الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خامسًا:
آثار لا تثبت عن الصحابة
الشبهة الثانية بعد المائة:
اختلاط في بيت عمر
رضي الله عنه:
القصة المذكورة في تاريخ ابن جرير الطبري رحمه الله عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع رسول أحد قواده حيث اعتبروها دليلًا على الاختلاط ـ وفي بيت من؟ في بيت عمر رضي الله عنه.
والقصة أن سلمة بن قيس الأشجعي ـ أحد قواد عمر رضي الله عنه ـ نصره الله على أعدائه من المشركين فرأى في الغنيمة شيئًا من حلية فاستأذن جنوده أن يبعث به إلى عمر رضي الله عنه، ثم بعث برجل من قومه فأتى عمر رضي الله عنه.
قال هذا الرجل: فاتبعتُه فدخل دارًا ثم دخل حجرة فاستأذنتُ وسلمتُ فأذِنَ لي فدخلتُ عليه فإذا هو جالس على مسح (بساط) متكئ على وسادتين من أدم محشوتين ليفًا ، فنبذ إلي بإحداهما فجلست عليها وإذا بهو في صُفّة فيها بيت عليه ستير فقال:«يا أم كلثوم غداءنا ، فأخرجَتْ إليه خبزة بزيت في عرضها ملح لم يُدَقّ» ، فقال:«يا أم كلثوم ألا تخرجين إلينا تأكلين معنا من هذا» .
قالت: «إني أسمع عندك حِسَّ رجل» .
قال: «نعم، ولا أراه من أهل البلد» .
قال: «أو ما يكفيك أن يقال: أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وامرأة أمير المؤمنين عمر» .
فقال: «كُلْ؛ فلو كانت راضية لأطعمتك أطيب من هذا» (1).
(1) تاريخ الطبري (3/ 261).
الجواب:
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: «هذه القصة باطلة لا تثبت رواية ولا دراية.
أما الرواية: فلأن مدارها على جماعة من الضعفاء وبعضهم متهم بالكذب وتنتهي القصة إلى مُبْهَم لا يُعرَف من هو ولا تعرف حاله وهو الذي رواها عن عمر وبذلك يُعلَم بطلانها من حيث الرواية.
وأما من حيث الدراية فمن وجوه:
1 -
شذوذها ومخالفتها لما هو معلوم من سيرة عمر رضي الله عنه وشدته في الحجاب وغيرته العظيمة وحرصه على أن يحجب النبي صلى الله عليه وآله وسلم نساءه حتى أنزل الله آية الحجاب.
2 -
مخالفتها لأحكام الإسلام التي لا تخفى على عمر ولا غيره من أهل العلم ، وقد دل القرآن والسنة النبوية على وجوب الاحتجاب وتحريم الاختلاط بين الرجال والنساء على وجه يسبب الفتنة ودواعيها.
3 -
ما في متنها من النكارة الشديدة التي تتضح لكل من تأملها.
وبكل حال فالقصة موضوعة على عمر بلا شك للتشويه مِن سُمْعَته أو للدعوة إلى الفساد بسفور النساء للرجال الأجانب واختلاطهن بهم ، أو لمقاصد أخرى سيئة.
ولقد أحسن الشيخ أبو تراب الظاهري ، والشيخ محمد أحمد حساني ، والدكتور هاشم بكر حبشي فيما كتبوه في رد هذه القصة وبيان بطلانها وأنه لا يصح مثلها عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، جزاهم الله خيرًا وضاعف مثوبتهم وزادنا وإياهم علمًا وتوفيقًا وجعلنا وإياهم وسائر إخواننا من أنصار الحق» (1).
وهذه القصة ذكرها قاسم أمين ثم تابعه في الترويج لها أتباعه من المتحررين وهي قصة موضوعة لا تصح عن هذا الصحابي الجليل عمر رضي الله عنه الذي كانت غيرته سببًا في
(1) مجموع فتاوى ابن باز (4/ 204 - 205).
نزول آيات الحجاب!
وقد أطال الشيخ محمد بن أحمد البولاقي الكلام في ردها وتضعيفها في رده على قاسم أمين (الجليس الأنيس في التحذير عما في كتاب تحرير المرأة من التلبيس)، وبَيَّنَ أنها أكذوبة من الأكذوبات، وفرية ما فيها مرية، وخرافة من الخرافات.
وقد فصّل الشيخ علي حشيش في الحلقة الثانية والخمسون من سلسلة (تحذير الداعية من القصص الواهية) التي تُنشر تباعًا في (مجلة التوحيد) تخريج القصة فذكر أن «إسنادها مسلسل بالعلل:
الأولى: في سند القصة أبو جناب الكلبي، متروك الحديث.
الثانية: في سند القصة أيضًا أبو المحجل الرديني لا يعرف.
الثالثة: وفي سند القصة أيضًا سليمان بن بُريدة لا تحتمل سنه الرواية عن عمر رضي الله عنه فإنه قد وُلد لثلاث سنين خلت من خلافة عمر ولم يَذْكُر مَن حدثه بهذه القصة».
ثم قال: «بهذه العلل تصبح القصة واهية لما في سندها من متروكين ومجهولين والانقطاع» .
فائدة:
قال الشيخ علي حشيش: «إن دعاة السفور والاختلاط إذا وجدوا هذه القصة في (تاريخ الطبري) فرحوا بها ويجادلون بعزوها لابن جرير الطبري وهم يحسبون أن في العزو ثبوتًا للقصة ولكن هيهات ففرق بين التخريج والتحقيق.
والطبري رحمه الله بين ذلك فقد صرح في مقدمة (التاريخ 1/ 13) بأنه مجرد ناقلٍ لِما يسمعه من أخبار وحكايات يسندها إلى قائليها حيث قال: «فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين، مما يستنكره قائله أو يستشنعه سامعه من أجل أنه لم يعرف له وجهًا في الصحة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يُؤْتَ في ذلك مِن قِبلنا، وإنما أتى مِن قِبَل بعض ناقليه إلينا، وأنَّا إنما أدَّيْنا ذلك على نحو ما أُدِّيَ إلينا» .