الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الثالثة عشرة بعد المائة:
الفصل بين الجنسين يؤجج الشهوة، ويلجئ إلى طلب الجنس ولو من المثل
(1):
الجواب:
إن صاحب الهوى يدخل في مغالطات يهزأ منها قارئ التاريخ، ويكذبها الواقع بإحصائياته، بل بإقرار قدوات المغالطين من رجال الغرب ونسائه.
وهذه الدعوى ضَرْبٌ من الإرهاب الفكري المقيت، يُحصَر فيه الناس بين خيارين؛ إما الاختلاط ولك أن تقول: الزنا، وإما الشذوذ، سبحان الله! ألا يرى هؤلاء إلاّ الجنس المحرم، مثلهم كمثل من يقول: إما أن يأكل الناس مما لم يذكر اسم الله عليه، أو يُؤكل لحم الخنزير. عجبًا! وأين ذهب الحلال الطيب؟
إن مِن أظهر الباطل الزعمَ بأن الدعوة للعفاف ونبذ التبذل والاختلاط سبب لتأجج نار الشهوات، فهؤلاء أهل الإسلام ودعاته الملتزمون بأحكامه ـ ومن ذلك الفصل بين الرجال والنساء ـ محافظون على العفة مهذِّبون لغرائزهم بالتزامهم أمر اللطيف الخبير سبحانه وتعالى بخلاف غيرهم.
فلم نسمع بجماعة إسلامية، دعت يومًا من الدهر إلى إباحة الشذوذ الجنسي، فضلًا عن أن تقر له قانونًا، بينما قادَ الاختلاط والانفتاح أممًا إلى سَنّ تشريعات تبيح الشذوذ، وإلاّ فما بال نساء ألمانيا وبريطانيا وأمريكا ورجالاتها سَنُّوا تشريعات تقر الشذوذ، وأقاموا منظمات تحفظ حقوق الشُذّاذ! أتراهم عانوا من كبت ضرب الحجاب بين
(1) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره)، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق، (ص61 - 67).
الجنسين أو أمر النساء بالقرار؟ هل يعلم هؤلاء أن بالولايات المتحدة وحدها نحوًا من خمسين مليون شاذ! (1)
ثم مَن الذي يحمي شُذّاذ الآفاق، مِن الذين انتكست فطرهم في الدول العربية والمسلمة؟ هل رأيتم شعبًا مسلمًا خرج في مظاهرة لحماية حقوق الشواذ؟ اللهم لا؛ ولكن رأينا احتجاجات بمباني الأمم المتحدة في جنيف، وخارج المكتب الثقافي التابع للسفارة المصرية بواشنطن. وسمعنا بانتقادات جماعات حقوق الإنسان الدولية، لحادث قبض على بعض الشُذَّاذ في أرض الكنانة أسفر عن إدانتهم ومحاكمتهم! (2)
حتى قال محرر الأهرام العربي: «بعد أن رفع الشواذ الأمريكيون شعار الحرية الشخصية الذي تبناه خمسة وثلاثون من أعضاء الكونجرس في رسالة مسمومة إلي الرئيس مبارك يُلَوِّحُون فيها بورقة المعونة الأمريكية للضغط علي مصر بهدف إلغاء محاكمة المتهمين الـ 52 في قضية الشذوذ ومنح الحرية الكاملة لأي شاذ يمارس الجنس مع أشخاص بالغين من الجنس نفسه.
ولأن الحملة الأمريكية يقودها شاذ أمريكي يُدعى (باري فرانك) ـ عضو الكونجرس عن ولاية (ماستشوستس) ـ ومعه (توم لانتس) المعروف بالمشاركة الدائمة والمنتظمة في أي حملة ضد مصر فقد جاء الرد سريعًا وفي نفس الاتجاه من
(1) ثقافة الشذوذ أحدث منتج أمريكي، مقال لمروي مشالي، نشر في (حياة الناس) من (الأهرام العربي) يوم السبت 6 جمادى الآخرة، 1422 الموافق 25 أغسطس 2001العدد رقم 231.
(2)
وماذا لو طُبِّق فيهم حد اللواط، فقد ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ عُقُوبَةَ اللَاّئِطِ هِيَ عُقُوبَةُ الزَّانِي، فَيُرْجَمُ الْمُحْصَنُ وَيُجْلَدُ إِنْ لَمْ يَكُنْ أُحْصِنَ. (انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (35/ 340).
وقد نشرت قناة الجزيرة الإخبارية الخبر بتاريخ 9/ 8/2001، محاكمة 52 بتهمة الشذوذ، وخصصت الأهرام العربي (حياة الناس) لهذا الحدث، في عددها 231، السبت 25/ 8/2001.
أوروبا، وبالتحديد من أمام السفارة المصرية في جنيف حيث وقف عشرات الشواذ يتظاهرون منددين بانتهاك الحكومة المصرية لحقوق الشواذ وحرمانهم من ممارستهم لحريتهم!! والمفارقة أن المظاهرة جاءت ضمن فعاليات المؤتمر العالمي للشواذ والسحاقيات الذي أقيم الأسبوع الماضي في العاصمة السويسرية.
ولم تسلم جمعيات حقوق الإنسان في مصر من الحرب الشرسة ، إذ نالت مئات الهجمات العنيفة علي مواقعها عبر الإنترنت بالإضافة إلي تهديدها بوقف التمويل ما لم تنتفض لنجدة ونصرة الشواذ في مصر وتهيئ لهم أجواء الفجور والفسوق!! (1).
لقد أضاف الدستور البريطاني مادة جديدة تتيح للموظف المسئول، حرية الإعلان عن ميوله الجنسية ، فكانت النتيجة أن أعلن أربعة وزراء عن ميولهم الشاذة، وسكت آخرون، فصادف أن وقف (توني بلير) ـ رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ـ في أحد المؤتمرات الصحفية بعد إعلان أحد الوزراء عن ميوله الجنسية الشاذة ، فلم يجد سوى أن يقول: تلك ميول شخصية لا تؤثر علي كفاءته في العمل كوزير!
وعندما حاولت ملكة هولندا في السنوات الأخيرة الالتزام ببروتوكول القصر الملكي، فحرمت حوالي أربعة عشر سفيرًا ودبلوماسيًا هولنديًا شاذًا ـ أعلنوا عن ميولهم في الملأ ـ من حضور حفلات ملكية، وجدت المتحدث الرسمي الأول لمجلس الدولة ـ الشاذ ـ يعرب عن اعتراضه علي هذا الحرمان، وامتنع عن حضور المؤتمرات، التي تعقد في القصر لأنه لا يستطيع أن يصطحب صديقه!!!
ولست أدري أين وصلت فرنسا في قانون (باكس) للتضامن الاجتماعي، وأهم
(1) الأهرام العربي، العدد 231، السبت 25/ 8/2001.
البنود المطروحة في مشروع القانون مسألة السماح لأي زيجة بين الشواذ تمنحهم الحقوق المدنية المكفولة للأزواج الطبيعيين مثل حقوق الميراث، والاحتفاظ بالممتلكات بعد وفاة أحد الطرفين. وهناك مشروع مماثل جارٍ بحثه في بلجيكا بعد ضغوط من بعض المنظمات الدولية الكبرى التي ترعى هؤلاء الشواذ» (1).
وقد وقف أمام الملأ نائب الرئيس الأمريكي (ديك تشيني) ليدافع في مقابلة تلفزيونية أجرتها معه (إم إس إن بي سي) عن حقوق ابنته الشاذة في حماية حياتها الخاصة، معربًا عن حبه الشديد لها، وقد كان ناشطون شذاذ دعوا ابنته (ماري) للتنديد بمقترح الرئيس جورج بوش من أجل تعديل الدستور لحظر الزواج من نفس الجنس! (2)
وهكذا يستشري الشذوذ في تلك المجتمعات التي لا ترعى للاختلاط حرمة، ويتقدم ليقتحم الكنائس، وقد أثارت الصحف الأمريكية قبل حوالي ستة أشهر، نبأ انتخاب (جين روبنسون) أول أسقف شاذ للكنيسة الأسقفية البروتستانتية، التي تضم حوالي 3 ̧2 مليون نصراني، ينتمون إلى الكنيسة الانجليكانية، يباركهم!!! جميعًا هذا القس الشاذ!!! (3)
«ولن تعجب كثيرًا إذا علمت أن اليهود كان لهم السبق في دعم مثل هذه التوجهات الشاذة في خطوة غير مسبوقة عندما صَوَّتَ الحاخامات المنتمون لأكبر تجمع يهودي في الولايات المتحدة لصالح الاعتراف بزواج الشواذ وذلك في المؤتمر المركزي
(1) الحوادث والأرقام السابقة مستقاة من مقال بعنوان: ثقافة الشذوذ أحدث منتج أمريكي، لمروي مشالي، نشر في حياة الناس من الأهرام العربي يوم السبت 6 جمادى الآخرة، 1422 الموافق 25 أغسطس 2001.
(2)
نقلًا عن جريدة (المحايد) في عددها رقم 81 بتاريخ 18/ 1/1425، الموافق 9/ 3/2004م.
(3)
انظر تقريرًا عن هذا الحدث في (السي إن إن) يوم الأربعاء الموافق 6أغسطس2003،
http://www.cnn.com.
للحاخامات الأمريكيين التابع لحركة الإصلاح اليهودية حيث صرح رئيس المؤتمر (تشارلز كرولوف): «إن من حق الشواذ الاعتراف بزواجهم واحترامهم» ، ومنذ عام 1995، والحركة توافق على تعيين حاخامات مثليين» (1).
يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله «فهذه هي الجاهلية الحديثة في أوروبا وفي أمريكا ينتشر فيها هذا الانحراف الجنسي الشاذ انتشارًا ذريعًا. بغير ما مبرر إلا الانحراف عن الاعتقاد الصحيح ، وعن منهج الحياة الذي يقوم عليه.
وقد كانت هناك دعوى عريضة من الأجهزة التي يوجهها اليهود في الأرض لتدمير الحياة الإنسانية لغير اليهود ، بإشاعة الانحلال العقيدي والأخلاقي، كانت هناك دعوى عريضة من هذه الأجهزة الموجهة بأن احتجاب المرأة هو الذي ينشر هذه الفاحشة الشاذة في المجتمعات!
ولكن شهادة الواقع تخرق العيون، ففي أوروبا وأمريكا لم يبق ضابط واحد للاختلاط الجنسي الكامل بين كل ذكر وكل أنثى ـ كما في عالم البهائم! وهذه الفاحشة الشاذة يرتفع معدلها بارتفاع الاختلاط ولا ينقص!
ولا يقتصر على الشذوذ بين الرجال؛ بل يتعداه إلى الشذوذ بين النساء، ومن لا تخرق عينيه هذه الشهادة فليقرأ (السلوك الجنسي عند الرجال) و (السلوك الجنسي عند النساء) في تقرير (كنزي) الأمريكي، ولكن هذه الأجهزة الموجهة ما تزال تردد هذه الأكذوبة، وتسندها إلى حجاب المرأة؛ لتؤدي ما تريده بروتوكولات صهيون ، ووصايا مؤتمرات المبشرين!» (2).
(1) عن تقرير لموقع (مفكرة الإسلام) بعنوان: حرية التردي وتقنين الفاحشة في الولايات المتحدة الأمريكية
www.islammemo.cc.
(2)
في ظلال القرآن (3/ 1315 - 1316).
إن من أعظم أسباب الشذوذ اضطراب الأسرة، وانشغالها عن رعاية بنيها، ولهذا كان من الطبيعي استشراء الشذوذ في الغرب الذي بات مصير الأسرة فيه مهددًا بالانقراض إثر الانحلال المتفشي؛ فعندما تهمل الأسرة أبناءها ، تكون النتيجة المرتقبة انحرافهم بأشكال مختلفة، قد يمثل الشذوذ أحدها، خاصة عندما ينشأ الأولاد في أسر استرجلت فيها النساء، أو في مجتمع سُلب ذكوره الرجولة.
ومع ذلك فإننا لا ننكر أن يكون الشذوذ ظاهرة ربما عرضت لنفر منبوذ ـ لا يراعي للاختلاط حرمة ـ في مجتمع عربي، ولكن ما نستهجنه محاولات تبرير الدعوة إلى الاختلاط بدعاوى سمجة، بالإضافة إلى تحليل أسباب ظاهرة الشذوذ في المجتمعات العربية تحليلًا سطحيًا ساذجًا، يُضحك به على البسطاء، ثم اقتراح عقار آخر يضاعف الداء، بتحليله لتدابير الإسلام الوقائية، كمنعه من الاختلاط، وهدمه لتدابير الإسلام الإيجابية كحَضِّه على الزواج، وترخيصه في الإماء، وأمره بالصيام.
يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله:
«لقد شاع في وقت من الأوقات أن النظرة المباحة، والحديث الطليق ، والاختلاط الميسور، والدعابة المرحة بين الجنسين ، والاطلاع على مواضع الفتنة المخبوءة.
شاع أن كل هذا تنفيس وترويح ، وإطلاق للرغبات الحبيسة ، ووقاية من الكبت ، ومن العقد النفسية ، وتخفيف من حدة الضغط الجنسي ، وما وراءه من اندفاع غير مأمون
…
الخ.
شاع هذا على إثر انتشار بعض النظريات المادية القائمة على تجريد الإنسان من خصائصه التي تفرقه من الحيوان ، والرجوع به إلى القاعدة الحيوانية الغارقة في الطين!
ـ وبخاصة نظرية فرويد ـ ولكن هذا لم يكن سوى فروض نظرية ، رأيت بعيني في أشد البلاد إباحية وتفلتًا من جميع القيود الاجتماعية والأخلاقية والدينية والإنسانية، ما يكذبها وينقضها من الأساس.
نعم .. شاهدت في البلاد التي ليس فيها قيد واحد على الكشف الجسدي ، والاختلاط الجنسي، بكل صوره وأشكاله ، أن هذا كله لم ينته بتهذيب الدوافع الجنسية وترويضها، إنما انتهى إلى سعار مجنون لا يرتوي ولا يهدأ إلا ريثما يعود إلى الظمأ والاندفاع!
وشاهدت الأمراض النفسية والعقد التي كان مفهومًا أنها لا تنشأ إلا من الحرمان ، وإلا من التلهف على الجنس الآخر المحجوب ، شاهدتها بوفرة ومعها الشذوذ الجنسي بكل أنواعه ـ ثمرة مباشرة للاختلاط الكامل الذي لا يقيده قيد ولا يقف عند حد ; وللصداقات بين الجنسين تلك التي يباح معها كل شيء! وللأجسام العارية في الطريق، وللحركات المثيرة والنظرات الجاهرة ، واللفتات الموقظة، وليس هنا مجال التفصيل وعرض الحوادث والشواهد، مما يدل بوضوح على ضرورة إعادة النظر في تلك النظريات التي كذبها الواقع المشهود.
إن الميل الفطري بين الرجل والمرأة ميل عميق في التكوين الحيوي؛ لأن الله قد ناط به امتداد الحياة على هذه الأرض؛ وتحقيق الخلافة لهذا الإنسان فيها، فهو ميل دائم يسكن فترة ثم يعود، وإثارته في كل حين تزيد من عرامته، وتدفع به إلى الإفضاء المادي للحصول على الراحة، فإذا لم يتم هذا تعبت الأعصاب المستثارة، وكان هذا بمثابة عملية تعذيب مستمرة!
والنظرة تثير، والحركة تثير، والضحكة تثير، والدعابة تثير، والنبرة المعبرة عن هذا الميل تثير، والطريق المأمون هو تقليل هذه المثيرات بحيث يبقى هذا الميل في حدوده
الطبيعية، ثم يلبى تلبية طبيعية، وهذا هو المنهج الذي يختاره الإسلام، مع تهذيب الطبع، وشغل الطاقة البشرية بهموم أخرى في الحياة، غير تلبية دافع اللحم والدم، فلا تكون هذه التلبية هي المنفذ الوحيد!
وفي الآيتين المعروضتين هنا نماذج من تقليل فرص الاستثارة والغواية والفتنة من الجانبين:
وغض البصر من جانب الرجال أدب نفسي، ومحاولة للاستعلاء على الرغبة في الاطلاع على المحاسن والمفاتن في الوجوه والأجسام، كما أن فيه إغلاقًا للنافذة الأولى من نوافذ الفتنة والغواية، ومحاولة عملية للحيلولة دون وصول السهم المسموم!
وحفظ الفرج هو الثمرة الطبيعية لغض البصر، أو هو الخطوة التالية لتحكيم الإرادة، ويقظة الرقابة، والاستعلاء على الرغبة في مراحلها الأولى. ومن ثَمَّ يجمع بينهما في آية واحدة؛ بوصفهما سببًا ونتيجة؛ أو باعتبارهما خطوتين متواليتين في عالم الضمير وعالم الواقع. كلتاهما قريب من قريب.
{ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} فهو أطهر لمشاعرهم؛ وأضمن لعدم تلوثها بالانفعالات الشهوية في غير موضعها المشروع النظيف، وعدم ارتكاسها إلى الدرك الحيواني الهابط.
وهو أطهر للجماعة وأصون لحرماتها وأعراضها، وجوها الذي تتنفس فيه.
والله هو الذي يأخذهم بهذه الوقاية؛ وهو العليم بتركيبهم النفسي وتكوينهم الفطري، الخبير بحركات نفوسهم وحركات جوارحهم؛ {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} .
{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} فلا يرسلن بنظراتهن الجائعة المتلصصة، أو الهاتفة المثيرة، تستثير كوامن الفتنة في صدور الرجال. ولا يُبِحْنَ فروجهن إلا في حلال طيب، يلبي داعي الفطرة في جو نظيف، لا يخجل الأطفال الذين يجيئون عن طريقه عن مواجهة المجتمع والحياة!» (1).
الشبهة الرابعة عشرة بعد المائة (1):
زعموا أن المرأة الشريفة تستطيع أن تحفظ نفسها بين الرجال إذا اختطلت بهم في التعليم أو العمل:
فالقضية ـ عندهم ـ قضية قلوب! إذا سَلِمَ القلب فلا تهتم أين كان صاحبه، والمرأة الشريفة تستطيع أن تعيش بين الرجال في حصن حصين من شرفها وعفتها لا تمتد إليه المطامع.
الجواب:
تلك خدعة كبرى
…
فمهما بلغ الرجل والمرأة صلاحًا وديانة وتعففًا فلن يبلغوا طهارة أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا طهارة أصحابه رضي الله عنهم ومع ذلك خاطبهم الله عز وجل بقوله: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (الأحزاب:53)، فأي خوف على قلب امرأةٍ زوجها محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأي خوفٍ على قلوب خير القرون رضي الله عنهم.
إن الإسلام عندما حرم الاختلاط لم يفرق بين العفيفة وغير العفيفة، ولك أن تعجب أيضًا من ذلك الشرف، وتلك العفة، التي يزعم امتلاكها من يبيح الاختلاط، ويتهم من ينادي بالفصل بسوء القصد! وهل حقًا بلغت السذاجة بأناس مبلغًا يدفعهم لتصديق هذا الدّعِيّ؟
ولا يُظَن أن عاقلًا يتصور أن امرأة شريفة سوف تعيش في حصن من العفاف حصين أنى وجدت، ولو في قعر بيت بغاء!
(1) انظر: في الاختلاط هل يمكن كبح الغريزة الجنسية، لأبي سارة www.saaid.net.
الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق، (ص61 - 67).
إن الشرف ليس جوهرًا قائمًا منفصلًا، أو متبعضًا عن غيره، وكذلك العفة ليست كائنًا يمشي على الأرض، ويمسك باليد، بل هي أعراض قائمة بالنفوس، فإذا جُبْتَ الطرقات والخلوات، فلن تصادف جسمًا اسمه الشرف، وإذا شققت إنسانًا وفتشت بين جنباته، فلن تجد قطعة اسمها العفة، ولكن ربما وجدت قلوبًا حية بيضاء، وهذه لا تزال صافية، حتى يسقط فيها ما يكدرها.
إن الصفات والأعراض قابلة للتأثر إذا لم تُصَنْ فكم رأيتَ إنسانًا يتقاطر الحياء من محياه، فعاد إليك بعد أن خالط أقوامًا لم يتركوا في وجهه قطرة ماء.
إن من المستهجن في العقول أن تقول لغواص يجوب أعماق البحار، انزع لباسك الضافي الأسود وإياك إياك أن تبتل بالماء!
ومن قبيله ترك المباعدة بين الرجال والنساء وترَقُّب السلامة.
ألم ير من ينادي بهتك الستر بين الرجال والنساء أثر ذلك في الغرب المتحضر؟ هل خفف ذلك من ثورة الشهوات؟ أم أتاح لها متنفسًا فلوثت الأعراض؟
ثم هب أن امرأة درجت على مخالطة الرجال فسلم لها شرفها وحياؤها فلم يهزل، فمن الذي يكفل عدم خدشها من قبل ثعالب وذئاب البشر.
قالتْ بنو عامرٍ: «خَلّوا بني أسدٍ»
…
يابُؤس للجهلِ ضَرَّارًا لأقوام
تَعْدُو الذئابُ علَى مَن لَا كِلابَ له
…
تَتّقِي صَوْلَةَ المُسْتَثْفِرِ الحَامِي (1)
وفي الإحصاءات التي تبين ما هو ماثل في أرض الواقع ما يغني عن الأخبار، نسأل
(1) الأبيات للنابغة الذبياني، والمستثفر الحامي: أراد به الكلب يدخل ذنبه بين فخذيه حتى يلزقه ببطنه، متأهبًا للحماية.
الله الحفظ والسلامة.
إن الشرف كلمة لا وجود لها حين يختلط الرجال بالنساء إلا في القواميس
…
هل يملك رجل أن يزعم أنه يملك هواه بين يدي امرأة يرضاها؟
…
أم هل تملك امرأة هواها بين يدي رجل ترضاه؟
…
وأين يكون الشرف إذا اختلى رجل قادر مغتلم بامرأة حاذقة متميعة؟
…
ولو تعففت المرأة فهل ستسلم من أذى الرجل وتحرشاته وربما اعتداءاته؟
…
ولو فرضنا أنهما من أهل التقوى ممن يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويخافون يوم الحساب، وقد حبسا شهواتهما بالأمس واليوم فهل سيصمدان في الغد؟
…
هل سيكونان خيرًا من الصحابة رضي الله عنهم.
رُوِي عن عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ رضي الله عنه أنه قال: «أَلَا تَرَوْنِي لَا أَقُوْمُ إِلَاّ رِفْدًا (1)، وَلَا آكُلُ إِلَاّ مَا لُوِّقَ ـ يَعْنِي: لُيِّنَ وَسُخِّنَ ـ وَقَدْ مَاتَ صَاحِبِي مُنْذُ زَمَانٍ ـ يَعْنِي: ذَكَرَهُ ـ وَمَا يَسُرُّنِي أَنِّي خَلَوْتُ بِامْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لِي، وَإِنَّ لِي مَا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، مَخَافَةَ أَنْ يَأْتِيَ الشَّيْطَانُ فَيُحَرِّكَهُ، عَلَى أَنَّه لَا سَمْعَ لَهُ وَلَا بَصَرَ» (2).
تلك حقيقة لا مرية فيها
…
كيف يعقل أن يبقى جائع في مطبخ عامر بالطعام لساعات طويلة ثم هو لا يأكل منه، أو حتى ينظر إليه، كيف يجاور السمن النار ولا يذوب؟.
نعم
…
التربية مهمة والقناعة مهمة
…
لكن لا يعني ذلك أبدًا أن نرمي بأنفسنا إلى التهلكة
…
الإسلام يخاطب العقول بالحجة والبرهان، وفي ذات الوقت ينهى عن الاختلاط بين الرجال والنساء، وينهى عن الخلوة، ويأمر بغض البصر
…
ويصف النساء بأنهن فتنة .. .
(1) الرفد: الاعانة، والمعنى: أنه لايستطيع القيام إلا أن يُعَانَ عليه.
(2)
سير أعلام النبلاء (2/ 8)، تاريخ دمشق (26/ 203). ورجاله ثقات خلا مالك بن شرحبيل، فإنه لم يوثق، وهو مترجم في (تاريخ البخاري 7/ 314) و (الجرح والتعديل 8/ 210).
إذن نحن بحاجة إلى الأمرين معًا:
- بحاجة إلى التربية والإقناع بأهمية الخلق والحفاظ على العفة.
- وبحاجة إلى العزل بين الجنسين.
فإن الغريزة قوة جارفة، فكم من إنسان عقل وفهم أهمية الخُلُق، لكنه لم يملك نفسه ولم يصبر عن الخطأ والفاحشة، وقادَتْه غريزتُه إلى المهالك جراء اختلاطه بالنساء ورؤيته لهن.
وكذلك كم من فتاة عاقلة فاهمة أدركت أهمية الخلق والعفة، لكنها ما ملكت نفسها ولم تصبر عن الخطأ والفاحشة، وقادَتْها غريزتُها إلى المهالك والسبب اختلاطها بالرجال.
إذن لا بد أن نكون صادقين مع أنفسنا .. مهما كانت التربية عميقة فإن إزالة الحاجز خطر كبير
…
والتجارب تثبت ذلك
…
لكن الأمرين معا هو المطلوب.
وهذا نجده في المجتمع الأول، في القرون السابقة، خاصة القرن الأول، كان الصحابة مثلا يتربون على الخلق والعفة، وفي ذات الوقت يعتزلون النساء، فلا تجدهم في التعليم أو في العمل سواء .. بل كل على حدة
…
وفي هذا رَدٌّ على مَن زَعَم أنه لا خطر على الخلق والعفة إذا حصلت التربية القويمة
…
وقائل هذا أحد رجلين:
- إما رجل مستغفل لم يكلف نفسه أن يفكر ويتأمل في حقيقة الغريزة الجارفة الموضوعة في الإنسان.
- أو رجل فاسد مُفْسِد، يعرف حقيقة الأمر، لكنه يتكتم، ويريد أن يلبس على الناس أمرهم، وهذا ليس له إلا قول الرب الجبار ـ:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (النور: 19).