الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة السابعة والعشرون بعد المائة:
هل أجاز الإمام أبو حنيفة تولية المرأة القضاء
؟
الجواب:
من الآراء الفقهية التي لا تصح نسبتها إلى أصحابها أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله قد أجاز تولية المرأة القضاء، يقول الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في كتابه القيم (التعالم): «كما يُزجر عن الفتوى بالشاذ والتَّرَخُّص، فكذلك يُزجر عن الأقاويل المغلوطة على الأئمة لعدم صحة النقل أو انقلاب الفهم؛ إذ عند التحقيق يتنَقَّحُ القولُ بغلط العزو، فعلى أهل العلم التوَقّي في حكاية الأقوال، والتحري عن صحة نسبتها وسلامة لفظها من التصحيف والتحريف
…
ومن أمثلة هذه الأغاليط شُهرة النسبة إلى مذهب الإمام أبي حنيفة ـ رحمه الله تعالى ـ من القول بجواز تولي المرأة القضاء في غير الحدود.
وهذا غلط عليه في مذهبه، وصحة قوله:«أن الإمام إذا وَلَّى المرأةَ القضاءَ أثِمَ ونفذ قضاؤها إلا في الحدود» ؛ فأصل التولية عنده المنع» (1).
وقوله هذا إنما قيل على باب الافتراض والنظرية، وما أكثر ذلك في كتب الفقه ولم تطبق على أرض الواقع أبدًا، لا في عهد من سبقهم من العهود الزاهرة ولا في عهد المؤلف أو من جاء بعده.
وتفصيل مذهب الأحناف أنهم انقسموا في هذه المسألة إلى ثلاث فرق:
الفرقة الأولى: ترى أن المرأة لا يجوز لها أن تتولى القضاء مطلقًا، وإلى هذا ذهب زُفَر بن الهذيل وهو بذلك يوافق الجمهور.
الفرقة الثانية: ترى أن المرأة يجوز لها أن تتولى القضاء ابتداء فيما تجوز شهادتها
(1) التعالم (ص 117).
فيه وهو ما عدا الحدود والقصاص وإليه ذهب بعض الحنفية.
الفرقة الثالثة: ترى أن المرأة لا يجوز لها أن تتولى القضاء ابتداءً وأن الذكورة شرط في القاضي، لكنها إن وُلِّيَتْ ممن له السلطة أو حَكَّمَها شخصان في نزاع بينهما فحكمت نفذ قضاؤها ضرورة وأثم مُوَلِّيهَا.
وهذا هو المذهب عند الحنفية الذي نصت عليه كتبهم المعتمدة في تأثيم مُوَلّي المرأة القضاء ولا إثم إلا بارتكاب المحظور، ومما يدل على ذلك أن قاضي القضاة (1) في أكثر العصور كان حنفيًا، وكان إليه تقليد القضاة في جميع أنحاء البلاد الإسلامية، ولم يُؤْثَرْ عنه أنه قلّد امرأة قط منصب القضاء (2).
ثانيًا: ترجع صحة القول أو عدمها إلى قوة الدليل من كتاب الله عز وجل أو من سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا ترجع إلى كثرة القائلين به، وها هو ما قاله الإمام أبي حنيفة رحمه الله في اتباع السنة وترك أقواله المخالفة لها:
1 -
2 -
«إذا قلتُ قولًا يخالف كتاب الله وخبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فاتركوا قولي» (3).
(1) قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله: «لما كان الملك الحق لله وحده، ولا ملك على الحقيقة سواه، كان أخنع اسم وأوضعه عند الله، وأغضبه له اسم (شاهان شاه) أي: ملك الملوك، وسلطان السلاطين، فإن ذلك ليس لأحد غير الله فتسمية غيره بهذا من أبطل الباطل، والله لا يُحب الباطل.
وقد ألحق بعض أهل العلم بهذا (قاضي القضاة) وقال: ليس قاضي القضاة إلا من يقضي الحق، وهو خير الفاصلين، الذي إذا قضى أمرًا فإنما يقول له: كن، فيكون.
ويلي هذا الاسم في الكراهية والقبح والكذب: سيد الناس، وسيد الكل، وليس ذلك إلا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاصة، كما قال:«أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلا فَخْرَ» . فلا يجوز لأحد قط أن يقول عن غيره: إنه سيد الناس، وسيد الكل، كما لا يجوز أن يقول: إنه سيد ولد آدم». (معجم المناهي اللفظية (1/ 177)، والحديث رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني).
(2)
المرأة والولاية العامة وولاية القضاء، د. حياة بنت سعيد با أخضر، أستاذ مساعد بمعهد اللغة العربية لغير الناطقين بها بجامعة أم القرى، (من سلسلة إلى من تحفر قبرها بيديها).
(3)
انظر: صفة صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم للشيخ الألباني (ص21 - 29) بتصرف.