الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة السادسة والثمانون:
انصراف بعض الصحابة رضي الله عنهم بعد صلاة الجمعة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيت امرأة من الأنصار:
قالوا: من الأدلة على جواز الاختلاط: الأحاديث الصحيحة أن أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كانوا إذا صلوا معه الجمعة انصرفوا إلى بيت امرأة من الأنصار فأطعمتهم وناموا عندها!!!
الجواب:
عند النظر في هذه الأحاديث الصحيحة تعجب من طريقة هؤلاء في فهم النصوص وبناء أحكام تخالف الشرع بناءً على خيالاتهم المريضة.
أولًا: ها هي روايات الحديث كما وردت في صحيح البخاري:
باب قَوْلِ اللهِ تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} .
1 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ قَالَ: «كُنَّا نَفْرَحُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» ، قُلْتُ:«وَلِمَ؟» ، قَالَ:«كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تُرْسِلُ إِلَى بُضَاعَةَ ـ قَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: نَخْلٍ بِالْمَدِينَةِ ـ فَتَأْخُذُ مِنْ أُصُولِ السِّلْقِ فَتَطْرَحُهُ فِي قِدْرٍ وَتُكَرْكِرُ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ فَإِذَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَةَ انْصَرَفْنَا وَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَتُقَدِّمُهُ إِلَيْنَا فَنَفْرَحُ مِنْ أَجْلِهِ، وَمَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ» .
2 -
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: «كَانَتْ فِينَا امْرَأَةٌ تَجْعَلُ عَلَى أَرْبِعَاءَ فِي مَزْرَعَةٍ لَهَا سِلْقًا فَكَانَتْ إِذَا كَانَ يَوْمُ جُمُعَةٍ تَنْزِعُ أُصُولَ السِّلْقِ فَتَجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ ثُمَّ تَجْعَلُ عَلَيْهِ قَبْضَةً مِنْ شَعِيرٍ تَطْحَنُهَا فَتَكُونُ أُصُولُ السِّلْقِ عَرْقَهُ وَكُنَّا نَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَتُقَرِّبُ ذَلِكَ الطَّعَامَ إِلَيْنَا فَنَلْعَقُهُ وَكُنَّا نَتَمَنَّى يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِطَعَامِهَا ذَلِكَ.
3 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ بِهَذَا، وَقَالَ:«مَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ» .
(الباب الذي بعده): (بَاب الْقَائِلَةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ)
4 -
عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: «كُنَّا نُبَكِّرُ إِلَى الْجُمُعَةِ ثُمَّ نَقِيلُ» .
5 -
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم الْجُمُعَةَ ثُمَّ تَكُونُ الْقَائِلَةُ» .
(باب السِّلْقِ وَالشَّعِيرِ):
6 -
ثانيًا: هؤلاء صبيان لم يبلغوا فسهل بن سعد رضي الله عنه الذي يحكي عن نفسه الحضور كان حينئذِ صبيًّا صغيرًا دون البلوغ قطعًا؛ قال الزهري: «رأى سهل بن سعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسمع منه وذكر أنه كان له يوم توفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم خمس عشرة سنة» (2).
وكيف لأحد أن يثبت أن من كانوا معه لم يكونوا صبيان مثله، والغالب أن رفيق
(1) َتُكَرْكِر: أَيْ تَطْحَن. وبُضَاعَة: نَخْل بِالْمَدِينَةِ، وَالْمُرَاد بِالنَّخْلِ الْبُسْتَان، وَلِذَلِكَ كَانَ يُؤْتَى مِنْهَا بِالسِّلْقِ. وَالْأَرْبِعَاءَ: جَمْع رَبِيع، وَالرَّبِيع اَلْجَدْوَل وَقِيلَ اَلصَّغِيرُ وَقِيلَ اَلسَّاقِيَة اَلصَّغِيرَة وَقِيلَ حَافَات اَلْأَحْوَاض، وَالسِّلْق ـ بِكَسْرِ اَلْمُهْمَلَةِ ـ مَعْرُوف. قَوْله:(فَتَكُونُ أُصُول اَلسِّلْقِ عَرْقَه) أَيْ عَرْق اَلطَّعَام، وَالْعَرْق اَللَّحْم اَلَّذِي عَلَى اَلْعَظْمِ، وَالْمُرَاد أَنَّ اَلسِّلْقَ يَقُومُ مَقَامه عِنْدَهُمْ. الْقَائِلَة: َهِيَ النَّوْم فِي وَسَط النَّهَار عِنْد الزَّوَال وَمَا قَارَبَهُ مِنْ قَبْل أَوْ بَعْد، وَيُقَال لَهَا أَيْضًا الْقَيْلُولَة، الوَدَك: هُوَ الدَّسَم. (باختصار من فتح الباري 2/ 426).
(2)
أُسْد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير (1/ 486).
الصييِّ صبيٌّ (1).
ثالثًا: على فرض أن الداخلين كانوا من الرجال فليس في الخبر أن البيت لم يكن فيه محرم، بل غاية ما فيه أن جمعًا من الرجال مأموني الفتنة دخلوا على امرأة عجوز فأطعمتهم، وهي من القواعد من النساء وغير مأمورة بالحجاب، وليس في الحديث اختلاط ولا خلوة ولا نوم عندها.
وليس في هذا الخبر إلا أن المرأة طبخت الطعام في مزرعتها ثم قدمت لهم الطعام فأكلوا ثم انصرفوا بعد انتهائهم من تناوله. وذلك كحال المعطي والآخذ، وما يفهم أبعد من ذلك فمجرد ظنون لا أساس لها (2).
رابعًا: ليس في الحديث ما يدل على أنها كانت تأكل معهم فربما قدمَتْه لهم وانصرفَتْ، وقد يكون تقديم هذا الطعام عن طريق خادم أو أحد المحارم.
خامسًا: مثل هذا الدخول محمول على ما إذا وُجِدَتْ الدواعي إلى الدخول عليها عند غيبة زوجها ومحارمها، وأُمِنَتْ الفتنة، وبَعُد التواطؤ منهم على الفاحشة، لا على الإطلاق. ومثله ما سبق من زيارة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لأم أيمن رضي الله عنها. (رواه مسلم).
فأين هذا من الاختلاط في العمل أو الدراسة لساعات طوال الأسبوع.
سادسًا: معنى قول سهل بن سعد رضي الله عنه: «وَمَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ» ليس فيه أن الصحابة كانوا يقيلون عندها، بل فيه وصف لحال المجتمع ككل بأن القيلولة والغداء كانا بعد صلاة الجمعة.
(1) الاختلاط وأهل الخلط للشيخ عبد العزيز بن مرزوق الطريفي.
(2)
الاختلاط وأهل الخلط للشيخ عبد العزيز بن مرزوق الطريفي.
ويوضح ذلك رواية البخاري: «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ بِهَذَا، وَقَالَ: «مَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ» .
قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث: قَوْله: (بِهَذَا) أَيْ بِالْحَدِيثِ الذِي قَبْلَهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ أَبَا غَسَّان وَعَبْد العَزِيز بْن أَبِي حَازِم اِشْتَرَكَا فِي رِوَايَةِ هَذَا الحَدِيثِ عَنْ أَبِي حَازِم، وَزَادَ عَبْد العَزِيز الزِّيَادَةَ المَذْكُورَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ:«مَا كُنَّا نَقِيلُ وَنَتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الجُمُعَة» ، وَقَدْ رَوَاهَا أَبُو غَسَّان مُفْرَدَة كَمَا فِي البَابِ الذِي بَعْدَهُ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْر الغَدَاءِ» (1).
سابعًا: ماذا فهم العلماء من هذا الحديث؟ هل فهموا ما فهمه دعاة الاختلاط؟:
1 -
بوَّب عليه الإمام النووي في رياض الصالحين على هذا الحديث: (باب سلام الرجل على زوجته والمرأة من محارمه وعلى أجنبية وأجنبيات لا يخاف الفتنة بهن وسلامهن بهذا الشرط).
2 -
3 -
(1) فتح الباري (2/ 427).
(2)
شرح البخاري لابن بطال (18/ 90).
(3)
فتح الباري (9/ 655).