الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولًا:
آيات من كتاب الله عز وجل يضعونها في غير موضعها
الشبهة الأولى:
التكلف من غير دليل في تخصيص آية الحجاب بأمهات المؤمنين
.
الجواب:
أولًا: قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (الأحزاب: 53).
إن القرآن عام للناس جميعًا؛ قال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (الأنعام: 19)، ومن المعلوم من قواعد الشريعة أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالآية عامة لكل من تتوجه إليه من النساء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:«وَالْآيَاتُ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم فِيهَا خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ. إذْ كَانَتْ رِسَالَتُهُ عَامَّةً لِلثَّقَلَيْنِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَسْبَابِ نُزُولِ الْآيَاتِ مَا كَانَ مَوْجُودًا فِي الْعَرَبِ فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْآيَاتِ مُخْتَصًّا بِالسَّبَبِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا: هَلْ يَخْتَصُّ بِنَوْعِ السَّبَبِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ؟ وَأَمَّا بِعَيْنِ السَّبَبِ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: أَنَّ آيَاتِ الطَّلَاقِ أَوْ الظِّهَارِ أَوْ اللِّعَانِ أَوْ حَدَّ السَّرِقَةِ وَالْمُحَارِبِينَ وَغَيْرَ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي كَانَ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ» (1).
وقال الإمام القرطبي رحمه الله: «فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَذِنَ فِي مَسْأَلَتهنَّ مِنْ وَرَاء حِجَاب فِي حَاجَة تَعْرِض ، أَوْ مَسْأَلَة يُسْتَفْتَيْنَ فِيهَا ، وَيَدْخُل فِي ذَلِكَ جَمِيع النِّسَاء بِالْمَعْنَى ، وَبِمَا تَضَمَّنَتْهُ أُصُول الشَّرِيعَة مِنْ أَنَّ الْمَرْأَة كُلّهَا عَوْرَة ، بَدَنهَا
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية (9/ 14).
وَصَوْتهَا ، كَمَا تَقَدَّمَ ، فَلَا يَجُوز كَشْف ذَلِكَ إِلَّا لِحَاجَةٍ كَالشَّهَادَةِ عَلَيْهَا ، أَوْ دَاء يَكُون بِبَدَنِهَا ، أَوْ سُؤَالهَا عَمَّا يَعْرِض وَتَعَيَّنَ عِنْدهَا» (1).
فالله سبحانه لما أمر بسؤالهن من وراء حجاب أشارت علة الحكم بمسلك الإيماء والتنبيه إلى عموم الحكم، فقال:{ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} إذ طهارة القلوب مطلوبة من عموم المسلمين لا من الصحابة وآمهات المؤمنين فحسب، فاتضح من عموم علة الحكم عموم الحكم لجميع النساء، ولو قلنا بتخصيصها بأمهات المؤمنين لعطلنا كثيرًا من أحكام الشريعة، إذ غالب آيات القرآن ذوات أسباب في نزولها.
قال الشخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: «أما القرآن العظيم فمن أدلته العظيمة التي لا ينبغي عنها بحال من الأحوال أن الله أنزل فيه أدبًا سماويًا أدَّب به خير نساء الدنيا ـ وهن نساء سيد الخلق محمد صلى الله عليه وآله وسلم ـ فأمر فيه جميع الرجال أن لا يسألوهن متاعًا إلا من وراء حجاب، ثم بين أن الحكمة في ذلك أن تكون قلوب كل من الجنسين في غاية الطهارة من أدناس الريبة بين الجنسين.
وقد تقرر في علم الأصول أن العلة تعمم معلولها وتخصصه والعلة في هذه الآية المتضمنة هذا الأدب السماوي الكريم الكفيل بالصيانة والعفاف وحفظ الكرامة والشرف معممة لحكم الآية الكريمة في جميع نساء المسلمين إلى يوم القيامة، وإن كان لفظها خاص بأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك في قوله تعالى:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} ، ثم بين حكمة هذا الأدب السماوي وعلته ونتيجته بقوله جل وعلا:{ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} .
فدل ذلك بمسلك الإيماء والتنبيه من مسالك العلة أن علة السؤال من رواء
(1) تفسير القرطبي (14/ 227).
الحجاب هي المحافظة على طهارة قلوب كل من الجنسين غاية الطهارة حيث عبر تعالى بصيغة التفضيل في قوله: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} .
ودل هذا التعليل بأطهرية قلوب الجنسين، على أن حكم الآية عام للنساء المسلمات إلى يوم القيامة لأن أطهرية قلوبهن وقلوب الرجال من الريبة منهن مطلوبة إجماعًا فلا يصلح لقائل أن يقول المطلوب طهارة قلوب أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقط وطهارة قلوب الرجال من الريبة معهن فقط، بل ذلك مطلوب في جميع النساء إلى يوم القيامة كما لا يخفى.
فدل ذلك على أن العلة المشار إليها بقوله: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} مقتضية تعميم ها الحكم السماوي النازل بهذا الأدب الكريم المقتضي كمال الصيانة والعفاف والمحافظة على الأخلاق الكريمة والتباعد من التدنس بالريبة، فسبحان من أنزله، ما أعلمه بمصالح خلقه وتعليمهم ومكارم الأخلاق.
ويؤيد ما ذكرنا من تعميم الحكم أن الخطاب لواحد يشمل حكمه جميع الأمة إلا بدليل خاص وهو على المقرر في أصول المذهب الحنبلي يكون خطاب الواحد بنفسه صيغة عموم مقتضية عموم الحكم في جميع المكلفين.
وغير الحنابلة يقول خطاب الواحد يقتضي عموم الحكم لكن بواسطة لا بنفسه.
وتلك الواسطة نوعان:
أحدهما: قياس باقي المكلفين على ذلك الشخص الواحد المخاطب لأن الأصل استواء جميع الناس في أحكام التكاليف الشرعية إلا ما أخرجه دليل خاص.
النوع الثاني: هو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ» ، وهو صحيح أخرجه الترمذي وغيره بسند صحيح، وهو دليل على أن ما خوطبت امرأة واحدة من الأمة يعم حكمه جميع النساء.
ولو سلمنا تسليمًا جدليًا أن آية: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}
خاصة بأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يقوله بعض أهل العلم وجميع دعاة السفور، فإن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم خير أسوة وأفضل من يقتدي بهن نساء المسلمين ولا سيما في أدب سماوي تصان به الكرامة والشرف والعفاف.
فالاقتداء بهن في ذلك أولى من الاقتداء بإناث الإفرنج في الإباحية البهيمية القاضية على الأخلاق والشرف قضاء لا يترك للفضيلة والحفاظ أثرًا، ولا يصح لعاقل منصف أن ينازع في أن الاقتداء بأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تعليم بوحي سماوي يحقق الحفاظ على الشرف والصيانة والكرم والعفاف والنزاهة والبعد من تقزز القلوب بأدناس الريبة ـ خير وأولى من تقليد إناث الإفرنج الكافرات في كل ما يدنس العرض ويقضي على الكرامة والفضيلة.
فمن حاول منع بنات المسلمين من الاقتداء بأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك الأدب السماوي الكريم فهو مريض القلب غاش لأمته أشد الغش ومن غشنا فليس منا.
ويُفهم من مفهوم المخالفة المعروف في الأصول بدليل الخطاب في الآية أن الاختلاط وعدم الاحتجاب أبخس وأقذر لقلوبكم وقلوبهن لأن قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} يدل بمفهوم مخالفته أنكم إن سألتموهن متاعًا مباشرة لا من وراء حجاب أن ذلكم ليس أطهر لقلوبكم وقلوبهن بل هو أبخس لقلوبكم وقلوبهن» (1).
ثانيًا: إن الحكم يعم جميع النساء، ولو كان الأمر بمنع الاختلاط خاصًّا بأمهات المؤمنين فمن المقصود بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ
(1) باختصار من (حكم الإسلام في الاختلاط)، إعداد جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت 1389هـ 1969م، ردًا على استفسار الجمعية عن حكم الإسلام في اختلاط الطلبة والطالبات في المدارس والجامعات، مؤسسة نور الإسلام www.islamlight.net.
صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» (1) ومن المقصود بحديث أَبِى أُسَيْدٍ الأَنْصَارِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ ـ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِى الطَّرِيقِ ـ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم لِلنِّسَاءِ: «اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَاتِ الطَّرِيقِ» . فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ. (رواه أبو داود وحسنه الألباني).
ثالثًا: يلزم عن قولهم هذا، أن كل خطاب توجه إلى أحد بعينه، فحكمه خاص به، وحينئذ فالشريعة كلها خاصة بالصحابة رضي الله عنهم؛ لأن الأمر الإلهي نزل يخاطبهم حين نزل، فمَن بَعدهم لم يأت بعد.
وما هكذا سبيل العلماء، سبيلهم أن الحكم يخص المخاطب بشرط هو: إذا ورد دليل آخر يدل على الخصوصية. وقد قال تعالى مخاطبًا أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (الأحزاب: 33) فهل سيدّعون أن النهي عن التبرج أيضًا خاص بالأزواج؛ لأن الخطاب توجه إليهن؟.
رابعًا: قيل لهم: «لِمَ خُصَّ أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالقرار؟» فقالوا: «لحرمتهن ومنزلتهن» .
فيقال لهم: «هذه الحرمة والمنزلة تشمل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا شك؛ فيجب عليها القرار أم لا؟» .
فإن قالوا: «يجب عليها القرار» .فهاهم أدخلوا من لم يتوجه الخطاب إليه، فبطل قولهم بالتخصيص.
وإن قالوا: لا يجب عليها القرار؛ لأنها لم تخاطب، بطل تعليلهم، وما بُنِيَ عليه من التخصيص.
فكيفما قدرت، فقولهم باطل (2).
(1) رواه مسلم.
(2)
كيف بُنِيَ تحريم الاختلاط؟ د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه www.saaid.net.