الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة السابعة والعشرون:
فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي:
حَدِيثُ خَالِد بْنِ ذَكْوَانَ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم غَدَاةَ بُنِيَ عَلَيَّ فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي، وَجُوَيْرِيَاتٌ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ، يَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِهِنَّ يَوْمَ بَدْرٍ، حَتَّى قَالَتْ جَارِيَةٌ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: لا تَقُولِي هَكَذَا وَقُولِي مَا كُنْتِ تَقُولِينَ (رواه البخاري).
الجواب:
ذكر العلامة بدر الدين العيني في شرحه لهذا الحديث أن من العلماء من يقول: «كان هذا وأمثاله في ابتداء الإسلام» (1).
وهذا الذي يقتضيه الجمع بين النصوص وعدم ضرب بعضها ببعض.
ومن العلماء من جعل ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ قَالَ الحافظ ابن حَجَر: «(قَوْله (كَمَجْلِسِك) ـ بِكَسْرِ اللام ـ أَيْ مَكَانك ، قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: هُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ وَرَاء حِجَاب ، أَوْ كَانَ قَبْل نُزُول آيَة الْحِجَاب ، أَوْ جَازَ النَّظَر لِلْحَاجَةِ أَوْ عِنْد الْأَمْن مِنْ الْفِتْنَة» اهـ.
وَالْأَخِير هُوَ الْمُعْتَمَد ، وَالَّذِي وَضَحَ لَنَا بِالأَدِلَّةِ الْقَوِيَّة أَنَّ مِنْ خَصَائِص النَّبِيّ صلى الله عليه وآله وسلم جَوَاز الْخَلْوَة بِالأَجْنَبِيَّةِ وَالنَّظَر إِلَيْهَا» (2).
واعترض القاري في (المرقاة) على كلام الحافظ هذا فَقَالَ: «هذا غريبٌ فإنَّ
(1) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (25/ 275).
(2)
فتح الباري (9/ 203).
الحَدِيثَ لا دلالة فيه على كشف وجهها، ولا على الخلوة بها، بل ينافيها مقام الزفاف، وكذا قولها: فجعلت جُوَيْرِيَاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ بِالدُّفّ» (1).
وَما قاله القاريء بينٌ واضحٌ، فأين التنصيص على الخلوة؟ وكذلك أين كشف الوجه؟.
وقولها (فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي) لا يلزم منه أنّه جلس على فراشها معها، وليس فيه بيان لمجلسها من حيث القرب والبعد، بل قولها لخالد (كَمَجْلِسِكَ مِنِّي) يُشعر بالبعد لأنَّ خَالِد بْن ذَكْوَانَ ليس محرمًا لها، فلا بدَّ أنْ يكون مجلسه منها بعيدًا، والله أعلم (2).
(1) مرقاة المفاتيح (3/ 419).
(2)
إشكال وجوابه في حديث أم حرام بنت ملحان، لعلي بن عبد الله بن شديد الصياح المطيري (ص 49 - 50).
الشبهة الثامنة والعشرون:
النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم مَرَّ بِنِسَاءٍ مِنَ الأَنْصَارِ فِي عُرْسٍ لَهُنَّ:
أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي المعجم الصغير والْأَوْسَط ـ بِإِسْنَادٍ حَسَّنه الحافظ ابن حجر ـ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم مَرَّ بِنِسَاءٍ مِنَ الأَنْصَارِ فِي عُرْسٍ لَهُنَّ، وَهُنَّ يُغَنِّينَ:
وَأَهْدَى لَهَا أَكْبُشًا
…
تَبَحْبَحُ فِي الْمِرْبَدِ (1)
وَزَوْجُكِ فِي النَّادِي (2)
…
وَيَعْلَمُ مَا فِي غَد
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللهُ عز وجل» .
الجواب:
ليس في هذا الحديث ما يدل على الاختلاط؛ لأنه ليست فيه دلالة صريحة على جلوس النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع النساء فغاية ما فيه أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد سمع ذلك أثناء مروره، ويدل على ذلك قول عائشة رضي الله عنها أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم مَرَّ بِنِسَاءٍ مِنَ الأَنْصَارِ.
ويؤيد هذا الاستدلال رواية البيهقي في (السنن الكبرى) ورواية الحاكم في (المستدرك على الصحيحين) عن عائشة رضي الله عنها قالت: «سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ناسًا يتغنون في عرس لهم: «وَأَهْدَى لَهَا أَكْبُشًا
…
».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه» ، وقال الذهبي قي التلخيص:«على شرط مسلم» .
(1) أكبش جمع كبش وهو الذكر أو الفحل من الضأن في أَيِّ سِنٍّ كانَ، تَبَحْبَحُ في المِرْبَدِ: أَي متمكنة في المِربَد، وهو كلّ شيءٍ حُبِسَتْ به الإِبلُ والغنمُ، وتَبَحْبَح الرَّجلُ: إِذا تَمَكَّنَ في المُقَام والحُلُولِ، وتَوسَّطَ المَنزِلَ، يقال قد تَبَحْبَحْتُ في الدار إِذا تَوَسَّطْتَها وتمكنت منها، والتَّبَحْبُح التمكن في الحلول والمُقامِ. (لسان العرب، وتاج العروس، مادة (بحح) و (ربد) و (كبش).
(2)
النَّادِي هُوَ مَجْلِسُ الْقَوْمِ وَمُتَحَدَّثُهُمْ (مختار الصحاح، مادة (ندا)