الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنَ الحِسَان:
2226 -
عن جابرٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا تُعْمِرُوا ولا تُرقِبوا، فمن أعْمرَ شيئاً أو أَرقَبَهُ فهو سبيلُ الميراثِ".
"من الحسان":
" عن جابر: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: لا تعمروا ولا ترقبوا" الرُّقبى اسم على فُعلى من المَرقبة وهي أن يقول الرجل لصاحبه: وهبت منك كذا، فإن مُتَّ قبلي عاد إلي، وإن مُتُّ قبلك استقر لك، فكل واحد منهما يرقُب موتَ صاحبه، وهذا نهيُ إرشادٍ؛ أي: لا تهبوا أموالكم مدةً ثم تأخذونها كعادة الجاهلية، بل إذا وهبتم شيئاً زال عنه ملككُم.
"فمن اعتمر شيئاً، أو أرقبه فهو سبيل الميراث" وقد تعارضت الروايات فمنهم من يعمل بظاهر الحديث ويجعلونها تمليكاً، ومنهم مَنْ قال إنها ليست تمليكاً؛ لأن التمليكات لا تعلق بالحَظْر، ومنهم من قال بجوازها لما روي.
* * *
2227 -
وعن جابرٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"العُمْرى جائزةٌ لأهلِها، والرُّقبى جائزةٌ لأهلِها".
"عن جابر رضي الله عنه، عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: العمرى جائزة لأهلها"؛ أي: صحيحة نافذة لمن جعلت العمرى له، "والرقبى جائزة لأهلها".
* * *
فصل
مِنَ الصِّحَاحِ:
2228 -
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عُرِضَ
عليهِ ريحانٌ فلا يردَّه، فإنه خفيفُ المَحْمَلِ طيَّبُ الرِّيح".
(فصل)
"من الصحاح":
" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عرض عليه ريحان فلا يرده" كيلا يتأذى المعطي برده، "فإنه خفيف المحمل"؛ أي: قليل المنَّة "طيب الريح" فيه إشارة إلى حفظ قلوب الناس بقَبول هداياهم، وأيضاً إشارة إلى استحباب استعمال الطيب.
* * *
2229 -
عن أنسٍ رضي الله عنه: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ لا يَرُدُّ الطِّيْبَ".
"عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرد الطيب" فيه إشارة إلى استحباب استعمال الطيب.
* * *
2230 -
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "العائدُ في هِبَتِه كالكلبِ يعودُ في قَيْئهِ، ليسَ لنا مَثَلُ السَّوْءِ".
"وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه" شَبَّه عليه الصلاة والسلام القبيحَ شرعاً بالقبيح حِسًّا، واستدل به على عدم جواز الرجوع عن الموهوب بعد القبض بقوله:"ليس لنا مثل السوء"؛ أي: لا ينبغي لأهل ملتنا المُكَرَّمين بالإيمان أن يوصفوا بما يسوؤهم في العاقبة، وتنحط به منزلتهم، فإن الله تعالى لم يرضَ لهم ذلك، وإنما جعله للمشركين، قال الله تعالى:{لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ} [النحل:60]؛ أي: الصفة
الذميمة، وأيُّ وصفٍ أخسُّ من وصف يشاركه فيه الكلب، ويَحمل هذا القول مَنْ يرى الرجوع في الهبة عن الأجنبي على التنزيه وكراهة الرجوع.
* * *
2231 -
عن النُّعمانِ بن بشيرٍ: أن أباهُ أتَى بهِ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نَحَلْتُ ابني هذا غُلاماً، فقال:"أَكُلَّ وَلَدِك نحلْتَ مثلَه؟ " قال: لا، قال:"فارجِعْه". ورُوِيَ أنَّه قال: "أَيَسُرُّكَ أنْ يكونوا إليك في البرِّ سواءً؟ " قال: بلى، قال:"فلا إذاً". ويُروى أنه قال: "فاتَّقوا الله واعدِلُوا بينَ أولادِكم". ويُروى أنه قال: "لا أَشهدُ على جَوْرٍ".
"عن النعمان بن بشير: أن أباه أتى به إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فقال: إني نحلت"؛ أي: أعطيت "ابني هذا غلاماً، فقال: أكل ولدك نحلت مثله؟ قال: لا، قال: فارجعه"؛ أي: استرد ذلك الغلام، وهذا على سبيل الإرشاد والتنبيه على ما هو الأولى والأقرب للتقوى، وفيه دلالة البر.
"ويروى أنه قال: أيسرك أن يكونوا في البر سواء"؛ أي: يكونوا بارِّين محسنين إليك لا عاقين، "قال: بلى، قال: فلا إذاً"؛ أي: إذا كان كذلك فلا تفعل إذًا، كَرِهَ قومٌ تفضيل بعض الأولاد على بعض مع نفوذه، وبه قال الشافعي ومالك.
"ويروى: أنه قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" يدل على استحباب التسوية بينهم في العطية وغيرها من أنواع البر، وبه قال إبراهيم.
"ويروى أنه قال: لا أشهد على جور"؛ أي: على ظلم، وبهذا أوجب بعضُهم التسوية بينهم، ذهب طاوس وداود إلى أن التسوية بين الذكور والإناث، وقال أحمد وإسحاق: التسوية بينهم أن يعطى الذكر مثل حظ الأنثيين.
مِنَ الحِسَان:
2232 -
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَحِلُّ لواهبٍ أنْ يرجعَ فيما وَهَبَ إلا الوالدَ مِن ولدِهِ".
"من الحسان":
" عن عبد الله بن عمرو قال: قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام: لا يحل لواهب أن يرجع فيما وهب، إلا الوالد من ولده" فإنه يجوز له أن يأخذ ما وهب لولده ويصرفه في نفقته وسائر ما يجب له عليه وقتَ حاجته كسائر أمواله استيفاءً لحقه من ماله، لا استرجاعاً لِمَا وهب ونقضاً للهبة، وفي معنى الوالد جميع الأصول كالأم والأجداد والجدَّات، وهذا عند الشافعي ومالك.
* * *
2233 -
عن ابن عمرَ، وابن عبَّاسٍ يَرفعانِ الحديثَ قال:"لا يَحِلُّ للرَّجلِ أنْ يُعطيَ عطِيَّةً ثم يرجعَ فيها، إلا الوالدَ فيما يُعطي ولدَه، ومَثَلُ الذي يُعطي العَطِيّةَ ثم يرجعُ فيها: كمثلِ الكلبِ أكلَ حتى إذا شبعَ قاءَ، ثم عادَ في قَيْئِهِ"، صحيح.
"عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم يرفعان الحديث قال: لا يحل لرجل أن يعطي العطية ثم يرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده، ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب أكل حتى إذا شَبعَ قاء ثم عاد في قيئه" صحيح.
* * *
2234 -
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أن أعرابياً أهدَى لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم بَكْرَةً، فعَوَّضهُ منها ستَّ بَكْراتٍ فتسَخَّطَ، فبلغَ ذلكَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فحمِدَ الله وأَثنَى عليه ثمَّ
قال: "إن فلاناً أَهْدى إليَّ ناقةً، فعوَّضْتُه منها ستَّ بَكْراتٍ فظَلَّ ساخِطاً! لقد هَمَمْتُ أنْ لا أَقبلَ هديةً إلا مِن قُرَشيٍّ، أو أنصاريٍّ، أو ثَقَفيٍّ، أو دَوْسيٍّ".
"عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن أعرابياً أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بَكْرة" وهي الفَتِيَّة من الإبل، "فعوضه منها ست بَكرات" جمع بكرة، "فتسخط"؛ أي: استقل الأعرابي عطاءَه؛ لأن طمعه في الجزاء كان أكثر لِمَا سَمعَ من جوده عليه الصلاة والسلام، "فبلغ ذلك النبي عليه الصلاة والسلام، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن فلاناً أهدى إلي ناقة (1)، فعوضته منها ست بكرات، فظل ساخطاً، لقد هممت"؛ أي: قصدت "أن لا أقبل هدية إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دَوسي"، وإنما خص المذكورين بقبول هداياهم لعلمه بسخاوة أنفسهم وعلو هممهم، وصدق نياتهم، وقطع نظرهم من الأعراض الدنياوية، فكره عليه الصلاة والسلام قَبولَ الهدية ممن لا باعث له عليها إلا الطمع.
* * *
2235 -
عن جابرٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"من أُعطيَ عطاءً فوَجَدَ فليَجْزِ بهِ، ومَنْ لم يَجدْ فليُثْنِ، فإنَّ مَنْ أَثنَى فقد شكرَ، ومَن كتَمَ فقد كَفَرَ، ومَن تَحَلَّى بما لم يُعْطَ كَانَ كَلابسِ ثَوْبَيْ زُورٍ".
"عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ أعطى عطاء فوجد"؛ أي: غنى وقَدر على المكافأة، "فليجز به"؛ أي: فليعطه عطاء مكافأة لفعله، "ومن لم يجد فليثن" عليه بخير، وليشكره ولا يكتُم نعمته عليه، "فإن مَنْ أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر" من الكفران، لا من الكفر؛ أي: ترك أداء حقه، "ومن تحلى"؛ أي: تزين "بما لم يُعط" على بناء المجهول؛ أي: بما لم يعطاه "كان
(1) في "غ": "بكرة".
كلابس ثوبي زور"، وقصة هذا: ما روي أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن لي ضرة فهل عليَّ جناحٌ أن أتشبع بما لم يعطِني زوجي، فأجابها عليه الصلاة والسلام بهذا القول؛ أي: مَنْ فعل ذلك فقد كذب كذبتين، إذ أظهر شيئين كاذبين أحدهما قولها: أعطاني زوجي، والآخر إظهارها محبته إياها أكثر من محبته ضَرَّتها.
قال الخطابي: كان في العرب رجلٌ يشهد بالزور مُبْطِناً كذبه بلبسه ثوبين كثياب المعاريف مُوهماً أنه معروف محترم لتقبل شهادته، فكان ثوباه سببَ زوره، فسميا ثوبي زور، فشبه عليه الصلاة والسلام هذه المرأة بذلك الرجل.
* * *
2236 -
وقال: "مَنْ صُنِعَ إليه مَعْروفٌ فقال لفاعِلِه: جزاكَ الله خيراً، فقد أبلغَ في الثناءِ".
"وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيراً، فقد أبلغ في الثناء"؛ أي: بالغ في أداء شكره.
* * *
2237 -
وقال: "مَنْ لم يَشْكرِ النَّاسَ لم يشكرِ الله".
"وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يشكر الناس لم يشكر الله"، وذلك إما لأن مما أمر الله به شكر الناس، فمن لم يطاوعه فيه لم يكن ممتثلاً جميعَ أوامره، فلا يتمُّ شكره له لأنه إنما يتم بامتثال جميع أوامره، أو تنبيهاً على أن مِنْ شُكْر النعمة شُكْرَ الوسائط، فمن لم يفعل جديرٌ بأن لا يشكر
المُنْعِم والنعمة.
* * *
2238 -
وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: لمَّا قدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ أتاهُ المهاجرونَ فقالواْ يا رسولَ الله! ما رأيْنا قوماً أبذَلَ مِن كثيرٍ، ولا أحسنَ مواساةً مِن قليلٍ، مِن قومٍ نزلْنا بينَ أَظْهُرِهم، لقد كَفَوْنا المؤنةَ وأشْرَكُونا في المَهْنَإ، حتى لقدْ خِفْنا أنْ يَذْهَبُوا بالأجرِ كلِّه، فقال:"لا، ما دَعَوْتُم الله لهم، وأَثنَيتُم عليهم"، صحيح.
"وعن أنس أنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه المهاجرون فقالوا: يا رسول الله! ما رأينا قوماً أبذل من كثير"؛ أي: من مال كثير، "ولا أحسن مواساة"؛ أي: عطية "من قليل"؛ أي: من مال قليل، قيل:(من) فيهما يتعلق بالبذل والمواساة، "من قوم" المراد به الأنصار، "نزلنا بين أظهرهم، لقد كفونا" من الكفاية "المؤنة، وأشركونا في المَهْنأ" - بفتح الميم -: ما يقوم بالكفاية وإصلاح المعيشة، وقيل: ما يأتيك بلا تعب؛ يعني: شَرَكُونا في ثمار نخيلهم، وكَفونا مؤنة سقيها وإصلاحها، وأعطونا نصف ثمرهم.
"حتى لقد خفنا أن يذهبوا بالأجر كله"؛ أي: يعطيهم الله أجر هجرتنا من مكة إلى المدينة، وأجر عبادتنا كلها من كثرة إحسانهم إلينا، "فقال عليه الصلاة والسلام: لا"؛ أي: لا يذهبون بكل الأجر "ما دعوتم الله"؛ أي: ما دمتم تدعون "لهم" بالخير، "وأثنيتم عليهم"، فإن دعاءكم يقوم مقامَ إحسانهم إليكم.
"صحيح".
* * *
2239 -
وعن عائشةَ رضي الله عنها، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "تَهادَوْا فإنَّ
الهدِيَّةَ تَذهبُ بالضَّغائنِ".
"عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: تهادوا"؛ أي: ليعط بعضكم بعضاً الهدية، "فإن الهدية تذهب بالضغائن" جمع الضغينة، وهي الحقد؛ يعني: يزيل الحقدَ والحسد والبغض والعداوة، ويحصل في المدفوع محبة الدافع.
* * *
2240 -
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"تَهادَوا فإنَّ الهديةَ تُذهِبُ وَحَرَ الصَّدرِ، ولا تحقِرَنَّ جارةٌ لجارتها ولو بشقِّ فِرْسَنِ شاةٍ".
"عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: تهادوا، فإن الهدية تذهب وَحَرَ الصَّدر" بفتح الواو والحاء؛ أي: غشه ووساوسه، وقيل: هو الحقد والغضب، وقيل: أشد الغضب، وقيل: العداوة، "ولا تحقرن جارة لجارتها ولو بشق فرسن شاة" بكسر الفاء، هو للشاة والبعير بمنزلة الحافر للدابة؛ يعني: لتبعث كلُّ جارة إلى جارتها مما عندها من الطعام وإن كان شيئاً قليلاً.
* * *
2241 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا تُردُّ: الوَسائدُ، والدُّهنُ، واللَّبن"، غريب. قيل: أرادَ بالدُّهنِ: الطِّيبَ.
"وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث"؛ أي: ثلاث هدايا "لا ترد: الوسائد" جمع الوسادة، والمراد بها التي حَشْوها من الليف أو الصوف؛ لأن وسائدهم كانت يكون منها غالباً، "والدُّهن واللبن"، وإنما لا ترد هذه لقلة مِنَّتها، وتأذِّي المُهدي إياها بردها، وكان عليه الصلاة والسلام يقبل