المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشبهة العاشرة بعد المائة:إن الإمام مالكا أباح الاختلاط - الاختلاط بين الرجال والنساء - جـ ٢

[شحاتة صقر]

فهرس الكتاب

- ‌الرد على الشبهات

- ‌الشبهة الأولى:التكلف من غير دليل في تخصيص آية الحجاب بأمهات المؤمنين

- ‌الشبهة الثانية:ركوب أهل السفينة مع نوح عليه السلام

- ‌الشبهة الثالثة:هل اختلطت أم إسماعيل بقوم جرهم

- ‌الشبهة الرابعة:الاستدلال بقصة يوسف عليه السلام

- ‌الشبهة السادسة:نبأ موسى عليه السلام مع المرأتين:

- ‌الشبهة السابعة:قصة ملكة سبأ مع سليمان عليه السلام وما حصل من حوار معها:

- ‌الشبهة العاشرة:استدلالهم بآية (المباهلة):

- ‌الشبهة الحادية عشرة:حديث أم حرام بنت ملحان

- ‌الشبهة الثانية عشرة:أخذ الإماء بيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌الشبهة الخامسة عشرة:وضوء الرجال مع النساء:

- ‌الشبهة السادسة عشرة:صلاة النساء مع الرجال في الصلوات الخمس والعيدين:

- ‌الشبهة السابعة عشرة:اختلاط الرجال بالنساء في الطواف في الحج والعمرة

- ‌الشبهة الثامنة عشرة:مشاركة الصحابيات للمسلمين في الجهاد:

- ‌الشبهة العشرون:مَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي

- ‌الشبهة الحادية والعشرون:حديث الفارسي:

- ‌الشبهة الثانية والعشرون:سلمان مع أبي الدرداء، وإقرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌الشبهة الثالثة والعشرون:فَجَعَلَا يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ:

- ‌الشبهة الرابعة والعشرون:كَانَتْ امْرَأَتُهُ يَوْمَئِذٍ خَادِمَهُمْ وَهِيَ الْعَرُوسُ:

- ‌الشبهة الخامسة والعشرون:أَنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ دَخَلُوا عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ:

- ‌الشبهة السادسة والعشرون:أَيْنَ فُلَانٌ

- ‌الشبهة السابعة والعشرون:فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي:

- ‌الشبهة التاسعة والعشرون:المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌الشبهة الحادية والثلاثون:إِنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلَامُكِ:

- ‌الشبهة الثالثة والثلاثون:حديث فاطمة بنت قيس

- ‌الشبهة الخامسة والثلاثون:حديث أَبي السَّنَابِلِ بْنِ بَعْكَكٍ مع سُبَيْعَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ:

- ‌الشبهة الثامنة والثلاثون:مَا لَكِ يَا أُمَّ السَّائِبِ تُزَفْزِفِينَ

- ‌الشبهة التاسعة والثلاثون:خُذِى مِنْ يَدِ النَّبِىِّ

- ‌الشبهة الأربعون:دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِى جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِى الأَنْصَارِ:

- ‌الشبهة الحادية والأربعون:امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ:

- ‌الشبهة الثانية والأربعون:لما أصيب سعد بن معاذ، حولوه عند امرأة يقال لها رفيدة:

- ‌الشبهة الثالثة والأربعون:وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ:

- ‌الشبهة الخامسة والأربعون:دخول عمر رضي الله عنه على عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما على عهد رسول الله

- ‌الشبهة السادسة والأربعون:استقبال الأنصار للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عند الهجرة:

- ‌الشبهة السابعة والأربعون:إطعام جابر بن عبد الله رضي الله عنهما لأهل الخندق:

- ‌الشبهة الثامنة والأربعون:إطعام أبي طلحة رضي الله عنه لأهل الخندق:

- ‌الشبهة التاسعة والأربعون:أحاديث دخول بعض الصحابة رضي الله عنهم على عائشة رضي الله عنها أو غيرها من زوجات النبي

- ‌الشبهة الخمسون:الذين سألوا عن عبادة النبي

- ‌الشبهة الحادية والخمسون:إطعام النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبعض أصحابه

- ‌الشبهة الثانية والخمسون:كَيْفَ أَنْتُمْ؟ كَيْفَ حَالُكُمْ

- ‌الشبهة الثالثة والخمسون:صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالعجوز، وأكله عندها:

- ‌الشبهة الرابعة والخمسون:صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيت أم هانئ رضي الله عنها وحواره معها:

- ‌الشبهة الخامسة والخمسون:هل دخلت إحدى نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أصحابه:

- ‌الشبهة السادسة والخمسون:سؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأسماء بنت عميس عن أَوْلَاد جَعْفَر

- ‌الشبهة السابعة والخمسون:نِسْوَةٌ مِنْ بَنِى حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ عند أم سلمة

- ‌الشبهة الثامنة والخمسون:حوار بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وزوجته حفصة رضي الله عنها سمعته أم مبشر

- ‌الشبهة التاسعة والخمسون:موقف ضحك منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌الشبهة الستون:دُخُول النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم عَلَى أُمِّ مُبَشِّرٍ الأَنْصَارِيَّةِ فِى نَخْلٍ لَهَا:

- ‌الشبهة الحادية والستون:من هذه

- ‌الشبهة الثانية والستون:دخول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إحدى حُجَرِ نسائه:

- ‌الشبهة الثالثة والستون:دخول زوجة إبراهيم عليه السلام على الجبار:

- ‌الشبهة الرابعة والستون:تحاكم المرأتان إلى داود وسليمان سدد خطاكم:

- ‌الشبهة الخامسة والستون:زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخديجة لورقة بن نوفل:

- ‌ثالثًا: أحاديث ضعيفة لم تثبت أصلًا فلا يحتج بها

- ‌الشبهة السادسة والستون:أَطْعِمْنِي مِمَّا فِي فِيكَ:

- ‌الشبهة السابعة والستون:هل أكل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أم إسحق:

- ‌الشبهة الثامنة والستون:ادْنِي فَكُلِي:

- ‌الشبهة التاسعة والستون:هل أكلت عَمِيرَة بنت مَسْعُودٍ وأَخَوَاتُها مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌الشبهة السبعون:هل أكل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع امرأة كانت تزور خديجة رضي الله عنها

- ‌الشبهة الحادية والسبعون:هل شَرِبَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثُمَّ نَاوَلَ أُمَّ هَانِئٍ:

- ‌الشبهة الثانية والسبعون:عيادة الصحابة رضي الله عنهم لفاطمة رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌الشبهة الثالثة والسبعون:لَيْسَ أُولَئِكَ عَنَيْتُ:

- ‌الشبهة الرابعة والسبعون:أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَلَى حَقِيبَةِ رَحْلِهِ:

- ‌الشبهة الخامسة والسبعون:كم أنتم

- ‌رابعًا:آثار صحيحة عن الصحابة

- ‌الشبهة السادسة والسبعون:عيادة عائشة لبلال رضي الله عنهما

- ‌الشبهة السابعة والسبعون:هل عَادَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ مِنْ الْأَنْصَارِ

- ‌الشبهة الثامنة والسبعون:دَخَلْنَا عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَأَتْحَفَتْنَا بِرُطَبِ ابْنِ طَابٍ:

- ‌الشبهة التاسعة والسبعون:مَا لَهَا لَا تَكَلَّمُ

- ‌الشبهة الثمانون:كُنْتُ عِنْدَ أَنَسٍ وَعِنْدَهُ ابْنَةٌ لَهُ:

- ‌الشبهة الحادية والثمانون:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلَكَ زَوْجِى وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا:

- ‌الشبهة الثانية والثمانون:يُفْعَلُ هَذَا عِنْدَكُمْ

- ‌الشبهة الثالثة والثمانون:هل زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم كُنَّ يُجالسن الرجال

- ‌الشبهة الرابعة والثمانون:هل قتلت أسماء بنت يزيد سبعة من الروم يوم اليرموك

- ‌الشبهة الخامسة والثمانون:زيارة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لأم أيمن رضي الله عنها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌الشبهة السادسة والثمانون:انصراف بعض الصحابة رضي الله عنهم بعد صلاة الجمعة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيت امرأة من الأنصار:

- ‌الشبهة السابعة والثمانون:تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ:

- ‌الشبهة الثامنة والثمانون:أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي قَيْسٍ، فَفَلَتْ رَأْسِي:

- ‌الشبهة التاسعة والثمانون:حوار بين عمر وسودة

- ‌الشبهة التسعون:صلاة عمرو بن سلمة بقومه وهو صغير:

- ‌الشبهة الحادية والتسعون:تَحَوَّلَ الصحابة في الصلاة النِّسَاء مَكَان الرِّجَال وَالرِّجَال مَكَان النِّسَاء عندما علموا بوجوب استقبال الكعبة:

- ‌الشبهة الثانية والتسعون:سكنى المهاجرين مع الأنصار:

- ‌الشبهة الثالثة والتسعون:دخول البراء بن عازب على عائشة مع أبي بكر رضي الله عنهم

- ‌الشبهة الرابعة والتسعون:العلم نور:

- ‌الشبهة الخامسة والتسعون:ابن عمر ومولاة له:

- ‌الشبهة السادسة والتسعون:حوار بين عمر بن الخطاب وأسماء بنت عميس رضي الله عنهما

- ‌الشبهة السابعة والتسعون:حوار بين أَسْمَاء بِنْت أَبِى بَكْرٍ رضي الله عنهما ورجل في المسجد:

- ‌الشبهة الثامنة والتسعون:ضيف مع علي

- ‌الشبهة التاسعة والتسعون:التابعون يستفتون أَسْمَاء بِنْت أَبِي بَكْر رضي الله عنهما

- ‌الشبهة المائة:دخول أبي أسماء على امرأة سوداء لأبي ذر رضي الله عنه

- ‌الشبهة الأولى بعد المائة:دخول قيس بن أبي حازم وغيره على أسماء بنت عميس:

- ‌خامسًا:آثار لا تثبت عن الصحابة

- ‌الشبهة الثانية بعد المائة:اختلاط في بيت عمر

- ‌الشبهة الثالثة بعد المائة:يوم الخندق تقتل صفية بنت عبد المطلب يهوديًا وتقطع رأسه عندما رفض حسان بن ثابت ذلك

- ‌الشبهة الخامسة بعد المائة:هل توضأت عائشة رضي الله عنها أمام سَالِمٌ سَبَلَانُ

- ‌سادسًا: دعاوى شرعية وعقلية وواقعية يكذبها الشرع والعقل والواقع

- ‌الشبهة السادسة بعد المائة:الاحتجاج بالأسواق والبيع والشراء بين الرجال والنساء

- ‌الشبهة السابعة بعد المائة:قالوا: لم يرد في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم تحريمُ الاختلاط؛ فليبق المحرم إذًا محصورًا في الخلوة

- ‌الشبهة التاسعة بعد المائة:اختلاط الرجال بالنساء الأجنبيات لم يحرمه إلا بعض العلماء

- ‌الشبهة العاشرة بعد المائة:إن الإمام مالكًا أباح الاختلاط

- ‌الشبهة الحادية عشرة بعد المائة:يجوز الاختلاط بشرط غض البصر واحتجاب المرأة وعدم خضوعها بالقول

- ‌الشبهة الثانية عشرة بعد المائة:الاختلاط يخفف الشهوة:

- ‌الشبهة الثالثة عشرة بعد المائة:الفصل بين الجنسين يؤجج الشهوة، ويلجئ إلى طلب الجنس ولو من المثل

- ‌الشبهة الخامسة عشرة بعد المائة:المسلمون في جميع أنحاء العالم الإسلامي تختلط النساء بالرجال ولا يحصل ما ذكرته بل إن هناك احترام وحشمة

- ‌الشبهة السادسة عشرة بعد المائة:كن واقعيًا:

- ‌الشبهة الثامنة عشرة بعد المائة:الوقت كفيل باعتياد الناس على رؤية المرأة بدون الحجاب، وعلى مخالطتها للرجال

- ‌سابعًا: شبهات متعلقةبجواز ولاية المرأة وذلك يقتضي اختلاطها بالرجال

- ‌الشبهة التاسعة عشرة بعد المائة:احتجاجهم بأن امرأة تولت عرش اليمن وذكرها الله تعالى في القرآن، ولم يَعِبْ ذلك عليها، ولا على قومها

- ‌الشبهة العشرون بعد المائة:مبايعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم للنساء:

- ‌الشبهة الحادية والعشرون بعد المائة:مشاورة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأم سلمة رضي الله عنها

- ‌‌‌الشبهة الثالثة والعشرون بعد المائة:الاستدلال بخبر سمراءرضي الله عنها

- ‌الشبهة الثالثة والعشرون بعد المائة:الاستدلال بخبر سمراء

- ‌الشبهة الرابعة والعشرون بعد المائة:هل ولَّى عمر بن الخطاب الشفاء بنت عبد الله القرشية العدوية الحسبة بالسوق

- ‌الشبهة الخامسة والعشرون بعد المائة:هل قام عبد الرحمن بن عوف بمشاورة النساء في اختيار الخليفة بعد وفاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌الشبهة السادسة والعشرون بعد المائة:قالوا: إن حديث «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً» خاص بتولى رئاسة الدولة فقط دون سائر الولايات العامة:

- ‌الشبهة السابعة والعشرون بعد المائة:هل أجاز الإمام أبو حنيفة تولية المرأة القضاء

- ‌الشبهة الثامنة والعشرون بعد المائة:هل أجاز الإمام الطبري تولية المرأة القضاء

- ‌الشبهة التاسعة والعشرون بعد المائة:قول ابن حزم بجواز تولية المرأة القضاء:

- ‌الشبهة الثلاثون بعد المائة:استدلالهم بتولي شجرة الدر ـ التركية محظية الملك الصالح نجم الدين أيوب ـ شئون الحكم في مصر:

- ‌الشبهة الحادية والثلاثون بعد المائة:الاستدلال ببعض الدول الإسلامية في تولي نسائها رئاسة دولهن:

- ‌الشبهة الثانية والثلاثون بعد المائة:قولهم إن ترشيح المرأة للنيابة العامة نوع من الشورى، وأن الشورى ليست ممنوعة على المرأة:

- ‌الشبهة الثالثة والثلاثون بعد المائة:قولهم إن النيابة في المجالس التشريعية ليست ولاية عامة:

- ‌الشبهة الرابعة والثلاثون بعد المائة:قولهم إن ترشيح المرأة لغيرها وكالة:

- ‌الشبهة الخامسة والثلاثون بعد المائة:المرأة يصح أن تكون مفتية وتؤخذ عنها الفتوى:

- ‌الشبهة السادسة والثلاثون بعد المائة:قولهم إن الأحكام تتغير بتغير الزمان:

- ‌مراجع البحث

الفصل: ‌الشبهة العاشرة بعد المائة:إن الإمام مالكا أباح الاختلاط

‌الشبهة العاشرة بعد المائة:

إن الإمام مالكًا أباح الاختلاط

؟

قد يستدل دعاة الاختلاط بأقوال منسوبة لبعض العلماء المعتبرين، قد لا تصح عنهم أصلًا، وإن صحت فعند التأمل لا تجد فيها ما يؤيد قول دعاة الاختلاط، وعلى فرض صحة أنها تؤيد قولهم، فإنه إنْ كان لا يُحْتَجّ بأقوال وأفعال الصحابة إن خالفت أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونهيه؛ فمَن بَعدهم مِن العلماء أولى، وقد نهى الأئمة عن اتباع أقوالهم إن خالفت الكتاب والسنة.

ومن ذلك قولهم إن الإمام مالكًا أباح الاختلاط؟

قَالَ يَحْيَى: سُئِلَ مَالِكٌ هَلْ تَأْكُلُ الْمَرْأَةُ مَعَ غَيْرِ ذِى مَحْرَمٍ مِنْهَا أَوْ مَعَ غُلَامِهَا، فَقَالَ مَالِكٌ:«لَيْسَ بِذَلِكَ بَأْسٌ إِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ مَا يُعْرَفُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَأْكُلَ مَعَهُ مِنَ الرِّجَالِ» .

قَالَ: «وَقَدْ تَأْكُلُ الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا وَمَعَ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُؤَاكِلُهُ أَوْ مَعَ أَخِيهَا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْلُوَ مَعَ الرَّجُلِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حُرْمَةٌ» (1).

الجواب:

أولًا: هذا القول للإمام مالك رحمه الله، ليس فيه إباحة للاختلاط، بل إجابة لسؤال عن المرأة تأكل مع غير ذي محرم، فقال: «لَيْسَ بِذَلِكَ بَأْسٌ إِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ مَا يُعْرَفُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَأْكُلَ مَعَهُ مِنَ الرِّجَالِ

وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْلُوَ مَعَ الرَّجُلِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حُرْمَةٌ».

فأين إجازة الإمام مالك للاختلاط في هذه الفتوى؟ وقد اشترط رحمه الله أن يكون جلوسها مع الرجال معروفًا لا يستنكر، كأن تكون مع الأقارب أو الأرحام أو

(1) موطأ مالك (2/ 614)، وقال محققه: صحيح إلى مالك.

ص: 584

الأصهار ونحوهم بحضرة محارمها وهي متحجبة (1).

ومما قد يلحق بذلك ما قد يضطر إليه الناس للأكل في مكان فيه رجال ونساء ومعها أحد محارمها في السفر أو في مِنًى أيام الحج مثلًا، فتأكل وهي منتقبة كما تُضطر إلى فعله بعض النساء في عصرنا الحاضر، فمثل هذا لا يستنكر.

فكيف يُفهم عن الإمام مالك رحمه الله جواز أكل المرأة مع غير محارمها وقد قال: «أرى للإمام أن يتقدم إلى الصُّنَّاع في قعود النساء إليهم، وأرى ألا تترك المرأة الشابة تجلس إلى الصُّنَّاع» (2).

فإذا كان رحمه الله يمنع من مجرد جلوس النساء مع الرجال الأجانب في الطرقات، فكيف يبيح الأكل معهم.

ولا يُتَصَوَّرُ أن يقصد الإمام مالك ما يحدث في بعض البيوت من أكل النساء مع الرجال غير المحارم، مع كشف النساء لوجوههن، بل وغير وجوههن، بزينة وبغير زينة، مما ينتج عنه كثير من المخالفات الشرعية من النظر والإعجاب وتعلق القلب واللمس بل وأحيانًا الفاحشة، وهذا الواقع لا ينكره إلا مكابر.

إن من الإنصاف أن يُفهم كلام الإمام مالك في ضوء الواقع الذي كان يعيش فيه الإمام مالك رحمه الله حيث الأصل أن النساء محتجبات لا يراهن غير محارمهن، والاختلاط هو الاستثناء، ومن التعسف فهم كلامه في ضوء واقعنا المعاصر حيث الأصل اختلاط النساء بالرجال غير المحارم، والاحتجاب هو الاستثناء.

(1) الجهد وحده دون مستند شرعي في إباحة الاختلاط لا يكفي لإثبات الأحكام، علي أبا بطين، عضو هيئة التدريس بالكلية التقنية بالقصيم.

(2)

البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة لابن رشد القرطبي المالكي (9/ 335) تحقيق: د/ محمد حجي وآخرون.

ص: 585

إن احتجاب النساء عن الرجال الأجانب ظل هو الأصل حتى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وبدايات القرن العشرين الميلادي عندما بدأ بعض المغرورين ينخدع بحركة ما يسمى (تحرير المرأة).

وإذا قرأت ما سطره علماء الحملة الفرنسية الصليبية على مصر، من وصف للمجتمع المصري في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي وبداية القرن التاسع عشر، وجدت أن ستر الوجه عند الخروج من المنزل، وعدم الاختلاط حتى داخل البيوت كان هو الأصل عند حكام البلاد وعامة الشعب.

ومما قالوه: «النساء في كل الظروف لا يخرجن مطلقًا سافرات الوجوه، بل يغطين وجوههن بالبرقع

ولا يدخل الرجال مطلقًا ـ فيما عدا بعض الأهل الأقربين ـ إلى مسكن السيدات

ولم يستطع الرحالة السابقون على الغزو أن يتعرفوا على أحوال سيدات الطبقة المسيطرة، وذهبت أدراج الرياح كل توسلاتهم اللحوح؛ فلم يكن عظماء مصر ليسمحوا لأحد بأن يتطلع إلى جمال زوجاتهم» (1).

فإذا كان هذا حال المسلمين في تلك القرون فما ظنك بالقرن الثاني الهجري الذي عاش فيه الإمام مالك في مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ثانيًا: غاية ما يفهم من كلام الإمام مالك رحمه الله إجازة الإمام مالك أن تأكل مع الأقارب أو الأرحام أو الأصهار ونحوهم بحضرة محارمها وهي متحجبة، فهل يوجد مَحْرَم في الأماكن المختلطة في العمل والدراسة.

ثالثًا: إن كان دعاة الاختلاط يستدلون لدعواهم بفهمهم السقيم لكلام الإمام

(1) وصف مصر (1/ 64 - 65) تأليف ج دي شابرول، ترجمة زهير الشايب.

ص: 586

مالك رحمه الله فقد ورد عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ما يخالف ذلك، فقد قال العلامة السفاريني الحنبلي:«النَّظَرُ يَنْقَسِمُ إلَى أَقْسَامٍ، مِنْهَا مَا هُوَ مُحَرَّمٌ وَهُوَ جُلُّ الْمَقْصُودِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، كَالنَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ تُبِيحُ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى جَمِيعِهَا فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه.قَالَ رضي الله عنه: «لَا يَأْكُلُ مَعَ مُطَلَّقَتِهِ، هُوَ أَجْنَبِيٌّ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا فَكَيْفَ يَأْكُلُ مَعَهَا يَنْظُرُ إلَى كَفِّهَا، لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ» (1).

وقد تعلَّم المسلمون من الإمام مالك رحمه الله قوله: «إنما أنا بشر أخطيء وأصيب، فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه» (2).

وقد رَدَّ الفقيه المالكي القرطبي الإمام الحافظ ابن عبد البر (3) على الإمام مالك قوله، فقال في شرحه (للموطأ) (4) تعليقًا على قول الإمام مالك السابق:

«في كتاب الله تعالى شفاء من هذا المعنى؛ قال الله عز وجل: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} (النور:31)، كما قال:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} (النور:30).وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِذِي مَحْرَم (5) وَلَا تُسًافِر امْرَأَةٌ

(1) غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب، للشيخ محمد السفاريني الحنبلي (1/ 97).

(2)

راجع أقوال الأئمة في اتباع السنة وترك أقوالهم المخالفة لها في (صفة صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم للشيخ الألباني، ص21 - 29).

(3)

هو الحافظ جمال الدين أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري الأديب الفقيه المالكي الشهير بابن عبد البر القرطبي، ولد سنة 368، وتوفي بشاطبة سنة 463، من تصانيفه: آداب العلم. الأجوبة المرعبة على المسائل المستغربة من صحيح البخاري.

(4)

المسمى: الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار وشرح ذلك كله بالإيجاز والاختصار.

(5)

لم أجده بهذا اللفظ، ولكن رواه البخاري بلفظ:«لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَاّ مَعَ ذِى مَحْرَمٍ» ورواه مسلم بلفظ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَاّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ» .

ص: 587

بَرِيدًا فَمَا فَوْقَهُ إلّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» (1).

وقال جَرِيرِ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِى أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِى (2).

وقال لعليٍّ رضي الله عنه: «لَكَ النَّظْرَةُ الأولَى وَلَيْسَ لَكَ الأُخْرَى» (3).

(1) رواه البخاري ومسلم بلفظ: «لَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلَاّ مَعَ ذِى مَحْرَمٍ» .

ورواه البخاري بلفظ: «لَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَاّ مَعَ ذِى مَحْرَمٍ» . و «لَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إِلَاّ مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ» . و «لَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ إِلَاّ وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ»

ورواه مسلم بلفظ: «لَا تُسَافِرِ امْرَأَةٌ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إِلَاّ مَعَ ذِى مَحْرَمٍ» و «لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إِلَاّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ» «لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ سَفَرًا يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا إِلَاّ وَمَعَهَا أَبُوهَا أَوِ ابْنُهَا أَوْ زَوْجُهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا» و «لَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ ثَلَاثًا إِلَاّ مَعَ ذِى مَحْرَمٍ» «لَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ مِنَ الدَّهْرِ إِلَاّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا أَوْ زَوْجُهَا» «لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَاّ مَعَ ذِى مَحْرَمٍ عَلَيْهَا» «لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلَاّ مَعَ ذِى مَحْرَمٍ» «لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ إِلَاّ وَمَعَهَا رَجُلٌ ذُو حُرْمَةٍ مِنْهَا» .

ولم أجده بلفظ: «بريدًا فما فوقه» .

لكن رواه ابن خزيمة وابن حبان بلفظ: «لَا تُسًافِر المَرْأَةٌ بَرِيدًا إلّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» ، وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان: إسناده صحيح، وكذا قال د. محمد مصطفى الأعظمي الأعظمي في تعليقه على صحيح ابن خزيمة.

ورواه أبو داود، والبيهقي، والحاكم، وابن عساكر بلفظ:«لا تُسَافِرُ امْرَأَةٌ بَرِيدًا إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ يَحْرُمُ عَلَيْهَا» .

وقال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم» ووافقه الذهبي.

وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (رقم 13258).

ولكنه في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، رقم 5727) قال:«ثم تبينت أن الحديث بلفظ «بريدًا» شاذ، والمحفوظ بلفظ:«. . . يوم وليلة. . .» .وحكم عليه بالشذود أيضًا في (إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، رقم 567)، و (التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان رقم 2710).

والبريد: المسافة بين كل منزلين من منازل الطريق، وهي أميال اختُلِف في عددها.

(2)

رواه مسلم.

(3)

لم أجده بهذا اللفظ ولكن رواه أبو داود والترمذي بلفظ: «يَا عَلِىُّ، لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ؛ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ» . (وحسنه الألباني).

ص: 588

وهذا تفسير حديث جرير أنه أمره أن يصرف بصره عن النظرة الثانية لأن النظرة الأولى غُلِبَ عليها بالفجاءة.

ولقد كره الشعبي أن يديم الرجل النظر إلى ابنته أو أمه أو أخته، وزمنه خير من زمننا هذا (1).

وحرام على الرجل أن ينظر إلى ذاتِ مَحْرَم نظر شهوة يرددها.

وقال عاصم الأحول: «قلت للشعبي الرجل ينظر إلى المرأة لا يرى منها مُحَرّمًا؟» .

قال: «ليس لك أن تتبعها بعينك» (2).

قال أبو عمر (الإمام ابن عبد البر): «فأين المجالسة والمؤاكلة من هذا؟!!» .

قد جاءت رخصة في المملوك الوغد (3) وفي معاني من هذا الباب تركت ذكرها لأني لم أرَ من الصواب إلا أن يكون المملوك من غير أولى الإربة فيكون حكمه حكم الأطفال الذين لا يفطنون لعورات النساء وكم من المماليك الأوغاد أتى منهم الفساد» (4).

فالإمام ابن عبد البر بعد أن بَيَّنَ نَهْيَ الإسلام عن الخلوة وأمْرَهُ بغض البصر قال: «فأين المجالسة والمؤاكلة من هذا؟!!» ، أي فإذا كان النظر فقط محرمًّا، فكيف بالجلوس مع النساء والأكل معهن، واشترط أن يكون المملوك من غير أولى الإربة، وهم ممن لا حاجة لهم إلى النساء؛ حتى لا يحصل الفساد.

(1) وزمن الإمام ابن عبد البر خير بكثير من زمننا هذا.

(2)

رواه ابن أبي شيبة في (المصنف) برقم 17216.

(3)

الوَغْدُ: الخفِيف الأَحمقُ الضعيفُ العقْلِ الرذلُ الدنيءُ وقيل الضعيف في بدنه، والوَغْدُ الصبيّ. (انظر: لسان العرب، مادة وغد).

(4)

الاستذكار (8/ 387 - 388).

ص: 589

وكيف يتمكن الرجل من غض بصره عن امرأة تأكل معه في نفس المكان ليس بينه وبينها حجاب، وكيف تتمكن هي من غض بصرها عنه، إن الأمر بغض البصر دليل على المنع من الاختلاط.

قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} (النور: 30 - 31).

قال الدكتور عبد الله ناصح علوان:

«

كيف نتصور غض البصر لكل من الرجل والمرأة وهما مجتمعان في مكان واحد؛ فالآية إذن في مدلولها تنهى عن الاختلاط وتحرمه» (1).

وقد ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن من حق الطريق: «غَضّ البَصَر» (رواه البخاري ومسلم).

فإذا كان غض البصر واجبًا على الرجال إذا مرت بمجلسهم في الطريق امرأة مرورًا عابرًا، فكيف يأكل الرجل مع المرأة الأجنبية؟!

قال العلاء بن زياد: «كان يقال: لا تُتْبِعَنَّ نظركَ حُسنَ رداءِ امرأة؛ فإن النظر يجعل شهوة في القلب» (2).

رابعًا: هل يقول دعاة الاختلاط بجواز الخلوة بالمرأة الأجنبية استنادًا إلى قول الإمام مالك في هذا الأثر: «وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْلُوَ مَعَ الرَّجُلِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حُرْمَةٌ» !!!! ويخالفون قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَاّ مَعَ ذِى مَحْرَمٍ» (رواه البخاري).

(1) تربية الأولاد في الإسلام (1/ 204).

(2)

مصنف ابن أبي شيبة، برقم (17215).

ص: 590

معنى الكراهة في كلام الأئمة:

إن من يتبعون الشهوات غالبًا ما يستدلون بزلّات العلماء، ولكن ليس لهم في كلام الإمام مالك ما يؤيد دعواهم، فمعنى كلام الإمام مالك رحمه الله تحريم الخلوة بالأجنبية وليس كراهيتها فقط.

قال الإمام الشاطبي المالكي رحمه الله: «وأما كلام العلماء فإنهم وإن أطلقوا الكراهية في الأمور المنهي عنها لا يعنون بها كراهية التنزيه فقط، وإنما هذا اصطلاح المتأخرين حين أرادوا أن يفرقوا بين القبيلين، فيطلقون لفظ الكراهية على كراهية التنزيه فقط، ويخصون كراهية التحريم بلفظ التحريم والمنع، وأشباه ذلك.

وأما المتقدمون من السلف فإنهم لم يكن من شأنهم فيما لا نص فيه صريحًا أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام. ويتحامون العبارة خوفًا مما في الآية من قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} (النحل: 116)، وحكى مالك عمن تقدم هذا المعنى.

فإذا وجدت في كلامهم في البدعة أو غيرها: أكره هذا، ولا أحب هذا، وهذا مكروه، وما أشبه ذلك، فلا تَقْطَعَنّ على أنهم يريدون التنزيه فقط» (1).

ومما يوضح كلام الإمام الشاطبي أن الإمام الترمذي قال في سننه: «باب مَا جَاءَ فِى كَرَاهِيَةِ إِتْيَانِ الْحَائِضِ» ، وذكر فيه قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوِ امْرَأَةً فِى دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم» (2) فهل يُعقل أن يستدل الإمام الترمذي بالحديث على الكراهة التنزيهية؟!!

(1) الاعتصام (2/ 397، 398).

(2)

رواه الإمام الترمذي (135) وصححه الشيخ الألباني.

ص: 591