المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

"قال: لن تقرأ شيئًا أبلغَ"؛ أي: أتمَّ في التعوُّذ "عند - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ٣

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌8 - كِتَابُ فَضَائِل القُرْآنِ

- ‌فصل

- ‌ فصلً

- ‌9 - كِتابُ الدَّعَوَاتِ

- ‌2 - باب ذِكْرِ الله عز وجل والتَّقرُبِ إليهِ

- ‌3 - باب أَسْماءِ الله تعالى

- ‌4 - باب ثَواب التَّسبيح والتَّحميد والتَّهليل

- ‌5 - باب الاستِغفار والتَّوبة

- ‌فصل

- ‌6 - باب ما يقُول عند المصَّباح والمَسَاء والمَنام

- ‌7 - باب الدَّعَواتِ في الأَوْقاتِ

- ‌8 - باب الاستِعاذَة

- ‌9 - باب جامع الدعاء

- ‌10 - كِتَابُ الحَجِّ

- ‌1 - باب المَناسِك

- ‌2 - باب الإِحْرام والتَّلْبية

- ‌3 - قِصَّةُ حجة الوداع

- ‌4 - باب دُخُول مَكَّةَ والطواف

- ‌5 - باب الوُقوف بِعَرَفة

- ‌6 - باب الدفْع من عَرَفَةَ والمُزْدَلِفَة

- ‌7 - باب رَمْيِ الجِمَار

- ‌8 - باب الهَدْي

- ‌9 - باب الخلق

- ‌فصل

- ‌10 - باب الخُطْبة يومَ النحر ورَمْي أيام التشريق والتوديع

- ‌11 - باب ما يجتنبه المحرم

- ‌12 - باب المحرِم يَجتنِب الصيد

- ‌13 - باب الإِحْصَار وفَوْت الحَجّ

- ‌14 - باب حرَم مكةَ حرَسَها الله

- ‌15 - باب حرَم المَدينة على ساكنها الصلاةُ والسلام

- ‌11 - كِتَابُ البُيُوعِ

- ‌1 - باب الكَسْب وطلَب الحلال

- ‌2 - باب المُساهلةِ في المُعاملة

- ‌3 - باب الخِيَارِ

- ‌4 - باب الرِّبا

- ‌5 - باب المنهي عنها من البيوع

- ‌فصل

- ‌6 - باب السَّلَمِ والرَّهنِ

- ‌7 - باب الاحتِكارِ

- ‌8 - باب الإفلاسِ والإنظارِ

- ‌9 - باب الشَّركة والوَكالةَ

- ‌10 - باب الغَصْبِ والعاريَةِ

- ‌11 - باب الشُّفْعَةِ

- ‌12 - باب المُساقاةِ والمُزارعةِ

- ‌13 - باب الإجارةِ

- ‌14 - باب إحياء المَوَاتِ والشِّرْبِ

- ‌15 - باب العطايا

- ‌فصل

- ‌16 - باب اللُّقَطَة

- ‌17 - باب الفرائضِ

- ‌18 - باب الوصايا

- ‌12 - كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌2 - باب النَّظَرِ إلى المَخطوبة وبيانِ العَورات

- ‌3 - باب الوليِّ في النِّكاح واستِئذانِ المَرأةِ

- ‌4 - باب إعلانِ النكاحِ والخِطبةِ والشَّرطِ

- ‌5 - باب المُحرَّماتِ

- ‌6 - باب المُباشَرةِ

- ‌فصل

- ‌7 - باب الصَّداق

- ‌8 - باب الوَليمةِ

- ‌9 - باب القَسْمِ

الفصل: "قال: لن تقرأ شيئًا أبلغَ"؛ أي: أتمَّ في التعوُّذ "عند

"قال: لن تقرأ شيئًا أبلغَ"؛ أي: أتمَّ في التعوُّذ "عند الله من {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ، والمراد: التحريضُ على التعوُّذ بهاتَين السورتَين.

* * *

‌فصل

(فصل)

مِنَ الصِّحَاحِ:

1564 -

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَعَاهَدُوا القُرآنَ، فَوَالذي نفسي بيدِهِ لهَو أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنَ الإِبلِ في عُقُلِها".

"من الصحاح":

" عن أبي موسى أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعاهَدُوا القرآنَ"؛ أي: تحفَّظوا به وواظبوا على تلاوته.

"فوالذي نفسي بيده! لَهو أشدُّ تَفَصِّيًا"؛ أي: ذهابًا وانفلاتًا "من الإبل في عُقُلِها" بضم العين والقاف: جمع عِقَال - بالكسر (1) -، وهو الحبل الذي يُشدُّ به ذراعُ البعير.

* * *

1565 -

وقال: "اسْتَذْكِرُوا القُرآنَ، فإنَّهُ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجالِ مِنَ النَّعَم مِنْ عُقُلِها".

(1) في جميع النسخ: "بالضم".

ص: 47

"وعن عبد الله بن مسعود أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استَذْكِرُوا القرآنَ"؛ أي: اطلبوا من أنفسكم مذاكرتَه والمحافظةَ على قراءته.

"فإنه أشدُّ تفصِّيًا من صدور الرجال": متعلقًا بـ (تفصيًا).

"مِنَ النَّعَم" بفتح النون: واحد الأنعام، وهي المال الراعية، وأكثر استعماله في الإبل، وهو متعلق بـ (أشد)؛ أي: أشدُّ من تفصِّي النَّعَم المتعلقة، وتخصيص الرجال بالذِّكر؛ لأن حفظَ القرآن من شأنهم.

* * *

1566 -

وقال: "مَثَلُ صاحبِ القُرآنِ كمثَلِ صاحِبِ الإِبلِ المُعَقَّلَةِ، إنْ عاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَها، وإنْ أَطْلَقَها ذَهَبَتْ".

"وعن ابن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَثَلُ صاحبِ القرآن كمَثَلِ صاحب الإبل المعقلَّة"؛ أي: المشدودة بالعِقَال.

"إن عاهَدَ عليها"؛ أي: داوَمَ على حفظ تلك الإبل.

"أَمسكَها، وإن أَطلقَها"؛ أي: أَرسلَها وحلَّها "ذهبتْ"، فكذلك القرآن؛ إن لم يتعاهد عليه يفرُّ من صدره وينساه.

* * *

1567 -

وقال: "اقرَؤُوا القُرآنَ ما ائْتَلفتْ عليهِ قُلُوبُكُمْ، فإذا اخْتَلَفْتُمْ فقومُوا عنهُ".

"وعن جُندب بن عبد الله أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا القرآنَ ما ائتلفتْ عليه قلوبُكم"؛ أي: ما دام لكم حضورٌ ونشاطٌ بقراءته، وخواطرُكم مجموعةٌ.

ص: 48

"فإذا اختلفتم"؛ أي: تفرَّقت قلوبُكم وسئُمتم من القرآن.

"فقوموا عنه"؛ أي: اتركوا قراءتَه؛ فإنه أعظمُ من أن يقرأَه أحدٌ من غير حضور القلب، أو المراد: اقرؤوا ما دمتم متفقين على تصحيح قراءته وأسرار معانيه، فإذا اختلفتم في ذلك فاتركوه؛ لأن الاختلافَ يُفضي إلى الجدال، والجدال إلى الجُحود وتلبيس الحق بالباطل، أعاذنا الله من ذلك بفضله.

* * *

1568 -

وسُئلَ أنسٌ رضي الله عنه: كيفَ كانتْ قِراءَةُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؟، فقال: كانَتْ مَدًّا، ثم قرأ:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، يمدُّ بـ {بِسْمِ اللَّهِ} ، ويَمُدُّ بـ {الرَّحْمَنِ} ، ويمُدُّ بـ {الرَّحِيمِ} .

"وسئل أنس: كيف كانت قراءةُ النبي عليه الصلاة والسلام؟ فقال: كانت" قراءتُه "مَدًّا"؛ أي: ذاتَ مَدٍّ؛ أي: كان صلى الله عليه وسلم يمدُّ حرفَ المَدِّ واللِّين، وحروفُ المَدِّ ثلاثةٌ: الألف، والواو الساكنة التي قبلها ضمة، والياء الساكنة التي قبلها كسرة، فإذا كان في الكلام أحدُ هذه الحروف وبعدها همزةٌ كقوله تعالى:{قُولُوا آمَنَّا} [البقرة: 136]، أو حرفٌ مشدَّةٌ كقوله تعالى:{أَتُحَاجُّونِّي} [الأنعام: 80]، أو ساكنٌ كقوله - تعالى:{ص} [ص: 1]- يمدُّ ذلك الحرف.

وفي قَدْره اختلاف؛ فبعضُهم يمدُّ بقَدْر الأَلِف، وبعضُهم بقَدْر الأَلِفَين، وبعضُهم بأربع، وبعضهم بخمس.

"ثم قرأ"؛ أي: أنسٌ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، يمدُّ {بِسْمِ اللَّهِ} ، ويمدُّ بـ {الرَّحْمَنِ} ، ويمدُّ بـ {الرَّحِيمِ} "؛ ليَعلَمَ الحاضرون كيفيةَ قراءته صلى الله عليه وسلم، فمَدُّ البسملةِ لم يكن إلا بقَدْر خروج المَدِّ من الفم؛ لأنه ليس بعد الألف همزةٌ ولا تشديدٌ ولا ساكنٌ.

ص: 49

و {الرَّحِيمِ} يُمَدُّ عند الوقف بقَدْر أَلِفَين، وفي الوصل بقَدْر خروج الياء من الفم.

* * *

1569 -

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أَذِنَ الله لِشيءٍ ما أَذِنَ لنبيٍّ يتغنَّى بالقُرآنِ".

"وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أَذِنَ الله لشيءٍ"، (ما) هذه: نافية، "ما أَذِنَ لنبيٍّ":(ما) هذه: مصدرية؛ أي: ما استَمعَ إلى شيءٍ كاستماعه إلى صوت نبيٍّ، والمراد بهذا الاستماع: إجزال ثوابه والاعتداد به.

"يتغنَّى بالقرآن": مصدر بمعنى القراءة، أو المقروء، والمراد به: الكتب المُنزلة، والمراد من تغنِّيه: الإفصاح بألفاظه، وقيل: إعلانه، وقيل: معنى تغنِّيه: قراءته على خشيةٍ من الله ورقةٍ من فؤاده.

وقيل: كشفُ الغموم بِذكر كلام الربِّ، كما يتغنَّى المغموم بالشِّعر لطلب الفرجة.

وقيل: معناه: التطرُّب بتحسين صوته؛ لأن الغناءَ من علامات الطَّرَب، أباحه أبو حنيفة وجماعةٌ من السَّلَف، وكرهَه مالك، والشافعي في قولٍ.

* * *

1570 -

وقال: "ما أَذِنَ الله لِشيءٍ ما أذِنَ لنبيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ بالقُرآنِ يَجْهَرُ به".

"وعنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أَذِنَ الله لشيءٍ ما أَذِنَ لنبيٍّ حسنِ الصوتِ بالقرآن يَجْهَرُ به".

* * *

ص: 50

1571 -

وقال: "ليسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يتغَنَّ بالقُرآن".

"وعنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس مِنَّا"؛ أي: خُلقًا وسيرةَ "مَن لم يتغنَّ بالقرآن"؛ أي: مَن لم يستغنِ به عن غيره، وقيل: معناه: مَن لم ينفرج من غمومه بقراءة القرآن والتدبُّر فيه.

* * *

1572 -

وقال عبد الله بن مَسْعودٍ رضي الله عنه: قالَ لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهو على المِنْبَرِ: "اقْرَأْ عليَّ"، قلتُ: أَقْرَأُ عليكَ وعليكَ أنْزِلَ؟، قال:"إنِّي أُحِبُّ أنْ أسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي"، فقرأْتُ سورةَ النِّساءِ حتَّى أتيتُ إلى هذه الآية:{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} قال: "حَسْبُكَ الآن"، فالتفتُّ إليه، فإذا عَيْنَاهُ تَذْرِقانِ.

"وقال عبد الله بن مسعود: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: اقرأ عليَّ"؛ أي: اقرأ حتى أستمعَ إليك.

"قلت: أَقرأُ عليك وعليك أُنزل؟ "؛ أي: القرآن.

"قال: فإني أُحبُّ أن أَسمعَه من غيري": وهذا دليل على أن استماعَ القرآنِ سُنَّةٌ.

"فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية: {فَكَيْفَ} "؛ أي: كيف يصنع الكَفَرةُ من اليهود وغيرهم {إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ} يَشهَد عليهم بما فعلوا، وهو نبيُّهم.

{وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ} المكذِّبين {شَهِيدًا} ، قال: حَسْبُك الآنَ"؛ أي: لا تَقرَأْ شيئًا آخر؛ فإني مشغولٌ بالتفكُّر في هذه الآية بالبكاء.

ص: 51

"فالتفتُّ إليه، فإذا عيناه تَذرِفان"؛ أي: تَدْمَعانِ.

* * *

1573 -

وعن أنَسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأُبَيِّ بن كَعْبٍ: "إنَّ الله أَمَرَنِي أَنْ أقرأَ عليكَ القُرآنَ"، قال: الله سَمَّاني لكَ؟!، قال:"نَعَمْ"، قال: وقَدْ ذُكِرْتُ عندَ ربِّ العالَمِينَ؟!، قال:"نَعَمْ"، فذرفَتْ عَيْنَاهُ.

وفي روايةٍ: "أَمَرَنِي أنْ أقرأَ عليكَ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} .

"وعن أنس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأُبي بن كعب: إن الله أمرَني أن أقرأَ عليك القرآنَ"، والمراد من قراءته صلى الله عليه وسلم على أُبيٍّ: تعليم وإرشاد، وهو أول قُرَّاء الصحابة، وأشدُّهم استعدادًا لتلقُّف القرآن كتلقُّفه صلى الله عليه وسلم من أمين الوحي، فلذا خُصَّ بذلك، ومن هذا جَرَتِ السُّنَةُ بين القُرَّاء أن يَقرَأَ الأستاذُ لِيَسمعَ التلميذ، ثم يقرأَ التلميذ.

"قال"؛ أي: أُبيٌّ: "الله": بهمزتين، الأولى للاستفهام، قُلبت الثانية ألفًا، فصار (الله) بالمد، ويجوز الحذف للعِلم بها.

"سَمَّاني لك؟ قال: نعم، قال: وقد ذُكِرتُ عند ربِّ العالمين؟ قال: نعم، فذَرفتْ عيناه"؛ أي: سالَ منهما الدمعُ؛ ابتهاجًا وفرحًا من تسمية الله إياه بأمر القراءة، أو خوفًا من العجز عن شكر تلك النعمة.

"وفي رواية: أمرني أن أقرأَ عليك: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} "، قيل: تخصيص هذه السورة بالقراءة من بين السُّوَر؛ لأنها وجيزةٌ جامعةٌ بقواعدَ كثيرةٍ من أصول الدِّين وفروعه، والإخلاص وتطهير القلب، وكان الوقت يقتضي الاختصار.

ص: 52

وقيل: لأن فيها قصةَ أهل الكتاب، وأُبي كان من أحبار اليهود، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يُعلمَه حالهَم وخطابَ الله إياهم، فيتقرَّر إيمانُه بالله تعالى ونبوته صلى الله عليه وسلم أشدَّ.

* * *

1574 -

وقال ابن عُمر رضي الله عنهما: نَهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُسَافَرَ بالقُرآنِ إلى أرضِ العَدُوِّ.

وفي روايةٍ: قالَ: "لا تُسافِرُوا بالقُرآنِ، فإنِّي لا آمَنُ أَنْ ينالَهُ العَدُوُّ".

"وقال ابن عمر رضي الله عنهما: نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُسافَرَ بالقرآن إلى أرض العدو"، قيل: نهيُه صلى الله عليه وسلم عن ذلك لأجل أن جميعَ القرآن كان محفوظًا عند جميع الصحابة، فلو ذهبَ بعضٌ ممن عنده شيءٌ منه وماتَ لضاعَ ذلك القَدْرُ.

"وفي رواية: لا تُسافِرُوا بالقرآن"، والمراد به: المصحف.

"فإني لا آمَنُ أن ينالَه العدوُّ"، فيحقِّروه، أو يحرقوه، أو يلقوه في مكانٍ نَجِسٍ.

* * *

مِنَ الحِسَان:

1575 -

عن أبي سَعيد الخُدْريِّ رضي الله عنه قال: جلَستُ في عِصابةٍ من ضُعفاءِ المُهاجرينَ، وإنَّ بعضَهُمْ لَيَسْتَتِرُ ببعضٍ مِنَ العُرْيِ، وقارِيءٌ يَقْرأُ علينَا، إذْ جاءَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقامَ عَلَيْنَا، فلمَّا قامَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم سَكَتَ القارِئُ، فسلَّمَ، ثمَّ قال:"مَا كُنْتُم تَصْنَعُونَ؟ "، قُلنا: كُنَّا نستَمِعُ إلى كِتابِ الله، فقال:"الحمدُ لله الذي جعلَ مِنْ أُمَّتي مَنْ أُمِرْتُ أَنْ أَصْبرَ نفسِي مَعَهُمْ"، قال: فجلسَ وَسْطَنَا ليَعْدِلَ بنفسِهِ فينا، ثمَّ قال بيدِهِ هكذا، فتحلَّقُوا، وبرَزَتْ وُجُوهُهُمْ لهُ، فقال:

ص: 53

"أبْشِرُوا يا مَعْشَرَ صعَالِيكِ المُهاجِرينَ بالنُّورِ التَّامُ يومَ القِيامَةِ، تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قبلَ أَغْنِيَاءِ النَّاسِ بنصْفِ يومٍ، وذلكَ خمسُمائةِ سنَةٍ".

"من الحسان":

" عن أبي سعيد الخُدري أنه قال: جلست في عصابة"؛ أي: جماعة.

"من ضعفاء المهاجرين، وإن بعضَهم لَيستتر ببعض مِنَ العُري": هؤلاء هم أصحاب الصُّفَّة، مَن كان منهم ثوبُه أقلَّ مِن ثوبِ صاحبه كان يجلس خلفَ صاحبه يَستترُ به.

"وقارئٌ يقرأ علينا، إذ جاء رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقام علينا"؛ يعني: كنا غافلين عن مجيئه، فنظرنا فإذا هو قائمٌ فوقَ رؤوسنا.

"فلما قام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سَكَتَ القارئ، فسلَّم"؛ أي: رسولُ الله صلى الله عليه وسلم علينا.

"ثم قال: ما كنتُم تصنعون؟ قلنا: كنا نستمع إلى كتاب الله، فقال: الحمد لله الذي جَعَلَ مِن أمتي مَن أُمرت أن أَصبرَ نفسي معهم"؛ أي: جعلَ زمرةً فقراءَ مقرَّبين عند الله، بحيث أمرني الله تعالى بالصبر معهم بقوله:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الكهف: 28] الآية.

"قال"؛ أي: الراوي: "فجلس"؛ أي: النبيُّ عليه الصلاة والسلام "وسطَنا ليَعدِلَ بنفسه فينا"؛ أي: ليُسوِّيَ نفسَه، ويجعلَها عديلةً لنا في المجلس؛ تواضعًا منه صلى الله عليه وسلم لربِّه، ورغبة فيما نحن فيه.

"ثم قال بيده هكذا"؛ أي: أشارَ بها: أن اجلسوا حِلَقًا.

"فتحلَّقوا"؛ أي: جلسوا حوالَيه كالحلقة.

"وبرزتْ"؛ أي: ظَهرتْ "وجوهُهم له" بحيث يرى صلى الله عليه وسلم وجهَ كلِّ واحد منهم.

ص: 54

"فقال: أبشِرُوا"؛ أي: افرحوا.

"يا مَعشرَ صعاليك المهاجرين! " جمع: صُعلوك، وهو الفقير.

"بالنور التام يومَ القيامة"؛ وذلك لأن حظَّ الفقراء في القيامة أكثرُ من حظ الأغنياء؛ لأنهم وجدوا لذةً وراحةً في الدنيا.

"تدخلون الجنةَ قبل أغنياء الناس بنصف يوم، وذلك خمس مئة سنة"، وإنما دخلوا قبل الأغنياء؛ لأن الأغنياءَ وقفوا في العَرصات للحساب، ويُسألون عن جهة تحصيل الأموال وكيفية صرفها.

والمراد بـ (الفقراء): الصابرون الصالحون، وبـ (الأغنياء): الأغنياء الشاكرون المؤدُّون حقوقَ أموالهم.

* * *

1576 -

وقال: "زَينُوا القُرآنَ بأَصْوَاتِكُمْ".

"وعن البراء بن عازب أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: زَينوا القرآنَ بأصواتكم": حملَه كثير على القلب، فمعناه: زينوا أصواتَكم بالقرآن؛ فإن الأصواتَ وأصحابَ الأصوات يتزيَّنون بالقرآن.

* * *

1577 -

وقال: "مَا مِنْ امرِئٍ يقرأُ القُرْآنَ، ثُمَّ يَنْساهُ إلَاّ لقيَ الله يومَ القيامَةِ أَجْذَمَ".

"وعن سعد بن عبادة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما مِن امرئ يقرأ القرآنَ، ثم ينساه إلا لقيَ الله يومَ القيامة أَجْذَمَ"؛ أي: ليس له يدٌ.

وقيل: أي: مُبتلًى بالجُذام، وقيل: أي: مقطوع الحُجة لا حُجةَ له

ص: 55

ولا عذرَ في نسيان القرآن؛ أي: ينتكس رأسُه بين يدي الله تعالى حياءَ وخجالةٌ من نسيان كلامِه الكريم.

وقيل: معناه: لقيَ الله ويدُه خاليةٌ عن الخير.

* * *

1578 -

عن عبد الله بن عَمْرٍو: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "لَمْ يَفْقَهْ مَنْ قَرَأَ القُرآنَ في أقلَّ مِنْ ثَلاثٍ"، صحيح.

"عن عبد الله بن عمرو (1): أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: لم يَفْقَهْ"؛ أي: لم يَفهَم.

"مَن قرأ القرآنَ"؛ أي: ختمَه.

"في أقلَّ من ثلاثٍ"؛ أي: ثلاثِ ليالٍ؛ لأنه إذ ذاك لم يتمكن من التدبُّر له والتفكُّر فيه بسبب العَجَلة والمَلالة.

* * *

1579 -

وعن عُقْبة بن عامِرٍ، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:"الجاهِرُ بالقُرآنِ كالجاهرِ بالصَّدقةِ، والمُسِرُّ بالقُرآنِ كالمُسِرُّ بالصَّدقةِ"، غريب.

"وعن عقبة بن عامر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الجاهِرُ بالقرآن كالجاهِرِ بالصدقة، والمُسِرُّ بالقرآن كالمُسِرِّ بالصدقة. غريب"؛ يعني: كما أن الجهرَ والسرَّ بالصدقة جائزٌ، فكذا في قراءة القرآن؛ والسّرُّ أَولى.

نعم، لو قرأَ جهرًا ليُستمَعَ إليه، ويُتعلَّمَ منه، أو لينالَ المستمعُ الثوابَ، أو للذوق، أو لإظهار شعارِ الدِّين كان الجهرُ أَولى، ولعل المراد بالإسرار به:

(1) في جميع النسح: "عمر".

ص: 56

التفكُّر والتدبُّر فيه؛ لئلا ينافيَ تزيينَ القرآنِ بالصوتِ والإفصاحَ.

"غريب".

* * *

1580 -

عن صُهَيْب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما آمَنَ بالقُرْآنِ مَنِ اسْتَحَلَ مَحارِمَهُ"، ضعيف.

"عن صهيب أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما آمَنَ بالقرآن"؛ أي: لم يؤمنْ بحكمه.

"مَن استحلَّ محارمَه" جمع: مَحْرَم، بمعنى: الحرام، والضمير للقرآن.

"ضعيف".

* * *

1581 -

عن يَعْلى بن مَمْلَك: أنَّه سألَ أُمَّ سلَمةَ عنْ قِراءَةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فإذا هي تَنْعَتُ قِراءَةً مُفَسَّرةً حرفًا حرفًا.

"عن يَعلَى بن مَمْلَك: أنه سأل أمَّ سلمةَ عن قراءة النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا هي تَنْعَتُ"؛ أي: تَصِفُ.

"قراءةً مُفسَّرةً"؛ أي: مبيَّنةً.

"حرفًا حرفًا"؛ أي: كان يقرأ على التأنِّي، بحيث يمكن عدُّ حروفِ ما يقرأ.

* * *

1582 -

ورُوي أنّها قالت: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُقطِّعُ قِراءَتَهُ يقولُ:

ص: 57