الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الرابعة والعشرون بعد المائة:
هل ولَّى عمر بن الخطاب الشفاء بنت عبد الله القرشية العدوية الحسبة بالسوق
؟
الجواب:
أولًا: تخريج القصة:
1 -
روى ابن أبي عاصم في (الآحاد والمثاني برقم 2823):حدثنا دحيم، عن رجل، سماه عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، أن عمر رضي الله عنه استعمل الشفاء على السوق قال:«ولا نعلم امرأة استعملها غير هذه» .
وهذه القصة لا تصح حيث إن فيها علل:
الأولى: ضعف ابن لهيعة.
الثانية: الإرسال؛ لأن يزيد بن أبي حبيب لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه (1).
الثالثة: جهالة الرجل الذي روى عنه دحيم.
2 -
لما ذكر ابن حزم رحمه الله هذه الرواية في كتابه المحلى لم يُسندها على خلاف صنيعه، وذكرها بصيغه التمريض (رُوي) وهذا يدل على عدم صحتها.
3 -
يقول ابن العربي رحمه الله: «وقد رُوي أن عمر رحمه الله قدم امرأة على حسبة السوق، ولم يصح، فلا تلتفتوا إليه فإنما هو من دسائس المبتدعة في الحديث (2).
4 -
الأثر المروي عن الشفاء رحمه الله ذكره ابن الجوزي في (تاريخ عمر)، وابن عبد البر في (الاستيعاب)، وتبعه ابن حجر في (الإصابة)، وابن عساكر في (تاريخ دمشق)، كلهم بدون إسناد ولا عزو لأحد، ولم يذكره ابن سعد في ترجمتها، ولا
(1) الاختلاط أصل الشر في دمار الأمم والأسر لمحمد بن عبد الله الإمام (ص183).
(2)
أحكام القرآن، لابن العربي المالكي (3/ 1457)، تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن 13/ 183). وانظر: رسالة (المرأة والحقوق السياسية في الإسلام) للأستاذ مجيد محمود أبو حجير.
ابن الأثير في (أُسْد الغابة)، ولا الطبراني في (المعجم الكبير)، كما أنه ورد بصيغة التمريض (رُوي)(1).
قال ابن عبد البر: «وربما ولاها شيئًا من أمر السوق» (2).
قال ابن حجر: «وربما ولاها شيئًا من أمر السوق» (3).
قال ابن عساكر: «ويقال إن عمر بن الخطاب استعملها على السوق» (4).
5 -
ظاهر كلام أهل العلم يُفهَم منه تولية ابنها ومساعدتها له في بعض الشأن، فقد أشار الزرقاني إلى أن من وُلِّي هو ولدها سليمان بن أبي حثمة، قال:«وقال (أبو) عمر: رحل مع أمه إلى المدينة وكان من فضلاء المسلمين وصالحيهم واستعمله عمر على السوق وجمع الناس عليه في قيام رمضان» (5).
وكلام الزرقاني هو الذي نص عليه ابن عبد البر كما في (الاستيعاب)(6)، وقد نقله الحافظ ابن حجر في (الإصابة)، وقال:«قلت هذا كله كلام مصعب الزبيري وذكره عنه الزبير بن بكار» (7).
وهذا لا يثبت فمصعب الزبيري توفي في ستة وثلاثين ومائتين وبينه وبين عمر مفاوز.
ثانيًا: لا تُقبل هذه الرواية لأن عمر رضي الله عنه معروف بغيرته على الإسلام والمسلمين وخاصة النساء؛ فكيف يولي امرأة ولاية تدعوها إلى الاختلاط مع الرجال ومزاحمتهم.
(1) انظر: حكم تولي المرأة الإمامة الكبرى والقضاء، للأمين الحاج محمد أحمد (48).
(2)
الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/ 104).
(3)
الإصابة (4/ 14)، تهذيب التهذيب (ترجمة رقم 8973).
(4)
تاريخ دمشق (22/ 216).
(5)
انظر شرح الزرقاني (1/ 286).
(6)
الاستيعاب (2/ 649).
(7)
الإصاية (3/ 242).
وحاشا عمر رضي الله عنه أن يعمل عملًا يخالف فيه سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخليفته الأول أبا بكر الصديق رضي الله عنه، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:«لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» (رواه البخاري).
ثالثًا: غاية ما في هذا ـ إن ثبت ـ أن عمر رضي الله عنه ولاها شيئًا من أمر السوق مع ابنها، ولعل ذلك فيما يختص بما يحتاج الرجال دخول النساء فيه فكانت تساعده في ذلك والله أعلم، وهذا الصنيع له وجهه الذي لايخفى فإن شؤون النساء قد لايناسب مباشرة بعض حالات احتسابها رجال، وهذا ظاهر (1).
فإن صح الخبر فربما كان الأمر متعلقًا بالحسبة على النساء اللاتي في السوق، فلا تكون هناك خلوة أو اختلاط محرم (2).
رابعًا: الذي صح أن الشفاء كان بيتها بين المسجد والسوق، فعَنْ أبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أبِي حَثْمَةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَدَ سُلَيْمَانَ بْنَ أبِي حَثْمَةَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا إِلَى السُّوقِ ـ وَمَسْكَنُ سُلَيْمَانَ بَيْنَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ ـ فَمَرَّ عَلَى الشِّفَاءِ أُمِّ سُلَيْمَانَ، فَقَالَ لَهَا:«لَمْ أَرَ سُلَيْمَانَ فِي الصُّبْحِ» ، فَقَالَتْ:«إِنَّهُ بَاتَ يُصَلِّي فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ» .فَقَالَ عُمَرُ: «لأَنْ أَشْهَدَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي الْجَمَاعَةِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ لَيْلَةً» . (رواه مالك في الموطأ، وصححه الألباني).
(1) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره)، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق، (ص 60).
(2)
انظر: حكم تولي المرأة الإمامة الكبرى والقضاء، للأمين الحاج محمد أحمد (48).