الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الثالثة والستون:
دخول زوجة إبراهيم عليه السلام على الجبار:
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ النَّبِىُّ عليه السلام قَطُّ إِلَاّ ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ ثِنْتَيْنِ فِى ذَاتِ اللهِ: قَوْلُهُ (إِنِّى سَقِيمٌ)، وَقَوْلُهُ (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا)، وَوَاحِدَةً فِى شَأْنِ سَارَةَ؛ فَإِنَّهُ قَدِمَ أَرْضَ جَبَّارٍ وَمَعَهُ سَارَةُ ـ وَكَانَتْ أَحْسَنَ النَّاسِ ـ فَقَالَ لَهَا: «إِنَّ هَذَا الْجَبَّارَ إِنْ يَعْلَمْ أَنَّكِ امْرَأَتِى يَغْلِبْنِى عَلَيْكِ، فَإِنْ سَأَلَكِ فَأَخْبِرِيهِ أَنَّكِ أُخْتِى فَإِنَّكِ أُخْتِى فِى الإِسْلَامِ، فَإِنِّى لَا أَعْلَمُ فِى الأَرْضِ مُسْلِمًا غَيْرِى وَغَيْرَكِ، فَلَمَّا دَخَلَ أَرْضَهُ رَآهَا بَعْضُ أَهْلِ الْجَبَّارِ أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: «لَقَدْ قَدِمَ أَرْضَكَ امْرَأَةٌ لَا يَنْبَغِى لَهَا أَنْ تَكُونَ إِلَاّ لَكَ» .
فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَأُتِىَ بِهَا فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام إِلَى الصَّلَاةِ فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَتَمَالَكْ أَنْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا فَقُبِضَتْ يَدُهُ قَبْضَةً شَدِيدَةً، فَقَالَ لَهَا:«ادْعِى اللهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِى وَلَا أَضُرُّكِ» . فَفَعَلَتْ فَعَادَ فَقُبِضَتْ أَشَدَّ مِنَ الْقَبْضَةِ الأُولَى، فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَفَعَلَتْ، فَعَادَ فَقُبِضَتْ أَشَدَّ مِنَ الْقَبْضَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ، فَقَالَ:«ادْعِى اللهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِى، فَلَكِ الله أَنْ لَا أَضُرَّكِ» . فَفَعَلَتْ وَأُطْلِقَتْ يَدُهُ وَدَعَا الَّذِى جَاءَ بِهَا فَقَالَ لَهُ: «إِنَّكَ إِنَّمَا أَتَيْتَنِى بِشَيْطَانٍ وَلَمْ تَأْتِنِى بِإِنْسَانٍ، فَأَخْرِجْهَا مِنْ أَرْضِى وَأَعْطِهَا هَاجَرَ» .
قَالَ: «فَأَقْبَلَتْ تَمْشِى فَلَمَّا رَآهَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام انْصَرَفَ فَقَالَ لَهَا: «مَهْيَمْ؟» ، قَالَتْ:«خَيْرًا، كَفَّ اللهُ يَدَ الْفَاجِرِ وَأَخْدَمَ خَادِمًا» (رواه البخاري ومسلم).
الجواب:
1 -
أمام تسلط جبار من الجبابرة قد قهر الناس بالحديد والنار، ماذا يُتَوقع فيمن كانت هذه حالته؟! هل سيرفض إرسال زوجته بحجة عدم مشروعية الاختلاط وهو
محاط بجنود السلطان من كل جانب؟!
وهل أرسل إبراهيم عليه السلام زوجته طائعًا مختارًا أم مُكرهًا مقهورًا؟! (1).
2 -
لو سلمنا جدلًا بصحة استدلالهم بالقصة فهذا شرع من قبلنا، فلا يستدل به لأنه قد جاء في شرعنا ما ينسخه، فـ «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» كما قال نبينا صلى الله عليه وآله وسلم (2).
أما في شرعنا فقد اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الدِّفَاعِ عَنِ النَّفْسِ وَالْعِرْضِ وَالْمَال فِي حَالَةِ الصِّيَال، لِقَوْلِهِ تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (البقرة: 194)، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وآله وسلم:«مَنْ قُتِل دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِل دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِل دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِل دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» (3) وَلَيْسَ عَلَى الْمَصُول عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا يُتْلِفُ مِنَ النَّفْسِ أَوِ الْمَال فِي حَالَةِ الدِّفَاعِ، إِذَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ وَسِيلَةٌ أُخْرَى أَخَفُّ مِنْ ذَلِكَ.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الدِّفَاعَ عَنِ الْعِرْضِ بِمَعْنَى الْبُضْعِ وَاجِبٌ، فَيَأْثَمُ الإِْنْسَانُ بِتَرْكِهِ، قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ:«لأَِنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى إِبَاحَتِهِ، وَسَوَاءٌ بُضْعُ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَمِثْل الْبُضْعِ مُقَدِّمَاتُهُ» (4).
(1) باختصار من (الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره)، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص 178 - 179).
(2)
بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره)، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق (ص 57 - 58)، والحديث رواه البخاري ومسلم.
(3)
رواه الإمام أحمد وغيره، وصححه الألباني.
(4)
الموسوعة الفقهية الكويتية (30/ 51 - 52).