الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة السادسة عشرة:
صلاة النساء مع الرجال في الصلوات الخمس والعيدين:
الجواب:
صلاة العيد مناسبة يفوت وقتها وتذهب مصلحتها بتأخيرها، ومن نظر إلى مقاصد العيد علم حكمة الشارع في عدم تكرار شعائره لأجل فصل الرجال والنساء فيه، فإن في ذلك عنَتًا لايتناسب مع تيسير الشريعة، ومشقة لاتتناسب وتلك الأيام التي جعلها الشارع للتوسعة والترخص المنضبط وصلة الأرحام، ولذلك ناسب أن يحض الرجال والنساء على أداء صلاتها جميعًا مع وضع الضوابط التي تكفل عدم امتزاج الرجال بالنساء.
ومن ذلك بُعدهن من الرجال فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما فرغ من خطبته وصلاته، جاء إليهن فوعظهن وذكرهن، فلو كن قريبًا لسمعن الخطبة.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قِيلَ لَهُ: «أَشَهِدْتَ الْعِيدَ مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وآله وسلم؟» ، قَالَ:«نَعَمْ، وَلَوْلَا مَكَانِى مِنَ الصِّغَرِ مَا شَهِدْتُهُ، حَتَّى أَتَى الْعَلَمَ الَّذِى عِنْدَ دَارِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ، وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُهُنَّ يُهْوِينَ بِأَيْدِيهِنَّ يَقْذِفْنَهُ فِى ثَوْبِ بِلَالٍ، ثُمَّ انْطَلَقَ هُوَ وَبِلَالٌ إِلَى بَيْتِهِ» (رواه البخاري).
قال الحافظ ابن حجر في تعليقه على خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم النساء يوم العيد: «قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ) يُشْعِرُ بِأَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ عَلَى حِدَةٍ مِنْ الرِّجَالِ غَيْرَ مُخْتَلِطَاتٍ بِهِمْ.
قَوْلُهُ: (وَمَعَهُ بِلَالٌ) فِيهِ أَنَّ الْأَدَبَ فِي مُخَاطَبَةِ النِّسَاءِ فِي الْمَوْعِظَةِ أَوْ الْحِكَمِ أَنْ لَا يَحْضُرَ مِنْ الرِّجَالِ إِلَّا مَنْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ مِنْ شَاهِدٍ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّ بِلَالًا كَانَ خَادِمَ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وَمُتَوَلِّيَ قَبْض الصَّدَقَةِ، وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَدْ اُغْتُفِرَ لَهُ ذَلِكَ بِسَبَبِ صِغَرِهِ» (1).
ثم إن جواز شهودهن الجمع والجماعات بالضوابط التي وضعها الشارع لصلاة المرأة في المسجد، دليل واضح يفيد مراعاة الشريعة لأصل الفصل بين الرجال والنساء:
- فقد جعل الشارع صلاة المرأة في قعر دارها خير لها.
- وبعد ذلك إذا خرجت المرأة أمرها الشارع أن تخرج تفلة غير متطيبة ولا متزينة، فإن خالفت ذلك عصت الله بخروجها ولو إلى مسجد.
- ثم إذا جاءت المسجد تدخل من باب خاص لايدخل منه الرجال.
- فإذا دخلت المرأة المسجد كان خير صفوفها أبعدها عن الرجال، وكان شرها أقربها منهم.
- فإذا خرجت من المسجد فعليها أن تستأخر وتلتزم حافة الطريق كما أمرها النبي ص (3).
فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم حرص على قطع كل سبب للاختلاط وإن كان غرض الخروج أداء الفرض فكيف يسوغ في غيره، وإذا منعهن من الاختلاط العابر في الطريق إلى المسجد والمؤقت
(1) فتح الباري (2/ 466) بتصرف يسير.
(2)
فتح الباري (2/ 469).
(3)
انظر الأدلة على ذلك ص 38.
في داخل المسجد لأنه يؤدي إلى الافتنان، فكيف يقال بجواز الاختلاط في غيره؟ (1).
قال الإمام النووي في شرح قَوْله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِد اللهِ» :
وقد نُسب إلى مدير جامعة صنعاء عبد العزيز المقالح ، زعمه أن المطالبة بعزل الطالبات عن الطلاب مخالفة للشريعة.
وقد استدل على جواز الاختلاط بأن المسلمين من عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يؤدون الصلاة في مسجد واحد ـ الرجل والمرأة ـ، وقال:«ولذلك فإن التعليم لا بد أن يكون في مكان واحد» ، فقال الشيخ ابن باز رحمه الله ردًّا عليه:
«وقد استغربت صدور هذا الكلام من مدير لجامعة إسلامية في بلد إسلامي يُطلَب منه أن يوجه شعبه من الرجال والنساء إلى ما فيه السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولا شك أن هذا الكلام فيه جناية عظيمة على الشريعة الإسلامية؛ لأن الشريعة لم تَدْعُ إلى الاختلاط حتى تكون المطالبة بمنعه مخالفة لها، بل هي تمنعه وتشدد في ذلك».
(1) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية: علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره)، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق (ص 26).
(2)
شرح صحيح مسلم (4/ 161).
ثم ذكر الشيخ رحمه الله بعض الأدلة من القرآن والسنة، والتي سبق ذكرها (1) ....
ثم قال الشيخ ابن باز رحمه الله: «وقد بين الله سبحانه أن الحجاب أطهر لقلوب الجميع فدل ذلك على أن زواله أقرب إلى نجاسة قلوب الجميع وانحرافهم عن طريق الحق، ومعلوم أن جلوس الطالبة مع الطالب في كرسي الدراسة من أعظم أسباب الفتنة، ومن أسباب ترك الحجاب الذي شرعه الله للمؤمنات ونهاهن عن أن يبدين زينتهن لغير من بينهم الله سبحانه في الآية السابقة من سورة النور.
ومن زعم أن الأمر بالحجاب خاص بأمهات المؤمنين فقد أبعد النجعة وخالف الأدلة الكثيرة الدالة على التعميم وخالف قوله تعالى: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (الأحزاب: 53)؛ فإنه لا يجوز أن يقال، إن الحجاب أطهر لقلوب أمهات المؤمنين ورجال الصحابة دون من بعدهم.
ولا شك أن من بعدهم أحوجُ إلى الحجاب من أمهات المؤمنين ورجال الصحابة رضي الله عنهم لما بينهم من الفرق العظيم في قوة الإيمان والبصيرة بالحق فإن الصحابة رضي الله عنهم رجالًا ونساء ـ ومنهن أمهات المؤمنين ـ هم خير الناس بعد الأنبياء وأفضل القرون بنص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المخّرَّج في الصحيحين.
فإذا كان الحجاب أطهر لقلوبهم فمن بعدهم أحوج إلى هذه الطهارة وأشد افتقارًا إليها ممن قبلهم، ولأن النصوص الواردة في الكتاب والسنة لا يجوز أن يخص بها أحد من الأمة إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص فهي عامة لجميع الأمة في عهده صلى الله عليه وآله وسلم وبعده إلى يوم القيامة لأنه سبحانه بعث رسوله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الثقلين في عصره وبعده إلى
(1) انظر ص.
يوم القيامة كما قال عز وجل: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (الأعراف: 158)، وقال سبحانه:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (سبأ: 28).
وهكذا القرآن الكريم لم ينزل لأهل عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما أنزل لهم ولمن بعدهم ممن يبلغه كتاب الله كما قال تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)} (إبراهيم: 52).
وقال عز وجل: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (الأنعام: 19).
وكان النساء في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يختلطن بالرجال لا في المساجد ولا في الأسواق الاختلاط الذي ينهى عنه المصلحون اليوم ويرشد القرآن والسنة وعلماء الأمة إلى التحذير منه حذرًا من فتنته بل كان النساء في مسجده صلى الله عليه وآله وسلم يصلين خلف الرجال في صفوف متأخرة عن الرجال.
وكان يقول صلى الله عليه وآله وسلم: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» (1)؛ حذرًا من افتتان آخر صفوف الرجال بأول صفوف النساء وكان الرجال في عهده صلى الله عليه وآله وسلم يؤمرون بالتَرَيُّث في الانصراف؛ حتى يمضي النساء ويخرجن من المسجد لئلا يختلط بهن الرجال في أبواب المساجد مع ما هم عليه جميعًا رجالًا ونساءً من الإيمان والتقوى فكيف بحال من بعدهم؟
وكانت النساء يُنْهَيْن أن يحْقُقْن الطريق ويؤمرن بلزوم حافات الطريق حذرًا من الاحتكاك بالرجال والفتنة بمماسة بعضهم بعضًا عند السير في الطريق.
(1) رواه مسلم.
وأمر الله سبحانه نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن حتى يغطين بها زينتهن حذرا من الفتنة بهن، ونهاهن سبحانه عن إبداء زينتهن لغير من سمى الله سبحانه في كتابه العظيم حسمًا لأسباب الفتنة وترغيبًا في أسباب العفة والبعد عن مظاهر الفساد والاختلاط.
فكيف يسوغ لمدير جامعة صنعاء ـ هداه الله وألهمه رشده ـ بعد هذا كله، أن يدعو إلى الاختلاط ويزعم أن الإسلام دعا إليه وأن الحرم الجامعي كالمسجد، وأن ساعات الدراسة كساعات الصلاة، ومعلوم أن الفرق عظيم، والبَوْن شاسع، لمن عقل عن الله أمره ونهيه، وعرف حكمته سبحانه في تشريعه لعباده، وما بين في كتابه العظيم من الأحكام في شأن الرجال والنساء.
وكيف يجوز لمؤمن أن يقول إن جلوس الطالبة بحذاء الطالب في كرسي الدراسة مثل جلوسها مع أخواتها في صفوفهن خلف الرجال، هذا لا يقوله من له أدنى مسكة من إيمان وبصيرة يعقل ما يقول، هذا لو سلمنا وجود الحجاب الشرعي، فكيف إذا كان جلوسها مع الطالب في كرسي الدراسة، مع التبرج وإظهار المحاسن والنظرات الفاتنة والأحاديث التي تجر إلى فتنة.
فالجواب عن ذلك أن يقال: هذا صحيح، لكن كان النساء في مؤخرة المساجد مع الحجاب والعناية والتحفظ مما يسبب الفتنة، والرجال في مقدَّم المسجد، فيسمعن المواعظ والخطب ويشاركن في الصلاة ويتعلمن أحكام دينهن مما يسمعن ويشاهدن،
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في يوم العيد يذهب إليهن بعد ما يعظ الرجال فيعظهن ويذكرهن لبعدهن عن سماع خطبته.
وهذا كله لا إشكال فيه ولا حرج فيه، وإنما الإشكال في قول مدير جامعة صنعاء ـ هداه الله وأصلح قلبه وفَقَّهَهُ في دينه ـ:«ولذلك فإن التعليم لا بد أن يكون في مكان واحد» فكيف يجوز له أن يشبه التعليم في عصرنا بصلاة النساء خلف الرجال في مسجد واحد، مع أن الفرق شاسع بين واقع التعليم المعروف اليوم وبين واقع صلاة النساء خلف الرجال في عهده صلى الله عليه وآله وسلم.
ولهذا دعا المصلحون إلى إفراد النساء عن الرجال في دور التعليم، وأن يكُنَّ على حدة والشباب على حدة، حتى يتمكنَّ من تلقي العلم من المدرسات بكل راحة من غير حجاب ولا مشقة؛ لأن زمن التعليم يطول بخلاف زمن الصلاة؛ ولأن تلقي العلوم من المدرسات في محل خاص أصون للجميع وأبعد لهن من أسباب الفتنة، وأسلم للشباب من الفتنة بهن، ولأن انفراد الشباب في دور التعليم عن الفتيات مع كونه أسلم لهم من الفتنة فهو أقرب إلى عنايتهم بدروسهم وشغلهم بها وحسن الاستماع إلى الأساتذة وتلقي العلم عنهم بعيدين عن ملاحظة الفتيات والانشغال بهن، وتبادل النظرات المسمومة والكلمات الداعية إلى الفجور (1).
سؤال متعلق بهذه الشبهة:
لماذا تُفصل مصليات الرجال والنساء الآن بجدار بينما لم يكن هناك فاصل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!!!
(1) باختصار وتصرف يسيرين من مجلة (البحوث الإسلامية)، (العدد 15، ص 6 - 11)، وهي مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ـ الرياض.
الجواب:
أولًا: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سُوَيْدٍ الأَنْصَارِىِّ عَنْ عَمَّتِهِ أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِى حُمَيْدٍ السَّاعِدِىِّ رضي الله عنهما أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَكَ» .
قَالَ: فَأَمَرَتْ فَبُنِىَ لَهَا مَسْجِدٌ فِى أَقْصَى شَىْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ فَكَانَتْ تُصَلِّى فِيهِ حَتَّى لَقِيَتِ اللهَ عز وجل». (رواه الإمام أحمد وحسنه الحافظ ابن حجر والألباني والأرنؤوط).
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا سلم من الصلاة يبقى في مكانه قليلًا لا ينصرف، من أجل أن تنصرف النساء كي لا يختلط بهن الرجال.
ومنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الاختلاط في الطريق وعند باب المسجد خوفًا من الفتنة!
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» (رواه مسلم).
فشرع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصْل الرجال عن النساء في الصلاة وحث على الابتعاد قدر الاستطاعة خوفًا من الفتنة.
ثانيًا: لا يمكن أن يقارن حال الصحابة والصحابيات بأحوالنا الآن حيث انتشرت أسباب الفتن وضعف الوازع الديني؛ لقد كان للصحابة رضي الله عنهم من الإيمان والخوف من الله ما يمنعهم من النظر إلى النساء، ومن كان معهم من المنافقين لا يجرؤ على منكر؛ لأنه
إن لم يخف من الله خاف من رسول صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه.
وكانت النساء في زمن النبوة يخرجن محتشمات غير متبرجات ولا متطيبات، أما النساء في عصرنا هذا ففيهن مَن تجهل أحكام الشريعة وفيهن من بلغت الرابعة عشرة من العمر ولم تتحجب بزعم أنها ما زالت طفلة!!
وفي النساء المتزينات والمتعطرات والمتبرجات، وفي هذا فتنة للرجال وشاغل يشغلهم عن الخشوع في الصلاة.
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَتْ: «لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ» . (رواه البخاري ومسلم).
وهذا في أول وخير القرون فكيف بزماننا!!
ثالثًا: للفاصل فوائد أخرى؛ ففيه راحة وحرية للنساء، فتكشف المرأة عن وجهها وتصلي مطمئنة، ولا يقتصر حضور النساء للمساجد على الصلاة، بل أيضا استماع الدروس والكلمات وربما لوقت طويل فوجود الفاصل فيه راحة وتيسير على النساء.
رابعًا: لم ينه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن وضع هذا الفاصل حتى يقال: إن وضع الفاصل فيه مخالفة.
خامسًا: أليس يطلب من المرأة أن تقبل على صلاتها وتخشع لربها كما يطلب من الرجل؟ الجواب: بلى.
وهنا نسأل ثانية من واقع حال أغلب شباب اليوم هل سيتسنى للمرأة الخشوع إذا كان هؤلاء الشباب سيطلقون أبصارهم نحو هؤلاء النسوة وسيسعون إلى المرور بقرب الموضع الذي يصلين فيه.
الجواب ثانيةً: بالطبع لا.
فإن قلت: ولكن هناك منافقون كثر والمنافق أخطر من الفاسق.
قلت لك: صدقت!!! ولكن فاسق اليوم أخطر من منافق السابق فإن قلت لماذا؟؟؟
قلت لك: منافق السابق لايجرؤ على مايجرؤ عليه شباب اليوم وذلك من عدة وجوه:
1 ــ المنافق حريص على عدم معرفة خبثه فلا يجرؤ إلى التفات إلى امرأة أو إلقاء كلمة خبيثة إليها.
أما فاسق هذا الزمن فلا يهمه معرفته فهو مظهر للفسق لا يخاف غالبًا من حسيب ولا رقيب.
2 ــ الناس في المدينة يعرف بعضهم بعضًا؛ فلو تجرأ أحد من المنافقين واختلس ولو مجرد اختلاس التفاتة أو زل بكلمة فإنه سيمر بثلاث مراحل ما أجملها بالنسبة لنا ما أقبحها بالنسبة له وهي:
- المرأة ستخبر زوجها باسم الرجل.
- الرجل سيخبر النبي ص.
- النبي ص سيعاقبه.
فهذا سبب خوف المنافق أما فاسق هذا الزمن فممن يخاف
…
؟
أيخاف من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أم
…
يخاف من أن يُجْلَد أو يحبَس.
إذنْ .... ما المحذور من وضع هذا الفاصل الذي يعزل المرأة في مصلاها؛ فتكشف عن وجهها، وتباشر به السجود على الأرض، وتقرأ المصحف دون وجود غطاء وجهها، وتستطيع التنقل داخل مصلاها إن أرادت شرب ماء مثلًا، أو متابعة أطفالها
الذين قد تحضرهم معها (1).
فتوى للشيخ ابن عثيمين:
س: يوجد في أحد المساجد ستارة بين الرجال والنساء فحصل خلاف في أهمية هذه الستارة؛ فرأى بعضهم أنه لا حاجة لها وأنه في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن هناك ستارة، وأصر الآخرون على وجودها فحصل خلاف نتيجة ذلك ربما يؤدي بالذين يرون بعدم وجودها إلى ترك الصلاة في المسجد، علمًا أنه يحدث هناك شيء من الاختلاط أو النظر عند الانصراف لطبيعة دين الموجودين من الرجال؛ فهل نُصِرّ على إبقاء الستارة ولو ترك الصلاة من ترك أو نزيل الستارة ولو حصل ما حصل من النظر؟
ج: أجاب فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين على هذا السؤال بقوله:
«الستارة تبقى وكونها لم توجد على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إما لعدم السبب المقتضي لها وإما لوجود المانع.
أما الأول فلأن الصحابة رضي الله عنهم عندهم من الإيمان بالله ما يمنعهم من النظر إلى النساء.
وأما المانع فلأن حال الصحابة كما نعلم لا سيما قبل الفتوح حال عسر لا يستطيعون أن يضعوا ستارة تحول بينهم وبين النساء.
وإذا خلصنا إلى هذا رأينا أيهما أبعد عن الفتنة أن توجد الستارة أو لا توجد؟
كلٌ يقول الأبعد عن الفتنة وجود الستارة، وإذا كان كذلك فكلما كان أبعد عن الفتنة فهو أولى وإذا قلت: لو أصررنا على هذا لتخلّف الذين يقولون بإزالتها،
(1) بتصرف من موقع شبهات وبيان.
فالجواب أنهم إذا تخلفوا فهم الذين جنوا على أنفسهم لأنهم لا يعذرون بترك الجماعة لوجود هذه الستارة إذ أن وجودها ليس معصية حتى يقولوا أننا لن نحضر لنشاهد المعصية فيكونون إذا تخلفوا آثمين بتركهم الجماعة». انتهى (1).
تنبيه:
قال الإمام أحمد في مسنده: حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ، حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ النُّكْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَتِ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ تُصَلِّى خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ فَكَانَ بَعْضُ الْقَوْمِ يَسْتَقْدِمُ فِى الصَّفِّ الأَوَّلِ؛ لِئَلَاّ يَرَاهَا، وَيَسْتَأْخِرُ بَعْضُهُمْ؛ حَتَّى يَكُونَ فِى الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ، فَإِذَا رَكَعَ نَظَرَ مِنْ تَحْتِ إِبْطَيْهِ فَأَنْزَلَ اللهُ فِى شَأْنِهَا:{وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24)} (الحجر: 24).
ورواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وابن خزيمة، وأبو داود الطيالسي في (مسنده)، والبيهقي في (سننه).
قال الشيخ شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند: «إسناده ضعيف ومتنه منكر. عمرو بن مالك النكري لا يُؤْثَر توثيقه عن غير ابن حبان ذكره في (الثقات)، وقال: «يخطئ ويُغْرِب» .وقال الحافظ في التقريب: «صدوق له أوهام» .
وأخطأ الذهبي في الميزان والضعفاء فوثقه مع أنه ذكره في الكاشف ولم يوثقه، وإنما اقتصر على قوله:«وُثِّقَ» ، وهو يطلق هذه اللفظة على من انفرد ابن حبان بتوثيقه
…
وذكره ابن كثير في (تفسيره 4/ 450) من تفسير الطبري بإسناده، ثم نسبه لأحمد وابن أبي حاتم والترمذي والنسائي في التفسير من سننيهما وابن ماجه، وقال: «حديث
(1) فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد، (سؤال رقم 4019).
غريب جدًا، وفيه نكارة شديدة»، ثم رجح أن يكون من كلام أبي الجوزاء.
تنبيه: قد سبق لنا (أي الشيخ شعيب) أن حسَّنَّا إسناد هذا الحديث في تعليقنا على (صحيح ابن حبان)، وقد تبين لنا هنا أنه ضعيف لا يستحق التحسين، فاقتضى التنبيه، والله وليّ التوفيق» (1). اهـ كلام الشيخ شعيب.
وقد أعَلّ الترمذي الحديث بالإرسال، وتابعه ابن كثير.
ولكن صححه الشيخ الألباني وقال: «هذا الإعلال ليس بشيء عندي وذلك من وجوه
…
» فذكرها، ثم قال:«وأما النكارة الشديدة التي زعمها ابن كثير رحمه الله، فالظاهر أنه يعني أنه من غير المعقول أن يتأخر أحد من المصلين إلى الصف الآخر لينظر إلى امرأة! وجوابنا عليه أنهم قد قالوا: «إذا ورد الأثر بطل النظر» ، فبعد ثبوت الحديث لا مجال لاستنكار ما تضمنه من الواقع. ولو أننا فتحنا باب الاستنكار لمجرد الاستبعاد العقلي للزم إنكار كثير من الأحاديث الصحيحة، وهذا ليس من شأن أهل السنة والحديث، بل هو من دأب المعتزلة وأهل الأهواء.
ثم ما المانع أن يكون أولئك الناس المستأخرون من المنافقين الذين يُظهرون الإيمان ويبطنون الكفر؟ بل وما المانع أن يكونوا من الذين دخلوا في الإسلام حديثًا، ولما يتهذبوا بتهذيب الإسلام، ولا تأدبوا بأدبه؟» (2).انتهى كلام الشيخ الألباني رحمه الله.
ومن الملاحظ أن مدار الحديث على عمرو بن مالك النكري والشيخ الألباني رحمه الله قال في تخريجه لهذا الحديث في السلسلة الصحيحة: «وهو ثقة» ، رغم أنه ضعفه في
(1) مسند أحمد، طبعة مؤسسة الرسالة (5/ 6 - 7).
(2)
السلسلة الصحيحة (5/ 608، برقم 2472).
مواضع أخرى من كتبه، حيث قال عنه في (السلسلة الصحيحة رقم 1140):«عمرو بن مالك صدوق له أوهام» .وقال في نفس السلسلة (رقم 1338): «عمرو بن مالك النكري المتكَلَّمُ فيه» .
وقال عنه في (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (رقم 2429) عند تخريجه لحديث: «إن الله قال: أنا خلقت الخير والشر، فطوبى لمن قدرت على يده الخير، وويل لمن قدرت على يده الشر» . «ضعيف جدًّا، رواه الطبراني عن أحمد بن سلم العميري: نا مالك بن يحيى بن عمرو النكري عن أبيه عن جده عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس مرفوعًا. قلت (أي الألباني): «وهذا إسناد ضعيف جدا مسلسل بالضعفاء:
أولا: عمرو بن مالك، قال الحافظ:«صدوق له أوهام» .... ».
وقال عنه في نفس السلسلة (رقم 94): «فإن عمرًا هذا لم يوثقه غير ابن حبان (7/ 228، 8/ 487)، وهو متساهل في التوثيق حتى أنه ليوثق المجهولين عند الأئمة النقاد كما سبق التنبيه على ذلك مرارًا، فالقلب لا يطمئن لما تفرد بتوثيقه، ولا سيما أنه قد قال هو نفسه في مالك هذا: «يعتبر حديثه من غير رواية ابنه يحيى عنه، يخطيء ويُغْرِب» ، فإذا كان من شأنه أن يخطيء ويأتي بالغرائب، فالأحرى به أن لا يُحْتَجّ بحديثه إلا إذا توبع عليه لكي نأمن خطأه، فأما إذا تفرد بالحديث كما هنا ـ فاللائق به الضعف».انتهى كلام الشيخ الألباني رحمه الله.
وعمرو هذا تفرد بالحديث الذي نحن بصدده ـ حديث المرأة الحسناء ـ فكان الأوْلى بالشيخ الألباني رحمه الله أن يضعِّفه بناءً على قواعده رحمه الله.
وإن صح هذا الحديث فليس فيه دليل لدعاة الاختلاط لما سبق بيانه من الفرق الشاسع بين واقع الاختلاط المعروف اليوم، وبين واقع صلاة النساء خلف الرجال في عهده صلى الله عليه وآله وسلم.
وأما كونها حسناء ـ على فرض صحة الحديث وقد تبين ما فيه ـ فقد يكون ذلك قبل فرض الحجاب.