الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الثانية والستون:
دخول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إحدى حُجَرِ نسائه:
عن جَابِر بْنِ عَبْدِ الله رضي الله عنهما قَالَ: «كُنْتُ جَالِسًا فِى دَارِى فَمَرَّ بِى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَأَشَارَ إِلَىَّ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَأَخَذَ بِيَدِى فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَى بَعْضَ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَدَخَلَ ثُمَّ أَذِنَ لِى، فَدَخَلْتُ الْحِجَابَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: «هَلْ مِنْ غَدَاءٍ؟» . فَقَالُوا: «نَعَمْ» . فَأُتِىَ بِثَلَاثَةِ أَقْرِصَةٍ فَوُضِعْنَ عَلَى نَبِىٍّ (1)، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قُرْصًا فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَخَذَ قُرْصًا آخَرَ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَىَّ، ثُمَّ أَخَذَ الثَّالِثَ فَكَسَرَهُ بِاثْنَيْنِ فَجَعَلَ نِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَنِصْفَهُ بَيْنَ يَدَىَّ، ثُمَّ قَالَ:«هَلْ مِنْ أُدُمٍ؟» (2). قَالُوا: «لَا، إِلَاّ شَىْءٌ مِنْ خَلٍّ» . قَالَ: «هَاتُوهُ فَنِعْمَ الأُدُمُ هُوَ» . (رواه مسلم).
الجواب:
1 -
ليس في الحديث تصريح بأن زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت سافرة غير محتجبة، فلو كان ذلك قبل فرض الحجاب فلا إشكال، وإن كان بعد الحجاب فالكل ـ حتى من يقولون بجواز كشف الوجه، بل حتى دعاة الاختلاط ـ متفقون على وجوب تغطية الوجه في حق زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم: «قَوْله: (فَدَخَلْتُ الْحِجَاب عَلَيْهَا) مَعْنَاهُ دَخَلْتُ الْحِجَاب إِلَى الْمَوْضِع الَّذِي فِيهِ الْمَرْأَة، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ رَأَى بَشَرَتهَا» .
(1) أورد الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم أنه: مَائِدَة مِنْ خُوص، أو كِسَاء مِنْ وَبَر أَوْ صُوف، أو مِنْدِيل وُضِعَ عَلَيْهِ هَذَا الطَّعَام، أوطَبَق مِنْ خُوص.
(2)
(الْأُدُم) بِضَمِّ الْهَمْزَة وَالدَّال، وَيَجُوز إِسْكَانهَا، جَمْع إِدَام، والإدام هو ما يؤتدم به الخبز، أي يطيب أكله به ويتلذذ الأكل بسببه، مائعا كان أو جامدًا.
وقال الإمام القرطبي: «وقول جابر: «فَدَخَلْتُ الْحِجَاب عَلَيْهَا» ؛ ظاهره: أن هذا كان بعد نزول الحجاب، غير أنه ليس فيه: أنه رآها، فقد تستتر بثوب آخر، أو بحجاب آخر. ويحتمل أن يكون ذلك قبل نزول الحجاب» (1).
ويزيل الإشكال من جهة الحجاب رواية أبي يعلى في مسنده (2164): «ثُمَّ أَذِنَ لِي فَدَخَلْتُ، وَالْحِجَابُ عَلَيْهَا» .
2 -
ليس في الحديث مشروعية الاختلاط، بل غاية ما فيه اطعام النبي صلى الله عليه وآله وسلم لجابر رضي الله عنه في بيته، ووجود إحدى زوجاته لا يمنعه الشرع، وأما مخاطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لزوجته فلا يقتضي أن تكون جالسة معهما، فمن المحتمل أن تكون قد استترت بحجاب آخر، كما ذكر الإمام القرطبي رحمه الله.
3 -
مما يدل على كونها على كونها غير مخالطة لهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قسم الخبز بينه وبين جابر رضي الله عنه نصفين مما يدل على أن المرأة لم تشاركهم الطعام.
4 -
قول جابر رضي الله عنه: «فَأُتِىَ بِثَلَاثَةِ أَقْرِصَةٍ» ليس صريحًا في أن مَن قدم الطعام هي زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد يتم ذلك عن طريق الجارية مثلًا.
5 -
على فرض أن زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي التي قدمت الطعام فليس هناك دليل على أنها بقيت في الحجرة بعد ذلك، فمن المحتمل أن تكون قد غادرتها بعد تقديمه.
6 -
لو سلَّمْنا أن زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت في ناحية الحجرة ـ بحجابها الكامل ـ فلعل ذلك كان لأن بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان مكونًا من حجرة واحدة.
7 -
الحديث واقعة عيْن والاحتمالات السابقة تَرِدُ عليه لمخالفته لنصوص مُحْكَمة
(1) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (4/ 405).
تنهي عن الاختلاط. وإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال؛ وقد قَال الإمَامُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله: «وَقَائِعُ الْأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ كَسَاهَا ثَوْبَ الْإِجْمَالِ، وَسَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال» (1).
8 -
النبي صلى الله عليه وآله وسلم مَحْرمٌ لزوجته ـ أم المؤمنين ـ التي لا يحل لجابر رضي الله عنه ولا لغيره أن يتزوجها بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ وهذا موقف عابر، فهل الاختلاط في العمل والتعليم وغير ذلك يكون بوجود المحرم حتى يقاس هذا على ذاك؟!!.
(1) حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع (3/ 365).