الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الثامنة عشرة:
مشاركة الصحابيات للمسلمين في الجهاد:
قالوا: لا مانع من مشاركة المرأة الرجل أو الرجال في أعمالهم الوظيفية، وفي مجالس العلم والذكر ما دامت متحجبة، ويحتجون لذلك بمشاركة الصحابيات للمسلمين في الجهاد».
الجواب:
أولًا: قد صح ما يُستَدَلُّ به على أن مشاركة المرأة في الجهاد منسوخة:
فعن سَعِيدُ بن عَمْرٍو الْقُرَشِيِّ، أَنَّ أُمَّ كَبْشَةَ ـ امْرَأَةً مِنْ عُذْرَةَ قُضَاعَةَ ـ قَالَتْ:«يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا» ، قَالَ:«لَا» . قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَيْسَ أُرِيدُ أَنْ أُقَاتِلَ، إِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ أُدَاوِيَ الْجَرْحَى، وَالْمَرْضَى، أَوْ أَسْقِي الْمَرْضَى» .
قَالَ: «لَوْلا أَنْ تَكُونَ سُنَّةً، وَأَنْ يُقَالَ: فُلانَةُ خَرَجَتْ، لأَذِنْتُ لَكِ، وَلَكِنِ اجْلِسِي» (1).
وممن قال بالنسخ الحافظ ابن حجر حيث قال في ترجمة أم كبشة القضاعية من (الإصابة) عقب ذكره لهذا الحديث: «وأخرجه ابن سعدٍ عن ابن أبي شيبة وفي آخره: «اجْلِسِي، لَا يَتَحَدَّث النَّاسُ أنَّ مُحَمَّدًا يَغْزُو بِامْرَأَةٍ» . ويمكن الجمع بين هذا وبين ما تقدم في ترجمة أم سنان الأسلمي أن هذا ناسخ لذاك لأن ذلك كان بخيبر، وقد وقع قبله بأحد كما في الصحيح من حديث البراء بن عازب، وكان هذا بعد الفتح» (2).
(1) رواه الطبراني في (المعجم الكبير برقم 20938)، وابن أبي شيبة في (المصنف برقم 33653)، وقال الهيتمي في (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد رقم 9653):«رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجالهما رجال الصحيح» .
وصححه إسنادَه الألبانيُّ في (السلسلة الصحيحة 6/ 547، رقم 2740).وقال: «لفظ الحديث عند ابن سعد: «اجْلِسِي، لَا يَتَحَدَّث النَّاسُ أنَّ مُحَمَّدًا يَغْزُو بِامْرَأَةٍ» .
(2)
الإصابة في تمييز الصحابة (8/ 283)، ترجمة رقم 12215.
ثانيًا: من لم يقل بالنسخ حمل هذه الأحاديث على حالة الضرورة.
قال الشيخ الألباني بعد نقله لكلام الحافظ ابن حجر السابق:
ثالثًا: ذِكْرُ حديثين من الأحاديث التي دلت على خروج النساء في الغزو وشرح العلماء لهما باختصار:
1 -
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم» ، قَالَ:«وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا تَنْقُلَانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا ثُمَّ تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلَآَنِهَا، ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهَا فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ» (رواه البخاري ومسلم).
قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم: «قَوْله: (أَرَى خَدَم سُوقهَا)، الْوَاحِدَة خِدْمَة، وَهِيَ الْخَلْخَال، وَأَمَّا السُّوق: فَجَمْع سَاق، وَهَذِهِ الرِّوَايَة لِلْخَدَمِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَهْي؛ لِأَنَّ هَذَا كَانَ يَوْم أُحُد قَبْل أَمْر النِّسَاء بِالْحِجَابِ، وَتَحْرِيم النَّظَر إِلَيْهِنَّ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُر هُنَا أَنَّهُ تَعَمَّدَ النَّظَر إِلَى نَفْس السَّاق، فَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ حَصَلَتْ تِلْكَ النَّظْرَة
(1) السلسلة الصحيحة، رقم 2740، (6/ 547).
فَجْأَة بِغَيْرِ قَصْد وَلَمْ يَسْتَدِمْهَا. قَوْله: (عَلَى مُتُونهمَا) أَيْ: عَلَى ظُهُورهمَا.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث اِخْتِلَاط النِّسَاء فِي الْغَزْو بِرِجَالِهِنَّ فِي حَال الْقِتَال لِسَقْيِ الْمَاء وَنَحْوه» (1).
وقال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث من صحيح البخاري: «وَهَذِهِ كَانَتْ قَبْلَ الحِجَابِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِلنَّظَرِ» (2).
2 -
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ وَنِسْوَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ مَعَهُ إِذَا غَزَا فَيَسْقِينَ الْمَاءَ وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى» (رواه مسلم).
قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم: «فِيهِ خُرُوج النِّسَاء فِي الْغَزْوَة وَالِانْتِفَاع بِهِنَّ فِي السَّقْي وَالْمُدَاوَاة وَنَحْوهمَا، وَهَذِهِ الْمُدَاوَاة لِمَحَارِمِهِنَّ وَأَزْوَاجهنَّ، وَمَا كَانَ مِنْهَا لِغَيْرِهِمْ لَا يَكُون فِيهِ مَسّ بَشَرَة إِلَّا فِي مَوْضِع الْحَاجَة» (3).
قال الإمام القرطبي: «(يَسْقِينَ الْمَاءَ) أي: تحملنه على ظهورهن فيضعنه بقرب الرجال، فيتناوله الرجال بأيديهم فيشربوه. (وَيُدَاوِينَ) أي يهيئن الأدوبة للجراح ويصلحنها، ولا يلمسن من الرجال ما لا يحل.
ثم أولئك النساء إمَّا متجالاّت، فيجوز لهن كشف وجوههن، وإمَّا شوابُّ، فيحتجبن» (4).
والمتَجَالّة هي المرأة التي قد تَجالَّتْ، أَي أَسَنَّت وكَبِرَتْ وعجزت (5).
رابعًا: إن خروج النساء في الصدر الأول للغزو تطوعًا بل واستشهاد بعضهن حق
(1) شرح صحيح مسلم (12/ 190).
(2)
فتح الباري (6/ 77).
(3)
شرح صحيح مسلم (12/ 188 - 189).
(4)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (3/ 684).
(5)
لسان العرب، (مادة: جلل).
لا مرية فيه، غير أن الشارع لم يوجب عليهن الجهاد، وخروج النساء في العصر الأول للجهاد كان منضبطًا بضوابط الشريعة، والتي منها:
1 -
مراعاة المنع من الاختلاط، وأسباب الفتنة، فمن أجازوا خروج النساء للغزو اختلفوا في خروج الشابة إلى أرض العدو بينما رخصوا للعجوز، وقالوا بالكراهة لخروجها في سرية لا يؤمن عليها، وعلق بعضهم الإباحة بكون العسكر كثيرًا تؤمن عليه الغلبة، وهذا هو الأقرب، فإن غلب على الظن الهزيمة فلا يجوز تعريض نساء المسلمين للسبي، قال الإمام ابن عبد البر:«وخروجهن مع الرجال في الغزوات وغير الغزوات مباح إذا كان العسكر كبيرا يؤمن عليه الغلبة» (1).
2 -
ومن الضوابط الشرعية لجواز خروج النساء للجهاد: وجود المَحْرَم لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلَاّ مَعَ ذِى مَحْرَمٍ» (رواه البخاري ومسلم)، ولعدم وجود ما يخصص موطن الجهاد.
وهذا هو الذي ورد عن الصحابة فقد كانوا يخرجون للجهاد وربما صحبوا بعض المحارم من نحو زوجة وأم، ولا يُظن أن منصفًا لبيبًا يتصور خروج نساء ذلك الجيل للجهاد وبقاء أزواجهنّ أو أبنائهن أو أخوالهن أو أعمامهن أو سائر محارمهن في قعر البيوتات! ومن ظن ذلك فقد أساء الظنّ بمن أثنى الله عليهم وأوجب حسن الظن بهم.
3 -
ومن ضوابط الشرع التي يقتضي حسن الظن بهن التزامهن بها؛ الحجاب والتستر، فالأمر به عام ولم يأت ما يخرج محل الجهاد عن ذلك العموم، والأصل التزامهن بأمر الشارع.
(1) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (19/ 266).
ثم كيف يظن بمن خرجت لنفل إهمالها لواجبٍ يتنزل الأمر به، ومُبَلّغُه قائم تراه بأم عينها.
4 -
ومن تأمل خروج النساء في الجهاد وجده لحاجة الخدمة والرجوع بالموتى، أو لضرورة مداواة المرضى والجرحى، أما إذا لم تكن ثمة ضرورة فلا تباشر علاج أجنبي.
هذا هو الأصل في خروجهن للجهاد، وتلك هي وظيفتهن يدل على ذلك حديث الرُبَيِّعَ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ رضي الله عنها قَالَتْ:«كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم نَسْقِي الْقَوْمَ وَنَخْدُمُهُمْ وَنَرُدُّ الْقَتْلَى وَالْجَرْحَى إِلَى الْمَدِينَةِ» (رواه البخاري).
قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث من صحيح البخاري:
قَالَ اِبْن الْمُنير: «الْفَرْقُ بَيْنَ حَال الْمُدَاوَاة وَتَغْسِيل الْمَيِّتِ أَنَّ الْغُسْلَ عِبَادَةٌ وَالْمُدَاَوةُ ضَرُورَة وَالضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ» (1).
قال الإمام الشوكاني رحمه الله: «وَهَكَذَا يَكُونُ حَالُ الْمَرْأَةِ فِي رَدِّ الْقَتْلَى وَالْجَرْحَى فَلَا تُبَاشِرُ بِالْمَسِّ مَعَ إمْكَانِ مَا هُوَ دُونَهُ» (2).
(1) فتح الباري (6/ 79).
(2)
انظر نيل الأوطار (7/ 282).
يقول الشيخ ابن باز رحمه الله: «خروجهن كان مع محارمهن لمصالح كثيرة لا يترتب عليه ما يخشى عليهن من الفساد لإيمانهن وتقواهن، وإشراف محارمهن عليهن وعنايتهم بالحجاب بعد نزول آيته، بخلاف حال الكثير من نساء العصر، ومعلوم أن خروج المرأة من بيتها إلى العمل يختلف تمامًا عن الحالة التي خرجن بها مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الغزو فقياس هذه على تلك يعتبر قياسا مع الفارق.
وأيضا فما الذي فهمه السلف الصالح حول هذا؟ وهم لا شك أدرى بمعاني النصوص من غيرهم وأقرب إلى التطبيق العملي لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فما هو الذي نُقِل عنهم على مدار الزمن؟ هل وسعوا الدائرة كما ينادي دعاة الاختلاط؛ فنقلوا ما ورد في ذلك إلى أن تعمل المرأة في كل ميدان من ميادين الحياة مع الرجال تزاحمهم ويزاحمونها وتختلط معهم ويختلطون معها، أم أنهم فهموا أن تلك قضايا معينة لا تتعداها إلى غيرها؟
وإذا استعرضنا الفتوحات الإسلامية والغزوات على مدار التاريخ لم نجد هذه الظاهرة، أما ما يُدَّعَى في هذا العصر من إدخالها كجندي يحمل السلاح ويقاتل كالرجل فهو لا يتعدى أن يكون وسيلة لإفساد وتذويب أخلاق الجيوش باسم الترفيه عن الجنود؛ لأن طبيعة الرجل إذا التقت مع طبيعة المرأة كان منهما عند الخلوة ما يكون بين كل رجل وامرأة من الميل والأنس والاستراحة إلى الحديث والكلام وبعض الشيء يجر إلى بعض وإغلاق باب الفتنة أحكم وأحزم وأبعد من الندامة في المستقبل» (1).
فانظر إلى فهمِ العلماء وقيودِهم، وهل نحنُ إلى هذه الدرجةِ من السذاجةِ حتى
(1) مجموع فتاوى ابن باز (1/ 423 - 424).
نستدلَّ بِمُداواةِ الجرحى للضرورة، على جواز الاختلاط في الاجتماعات والندوات، والسكرتارية، وفي كل ميادين التطبيب والتمريض بلا ضرورة أو حاجة ملحة.
حكم شهود النساء القتال والتحامهن بالرجال:
ليس للمرأة أن تشهد القتال وتلتحم بالرجال وقد تقرر أن الضرورة تبيح المحظور، فإن اضطرت النساء لمباشرة القتال إذا انهزم المسلمون أو عَمَّ النفير واختلطت الأمور، فلا حرج في مشاركتهن ودفاعهن عن أنفسهن.
كما أن لهن أن يجاهِدْنَ بغير إذن إذا دهم المسلمين عدو في قعر الدور، ففي مثل هذه الأحوال ليس لهن إلاّ أن يدافعن عن دينهن وأعراضهن وأنفسهن.
والخلاصة أنه ليس في جهاد النساء المأثور إباحة امتزاج الرجال بالنساء أو اجتماعهم متداخلين في ميدان واحد، بل لا يُتصور وجود النساء أو غيرهن من أجل المداواة والإسعاف وسط ميدان المعركة الذي يختلط فيه الحابل بالنابل وتتطاير فيه الرؤوس، وقد عُلم أنَّ لِمَنْ يشتغل بالإسعاف والمداوة أماكن خاصة منعزلة يخلى إليها الجرحى أو المرضى. ومعلوم أن ما أباحتة الضرورة يقدر بقدره ومن ذلك مباشرة المرأة علاج الجريح المثخن والمريض المقعد وفقًا لشرطه، ومنه أيضًا التحامها بالرجال للذَّوْد عن عرضها وحماية نفسها.
هذا مع أن الحال في موطن الجهاد بعيدة عن الظِنَّةِ، فأنى لمن طُنَّت قدمه أو فُتَّ عضده أن يلتفت يمنة أو يسرة، وهل يُظن بمَنْ تُعايِن أمثال هؤلاء، ومن يشارفون على الهَلَكَة كل حين، بل لاتدري إلى أيِّ شيء يصير أمرها إذا انجلى غبار المعركة، هل يُظن أنّ هذه كغيرها؟ فكيف إذا كُنَّ نساء الصحابة ورجالاتها؟ فكيف يقال بجواز الاختلاط بعد ذلك في مواطن الرِيَبِ وأسباب الفتن. بل كيف يقال بجواز مشاركتهن
في الجيش أو الشرطة مع معطيات واقع الناس اليوم.
أيحق لمنصف قرأ الشريعة، وعلم مقاصدها، ونظر في دَأَبِها على حماية النساء بسياج يحول دونهن ودن الخلطة والابتذال، أيحق له أن يستدل بما وقع عرضًا أو اضطرارًا على جواز الاختلاط في المنتديات والقاعات، ولنُسلِّم ـ جدلًا ـ بأن الاختلاط حق مكفول في الحج والجهاد وبعض التشريعات فهل يقبل في موازين العقول قياس أماكن اللهو والفساد على مواطن الإيمان والجهاد؟ أيستوي مكتب ضيق أو محل لا تؤمن فيه ريبة، مع موطن يزداد فيه الإيمان، ويتنزل فيه الرضا على العباد من الرحمن؟
إنه قياس مع الفارق، ومثله قياس خروج بعض النساء مع ضوابط الأمس في الغزو، بدخول بعضهن الشرطة أو الجيش في واقع الناس اليوم (1).
قال الأستاذ الدكتور عبد العظيم المطعني الأستاذ في جامعة الأزهر سابقًا رحمه الله:
(1) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع دراسة فقهية علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره) جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق، (ص 35).
(2)
هذا لا يصح فقد رواه محمد بن عمر الواقدي الكذاب في المغازي كما سيأتي قريبًا إن شاء الله.
(3)
صحيفة آفاق عربية، العدد 697، 24/ 2/2005.
تنبيه: التعليق على ما ورد من أن أُمَّ سُلَيْمٍ اتَّخَذَتْ يَوْمَ حُنَيْنٍ خِنْجَرًا:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ اتَّخَذَتْ يَوْمَ حُنَيْنٍ خِنْجَرًا فَكَانَ مَعَهَا فَرَآهَا أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، هَذِهِ أُمُّ سُلَيْمٍ مَعَهَا خِنْجَرٌ» .
فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا هَذَا الْخِنْجَرُ؟» .قَالَتْ: «اتَّخَذْتُهُ إِنْ دَنَا مِنِّي أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بَقَرْتُ بِهِ بَطْنَهُ» (1). فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَضْحَكُ. (رواه مسلم).
الجواب:
ليس في الحديث أنها كانت مختلطة بالرجال في قتال أو غيره، ولهذا لم يستنبط شراح الحديث منه جواز الاختلاط، بل استدلوا به على قتال المسلمة دفاعًا عن نفسها.
تنبيه:
رُوِيَتْ آثار عن بعض النساء وأخبار بعضها ليس فيها حجة وكثير منها لايثبت، وهو في كتب المغازي والسير كثير ومن ذلك: عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ بِمُرُوطٍ فَكَانَ فِيهَا مِرْطٌ وَاسِعٌ جَيّدٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إنّ هَذَا الْمِرْطَ لَثَمَنُ كَذَا وَكَذَا، فَلَوْ أَرْسَلْت بِهِ إلَى زَوْجَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ صَفِيّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ ـ وَذَلِك حِدْثَانَ مَا دَخَلَتْ عَلَى ابْنِ عُمَرَ ـ، فَقَالَ أَبْعَثُ بِهِ إلَى مَنْ هُوَ أَحَقّ مِنْهَا، أُمّ عُمَارَةَ ـ نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْب ٍـ؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَوْمَ أُحُدٍ يَقُولُ:«مَا الْتَفَتّ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا إلّا وَأَنَا أَرَاهَا تُقَاتِلُ دُونِي» .
وهذا الحديث لا يصح فقد رواه محمد بن عمر الواقدي الكذاب في المغازي (1/ 269)، ومن طريقه ابن سعد في (الطبقات الكبرى 8/ 415)، والواقدي كذاب.
وإن صح فلا حجة فيه؛ فقد كانت غزوة أحد قبل نزول آيات الحجاب.
وغاية ما فيه جواز أن تقاتل المسلمة عند الضرورة.
(1)(خِنْجَر): سِكِّين كَبِير، (بَقَرْت بَطْنه) أَيْ شَقَقْته.
الشبهة التاسعة عشرة:
نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل كُنَّ يجالسن الصحابة بوجود الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
قالوا: قد وردت كثير من الأحاديث برواية عائشة وغيرها من زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبعضها دارت أحداثها في بيت النبوة وبوجود الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهل يعني ذلك أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تجالس الصحابة بوجود الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟
الجواب:
لا يخفى أن زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم كنَّ يتحدثن إلى الرجال الأجانب في بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلا فاصل، فلما نزل قوله تعالى:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (الأحزاب:53)، احتجبن فلم يحدثن أحدًا من غير محارمهن إلا من وراء حجاب (1).
ويدل على ذلك ما رواه البخارى ومسلم عن أَبِى مُوسَى الأشعري رضي الله عنه قَالَ: «كُنْتُ عِنْدَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وآله وسلم وَهْوَ نَازِلٌ بِالْجِعْرَانَةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَأَتَى النَّبِىَّ صلى الله عليه وآله وسلم أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ: «أَلَا تُنْجِزُ لِى مَا وَعَدْتَنِى» .
فَقَالَ لَهُ «أَبْشِرْ» .
فَقَالَ: «قَدْ أَكْثَرْتَ عَلَىَّ مِنْ أَبْشِرْ» .
فَأَقْبَلَ عَلَى أَبِى مُوسَى وَبِلَالٍ كَهَيْئَةِ الْغَضْبَانِ فَقَالَ: «رَدَّ الْبُشْرَى فَاقْبَلَا أَنْتُمَا» .
قَالَا: «قَبِلْنَا» .
ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ، وَمَجَّ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ «اشْرَبَا مِنْهُ، وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا، وَأَبْشِرَا» .
فَأَخَذَا الْقَدَحَ فَفَعَلَا، فَنَادَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ أَنْ أَفْضِلَا لأُمِّكُمَا؛ فَأَفْضَلَا لَهَا مِنْهُ طَائِفَةً، فالشاهد أن أم سلمة رضي الله عنها كانت تُكلِّم الناس من وراء حجاب.
(1) فتاوى موقع الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى: 24931).