العروس (حمم)؛ ولخداش بن بشر العاملي أو لقيس بن ذريح في المقاصد النحوية 3/ 352؛ وبلا نسبة في الدرر 6/ 153؛ وهمع الهوامع 2/ 139.
الشرح: كل مما حم: - بضم الحاء وتشديد الميم - معناه: كل ما قُدِّر. الجُنوب: جمع جنب. المصارع: جمع مصرع، من صرعته صرعًا بالفتح لتميم، وبالكسر لقيس.
الإعراب: ألا: للتنبيه، يا: حرف نداء، لقومي: اللام للاستغاثة وهي من اللامات الزائدة للتوكيد، قومي: منادى، كل: مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة، ما حم: مضاف إليه، واقع: خبر المبتدأ مرفوع بالضعة الظاهرة، وللطير: جار ومجرور خبر مقدم، مجرى: مبتدأ مؤخر.
الشاهد: قوله: (والجنوب مصارع)، حيث جاء (الجنوب) بالجر مع أنه خبر عن مصارع؛ لأنه عطف على قوله:(وللطير)، والجر بحرف مقدر تقديره:(وللجنوب).
من عطف الجمل.
* ولَا تجوز المسألة السّابقة إِذا فصل بَينَ المخفوض والعاطف، فَلَا يجوز:(فِي الدّار زيد وعمرو الحجرة)، ولَا (زيد فِي الدّار وعمرو الحجرة).
وغير هؤلاء الجماعة يمنع ذلك، ويضمر (فِي) بعد العاطف، فيكون التّقدير عنده:(فِي الدّار زيد وفي الحجرة عمرو)، فهو حينئذ من عطف الجمل لا من عطف المفردات كما سبق فِي: اللطير مجرَى وللجنوب مصارع).
وأَجازَ الفراء أيضًا: أَن تعطف علَى معمولي عاملين مختلفين ولو لم يكن أحدهما حرف جر؛ تمسكًا بنحو قولهم: (ما كل سوداءَ تمرةً ولَا بيضاءَ شحمةً)
(1)
.
علَى أَن (بيضاء) معطوف علَى (سوداء)، أَو العامل فيها (كل)، وأن (شحمة) معطوف علَى (تمرة) والعامل فيها (ما) الحجازية.
والمانعون: يضمرون (كل)، فهو من عطف الجمل أيضًا.
ونص الصفار تلميذ ابن عصفور: علَى جواز عطف الخبر علَى الإنشاء؛ نحو: (مَن زيدٌ؟ وعمرٌو جاء).
وعكسه، نحو:(عمرو جاء ومن زيد)، خلافًا للمعانيين.
قال المصنف فِي "توضيحه علَى البخاري": ومن النّحويين من أَجازَ عطف الجمل بعضها علَى بعض مطلقًا من غير شرط. انتهَى.
ومنع بعضهم: عطف الفعلية علَى الاسمية وعكسه.
والمشهور: الجواز.
(1)
مَا كُلُّ بَيْضَاء شَحْمَةً، ولَا كُلُّ سَوْدَاء تَمْرَةً
وحديثه: أنه كانت هندُ بنت عَوْف بن عامر بن نِزار بن بجيلة تحت ذُهل بن ثعلبة بن عُكابة، فولدت له عامرًا وشيبان.
ثم هَلَكَ عنها ذهل، فتزوجها بعده مالكُ بن بكر بن سعد بن ضبة، فولدت له ذُهْلَ بن مالك.
فكان عامر وشيبان مع أمهما في بني ضَبَّة، فلما هلك مالك بن بكر .. انصرفا إلى قومهما، وكان لهما مال عند عمهما قيس بن ثعلبة، فوجَدَاه قد أهلكه، فوثب عامر دخل فجعل يحتفه، فَقَالَ قيس: يا ابني .. دَعْنِي؛ فإن الشيخ متأوه، فذهب قوله مثلًا.
ثم قَالَ: ما كل بيضاء شَحْمَه؛ ولَا كل سوداء تمرة، يعني: أنه وإن أشْبَهَ أباه خَلْقًا .. فلم يشبه خُلْقًا،
فذهب قوله مثلًا. يضرب في موضع التهمة.
وخص الفارسي الجواز بأن يكون العطف بالواو.
ويجوز عطف الجملة علَى المفرد إن كانت فِي تأويل المفرد، وجعل منه قوله تعالَى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} ، فـ (أذى): مبتدأ، و (به): خبر، والجملة معطوفة علَى (مريضًا).
وقيل: من عطف المفردات، فيكون (به): فِي موضع نصب عطفًا علَى (مريضًا)، و (أذى): فاعل، والتّقدير:(أَو كائن به أذَى).
وقيل: هو علَى إِضمار (كَانَ)؛ لدلالة الأولَى عليها؛ أَي: (أَو كَانَ به أذى).
والله الموفق
* * *