الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الثالثة والعشرون:
فَجَعَلَا يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ:
قالوا: يجوز أن تأكل المرأة مع زوجها والضيف، واستدلوا بما رواه البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِىَّ صلى الله عليه وآله وسلم فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ فَقُلْنَ:«مَا مَعَنَا إِلَاّ الْمَاءُ» . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم «مَنْ يَضُمُّ، أَوْ يُضِيفُ هَذَا» . فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: «أَنَا» ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ:«أَكْرِمِى ضَيْفَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم» .
فَقَالَتْ: «مَا عِنْدَنَا إِلَاّ قُوتُ صِبْيَانِى» .
فَقَالَ: «هَيِّئِى طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِى سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِى صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً» . فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلَا يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، غَدَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَقَالَ «ضَحِكَ اللهُ اللَّيْلَةَ ـ أَوْ عَجِبَ ـ مِنْ فَعَالِكُمَا»؛ فَأَنْزَلَ اللهُ:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} (الحشر: 9)(1).
الجواب:
كان هذا قبل نزول آيات الحجاب، قال الشيخ ابن عثيمين:
(1)(فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ) أَيْ يَطْلُب مِنْهُنَّ مَا يُضَيِّفهُ بِهِ. قَوْله: (فَقُلْنَ مَا مَعَنَا) أَيْ مَا عِنْدنَا (إِلَّا الْمَاء).
قَوْله: (مَنْ يَضُمّ أَوْ يُضَيِّف) أَيْ مَنْ يُؤْوِي هَذَا فَيُضَيِّفهُ.
قَوْله: (إِلَّا قُوت صِبْيَانِيّ) يَحْتَمِل أَنْ يَكُون هُوَ وَامْرَأَته تَعَشَّيَا وَكَانَ صِبْيَانهمْ حِينَئِذٍ فِي شُغْلهمْ أَوْ نِيَامًا فَأَخَّرُوا لَهُمْ مَا يَكْفِيهِمْ، أَوْ نَسَبُوا الْعَشَاء إِلَى الصِّبْيَة لِأَنَّهُمْ إِلَيْهِ أَشَدّ طَلَبًا.
(وَأَصْبِحِي سِرَاجك) بِهَمْزَةِ قَطْع أَيْ أَوْقِدِيهِ. (طَاوِيَيْنِ) أَيْ بِغَيْرِ عَشَاء.
قِيلَ: فِي الْحَدِيث دَلِيل عَلَى نُفُوذ فِعْل الْأَب فِي الِابْن الصَّغِير وَإِنْ كَانَ مَطْوِيًّا عَلَى ضَرَر خَفِيف إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَة دِينِيَّة أَوْ دُنْيَوِيَّة، وَهُوَ مَحْمُول عَلَى مَا إِذَا عُرِفَ بِالْعَادَةِ مِنْ الصَّغِير الصَّبْر عَلَى مِثْل ذَلِكَ، وَالْعِلْم عِنْد اللهِ تَعَالَى. (باختصار من فتح الباري).
وبيان ذلك أن هذه القصة كانت سببًا في نزول قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (الحشر: 9)، وهي آية من سورة الحشر وقد نزلت سورة الحشر كلها في إثر إجلاء بني النضير، ولذلك كان يسميها عبد الله بن عباس سورة بني النضير، كما أخرج ذلك البخاري في صحيحه عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ:«قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: «سُورَةُ التَّوْبَةِ؟» ، قَالَ:«التَّوْبَةُ هِىَ الْفَاضِحَةُ، مَا زَالَتْ تَنْزِلُ وَمِنْهُمْ وَمِنْهُمْ، حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهَا لَمْ تُبْقِ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلَاّ ذُكِرَ فِيهَا» .
قُلْتُ: «سُورَةُ الأَنْفَالِ؟» . قَالَ: «نَزَلَتْ فِى بَدْرٍ» .
قُلْتُ: «سُورَةُ الْحَشْرِ؟» . قَالَ: «نَزَلَتْ فِى بَنِى النَّضِيرِ» .
وقد أجلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بني النضير على أكثر الأقوال في سنة أربع، وباتفاق أهل العلم أن الأحزاب كانت بعد إجلاء بني النضير؛ فهذا يعني أن الآية الكريمة نزلت قبل الحجاب بالإجماع، وأن القصة التي نزلت الآية بشأنها، وجاءت متقدمة على نزول الآية كانت قبل سورة الأحزاب المتضمنة لآيات الحجاب؛ فيكون أمر هذه القصة كله قبل نزول أحكام الحجاب (2).
(1) فتاوى النظر والخلوة والاختلاط جمع وترتيب محمد عبد العزيز المسند (ص 38 - 39).
(2)
الرد على أحمد الغامدي ومن وافقه في إباحة الاختلاط للدكتور محمد بن عبد الله الهبدان، الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص191).