الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الثانية والعشرون:
سلمان مع أبي الدرداء، وإقرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم
-:
قالوا: هذا سلمان يرى زوجة أبي الدرداء مُتَبَذِّلَةً بثوب المهنة وتحدث معها بلا حجاب في غياب زوجها.
عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً فَقَالَ:«لَهَا مَا شَأْنُكِ؟» .
قَالَتْ: «أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا» .
فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فَقَالَ: «كُلْ» ، قَالَ:«فَإِنِّي صَائِمٌ» ، قَالَ:«مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ» ، قَالَ: فَأَكَلَ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ قَالَ: «نَمْ» ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ:«نَمْ» ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ:«قُمْ الْآنَ» ، فَصَلَّيَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ:«إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا؛ فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم:«صَدَقَ سَلْمَانُ» (رواه البخاري)(1).
الجواب:
هذا قبل نزول آية الحجاب (2).
(1) قَوْله (فَزَارَ سَلْمَان أَبَا الدَّرْدَاء) يَعْنِي فِي عَهْد النَّبِيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فَوَجَدَ أَبَا الدَّرْدَاء غَائِبًا.
قَوْله (مُتَبَذِّلَةً) أَيْ لَابِسَة ثِيَاب الْبِذْلَة، وَهِيَ الْمِهْنَة، وَالْمُرَاد أَنَّهَا تَارِكَة لِلُبْسِ ثِيَاب الزِّينَة.
قَوْله (فَقَالَ لَهُ كُلْ، قَالَ فَإِنِّي صَائِم) الْحَاصِلُ أَنَّ سَلْمَان ـ وَهُوَ الضَّيْفُ ـ أَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْ طَعَام أَبِي الدَّرْدَاء حَتَّى يَأْكُلَ مَعَهُ، وَغَرَضُهُ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنْ رَأْيه فِيمَا يَصْنَعُهُ مِنْ جَهْدِ نَفْسه فِي الْعِبَادَة وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا شَكَتْهُ إِلَيْهِ اِمْرَأَته.
قَوْله (فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل) أَيْ فِي أَوَّله. قَوْله (فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ اللَّيْل) أَيْ عِنْد السَّحَر. (باختصار من فتح الباري).
(2)
انظر فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد، (سؤال رقم 6913).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «آخى بين سلمان وأبي الدرداء رضي الله عنهما: أي عقد بينهما عقد أخوة، وذلك أن المهاجرين حين قدموا المدينة آخى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينهم وبين الأنصار، الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم، فكان المهاجرون في هذا العقد للأنصار بمنزلة الأخوة، حتى إنهم كانوا يتوارثون بهذا العقد، حتى أنزل الله عز وجل:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} (الأنفال:75)(3).
مما سبق يتضح أن ما حدث بين سلمان وأم الدرداء رضي الله عنهما كان حين قدوم المهاجرين المدينة، وقبل نزول آية الحجاب؛ فنسخت آية الحجاب وأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم المحكمة مثل هذا الاختلاط، كما نُسخ التوارث بين من آخي بينهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بآيات المواريث.
فالعجب كل العجب ممن يترك المحكم ويتمسك بالمتشابه.
(1) أي من صحيح البخاري.
(2)
فتح الباري (4/ 209).
(3)
شرح رياض الصالحين للعثيمين (1/ 567، ح 149).