الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة التاسعة والعشرون:
المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم
-:
وجاء فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صَعَّد فيها النظر، ولم يأمرها بالتستر عن الحاضرين.
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي» .
فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ:«يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا» ، فَقَالَ:«هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟» .
فَقَالَ: «لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ» .
قَالَ: «اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا» .
فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ:«لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا» .
قَالَ: «انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» .
فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: «لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي» .
قَالَ سَهْلٌ: مَا لَهُ رِدَاءٌ فَلَهَا نِصْفُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم:«مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ؛ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ» .
فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: «مَاذَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» .
قَالَ: «مَعِي سُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا» ، عَدَّهَا.
قَالَ: «أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟» .قَالَ: «نَعَمْ» .
قَالَ: «اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» (رواه البخاري ومسلم).
الجواب:
1 -
لعل ذلك الوقت، الذي جاءت فيه المرأة لتهب نفسها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان قبل فرض الحجاب مما جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمرها بالتستر عن الحاضرين، وهذا ما يراه كثير من العلماء، منهم الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، في دروسه على بلوغ المرام، حيث قال:«كان هذا ـ والله أعلم ـ قبل الأمر بالحجاب، ويجب حمله على هذا» (1).
2 -
هذه المرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لتهب نفسها له، فلما لم يكن له بها حاجة زوَّجَها لأحد أصحابه، وحدث هذا في مكان عام، والفتنة مأمونة، فأين هذا من الاختلاط الذي يَدْعُون إليه؟
(1) شريط رقم 21 من بلوغ المرام: الشرح، عن مجلة البحوث الإسلامية، مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ـ الرياض. (العدد 65، ص 253 - 254).
الشبهة الثلاثون:
استفتاء نساء الصحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي مجلسه بعض الرجال:
قالوا: هناك بعض الأحاديث التي ذكر فيها أن نساء الصحابة كن يأتين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسألْنَه عن بعض أمورهن ويكون موجودًا في مجلس الرسول بعض الرجال.
الجواب:
أولًا: طلب العلم واجب على كل مسلمة، كشأن الرجال فالكل محتاج إليه، ومع ذلك لم يكنَّ يُزاحمن الرجال لأجل تحصيله، ولكن طلبن أن يَجْعَل لهنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم مجلسًا خاصًا لايكون للرجال فيه نصيب، وقد بوب البخاري رحمه الله في كتاب العلم من الصحيح:«بَاب هَلْ يُجْعَلُ لِلنِّسَاءِ يَوْمٌ عَلَى حِدَةٍ فِي الْعِلْمِ» ، وذكر فيه حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه:«قَالَتْ النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: «غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ؛ فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ» ، فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ فَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُنَّ:«مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلَاثَةً مِنْ وَلَدِهَا إِلَّا كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنْ النَّارِ» ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ:«وَاثْنَتَيْنِ؟» ، فَقَالَ:«وَاثْنَتَيْنِ» .
وقد نص الفقهاء على المنع من اختلاط رجال بنساء في المسجد، لما يترتب عليه من مفاسد، ويشمل ذلك الاختلاط بغية طلب العلم.
ولو كان الاختلاط جائزًا لقال لهن احضرن مع الرجال مجالس العلم والذكر، فهو أولى من تبديد الطاقات والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أحرص على حفظ الأوقات (1).
ثانيًا: ما ذُكِرَ من أن نساء الصحابة كنّ يأتين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسألْنَه عن أمر
(1) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية: علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق، (ص 23).
دينهنَّ، وأحيانًا يكون في مجلسه بعض الرجال صحيح؛ وقد ثبت أن عائشة رضي الله عنها أثْنَتْ على نساء الأنصار بشيء من ذلك فقالت:«نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ» (رواه مسلم).
ولكن هذا لا يعتبر اختلاطًا؛ لأنهنَّ يسألن عن أحكام دينهنَّ، ولا يعرفها غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فحضورهنَّ لذلك من الضرورات.
ثم إنهنَّ يلتزمن الحجاب ولا يختلطن بالرجال.
وقصارى ما في الموضوع أن المرأة إذا اضطرت إلى الصلة بالرجال لضرورة عمل أو علاج ونحو ذلك، وكانت ملتزمة بحجابها وحشمتها ووقارها ولم تخضع بالقول، ولم يحصل منها أي شيء يثير الفتنة، فعسى أن لا يكون عليها إثم؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات (1).
(1) بتصرف من (فتاوى موقع الشبكة الإسلامية)، بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى: 35575).