الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة العشرون بعد المائة:
مبايعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم للنساء:
الجواب:
1 -
بيعة النساء أشار إليها القرآن الكريم بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (الممتحنة: 12).
ومضمون هذه البيعة يدور حول التزام النسوة بالطاعة، والمعروف، واجتناب المنكرات والمعاصي، وليس في بنود البيعة شيءٌ من مقتضى الولاية العامة، فقد روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يُبَايِعُ النِّسَاءَ بِالْكَلَامِ بِهَذِهِ الْآيَةِ {لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا}، قَالَتْ: «وَمَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَدَ امْرَأَةٍ إِلَّا امْرَأَةً يَمْلِكُهَا» .
وروى مسلم عنها رضي الله عنها أَنَّها قَالَتْ: «كَانَتْ الْمُؤْمِنَاتُ إِذَا هَاجَرْنَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يُمْتَحَنَّ بِقَوْلِ اللهِ عز وجل: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: «فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِحْنَةِ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم إِذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِنَّ قَالَ لَهُنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «انْطَلِقْنَ فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ» ، وَلَا وَاللهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ غَيْرَ أَنَّهُ يُبَايِعُهُنَّ بِالْكَلَامِ.
وقد سبق نقل فتوى الشيخ عطية صقر رحمه الله عن (المرأة والانتخاب) وجاء فيها أن لجنة الفتوى بالأزهر قررت عام 1952م أن مبايعة النساء للنبى صلى الله عليه وآله وسلم لا تُثْبِت زعامة ولا رياسة ولا حكمًا للرسول، بل هى مبايعة على الالتزام بأوامر الدين» (1).
2 -
تميزت بيعة الرجال عن بيعة النساء بالمعاقدة على الجهاد، وعدم منازعة الأمر أهله؛ فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ:«بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِى الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَعَلَى أَنْ لَا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِى اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ» (رواه البخاري ومسلم).
3 -
إن من مراعاة التشريع للمنع في الاختلاط في المبايعة، جَعْلُ محلٍ خاص بهن، بعيدٍ عن الرجال، أتاهن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه، ولم تقل إحداهن لماذا لم تأخذ علينا البيعة مع الرجال! بل خرجن فاجتمعن مع بنات جنسهن لهذه الحاجة الدينية، ملتزمات بالضوابط الشرعية، فأخذ عليهن النبي صلى الله عليه وآله وسلم البيعة وعَلَّمهن وما مست يده يد امرأة قط، فعن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:«وَاللهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ، وَمَا بَايَعَهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ» . (رواه البخاري ومسلم).
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ لَا يُصَافِحُ النِّسَاءَ فِي الْبَيْعَةِ» (رواه الإمام أحمد، وحسنه الألباني وصححه الأرنؤوط).
4 -
ما يُروى في صفة ذلك من نحو مصافحة عمر رضي الله عنه لهن نيابة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضع يده في إناء فيه ماء، أو جاء بحائل فهذا ونحوه لم يثبت بنقل صحيح، فلا يعارض به ما ثبت (2).
(1) انظر (ص 634 من هذا الكتاب).
(2)
انظر: السلسلة الصحيحة (رقم 529)، (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره)، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق، (ص 23).
5 -
ما حصل من مشاركة بعض النساء في بيعة العقبة ـ إن صح ـ فتلك البيعة في حقيقتها معاقدة على حماية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لإبلاغ الدعوة فهو عبارة عن عهد جوار وأمان، والمرأة من أهل إعطاء الأمان، وإجارة المستجير من خلال الروابط المختلفة؛ وطبقا لهذا جاءت القاعدة المقررة بشأن وحدة المسلمين وأمانهم.
6 -
هل شاركت النساء في بيعة العقبة؟
روى الإمام أحمد عن كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أن من شهدوا بيعة العقبة سَبْعُونَ رَجُلًا، وَامْرَأَتَانِ مِنْ نِسَائِهِمْ نَسِيبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ أُمُّ عُمَارَةَ إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي سَلِمَةَ، وَهِيَ أُمُّ مَنِيعٍ» (وصححه الألباني، وقال الأرنؤوط: إسناده حسن).
ولم أجد رواية واحدة تصرح بمبايعتهما، بل كل الروايات الصحيحة التي وجدتُها تقتصر على شهودهما العقبة، والشهود غير المبايعة، ولذلك قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:«فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا وَامْرَأَتَانِ مِنْهُمْ، يَزْعُمُونَ أَنّهُمَا قَدْ بَايَعَتَا» (1).
قال الحافظ ابن حجر في ترجمة أم منيع من (الإصابة في تمييز الصحابة): «وقد أخرج ابن سعدٍ عن الواقدي بسندٍ له إلى أم عمارة قالت: كان الرجال تصفق على يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة بيعة العقبة والعباس آخذٌ بيده فلما بقيت أنا وأم منيع نادى زوجي غزية بن عمرو: «يا رسول الله هاتان امرأتان حضرتا معنا يبايعانك» . فقال: «قد بايعتكما أني لا أصافح النساء» (2).
(1) سيرة ابن هشام (1/ 466).
(2)
الإصابة (4/ 125).
ومن أن المعروف الواقدي كذاب، فلا يصح هذا الأثر.
ومما يرجح عدم مبايعة النساء ليلة العقبة ما رواه جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم لَبِثَ عَشْرَ سِنِينَ يَتَّبِعُ الْحَاجَّ فِي مَنَازِلِهِمْ فِي الْمَوْسِمِ وَبِمَجَنَّةٍ وَبِعُكَاظٍ، وَبِمَنَازِلِهِمْ بِمِنًى يَقُولُ:«مَنْ يُؤْوِينِي، مَنْ يَنْصُرُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَاتِ رَبِّي وَلَهُ الْجَنَّةُ؟» ، فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَنْصُرُهُ وَيُؤْوِيهِ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ يَرْحَلُ مِنْ مُضَرَ، أَوْ مِنَ الْيَمَنِ، إِلَى ذِي رَحِمِهِ، فَيَأْتِيهِ قَوْمُهُ، فَيَقُولُونَ:«احْذَرْ غُلَامَ قُرَيْشٍ لَا يَفْتِنُكَ» ، وَيَمْشِي بَيْنَ رِحَالِهِمْ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ عز وجل يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ.
حَتَّى بَعَثَنَا اللهُ عز وجل لَهُ مِنْ يَثْرِبَ، فَيَأْتِيهِ الرَّجُلُ فَيُؤْمِنُ بِهِ، فَيُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ، فَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ، فَيُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهِ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ يَثْرِبَ إِلَّا فِيهَا رَهْطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ، ثُمَّ بَعَثَنَا اللهُ عز وجل فَأْتَمَرْنَا، وَاجْتَمَعْنَا سَبْعُونَ رَجُلًا مِنَّا، فَقُلْنَا: حَتَّى مَتَى نَذَرُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يُطْرَدُ فِي جِبَالِ مَكَّةَ، وَيَخَافُ، فَرَحَلْنَا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَيْهِ فِي الْمَوْسِمِ، فَوَاعَدْنَاهُ شِعْبَ الْعَقَبَةِ.
فَقَالَ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ: «يَا ابْنَ أَخِي، إِنِّي لَا أَدْرِي مَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الَّذِينَ جَاءُوكَ؟ إِنِّي ذُو مَعْرِفَةٍ بِأَهْلِ يَثْرِبَ» ، فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَهُ مِنْ رَجُلٍ وَرَجُلَيْنِ، فَلَمَّا نَظَرَ الْعَبَّاسُ فِي وُجُوهِنَا، قَالَ:«هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا أَعْرِفُهُمْ، هَؤُلَاءِ أَحْدَاثٌ» ، فَقُلْنَا:«يَا رَسُولَ اللهِ، عَلَامَ نُبَايِعُكَ؟» .
فَقُمْنَا نُبَايِعُهُ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَهُوَ أَصْغَرُ السَّبْعِينَ، فَقَالَ:«رُوَيْدًا يَا أَهْلَ يَثْرِبَ، إِنَّا لَمْ نَضْرِبْ إِلَيْهِ أَكْبَادَ الْمَطِيِّ إِلَّا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، إِنَّ إِخْرَاجَهُ الْيَوْمَ مُفَارَقَةُ الْعَرَبِ كَافَّةً، وَقَتْلُ خِيَارِكُمْ، وَأَنْ تَعَضَّكُمُ السُّيُوفُ، فَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَصْبِرُونَ عَلَى السُّيُوفِ إِذَا مَسَّتْكُمْ، وَعَلَى قَتْلِ خِيَارِكُمْ، وَعَلَى مُفَارَقَةِ الْعَرَبِ كَافَّةً، فَخُذُوهُ وَأَجْرُكُمْ عَلَى اللهِ، وَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَخَافُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خِيفَةً فَذَرُوهُ، فَهُوَ أَعْذَرُ عِنْدَ اللهِ» .
فلم يذكر جابر رضي الله عنه شيئًا عن مبايعة النساء، بل ذكر أنهم قاموا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبايعوه رجلًا رجلًا.
(1) رواه الحاكم في المستدرك، وقال:«هذا حديث صحيح الإسناد جامع لبيعة العقبة ولم يخرجاه» ، وقال الذهبي في التلخيص:«صحيح» .
ورواه الإمام أحمد في المسند، وقال الأرنؤوط: «حديث صحيح،
…
قوله: (بشُرْطة العباس) يعني المواثيق التي أخذها العباس عليهم بالوفاء لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».