المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 - باب المناسك - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ٣

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌8 - كِتَابُ فَضَائِل القُرْآنِ

- ‌فصل

- ‌ فصلً

- ‌9 - كِتابُ الدَّعَوَاتِ

- ‌2 - باب ذِكْرِ الله عز وجل والتَّقرُبِ إليهِ

- ‌3 - باب أَسْماءِ الله تعالى

- ‌4 - باب ثَواب التَّسبيح والتَّحميد والتَّهليل

- ‌5 - باب الاستِغفار والتَّوبة

- ‌فصل

- ‌6 - باب ما يقُول عند المصَّباح والمَسَاء والمَنام

- ‌7 - باب الدَّعَواتِ في الأَوْقاتِ

- ‌8 - باب الاستِعاذَة

- ‌9 - باب جامع الدعاء

- ‌10 - كِتَابُ الحَجِّ

- ‌1 - باب المَناسِك

- ‌2 - باب الإِحْرام والتَّلْبية

- ‌3 - قِصَّةُ حجة الوداع

- ‌4 - باب دُخُول مَكَّةَ والطواف

- ‌5 - باب الوُقوف بِعَرَفة

- ‌6 - باب الدفْع من عَرَفَةَ والمُزْدَلِفَة

- ‌7 - باب رَمْيِ الجِمَار

- ‌8 - باب الهَدْي

- ‌9 - باب الخلق

- ‌فصل

- ‌10 - باب الخُطْبة يومَ النحر ورَمْي أيام التشريق والتوديع

- ‌11 - باب ما يجتنبه المحرم

- ‌12 - باب المحرِم يَجتنِب الصيد

- ‌13 - باب الإِحْصَار وفَوْت الحَجّ

- ‌14 - باب حرَم مكةَ حرَسَها الله

- ‌15 - باب حرَم المَدينة على ساكنها الصلاةُ والسلام

- ‌11 - كِتَابُ البُيُوعِ

- ‌1 - باب الكَسْب وطلَب الحلال

- ‌2 - باب المُساهلةِ في المُعاملة

- ‌3 - باب الخِيَارِ

- ‌4 - باب الرِّبا

- ‌5 - باب المنهي عنها من البيوع

- ‌فصل

- ‌6 - باب السَّلَمِ والرَّهنِ

- ‌7 - باب الاحتِكارِ

- ‌8 - باب الإفلاسِ والإنظارِ

- ‌9 - باب الشَّركة والوَكالةَ

- ‌10 - باب الغَصْبِ والعاريَةِ

- ‌11 - باب الشُّفْعَةِ

- ‌12 - باب المُساقاةِ والمُزارعةِ

- ‌13 - باب الإجارةِ

- ‌14 - باب إحياء المَوَاتِ والشِّرْبِ

- ‌15 - باب العطايا

- ‌فصل

- ‌16 - باب اللُّقَطَة

- ‌17 - باب الفرائضِ

- ‌18 - باب الوصايا

- ‌12 - كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌2 - باب النَّظَرِ إلى المَخطوبة وبيانِ العَورات

- ‌3 - باب الوليِّ في النِّكاح واستِئذانِ المَرأةِ

- ‌4 - باب إعلانِ النكاحِ والخِطبةِ والشَّرطِ

- ‌5 - باب المُحرَّماتِ

- ‌6 - باب المُباشَرةِ

- ‌فصل

- ‌7 - باب الصَّداق

- ‌8 - باب الوَليمةِ

- ‌9 - باب القَسْمِ

الفصل: ‌1 - باب المناسك

10 -

كِتَابُ الحَجِّ

(كتاب الحج)

هو لغة: القصد، وشرعاً: قصد الكعبة بأفعالٍ مخصوصة، في زمان مخصوص، وأماكن مخصوصة؛ للتقرُّب إلى الله تعالى.

‌1 - باب المَناسِك

(باب المناسك)

هي جمع منسك، بفتح السِّين وكسرها: مصدر ميمي أو مكاني، من نسك ينسك: إذا تعبَّد، ثم سُميت أفعالُ الحج كلُّها مناسك.

مِنَ الصِّحَاحِ:

1801 -

عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيُّها النَّاسُ: قَدْ فَرَضَ الله عليكُمْ الحجَّ فَحُجُّوا"، فقالَ رَجل: أكلَّ عامٍ يا رسولَ الله؟ فسكَتَ حتَّى قالَها ثلاثاً، فقال:"لو قلتُ: نعمْ لَوَجَبَتْ، ولَمَا اسْتَطَعْتُمْ".

"من الصحاح":

" عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها النَّاس! قد فرض الله عليكم الحج فحجوا" دليل آخر بعد الكتاب والإجماع على وجوبه.

ص: 235

"فقال رجل" هو أقرع بن حابس: أكلَّ عام" نصب بمقدَّر؛ أي: أتأمرنا أن نحجَّ كلَّ عام "يا رسول الله؟ " قيل: إنَّما صدر هذا السؤال منه؛ لأنَّ الحج في تعارفهم: القصد بعد القصد، فكانت الصيغة مُوهمةً للتكرار.

"فسكت حتَّى قالها"؛ أي: الأقرعُ الكلمةَ التي تكلَّمها "ثلاثاً" إنَّما سكت صلى الله عليه وسلم زجراً له عن السؤال الذي كان السكوت عنه أولى، ثم لمَّا رأى عليه الصلاة والسلام السائل لا ينزجر ولا يَقْنعُ إلَّا بالجواب الصريح صرَّح به.

"فقال: لو قلت: نعم، لوجبت"؛ أي: فريضةُ الحج المدلولُ عليها بقوله: فرض أو حجة في كل عام.

"ولما استطعتم".

* * *

1802 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ العَمَلِ أفضلُ؟ قال: "إيمان بالله ورسولهِ"، قيلَ: ثُمَّ ماذا؟ قال: "الجهادُ في سبيلِ الله"، قيلَ ثُمَّ ماذا؟ قال:"حَجٌّ مَبْرُورٌ".

"وعن أبي هريرة أنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور"، وهو الذي لا يخالطه شيء من المآثم، وقيل: هو المقبول المقابَل بالبِرِّ وهو الثواب.

* * *

1803 -

وقال: "مَنْ حَجَّ لله فَلَمْ يَرْفُثْ ولم يَفْسُقَ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدْتْهُ أُمُّهُ".

"وعنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حج لله فلم يرفث"؛ أي: لم يفحش من القول، ولم يتكلَّم كلامَ الجماع عند النساء.

"ولم يفسق"؛ أي: لم يخرج عن حد الاستقامة.

ص: 236

"رجع كيوم ولدته أمه"، (يوم) مبني على الفتح مضافٌ إلى الجملة التي بعده.

قيل: (رجع) هنا بمعنى صار وخبره (كيوم)، ويجوز أن يكون على معناه الموضوع له، فيكون (كيوم) حالًا؛ أي: رجع إلى وطنه مشابهاً يومه بيوم ولادته في خلوِّه من الذنوب، لكن على هذا يخرج المكيِّ عما ذكر في الحديث، ويجوز أن يكون بمعنى: فرغ عن أفعال الحج، وإنَّما لم يذكر الجدال في الحديث اعتماداً على الآية.

* * *

1804 -

وقال: "العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُما، والحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةَ".

"وعنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما"؛ أي: من الصغائر.

"والحج المبرور ليس له جزاء إلَّا الجنَّة".

* * *

1805 -

وقال: "إنَّ عُمْرَةً في رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً".

"وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عمرة في رمضان تعدل"؛ أي: تقابل وتماثل في الثواب.

"حجة"؛ أي: في غيره، يدل على أن فضل الثواب بفضيلة الوقت.

* * *

1806 -

وقال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لَقِيَ ركباً بِالرَّوْحَاءَ، فَرَفَعَتْ

ص: 237

إليه امرأةٌ صَبيًّا، فقالَتْ: ألِهَذا حَجٌّ؟ قال: "نعم، ولكِ أَجْرٌ".

"وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن النَّبيّ عليه الصلاة والسلام لقي ركباً" جمع راكب، كصحب وصاحب، وهم العشرة فما فوقها من أصحاب الإبل في السفر.

"بالرَّوحاء" بفتح الراء والمد: اسم موضع على نحوٍ من أربعين ميلاً من المدينة، وقيل: ستة وثلاثين ميلاً.

"فرفعت إليه امرأة صبيًا"؛ أي: أخرجته من الهودج رافعة له على يديها.

"فقالت: ألهذا حج؟ "؛ أي: أينفع الحج لهذا؟

"قال: نعم"؛ لأنَّ له حج النفل.

"ولك أجر"؛ لأنك سببه.

* * *

1807 -

عن ابن عبَّاس: أنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قالَتْ: يا رسولَ الله! إن فَريضةَ الله على عبادِهِ في الحَجِّ أَدْركتْ أبي شَيْخاً كبيرًا لا يُثْبُتُ على الرَّاحِلَةِ، أفأَحُجُّ عنه؟ قال:"نعم"، وذلكَ في حَجَّةِ الوداع.

"وعن ابن عباس: أن امرأة من خَثعم" بفتح الخاء: اسم قبيلة.

"قالت: يا رسول الله! إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت"؛ أي: فريضة الله.

"أبي" مفعول (أدركت).

"شيخاً" منصوب على أنه حال من (أبي)؛ أي: حالَ كونه شيخاً "كبيراً لا يثبت على الراحلة"؛ أي: لا يقدر على ركوب الدابة لضعفه.

"أفأحج عنه؟ قال: نعم، وذلك"؛ أي: المذكور جرى "في حجة الوداع"

ص: 238

وفيه دليل على وجوب الحج على الزَّمِن والشيخ العاجز عن الحج بنفسه، وهو قول الشَّافعي، وعلي جواز الاستنابة في الحج، وعلي جواز حج المرأة عن الرجل خلافًا للبعض.

* * *

1808 -

قال: وقال رجلٌ: إنَّ أُختي نَذَرَتْ أنْ تَحُجَّ وإنَّها ماتَتْ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَوْ كانَ عليها دينٌ، كُنْتَ قاضيَهُ؟ "، قال: نعم، قال:"فاقضِ دينَ الله، فهو أَحَقُّ بالقَضاءِ".

"وقال"؛ أي: ابن عباس: "قال رجل: إن أختي نذرت أن تحج، وإنها ماتت، فقال النَّبيّ عليه الصلاة والسلام: لو كان عليها دين أكنت قاضيه؟، قال: نعم، قال: فاقض دين الله فهو أحق بالقضاء" وفيه دليل على جواز حج الرجل عن المرأة، وعلي أنَّ مَن مات وفي ذمته حق الله من حجٍّ، أو كفارةٍ، أو نذرِ صدقة، أو زكاة، يجب قضاؤها مقدَّماً على الوصايا والميراث، أوصى به أو لا، كقضاء ديون العباد عنه.

* * *

1809 -

وقال: "لا يَخْلُوَنَّ رجُلٌ بامرأَة، ولا تُسَافِرَنَّ امرأةٌ إلَّا ومعها مَحْرَمٌ" فقالَ رجل: يا رسولَ الله! اكتُتِبْتُ في غَزْوَة كَذَا وكذا، وخَرَجَتْ امْرَأَتي حاجَّة، قال:"اذهَبْ فَاحْجُجْ مع امرأَتِكَ".

"وعنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يخلونَّ رجل بامرأة، ولا تسافرنَّ امرأة إلَّا ومعها محرم، فقال رجل: يا رسول الله! اكتتبت في غزوة كذا وكذا"؛ أي: كُتب اسمي في جملة الغزاة.

"وخرجت أمرأتي حاجَّةً" وليس معها أحد من المحارم.

ص: 239

"قال: اذهب فاحجج مع امرأتك"، ولا تخرج للغزو.

* * *

1810 -

وقالت عائشةُ رضي الله عنها: اسْتَأْذَنْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم في الجهَادِ، فقال:"جِهادكُنَّ الحَجُّ".

"وقالت عائشة رضي الله عنها: استأذنت النَّبيّ عليه الصلاة والسلام في الجهاد، فقال: جهادكن الحج"؛ يعني: لا جهاد عليكن، وعليكنَّ الحج إذا وجدتَّن الاستطاعة.

* * *

1811 -

وعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُسافرُ امرأةٌ مَسِيْرةَ يومٍ وليلةٍ إلَّا ومعها ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ".

"وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسافر امرأة مسيرة يوم وليلة إلَّا ومعها ذو رَحِمٍ مَحْرَمٍ" وهو كلُّ مَن يَحْرُمُ نكاحُها على التأبيد، فيه دليل على عدم لزوم الحج عليها إذا لم يكن معها ذو رحم محرم، وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد رحمهما الله.

وقال مالك رحمه الله: يلزمها إذا كان معها جماعة من النساء.

وقال الشَّافعي: يلزمها إذا كانت معها امرأة ثقة.

* * *

1812 -

وقال ابن عبَّاس رضي الله عنهما: وَقَّتَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأهلِ المدينةِ ذا الحُلَيْفَةِ، ولأهلِ الشَّامِ الجُحْفَةَ، ولأِهْلِ نجدٍ قَرْنَ المَنازِلِ، ولأِهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ، فَهُنَّ لَهُنَّ ولمَنْ أتى عَلَيْهِنَّ مِنْ غيرِ أَهْلِهِنَّ لمَنْ كَانَ يُريدُ الْحَجَّ والعُمْرَةَ، فَمَنْ كانَ دُونهن فَمُهَلُّهُ مِنْ أهْلِهِ، وكذاكَ حتَّى أهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْها.

ص: 240

"وقال ابن عباس رضي الله عنهما: وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم "؛ أي: بيَّن حدَّ الإحرام ومواضعَه الأهل المدينة ذا الحليفة" وهي على فرسخين من المدينة، وعشرِ مراحلَ من مكَّة، تصغير حلفة مثل قصبة: ماءٌ من مياهٍ بني خثعم أو جشم.

"ولأهل الشّام الجحفة"، وهي بين مكّة والمدينة من الجانب الشَّاميُّ يحاذي ذا الحليفة، على خمسين فرسخاً من مكّة، سميت بها لإجحاف السيل بأهلها؛ أي: إذهابه بهم، وكان اسمها المهيعة قبلَ أنْ أَجْحَفَ السيلُ بأهلها.

"ولأهل نجد قرن المنازل" بسكون الراء وفتحها، وقيل: تحريكها خطأ، جبل أملس مدوَّر كأنه بيضةٌ، مشرفٌ على عرفات، ويقال له:(قرن) بحذف المضاف إليه، و (قرن المنازل) أيضًا بالإضافة.

"ولأهل اليمن يلملم": جبل من جبال تهامة على ميلين من مكّة.

"فهن لهن"؛ أي: فهذه المواقيت لهذه المواقيت؛ أي: لأهلها على حذف المضاف، دل عليه قوله:"ولمن أتى عليهن من غير أهلهنا"؛ أي: هذه المواقيت لأهلهن المار بن بهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن "لمن كان يريد الحج والعمرة" دون مَن لم يُرِدْ شيئًا منهما.

"فمن كان دونهن"؛ أي: من كان بيته أقرب إلى مكّة من هذه المواقيت.

"فمهلُّه"؛ أي: موضع إهلاله؛ أي: إحرامه.

"من أهله"؛ أي: من بيته، ولا يلزمه الذهاب إلى الميقات.

"وكذاك وكذاك"؛ أي: وكذلك الأَدْوَنُ فالأدون، والأَدْخَلُ فالأدخل في المواقيت.

"حتَّى أهل مكّة يهلون منها"؛ أي: يُحْرِمون من بطن مكّة، وهذا مخصوصٌ بالحج؛ لأنَّه عليه الصلاة والسلام أمر عائشة رضي الله عنها حين أرادت أن تعتمر بعد التحليل من الحج أن تخرج إلى الحلِّ فتُحْرِمَ منه.

* * *

ص: 241

1813 -

وعن جابرٍ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"مُهَلُّ أهْلِ المدينةِ مِنْ ذِيِ الحُلَيْفَةِ، والطَّريقُ الآخَر الجُحْفَةَ، ومُهَلُّ أهلِ العراقِ مِنْ ذاتِ عِرْقٍ، ومُهَلُّ أَهْلِ نَجْدٍ قَرْن، ومُهَل أهْلِ اليَمَنِ من يَلَمْلَم".

"وعن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: مُهَلُّ أهل المدينة من ذي الحليفة، والطريق الأخرى فيه حذفُ مضاف؛ أي: مُهَلُّ الطريق الآخر "الجحفة"؛ أي: إذا جاؤوا من طريق الجحفة فهي مهلُّهم.

"ومهل أهل العراق من ذات عرق": وهي على مرحلتين من مكّة، سميت بها لأن هناك عرقاً وهو الجبل الصغير.

"ومهل أهل نجد قرن، ومهل أهل اليمن يلملم".

* * *

1814 -

وقال أنس: اعْتَمَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أربعَ عُمَرَ، كُلَّهُنَّ في ذي القَعْدَةِ إلَّا التي كانَتْ مع حجَّته: عُمرةً من الحُدَيْبيَّة في ذي القَعْدَة، وعُمْرةً من العامِ المُقبل في ذي القَعْدَةِ، وعمرةً مِنْ الجعْرانَةِ حيثُ قَسمَ غَنائِمَ حُنَيْنٍ في ذي القَعْدَةِ وقبْلَ أنْ يحُجَّ، وعُمْرَةً مع حَجَّتِهِ".

"وقال أنس رضي الله عنه: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر": جمع عمرة.

"كلهن في ذي القعدة إلَّا التي كانت مع حجته: عمرة من الحديبية" بتخفيف الياء وتشديدها: أحد حدود الحرم، تسعة أميال من مكّة.

"في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرة من الجعرانة" بكسر الجيم وسكون العين، ومن الرواة من يكسر العين ويشدد الراء، والأكثرون على أنه خطأ، وهي على ستة فراسخ من مكّة، وقيل: على تسعة أميال منها.

"حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته".

* * *

ص: 242

1815 -

وقال البَراءُ بن عازِب: اعْتَمَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في ذي القَعْدَةِ قبلَ أنْ يَحُجَّ مَرَّتَيْنِ.

"وقال البراء بن عازب: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة قبل أن يحج مرتين".

* * *

مِنَ الحِسَان:

1816 -

عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيُّها النَّاسُ! إنَّ الله كتبَ عليكُمُ الحَجَّ" فقامَ الأقْرَعُ بن حابس فقال: أفي كُلِّ عامٍ يا رسولَ الله؟ قال: "لو قلتُها لَوَجَبَتْ، ولَوْ وَجَبَتْ لمْ تَعمَلُوا بها، ولم تَسْتَطِيعُوا، الحَجُّ مَرَّةٌ، فَمَنْ زادَ فتطَوَّعٌ".

"من الحسان":

" عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها النَّاس! إن الله كتب عليكم الحج: فقام الأقرع بن حابس فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ قال: لو قلتُها لوجبت"؛ أي: الحجة.

"ولو وجبت لم تعملوا بها ولم تستطيعوا، الحج مرَّة"؛ أي: وجوبُه مرةً واحدة "فمن زاد فتطوَّعٌ".

* * *

1817 -

وعن عليٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَلَكَ زَاداً وراحِلَةً تُبلِّغُهُ إلى بَيْتِ الله ولم يَحُجَّ فلا عليهِ أنْ يموتَ يَهُودِيًّا أو نَصْرَانِيًّا، وذلكَ أن الله تبارك وتعالى يقول: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} ".

ص: 243

"وعن عليّ كرم الله وجهه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مَن ملَكَ زاداً وراحلة تُبلغه" بضم التاء وفتح الباء، وإنما أفرد الضمير فيه والمرجوع إليه شيئان للذهاب إلى جانب المعنى، وهو الاستطاعة.

"إلى بيت الله ولم يحج، فلا عليه"؛ أي: فلا تفاوُتَ عليه "أن يموت يهودياً أو نصرانياً" وهذا من باب المبالغة في التهديد والوعيد تعظيماً لأمر الحج وتغليظاً على تاركيه، ويجوز أن يكون المراد به مَن لم يحج جاحدًا لوجوبه، وإنَّما خص الطائفتين بالذكر؛ لقلة مبالاتهما بالحج من حيث إنه لم يكن مفروضاً عليهم؛ لأنَّه من شعار هذه الملة خاصة.

"وذلك أن الله تعالى يقول: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} .

* * *

1818 -

وقال: "لا صَرُورَةَ في الإسلامِ".

"وعن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا صَرورة في الإسلام" قيل: (الصَّرورة) - بالصَّاد المهملة المفتوحة: الذي لم يحج، وأصله من الصر: الحبس والمنع؛ أي: لا يجوز ترك الحج مع الاستطاعة.

وقيل: هو التبتُّل، وهو ترك النكاح؛ أي: ليس ينبغي أن يقول: لا أتزوج؛ لأنَّه فعلُ الرهبان لا من أخلاق المؤمنين.

* * *

1819 -

وقال: "مَنْ أَرَادَ الحَجَّ فَلْيُعَجِّلْ".

"وعنه عن النَّبيِّ عليه الصلاة والسلام أنه قال: من أراد الحج فليعجل"؛ أي: من وجب الحج عليه واستطاع فليعجل إتيانه، والأمر للاستحباب؛ لأنَّ

ص: 244

تأخيره جائز بعد وجوبه إلى آخر عمره.

* * *

1820 -

وقال: "تابعُوا بَيْنَ الحَجِّ والعُمْرَةِ، فإِنَّهمَا يَنْفِيانِ الفَقْرَ والذُّنُوبَ كما يَنْفي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ والذَّهَبِ والفِضَّةِ، وليسَ للحَجَّةِ المبرُورَةِ ثَوَابٌ إلَّا الجَنَّةُ".

"وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تابعوا بين الحج والعمرة"؛ يعني: إذا حججتم فاعتمروا، وإذا اعتمرتم فحجوا.

"فإنهما ينفيان"؛ أي: يزيلان "الفقر والذنوب كما ينفي الكير": وهو ما يَنفخ فيه الحداد لاشتعال النَّار؛ لتصفية الحديد من الخبث.

"خبثَ الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثوابٌ إلَّا الجنة".

* * *

1821 -

وعن ابن عُمر رضي الله عنهما قال: جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ما يُوجِبُ الحَجَّ؟ قال: "الزَّادُ والرَّاحِلَة".

"وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ما يوجب الحج؟ قال: الزَّاد والراحلة"؛ يعني: الحج واجب على مَن وجدهما.

* * *

1822 -

وعنه قال: سألَ رَجُلٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: ما الحَاجُّ؟ قال: "الشَّعِثُ التَّفِلُ"، وقال آخَر: أيُّ الحَجِّ أفْضَلُ؟ قال: "العَجُّ والثَّجُّ"، فقال آخَر:

ص: 245

ما السَّبيلُ؟ قال: "زادٌ وراحِلَةٌ".

"وعنه أنه قال: سأل رجل رسول الله: ما الحاجُّ؟ "؛ أي: ما صفةُ الحاجِّ الذي يحج؟.

"فقال: الشعث"؛ أي: هو المتفرِّقُ شعرُ رأسه من عدم غسله، وقيل: المغبر الرأس.

"التَّفِل" بفتح التاء وكسر الفاء: تارك الطِّيب.

"فقال آخر: أي الحج أفضل؟ "؛ أي: أيُّ أفعال الحج أفضل؟.

"قال العَجَّ" بفتح العين وتشديد الجيم: رفع الصوت بالتلبية.

"والثَّج، بفتح الثاء وتشديد الجيم: إراقة الدّم؛ أي: دم الهدي.

وقيل: دماء الأضاحي.

ويحتمل أن يراد بهما الاستيعاب، فبدأ بالإحرام الذي هو الإهلال، وانتهى بالتحليل الذي هو إهراق دم الهدي؛ اقتصاراً بالمبدأ والمنتهى عن سائر الأعمال؛ أي: أفضل الحج ما استوعب جميع أعماله من الأركان والمندوبات وغيرهما.

"فقال آخر: ما السبيل؟ "؛ أي: ما استطاعة السبيل المذكور في قوله تعالى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97].

"قال: الزاد والراحلة".

* * *

1823 -

عن أبي رَزِين العُقَيْلي: أنَّهُ أَتَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله!، إنَّ أبي شَيْخٌ كَبيرٌ لا يستطِيعُ الحَجَّ والعُمْرَةَ ولا الظَّعْنَ، قال:"حُجَّ عَنْ أَبيكَ، وَاعْتَمِرْ" صحيح.

ص: 246

"وعن أبي رزين العقيلي: أنه أتى النَّبيّ عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله! إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة"؛ أي: لا يستطيع أفعالهما.

"ولا الظعن"؛ أي: الذهابَ أو ركوب الدابة.

"قال: حج عن أبيك واعتمر. صحيح" يدل على جواز النيابة.

* * *

1824 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سَمعَ رَجُلاً يقولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَة، قال:"مَنْ شُبْرُمَة؟ "، قال: أخٌ لي، أو قريبٌ لي، قال:"أَحَجَجْتَ عَنْ نفسِكَ؟ "، قال: لا، قال:"حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ، ثُمَّ حُجَّ عن شُبْرُمَة".

"وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النَّبيّ عليه الصلاة والسلام سمع رجلًا يقول: لبيك عن شُبْرُمة" بضم الشين وسكون الباء وضم الراء.

"قال: مَن شبرمة؟ قال: أخٌ لي - أو: قريب لي -، قال: أحججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة"، يدل على جواز النيابة أيضاً.

* * *

1825 -

عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لأهلِ المَشْرِقَ العَقِيقَ.

"وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النَّبيّ عليه الصلاة والسلام وقت لأهل المشرق"؛ والمراد به: مَن منزله خارج الحرم من شرقي مكّة إلى أقصى بلاد الشرق، وهم العراقيون.

"العقيق": وهو موضع بحذاء ذات عرق، وأصله: كل مسيل شقَّه السيل

ص: 247

فوسَّعه، من العَقِّ: وهو الشق والقطع، كأنه عليه الصلاة والسلام عيَّن لأهل المشرق ميقاتين: العقيق وذاتُ عِرْقٍ، فمَن أحرم من العقيق قبل أن يصل إلى ذات عرق فهو أفضل، ومَن جاوزه فأحرم من ذاتِ عِرْقٍ جاز ولا شيء عليه.

* * *

1826 -

وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لأهْلِ العِراقِ ذاتَ عِرْقٍ.

"وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل العراق ذاتَ عِرْقٍ".

* * *

1827 -

عن أُمِّ سلَمَةَ: أَنَّها سَمِعَتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ أَهَلَّ بحَجَّةِ أو عُمْرَةٍ مِنَ المَسْجدِ الأَقْصَى إلى المَسجدِ الحرامِ غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِنْ ذَنْبهِ وما تأَخَّرَ - أو: وجَبَتْ له الجَنَّةُ - ".

"وعن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مَن أهلَّ بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" إنَّما خصَّ المسجد الأقصى لفضله، وليرغم الملة التي محجُّها بيتُ المقدس.

"أو: وجبت له الجنة" شك من الراوي.

* * *

ص: 248