الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الثالثة بعد المائة:
يوم الخندق تقتل صفية بنت عبد المطلب يهوديًا وتقطع رأسه عندما رفض حسان بن ثابت ذلك
.
الجواب:
1 -
إن صح ذلك، فغزوة الخندق من المعلوم أنها وقعت قبل نزول آيات الحجاب.
2 -
إن صح ذلك فكيف يستدل بحال ضرورة على ما ليس بضرورة، كيف يستدل بدفاع المسلمات عن أنفسهن ضد غدر اليهود على جلوس المسلمات مع الرجال غير المحارم بدون حاجة ولا محرم.
3 -
هل صح أن صفية رضي الله عنها قطعت رأس يهودي عندما رفض حسان ذلك؟
هذه القصة ضعيفة سندًا ومتنًا:
رُوِى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد وضع النساء والذرية في حصن فارع يوم أحد، فجاء يهودي وأخذ يطل على الحصن، فطلبت صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها من حسان أن يقوم فيقتله، فجبن واعتذر، فقامت صفية إلى اليهودي وقتلته، ثم طلبت من حسان أن يرمي برأسه إلى اليهود أسفل الحصن، فجبن واعتذر أيضًا، فرمَتْ برأس اليهودي إلى أصحابه، فتفرقوا لأنهم ظنوا أن بالحصن رجالًا محاربين».
رواية الطبراني:
روى الطبراني في (المعجم الكبير برقم 20264):حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا إِسْحَاقُ بن مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ، حَدَّثَتْنَا أُمُّ عُرْوَةَ بنتُ جَعْفَرِ بن الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهَا، عَنْ جَدَّتِهَا صَفِيَّةَ بنتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم لَمَّا خَرَجَ إِلَى أُحُدٍ جَعَلَ نِسَاءَهُ فِي أُطُمٍ يُقَالُ لَهُ فَارِعٌ، وَجَعَلَ مَعَهُنَّ حَسَّانُ بن ثَابِتٍ، فَكَانَ حَسَّانُ يَطْلُعُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، فَإِذَا شَدَّ
عَلَى الْمُشْرِكِينَ شَدَّ مَعَهُ فِي الْحِصْنِ، وَإِذَا رَجَعَ رَجَعَ وَرَاءَهُ.
قَالَتْ: فَجَاءَ أُنَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ فَتَرَقَّى أَحَدُهُمْ فِي الْحِصْنِ حَتَّى أَطَلَّ الْحِصْنَ عَلَيْنَا، فَقُلْتُ لِحَسَّانَ: قُمْ إِلَيْهِ فَاقْتُلْهُ، فَقَالَ:«مَا ذَاكَ فِيَّ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِيَّ لَكُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم» ، فَضَرَبَتْ صَفِيَّةُ رَأْسَهُ حَتَّى قَطَعَتْهُ فَلَمَّا قَطَعَتْهُ، قَالَتْ: يَا حَسَّانُ، قُمْ إِلَى رَأْسِهِ فَارْمِ بِهِ إِلَيْهِمْ وَهُمْ مِنْ أَسْفَلِ الْحِصْنِ، فَقَالَ:«وَاللهِ مَا ذَاكَ فِيَّ» ، قَالَتْ: فَأَخَذْتُ بِرَأْسِهِ فَرَمَيْتُهُ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا:«قَدْ وَاللهِ عَلِمْنَا أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَتْرُكْ» .
قال الهيثمي: «رواه الطبراني في الكبير والأوسط من طريق أم عروة بنت جعفر بن الزبير عن أبيها ولم أعرفهما، وبقية رجاله ثقات» (1).
ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (12/ 429 - 433) أيضًا من طريق إسحاق بن محمد الفروي قال حدَّثَتْنِيه أم عروة بنت جعفر بن الزبير.
وإسحاق بن محمد بن إسماعيل بن عبد الله بن أبى فروة الفروى قال عنه الحافظ ابن حجر: «وقال الآجرى: «سألت أبا داود عنه فَوَهَّاهُ جدًا» .وقال النسائى: «متروك» .وقال الدارقطنى: «ضعيف» .وقال الساجى: «فيه لين، روى عن مالك أحاديث تفرد بها» .
وقال العقيلى: «جاء عن مالك بأحاديث كثيرة لا يتابع عليها» (2).
ورواه الطبراني عن عروة بإسناد مرسل. ورواه أبو يعلى في مسنده (1/ 84) ونقله عنه الهيثمي وضَعَّف إسناده (3).
(1) مجمع الزوائد (6/ 134 - 135).
(2)
تهذيب التهذيب (1/ 248).
(3)
مجمع الزوائد (6/ 134 - 135).
ورواه البزار (2/ 223 - 234) وضعف الهيثمي إسناده.
وذكر ابن إسحاق أن القصة كانت يوم الخندق بإسناد منقطع.
رواية ابن إسحق:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ قَالَ:«كَانَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فِي فَارِعٍ، حِصْنِ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ؛ قَالَتْ: «وَكَانَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ مَعَنَا فِيهِ مَعَ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ» .
قَالَتْ: «فَلَمّا فَرَغْت مِنْهُ رَجَعْت إلَى الْحِصْنِ فَقُلْت: «يَا حَسّانُ انْزِلْ إلَيْهِ فَاسْلُبْهُ فَإِنّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ سَلَبِهِ إلّا أَنّهُ رَجُلٌ» ، قَالَ:«مَا لِي بِسَلَبِهِ مِنْ حَاجَةٍ يَا ابْنَةَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ» .
قال السهيلي: «وَذَكَرَ حَدِيثَ حَسّانَ حِينَ جُعِلَ فِي الْآطَامِ مَعَ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ وَمَا
قَالَتْ لَهُ صَفِيّةُ فِي أَمْرِ الْيَهُودِيّ حِينَ قَتَلَتْهُ وَمَا قَالَ لَهَا، وَمَحْمَلُ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ النّاسِ عَلَى أَنّ حَسَّانَ كَانَ جَبَانًا شَدِيدَ الْجُبْنِ، وَقَدْ دَفَعَ هَذَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَأَنْكَرَهُ، وَذَلِكَ أَنّهُ حَدِيثٌ مُنْقَطِعُ الْإِسْنَادِ.
وَقَالَ: لَوْ صَحّ هَذَا لَهُجِيَ بِهِ حَسّانُ فَإِنّهُ كَانَ يُهَاجِي الشّعَرَاءَ كَضِرَارِ وَابْنِ الزّبَعْرَى، وَغَيْرِهِمَا، وَكَانَ يُنَاقِضُونَهُ وَيَرُدّونَ عَلَيْهِ فَمَا عَيّرَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِجُبْنِ وَلَا وَسَمَهُ بِهِ فَدَلّ هَذَا عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِ ابْنِ إسْحَاقَ»
…
(1).
قال ابن عبد البر: «وقال أكثرُ أهل الأخبار والسير إن حسانًا كان من أجبن الناس وذكروا من جبنه أشياء مستشنعة أوردوها عن الزبير أنه حكاها عنه كرِهْتُ ذِكْرَها لنكارتها» (2).
(1) الروض الأنف في شرح السير (3/ 432 - 433).
(2)
الاستيعاب في معرفة الأصحاب (1/ 340).
وللاستزادة انظر: ما شاع ولم يثبت بالسيرة النبوية للعوشن (ص166 - 169)، وصحيح السيرة النبوية لإبراهيم العلي (ص 276).
الشبهة الرابعة بعد المائة (1):
خولة بنت الأزور وإنقاذها لأخيها من الأسر.
هناك من يذكر خبرًا عن شخصية يسمونها خولة بنت الأزور ويذكرون قصة إنقاذ أخيها ضرار ـ وهو صحابي معروف ـ من الأسر.
الجواب:
أولًا: لا أصل لهذه القصة فلا يوقف معها، بل إن في ثبوت شخصية خولة هذه نظرًا، فضلًا عن القصة (2)؛ فليس لها ذِكْر إلا في كتاب (فتوح الشام) المنسوب للواقدي وكتاب (فتوح الشام) هذا مكذوب على الواقدي وليس له (3).
وعلى فرض أن الكتاب للواقدي فمحمد بن عمر الواقدي، متروك (4).
ثانيًا: إن خولة هذه لا ذكر لها في كتب التراجم والسير، بل ولا في كتب اللغة والأدب؛ فهي على الراجح شخصية وهمية، وكل من يُثْبِت عنها شيئًا؛ إنما يعتمد على كتاب (فتوح الشام) المكذوب على الواقدي، وكتاب (شرح ديوان الخنساء)، وشارح هذا الديوان، مجهول غير معروف، وقد اعتمد في سرد بعض الأحداث في شرحه هذا على كتاب (فتوح الشام)، وكتابان هذه حالهما لا يعتمد عليهما.
(1) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره)، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق، (ص 60).
(2)
راجع كتاب (خولة بنت الأزور)، لعبد العزيز الرفاعي.
(3)
قد فصَّلَ الشيخ مشهور حسن سلمان الحديث حول هذا الموضوع في كتابه القيم: كتب حذر منها العلماء (2/ 284 - 292).
(4)
انظر: الكامل لابن عدي (6/ 93)، الضعفاء للعقيلي (4/ 190)، لسان الميزان (2/ 430).التهذيب (3/ 569)، الميزان للذهبي (3/ 556)، (3/ 666).
وخلاصة الكلام: إن شخصية خولة بنت الأزور شخصية وهمية لا وجود لها في الواقع، بخلاف شخصية أخيها ضرار التي ذكرها أغلب من ترجم للصحابة والتابعين، وكل من ترجَمَ وكتَبَ في الطبقات.
قال الدكتور محمد بن عبد الله القناص، عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم: «خولة بنت الأزور، لا وجود لها في كتب معرفة الصحابة، ولا في كتب التاريخ والتراجم، وإنما ذكرت في كتاب (فتوح الشام) المتداول بين الناس، والمنسوب للواقدي، ولا تصح نسبته للواقدي، وهذا أمر معروف عند الباحثين.
ثم إن المعروف في حروب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أن المرأة لا تشارك الرجال في القتال، وإنما تقوم بمداواة الجرحى وسقي الغزاة ومساعدتهم، ولم تكن تباشر القتال، ثم إن الصحابي الجليل ضرار بن الأزور رضي الله عنه لم يُذْكَر في ترجمته أن له أختًا تسمى خولة، ولو كانت مشهورة معروفة لناسب ذكرها.
والذي يظهر أن خولة بنت الأزور شخصية أسطورية، لا وجود لها» (1).
(1) موقع الإسلام، السبت 19 شعبان 1428، الموافق: 1 سبتمبر 2007.