الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الخامسة بعد المائة:
هل توضأت عائشة رضي الله عنها أمام سَالِمٌ سَبَلَانُ
؟
قال الإمام النَسائى: «أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ جُعَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: أَخْبَرَنِى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِى ذُبَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ سَالِمٌ سَبَلَانُ، قَالَ: «ـ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَعْجِبُ بِأَمَانَتِهِ وَتَسْتَأْجِرُهُ ـ فَأَرَتْنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَتَوَضَّأُ فَتَمَضْمَضَتْ وَاسْتَنْثَرَتْ ثَلَاثًا وَغَسَلَتْ وَجْهَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَتْ يَدَهَا الْيُمْنَى ثَلَاثًا وَالْيُسْرَى ثَلَاثًا وَوَضَعَتْ يَدَهَا فِي مُقَدَّمِ رَأْسِهَا، ثُمَّ مَسَحَتْ رَأْسَهَا مَسْحَةً وَاحِدَةً إِلَى مُؤَخِّرِهِ ثُمَّ أَمَرَّتْ يَدَهَا بِأُذُنَيْهَا، ثُمَّ مَرَّتْ عَلَى الْخَدَّيْنِ، قَالَ سَالِمٌ: «كُنْتُ آتِيهَا مُكَاتَبًا مَا تَخْتَفِي مِنِّي فَتَجْلِسُ بَيْنَ يَدَيَّ، وَتَتَحَدَّثُ مَعِي حَتَّى جِئْتُهَا ذَاتَ يَوْمٍ فَقُلْتُ: «ادْعِي لِي بِالْبَرَكَةِ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ» ، قَالَتْ:«وَمَا ذَاكَ؟» قُلْتُ: «أَعْتَقَنِي اللهُ» ، قَالَتْ:«بَارَكَ اللهُ لَكَ» ، وَأَرْخَتْ الْحِجَابَ دُونِي فَلَمْ أَرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
الجواب:
أولًا: هذا الأثر رواه الإمام النسائي، وقال عنه الشيخ الألباني:«صحيح الإسناد» .
وهذا القول ليس تصحيحًا للحديث؛ فهناك فرق بين قول أحد علماء الحديث: «هذا الحديث صحيح» وبين قوله: «إسناده صحيح» ؛ فالأول جَزْمٌ بصحته، والثاني شهادة بصحة سنده، وقد يكون فيه علة أو شذوذ، فيكون سنده صحيحًا ولا يحكمون أنه صحيح في نفسه.
ثانيًا: في إسناد هذا الأثر عبد الملك بن مروان بن الحارث بن أبي ذناب قال عنه الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: «مقبول من السادسة» (1).
(1) تقريب التهذيب، (ترجمة رقم 4212).
ومعناه عنده أنه (لين الحديث) حيث تفرد، ولم يتابع، حيث قال في مقدمة التقريب:«السادسة: من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بلفظ: مقبول، حيث يتابع، وإلا فلين الحديث» .
وعبد الملك بن مروان بن الحارث بن أبي ذناب لم يتابع، فلم يَرْوِ عنه غير جعيد بن عبد الرحمن.
معنى اصطلاح الحافظ ابن حجر:
قال الدكتور ماهر الفحل:
«الحافظ ابن حجر يضع ثلاثة شروط للمقبول عنده وهي:
1 -
قلة الحديث.
2 -
عدم ثبوت ما يترك حديث الراوي من أجله.
3 -
المتابعة.
فالأصل في المقبول عند الحافظ أنه ضعيف، إذ (ليِّن الحديث) من ألفاظ التجريح، فإذا توبع الراوي رفعته المتابعة إلى مرتبة القبول، فالمتابعة شرط لارتقاء الراوي من الضعف إلى القبول عند الحافظ ابن حجر، و (المقبولية) أول درجات سلّم القبول بمعناه الأعم» (1).
يتضح مما سبق أن عبد الملك بن مروان بن الحارث بن أبي ذناب ضعيف عند الحافظ ابن حجر؛ أما ذِكْرُ ابن حبان له في (الثقات)(2)، فلا يُعتد به، فابن حبان لا
(1) بحوث في المصطلح (ص 279).
(2)
الثقات لابن حبان، (ترجمة رقم 9215).
يُعتمد على توثيقه.
وإليك بعض ما قاله الشيخ الألباني نفسه رحمه الله عن تساهل ابن حبان في التوثيق:
- «توثيق ابن حبان مما لا يوثق به عند التفرد» .
- «توثيق ابن حبان وحده لا يعتمد عليه لتساهله فيه» .
- «توثيق ابن حبان مما لا ينبغي الاعتماد عليه، لأن من قاعدته فيه توثيق المجهولين!» .
- «وإذا كان هذا معروف بالتساهل في التوثيق فمن اعتمد عليه وحده فيه فقد تساهل» .
- «علم المصطلح يقول: «الراوي لا يخرج عن الجهالة العينية برواية راوٍ واحد ولو كان ثقة؛ إلا إذا وثقه حافظ معروف بأنه لا يوثق المجهولين، وليس منهم ابن حبان الذي يوثق المجهولين، ليس فقط عند غيره، بل وعنده أيضًا، كيف لا وهو يقول في بعض ثقاته: «لا أعرفه» ! وفي بعض آخر يقول: «لا أعرفه ولا أعرف أباه» ! وتارة يقول: «لا أدري من هو ولا ابن من هو؟» (1).
وإذا طبقنا كلام الشيخ الألباني رحمه الله فلن نتردد في الحكم على الأثر بالضعف.
ثالثًا: يدل هذا الأثر ـ إن صح ـ على أن سالم سبلان راوي الحديث كان مكاتَبًا، والمكاتَب هو العبد إذا اشترى نفسه من سيده بمال يؤديه إليه، وكانت عائشة رضي الله عنها لا
(1) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (5173)، (1133)، (193)، (896)، (971)، (1068)، وانظر أيضًا القاعدة الخامسة من مقدمة كتابه (تمام المنة في التعليق على فقه السُنة).
تحتجب عنه، وكان يرى شعرها وأطرافها، ولما أخبرها بأن الله قد منَّ عليه بالحرية أرْخَتْ الحجاب دونه فلم يرها بعد ذلك.
ومكاتَب المرأة يجوز له أن يرى منها ما لا يجوز لغيره، فإذا أدى ما عليه وجب عليها أن تحتجب عنه، ومن أهل العلم من يرى أن للمرأة أن لا تحتجب عن العبد والمكاتب ولو لم يكونا مِلْكًا لها.
وعليه، فليس في الحديث ما يدل على جواز الدخول على النساء، لأن الخبر المذكور ورد في مكاتَب وقد احتجبَتْ منه عائشة رضي الله عنها فور ما علمَتْ بعتقه، فدل ذلك على وجوب احتجاب الأجنبية عن الحر الأجنبي (1).
قال السندي في حاشيته على (سنن النسائي): «قوله (كُنْتُ آتِيهَا مُكَاتَبًا) أي والحال أني كنتُ مكاتبًا، وهذا مبني على أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم، ولعله كان عبدًا لبعض أقرباء عائشة، وأنها كانت ترى جواز دخول العبد على سيدته وأقربائها، والله تعالى أعلم» .
(1) فتاوى موقع الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى 56088).