الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الخامسة والعشرون:
أَنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ دَخَلُوا عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ:
قال دعاة الاختلاط: لا مانع من استقبال الزوجة ضيوف زوجها من الرجال، حتى في عدم وجوده، ويحتجون لذلك بما رواه مسلم عن عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ دَخَلُوا عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَهِيَ تَحْتَهُ يَوْمَئِذٍ فَرَآهُمْ فَكَرِهَ ذَلِكَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، وَقَالَ:«لَمْ أَرَ إِلَّا خَيْرًا» ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم:«إِنَّ اللهَ قَدْ بَرَّأَهَا مِنْ ذَلِكَ» ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ:«لَا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغِيبَةٍ (1) إِلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوْ اثْنَانِ» .
الجواب:
قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من (صحيح مسلم): «إِنَّ ظَاهِر هَذَا
(1) الْمُغْيِبَة ـ بِضَمِّ الْمِيم وَكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَإِسْكَان الْيَاء ـ هِيَ الَّتِي غَابَ عَنْهَا زَوْجهَا.
وَالْمُرَاد غَابَ زَوْجهَا عَنْ مَنْزِلهَا، سَوَاء غَابَ عَنْ الْبَلَد بِأَنْ سَافَرَ، أَوْ غَابَ عَنْ الْمَنْزِل، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَد. هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْره، وَهَذَا ظَاهِر مُتَعَيِّن. قَالَ الْقَاضِي: وَدَلِيله هَذَا الْحَدِيث، وَأَنَّ الْقِصَّة الَّتِي قِيلَ الْحَدِيث بِسَبَبِهَا وَأَبُو بَكْر رضي الله عنه غَائِب عَنْ مَنْزِله لَا عَنْ الْبَلَد.
(2)
بتصرف يسير من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/ 84).
الْحَدِيث جَوَاز خَلْوَة الرَّجُلَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَة بِالْأَجْنَبِيَّةِ، وَالْمَشْهُور عِنْد أَصْحَابنَا (1) تَحْرِيمه، فَيَتَأَوَّل الْحَدِيث عَلَى جَمَاعَة يَبْعُد وُقُوع الْمُوَاطَأَة مِنْهُمْ عَلَى الْفَاحِشَة لِصَلَاحِهِمْ، أَوْ مُرُوءَتهمْ، أَوْ غَيْر ذَلِكَ، وَقَدْ أَشَارَ الْقَاضِي إِلَى نَحْو هَذَا التَّأْوِيل» (2).
قال الإمام القرطبيُّ: «كان هذا الدخول في غيبة أبي بكر رضي الله عنه لكنه كان في الحضر لا في السفر، وكان على وجه ما يعرف من أهل الخير والصلاح، مع ما كانوا عليه قبل الإسلام مما تقتضيه مكارم الأخلاق من نفي التهمة والرّيب، غير أنَّ أبا بكر رضي الله عنه أنكر ذلك بمقتضى الغَيْرة الجِبِلّيّة، والدّينية
…
ولمّا ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ما يعلمه من حال الداخلين والمدخول لها، وَقَالَ:«لَمْ أَرَ إِلَّا خَيْرًا» ، يعني: على الفريقين، فإنه علم أعيان الجميع؛ لأنهم كانوا من مسلمي بني هاشم، ثمّ خصّ أسماء بالشهادة لها فقال:«إِنَّ اللهَ قَدْ بَرَّأَهَا مِنْ ذَلِكَ» أي: مما وقع في نفس أبي بكر، فكان ذلك فضيلةً عظيمةً من أعظم فضائلها
…
ومع ذلك فلم يكتف بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى جمع الناسَ، وصعد المنبر، فنهاهم عن ذلك، وعلمهم ما يجوز منه فقال:«لا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ عَلَى مُغِيبَةٍ إِلا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوْ اثْنَانِ» ، سدًا لذريعة الخلوة، ودفعًا لما يؤدي إلى التهمة، وإنما اقتصر على ذكر الرجل والرجلين لصلاحية أولئك القوم؛ لأنَّ التهمة كانت ترتفع بذلك القدر، فأمّا اليوم فلا يكتفى بذلك القدر، بل بالجماعة الكثيرة لعموم المفاسد، وخبث المقاصد، ورحم الله مالكًا لقد بالغ في هذا الباب
…
» (3).
وتأمل قول الإمامِ القرطبيِّ ـ أبي العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم، الذي وُلد سنة
(1) أي الشافعية.
(2)
شرح صحيح مسلم (14/ 155).
(3)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (5/ 502).
578هـ ومات سنة 656 هـ: «فأمّا اليوم فلا يكتفى بذلك القدر، بل بالجماعة الكثيرة لعموم المفاسد، وخبث المقاصد» ، يقول هذا عن زمانه!، فماذا تُرانا نقول ونحن نعيش في القرن الخامس عشر!، والذي أصبح للعريّ فيه ثقافة!، وأصبحت أجساد النساء سلعًا لتجار الشهوات يتفنون في تسويقها عن طريق وسائل الأعلام المتنوعة التي يشاهدها ملايين البشر، رُحماكَ ربِّ» (1).
تنبيه:
قال الحافظ ابن حجر في معنى الدخول: «لَا يَلْزَم مِنْ الدُّخُول رَفْع الْحِجَاب فَقَدْ يَدْخُلَ مِنْ الْبَاب وَتُخَاطِبهُ مِنْ وَرَاء الْحِجَاب» (3).
(1) انظر: إشكال وجوابه في حديث أم حرام بنت ملحان، لعلي بن عبد الله بن شديد الصياح المطيري (ص 35 - 36).
(2)
نفس المصدر والصفحة.
(3)
فتح الباري (9/ 286).