الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الحادية والعشرون:
حديث الفارسي:
استدلّ بعض دعاة الاختلاط بين الرجال والنساء بحديث أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ جَارًا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَارِسِيًّا كَانَ طَيِّبَ الْمَرَقِ فَصَنَعَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ثُمَّ جَاءَ يَدْعُوهُ، فَقَالَ:«وَهَذِهِ» ـ لِعَائِشَةَ ـ فَقَالَ: «لَا» ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم:«لَا» ، فَعَادَ يَدْعُوهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم:«وَهَذِهِ» ، قَالَ:«لَا» ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم:«لَا» ثُمَّ عَادَ يَدْعُوهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «وَهَذِهِ» ، قَالَ:«نَعَمْ» فِي الثَّالِثَةِ، فَقَامَا يَتَدَافَعَانِ حَتَّى أَتَيَا مَنْزِلَهُ. (رواه مسلم).
قالوا: ففي هذا الحديث تسويغٌ للمسلم أن يصحب زوجته إلى المآدب يقيمها جار أو صديق.
الجواب:
1 -
هذا الحديث لا يدل على أكثر من شيء واحد وهو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اصطحب عائشة رضي الله عنها معه إلى بيت الرجل الفارسي.
وهو كما دلت أحاديث كثيرة أخرى على اصطحاب الصحابة نساءهم إلى المساجد، وكما دلت أحاديث أخرى على زيارة كثير من الصحابة لأمهات المؤمنين عامة وعائشة رضي الله عنها خاصة، من أجل رواية الحديث أو أخذ الفتاوى أو السؤال عن بعض أحوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فأي تعارض بين هذه الدلالة التي لا إشكال فيها ولا نزاع وبين الحكم الإلهي القاضي باحتجاب المرأة عن الرجال والأمر لهم إذا جاؤوا يسألونهن حاجة أن يسألوهن من وراء حجاب؟!
2 -
أما أن يرفض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الاستجابة لدعوة الفارسي إلا أن تصحبه عائشة رضي الله عنها فشيء ثابت لا إشكال فيه ولا منقصة، بل إن فيه الصورة البارزة الحية لجميل
خلقه صلى الله عليه وآله وسلم مع أهله وعظيم رحمته وعاطفته تجاهها، فقد كانت تمر الأيام الطويلة ولا يوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نار لطعام، وإنما طعامه وطعام أهله الأسودان: التمر والماء، أفيترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهله ـ وهي إنما ترضى بالشظف أسوة به ـ ليجلس من ورائها إلى مائدة شهية عامرة عند جاره الفارسي؟! ما كان خلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليرضى بذلك.
وأما أن يكون في ذلك ما يدل على أن عائشة رضي الله عنها ذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متبرجة وجلست أمام الفارسي سافرة واختلطت العائلات على نحو ما يتم اليوم فهو شيء لا دلالة عليه، وحمل الحديث على هذا المعنى كحمل الشرق على أن يولد من داخله الغرب.