الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة السادسة:
نبأ موسى عليه السلام مع المرأتين:
من عجيب ما يتمسك به دعاة الاختلاط نبأ موسى عليه السلام مع بنتي صاحب مدين، وليس فيه حجة على جواز الاختلاط بل هو دليل آخر على المنع، فموسى لما رأى أُمّة من الناس يسقُون، ووجد من دونهم امرأتين تذودان غنمهما عن السقيا مع القوم، منعزلتين لا تسقيان مع الناس، لم يَرْضَهُ موقفهما واستغربه؛ ولهذا سألهما بعبارة مختصرة:{قَالَ مَا خَطْبُكُمَا} ، فكان الجواب بأوجز عبارة وبقدر الحاجة:{قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} .
والأسئلة التي ينبغي أن تطرح هنا لماذا هذا الاقتضاب؟ مع أنه عند أبيهما قص القصص!
ولماذا لم تسقيا؟
ولماذا ذادتا غنمهما؟
وعن ماذا ذادتا الغنم؟
أليس عن الاختلاط بغنم القوم؟
ثم أليس الأوْلى لهما أن تعجلا؟
جواب ذلك في القول باستقرار المنع من الاختلاط عندهما ولهذا {قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} .
وقد ذكر بعض المشايخ المعاصرين أربعة عشر وجهًا في القصة انتزع منها الدلالة على منع الاختلاط، وآخر ذكر تسعة عشر مظهرًا من مظاهر العفة في القصة (1).
ومن الآيات السابقة: يتضح لنا أن المرأتين خرجتا للعمل في السقيا، ولكن خروجهما كان للضرورة لهذا قالتا:{وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} .
ونلاحظ أيضًا في القصة قول الله عز وجل: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} ؛ لأنها تربَّتْ على الحياء لم تتكشف ولم تتبرج.
قال الحافظ ابن كثير: «قال الله تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} أي: مشي الحرائر، كما روي عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه قال: «كانت مستتَرة بكم درْعها» .
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو نعيم، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمر بن ميمون قال: قال عمر رحمه الله: «جاءت تمشي على استحياء، قائلة بثوبها على وجهها، ليست بسلفع خَرَّاجة ولاجة» . (هذا إسناد صحيح).
قال الجوهري: «السلفع من الرجال: الجسور، ومن النساء: الجريئة السليطة» (2).
وفي الآية أيضًا من الأدب والعفة والحياء، ما بلغ ابنة الشيخ مبلغًا عجيبًا في التحفظ والتحرز، إذ قالت:{قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} ، فجعلت
(1) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية: علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق، (ص 58).
(2)
تفسير ابن كثير (3/ 384).
الدعوة على لسان الأب، ابتعادًا عن الرَّيب والرِّيبة.
قالت له بحزم: {قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} هكذا مباشرةً قالت له المطلوب، وبدون كثرة كلام.
وقارنوا هذا بالذي يحدث من بعض النساء في عصرنا الحاضر مِن حُب الكلام الكثير مع الرجال: مع ما يصاحب هذا الكلام من تكسر وميوعة سواءً مع الأقارب أو مع الأصدقاء، وسواءً بشكل مباشر أو عن طريق الهاتف، رغم أنهن يعرفن قول الله عز وجل:{فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} (الأحزاب: 32).
وكم من رجل وقع ضحية كلمة مائعة أو ضحكة فاجرة سمعها من أمثال هؤلاء النساء، إذن على المرأة عندما تخاطب الرجال أن تخاطبهم بجدية لا تصل إلى التشبه بالرجال ولا بميوعة وتكسر قد يفهم البعض منها أنها تقصد شيئًا ما.
وعليها أن تتكلم بقدر الحاجة بدون زيادة أو نقصان.