الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة السابعة بعد المائة:
قالوا: لم يرد في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم تحريمُ الاختلاط؛ فليبق المحرم إذًا محصورًا في الخلوة
.
الجواب:
1 -
قد سبق ذِكْر كثير من الأدلة من الكتاب والسنة على تحريم الاختلاط.
2 -
على فرض أنه لم يرِدْ في القرآن ما يدل على تحريم الاختلاط فقد حرمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو مبلغ عن ربه، وما أشبه هذه الشبهة بما حدث مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فعَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:«لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ» ، فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ؛ فَجَاءَتْ فَقَالَتْ:«إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ» ، فَقَالَ:«وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَهُوَ فِي كِتَابِ اللهِ» .
فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: «لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ لَوْحَىِ الْمُصْحَفِ فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ» .
قَالَ: «لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ؛ أَمَا قَرَأْتِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1).
قَالَتْ: «بَلَى» .
قَالَ: «فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ» . (رواه البخاري ومسلم).
3 -
ليس كلُ ما لم يُنص على تحريمه صراحةً في الكتاب والسنة يكون مباحًا بإطلاق؛ لأن أدلة الأحكام لا تنحصر في الكتاب والسنة، فمن الأدلة التي تُستنبط بها الأحكام الشرعية القياس وسدُّ الذرائع، ولا يصح أن نقول إن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان إلاّ إذا أخذنا بحجية القياس؛ لأن الوحي قد انقطع والحوادث والأقضية تستجدّ.
(1) الحشر: 7.
ولو عرضتَ كتابَ الله آية آية، لما وجدت فيه نصًا صريحًا يحرم على الولد ضرب والديه، لكنك واجد فيه نهيًا صريحًا للولد أن يقولَ لهما أفٍ أو ينهرَهما، ومع ذلك فكل عاقل يفهم أساليب الخطاب وإيماءاتِه يدرك من النهي عن مجرّد التأفف للوالدين النهيَ عن كل ما هو أعظم منه من باب أولى.
وكم نص الشرع على حكم الأدنى ليدل على الأعلى من باب أولى، ولذا نقول: إن من غير المظنون بالشرع الحكيم أن ينهى عن خروج المرأة متعطرة ليجد الرجال من ريحها، ثم يأذن لها أن تخالطهم في العمل لتجر وراءها آثار الفتنة!
وإن من اتهام الشرع في حكمته أن نزعم أنه يُبيح صور الاختلاطِ كلَّها، حتى الاختلاط في العمل بحجة أنه لم ينصّ على تحريم ذلك، وهو الذي نهى المرأة عن مجرد ضربها برجليها، ليُعلم ما تخفي من زينتها!
كما أن سد الذرائع أصل أخذ به جمهور العلماء في كل ما غلبت فيه المفسدة على المصلحة، وإنما اختلفوا في بعض فروع ذلك؛ لاختلافهم في تقدير المفسدة والمصلحة، وهل ينازع عاقل في أن الاختلاط المنتظم المتكرر بين الموظفين والموظفات يفضي إلى كثير من المفاسد؟!
ولو كان الشأنُ ألاّ نحرِّم إلاّ ما حُرّم بنص صريح، وألاّ نوجب إلاّ ما وجب بنصٍّ صريح يفهمه كل أحد لما كان لنا من حاجة أن نسأل العلماء عن أحكام ديننا، فلما أن أمرنا الله بسؤالهم دلّ ذلك على أن من الأحكام الشرعية ما لا يستنبطه إلاّ العلماء العارفون بدلالات الألفاظ وفحوى الخطاب وطرق القياس (1).
(1) الواقعية في الاختلاط، سامي الماجد، موقع شبهات وبيان.
قال تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} (النور:31).
قال الشيخ السعدي: «أي: لا يضربن الأرض بأرجلهن، ليصَوِّتَ ما عليهن من حلي، كخلاخل وغيرها، فتعلم زينتها بسببه، فيكون وسيلة إلى الفتنة.
ويؤخذ من هذا ونحوه، قاعدة سد الوسائل، وأن الأمر إذا كان مباحا، ولكنه يفضي إلى محرم، أو يخاف من وقوعه، فإنه يمنع منه، فالضرب بالرجل في الأرض، الأصل أنه مباح، ولكن لما كان وسيلة لعلم الزينة، منع منه».اهـ.
فالنهي عن الضرب بالرجل ذريعة إلى لفت انتباه الرجال إلى النساء، أليس هذا آكد في أن النساء يبتعدن عنهم ولا يختلطن بهم؛ لأن مفسدة الاختلاط أعظم من مفسدة ضرب المرأة برجلها (1).
(1) الاختلاط أصل الشر في دمار الأمم والأسر، لمحمد بن عبد الله الإمام (ص114).
الشبهة الثامنة بعد المائة: (1)
الاختلاط المحرم إنما يكون في حال الافتتان، وتزاحم الأجساد وتلاصقها.
الجواب:
1 -
ما دليل هذا الاستثناء؟ ومن الذي لا يخاف على نفسه الفتنة؟!! وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» (رواه البخاري ومسلم).
2 -
كان علماء الإسلام على مر العصور يمنعون من اختلاط الرجال بالنساء حتى في أبعد الأماكن عن الفتنة ـ مساجد الله عز وجل ، وترى فقههم فيها بوضوح تام (2).
ثم دارت من بعد ذلك على المسلمين الدوائر ، وتسلط الكافر الغربي ، وضرب الاستعمار بلدان المسلمين ، فضعف حال الأمة ، ولم تعد قادرة على المواجهة ، وبدأت سلسلة متتابعة من الاستسلام للضغوط ، نسأل الله أن يخلص المسلمين منها ويثبتهم على دينهم.
وكان مما استسلم فيه للضغوط مسألة حكم الاختلاط ، فما كان محرمًا بالأمس ومشدَّدًا على المنع منه في أفضل البقاع عند الله ، أصبح اليوم حلالًا إلا قليلًا.
فقصروا الاختلاط المحرم في أعظم ما يمكن للمرء تصوره من علاقة الرجال بالنساء الأجانب في الأماكن العامة ألا وهو ملاصقة الأجساد ، ولعمر الله ما بقي من انكارهم لهذه الصورة ـ تلاصق الرجال بالنساء ـ إلا انكار الفواحش.
فهل يشك عاقل في حرمة ذلك؟؟! وهل نحن بحاجة إلى من يعلمنا بأن هذا حرام ويفتي لنا بحكمه؟؟!
(1) الجواب عن شبهة: الاختلاط المحرم هو ما يكون عند تزاحم الأجساد وتلاصقها، إعداد: منتديات شبهات وبيان، الواقعية في الاختلاط سامي الماجد، موقع شبهات وبيان (بتصرف).
(2)
انظر ص 100 من هذا الكتاب.
وهذه الصورة إنما تمثل الصورة القصوى من اختلاط الرجال بالنساء ، ولكن أين بقية الصور الأخرى من صور الاختلاط المحرم؟؟!
ولبيان قصور هذه الرؤية يقال:
إن الله أنعم على الإنسان ووهبه منافذ تمكنه من الاتصال والتواصل مع من حوله ، فخلق الله له السمع والبصر والحواس ، ولما علم الله عز وجل عظيم فتنة الرجال بالنساء حال بينهما عن طريق سد هذه المنافذ وأحكم إغلاقها.
فأما السمع ففي قوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} (النور:31)، وقوله تعالى:{فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} (الأحزاب: 32).
وأما البصر ، ففي قوله تعالى:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} (النور: 30 - 31 ِ) وغيرها من الآيات الكثيرة.
والسؤال هنا: كيف يمكن غض البصر عند إباحة الاختلاط؟!
ثم إن سلمنا جدلًا بأن الاختلاط الممنوع هو تلاصق الأجساد ، فلماذا إذنْ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» (رواه مسلم).
أليس الأول والأخير من الصفوف كلاهما لا يوجد فيه التصاق بالأجساد؟؟!
فالقول بأن الممنوع هو ملاصقة الأجساد يعني تساوي الفضل بين الصفوف الأولى والأخيرة إذا كان لايترتب عليها تلاصق بالأجساد.
ثم إنه ليس من الواقعية والحكمة أن نحرم اللمس ثم نفتح المجال للقاء والتقارب ، فيعيش الناس في حال لا يعلمها إلا الله ، لأنه بقيَتْ منافذ أخرى السمع
والبصر لم تتخذ فيها إجراءات تحد من تطلعها واطلاعها، ولهذا فقد كانت أحكام الإسلام تتشوف إلى كل ما يباعد الرجال عن النساء.
إن النظرة الواقعية تقول: قَلَّ من الشباب من يتقي ويصبر إذا أحاطت به المغريات من كل جانب.
والنظرة الواقعية تقول: إذا اختلط الرجال والنساء ثارت بينهم عقابيل الفتنة، ونشأت فيهم العلاقات المحرمة والصداقات الحميمية التي تجعل الصديق كالزوج في أخص خصائصه.
والنظرة الواقعية تملي عليه أن ينظر في تجارب الآخرين، فما زالت أكثر الدول تطورًا وأحكمها نظامًا وأصرمها قانونًا تعاني من مشكلات التحرش الجنسي، وهي تزداد في كل سنة بنسبة مضاعفة.
والنظرة الواقعية تقول: إن النساء يبدأن في التساهل في أمر الحجاب تدريجيًا في أماكن الاختلاط ، ومن طبيعتهن حب التجمل والتزين.
والنظرة الواقعية تقول: إن الاختلاط سبب من أسباب نزع الحياء عند الرجال والنساء على حد سواء؛ إذ تزول الكلفة بين الرجال والنساء ويتحدثون فيما بينهم حديث المحارم مع بعضهم.
والنظرة الواقعية ، تقول: إن من أعظم أسباب خيانة الأزواج لأزواجهم هو الاختلاط ، فينشأ من ذلك تفكك الأسر بعد تماسكها، وتزرع في الحياة الزوجية الشكوك ، وبالتالي يؤول الأمر إلى تفكك المجتمع وسقوطه.
والنظرة الواقعية تقول: بأن الاختلاط سبب لفساد الأخلاق وإماتة الضمائر، وقتل الغيرة لدى الناس.
وبذلك يتضح بما لايدع مجالًا للشك أن حصر الاختلاط الممنوع بتزاحم الأجساد وتلاصقها فقط، غير صحيح.