الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أكثر عتيقًا من النار من يوم عرفة".
* * *
6 - باب الدفْع من عَرَفَةَ والمُزْدَلِفَة
(باب الدفع من عرفة والمزدلفة)
مِنَ الصِّحَاحِ:
1879 -
عن هِشَام بن عُرْوةَ، عن أَبيه أنه قال: سُئِلَ أُسامةُ: كيفَ كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَسِيْرُ في حَجَّةِ الوَداعِ حينَ دَفَعَ؟، قال: كانَ يَسيرُ العَنَقَ، فإذا وجَدَ فَجْوَة نَصَّ.
(الدفع): الذهاب مع كثرةٍ من عرفة إلى المزدلفة.
"من الصحاح":
" عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: سئل أسامة: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في حجة الوداع؟ "؛ أي: يسير على سرعة، أو على سكون.
"حين دفع"، أي: حين رجع من عرفات عند ابتداء السير.
"قال: كان يسير العَنَق" بفتحتين: السير المتوسط؛ لئلا يصدم الناسُ بدابته.
"فإذا وجد فجوة"؛ أي: موضعًا متسعًا خاليًا عن المار وزحمة الناس.
"نصَّ"؛ أي: أسرع جدًا، ويسوق دابته شديدًا.
1880 -
عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّه دَفَع مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يومَ عرَفَةَ، فَسَمعَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم وراءَهُ زَجْرًا شَديدًا، وضَرْبًا للإبلِ، فأشَارَ بسَوْطِهِ إلَيْهِمْ، وقال:"يا أيهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ بالسَّكِينَةِ، فإنَّ البرَّ لَيْسَ بِالإيْضَاعِ".
"وعن ابن عباس: أنه دفع" أي: رجع "مع النبي عليه الصلاة والسلام يوم عرفة، فسمع النبيُّ عليه الصلاة والسلام وراءه"؛ أي: خلفه "زجرًا"؛ أي: سيرًا "شديدًا وضربًا للإبل، فاشار بسوطه إليهم فقال: يا أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر"؛ أي: الخير والرفق "ليس بالإيضاع" وهو حمل الدابة على السير السريع، يعني: الإسراع ليس من البر إذا أكثر الناس، فإنه يؤذي الناس بصدمه الدواب والرحال.
* * *
1881 -
وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما: أَنَّ أُسَامَةَ بن زيدٍ كَانَ رِدْفَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَرَفَة إلى المُزْدلمفَةِ، ثُمَّ أَرْدَفَ الفَضْلَ مِنَ المُزْدلمِفَة إلى مِنًى، فكِلاهُما قال: لَمْ يَزَلِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يُلَبي حتَّى رمى جَمْرَةَ العَقَبةَ".
"وعن ابن عباس: أن أسامة بن زيد كان ردف النبي عليه الصلاة والسلام"؛ أي: ركب خلفه صلى الله عليه وسلم على ناقته "من عرفه إلى مزدلفة، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى، فكلاهما"؛ أي: أسامة والفضل "قالا": في بعض النسخ: (قال) اعتبارًا على لفظ (كلاهما).
"لم يزل النبي عليه الصلاة والسلام يلبي حتى رمى جمرة العقبة" هذا يدل على أن التلبية من وقت الإحرام إلى رمي جمرة العقبة كلها، ثم يقطع يوم العيد، وبه قال أحمد.
1882 -
عن ابن عُمر رضي الله عنه قال: "جَمَعَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم المَغرِبَ والعِشاءَ بجَمْعٍ، كُلُّ واحدةٍ مِنهُمَا بإقامةٍ، ولَمْ يسبحْ بينَهُمَا، ولا على إثْرِ كُلِّ واحدةٍ مِنْهُمَا.
"وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: جمع النبي عليه الصلاة والسلام المغرب والعشاء بجمع"؛ أي: بمزدلفة.
"كل واحد منهما بإقامة، ولم يسبح بينهما"؛ أي: لم يصلِّ بين المغرب والعشاء شيئًا من السنن والنوافل.
"ولا على إثر"؛ أي: عقيب "كل واحدة منهما".
* * *
1883 -
وقال عبد الله بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه: ما رَأَيْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلاةً إلَاّ لِمِيْقاتِهَا إلَاّ صلاتَيْنِ: صلاةَ المغرب والعِشاء بِجَمْعٍ، وصَلَّى الفَجْرَ يومئذٍ قَبْلَ مِيقاتِهَا.
"قال عبد الله بن مسعود: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاةً إلا لميقاتها"؛ أي: لوقتها.
"إلا صلاتين: صلاة المغرب والعشاء بجمع"؛ أي: بمزدلفة.
"وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها"؛ أي: قبل وقتها المعهود وهو الإسفار؛ ليسير إلى المشعر الحرام ويقف فيه ويدعو ويفرغ قبل طلوع الشمس ليعجل السير إلى منى، ويشتغل بالرمي والنحر والحلق.
1884 -
وقال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أَنا مِمنْ قَدَّمَهُ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ المُزْدلفَةِ في ضَعَفَةِ أهلِهِ.
"وقال ابن عباس: أنا ممن قدَّم النبي عليه الصلاة والسلام ليلة المزدلفة في ضَعَفَة أهله": جمع ضعيف؛ يعني: بعثني رسول الله عليه الصلاة والسلام مع ضعفاء أهله من النساء والصبيان - قيل: صبح ليلة العيد -؛ لئلا يزدحمنا الناس في السير.
* * *
1885 -
وعن ابن عبَّاس رضي الله تعالى عنهما، عن الفَضْلِ بن عبَّاس، وكانَ رَديفَ النبيِّ الله صلى الله عليه وسلم، أَنه قال في عَشِيَّةِ عَرَفَةَ وغداةِ جَمْعٍ للنَّاسِ حينَ دَفَعُوا:"عَلَيْكُمْ بالسَّكِينَةِ"، وهو كَافٌ نَاقتَهُ حَتَّى دَخَلَ مُحَسِّرًا، وهو مِنْ مِنًى، قال:"عَلَيْكُمْ بحَصَى الخَذْفِ الذي يُرْمَى بِهِ الجَمْرَةُ"، وقال: لَمْ يَزَلْ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُلَبي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبة.
"عن ابن عباس، عن الفضل بن عباس رضي الله عنهما وكان"؛ أي: الفضل بن عباس "رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه"؛ أي: النبي صلى الله عليه وسلم "قال في عشية عرفة وغداة جمع للناس حين دَفَعوا"؛ أي: رجعوا من عرفة إلى المزدلفة ليلة العيد وحين ذهبوا من المزدلفة غداة يوم النحر إلى منى: "عليكم بالسكينة".
"وهو"؛ أي: النبي صلى الله عليه وسلم "كافٌ" بالتشديد، أي: مانع "ناقته": عن السرعة.
"حتى دخل محسِّرًا، وهو من منى قال: عليكم بحصى الخذف": جمع حصاة، وهي الحجر الصغير، و (الخذف) بفتح الخاء وسكون الذال المعجمتين: الرمي برؤوس الأصابع، أي: ارموا.
"الذي يُرمى به جمرة العقبة": ولا ترموا الكبار كيلا يتأذى الناس.
"وقال: لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى الجمرة".
* * *
1886 -
وعن جابر رضي الله عنه قال: أفاضَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ جَمْعٍ وعلَيْهِ السَّكينةُ، وأَمَرَهُمْ بالسَّكِينَةِ، وأَوْضَعَ في وادي مُحَسِّر، وأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْمُوا بمثلِ حَصَى الخَذْفِ، وقال:"لَعَلِّي لا أَرَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذا".
"عن جابر رضي الله عنه أنه قال: أفاض النبي عليه الصلاة والسلام من جمع" يقال: أفاض من المكان: إذا انصرف وأسرع منه إلى مكان آخر.
"وعليه السَّكينة والوقار، وأمرهم بالسكينة، وأوضع"؛ أي: أسرع "في وادي محسِّر، وأمرهم أن يرموا بمثل حصى الخذف، وقال: لعلِّي لا أراكم بعد عامي هذا" وهذا وداع منه عليه الصلاة والسلام للأمة، و (لعلّ) هنا للظن؛ أي: تعلَّموا مني أحكام الدين، فإني أظن أنْ لا أراكم في العام القابل، وكان الأمر كما ظن عليه الصلاة والسلام، فإنه فارق الدنيا في الثاني عشر من ربيع الأول في السنة العاشرة من الهجرة.
* * *
مِنَ الحِسَان:
1887 -
عن محمد بن قَيْس بن مَخْرَمَة قال: خَطَبَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنَّ أَهلَ الجاهِليَّةِ كانوُا يَدْفَعُونَ مِنْ عَرفةَ حينَ تكون الشَّمسُ كأنَّها عَمائِمُ الرِّجالِ في وجُوهِهِمْ قبلَ أنْ تغرُبَ، ومِنَ المُزْدلفَةِ بعدَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ حينَ تكون كأنَّها عَمائِمُ الرِّجالِ في وجُوهِهِمْ، وإنَّا لا نَدْفَعُ مِنْ عَرَفَةَ حتَّى تَغْرُبَ
الشَّمْسُ، ونَدْفَعُ مِنَ المُزْدلفَةِ قبلَ أنْ تَطلُعَ الشَّمسُ، هَدْيُنا مُخالِفٌ لِهَدْي أَهْلِ الأَوْثانِ والشِّرْكِ".
"من الحسان":
" عن محمد بن قيس بن مخرمة رضي الله عنه أنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أهل الجاهلية كانوا يدفعون من عرفة حين تكون الشمس كأنها عمائم الرجال في وجوههم قبل أن تغرب، ومن المزدلفة بعد أن تطلع الشمس حين تكون كأنها عمائم الرجال في وجوههم" إنما شبَّه صلى الله عليه وسلم ما يقع من الضوء على الوجه في طرفي النهار حين دنوِّ الشمس من الأفق غروبًا وطلوعًا بالعمامة؛ لأن الناظر إذا نظر إليها في أحد هذين الوقتين وهو في الأودية يجد الضوء في وجهه ككورِ العمامة فوق الجبين؛ لأنه حينئذ لم يصبه من الشمس إلا شيء قليل يلمع لمعان بياض العمامة فوقه.
"وإنا لا ندفع من عرفة حتى تغرب الشمس، وندفعُ من المزدلفة قبل أن تطلع الشمس، هَدْيُنا"؛ أي: ديننا وسيرتنا "مخالف لهدي أهل الأوثان والشرك"؛ أي: لهدي عبدة الأوثان وأهل الشرك.
* * *
1888 -
قال ابن عباس رضي الله عنهما: قَدَّمَنا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ المُزدلفَةِ أُغيْلِمَةَ بني عَبْدِ المُطَّلِبِ على حُمُراتٍ، فجعلَ يَلْطَحُ أَفخاذَنا، ويقول:"أَبنيَّ! لا تَرْمُوا الجَمْرَةَ حتَّى تَطلُعَ الشمسُ".
"وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: قدَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "؛ أي: بعثنا "ليلة المزدلفة" إلى المزدلفة قبل سائر الناس.
"أغيلمةَ بني عبد المطلب" تصغير أَغْلِمة: جمع غلام، يريد بها الصبيان،
نصبٌ على التفسير لضمير (قدمنا)، أو على الاختصاص.
"على حُمرات"؛ أي: راكبين على حُمرات - بضم الحاء والميم - جمع حُمُر، وهي جمع حمار، وهذا يدل على استحباب تقديم الضعفة، حتى لا يتخلفوا ولا يتأذَّوا بالاستعجال والازدحام.
"فجعل"؛ أي: طفق.
"بلطخ أفخاذنا"؛ أي: يَضْرِبها ببطن كفه ضربًا خفيفًا للتلطُّف.
"ويقول: أُبَيْنيَّ" بضم الهمزة: تصغير أَبنى كأعمى وأُعيمى، وهو اسمُ جمع للابن، كذا ذكره سيبويه، ثم صغِّر وجُمع جمعَ السلامة، ثم أضيف إلى الياء.
"لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس" يدل على أن الرمي قبل طلوع الشمس بعد نصف الليل لا يجوز، وبه قلنا ومالك وأحمد.
* * *
1889 -
وعن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: أرسَلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بأُمِّ سَلَمَةَ ليلةَ النَّحْرِ، فَرَمَتْ الجَمْرَةَ قَبْلَ الفَجْرِ، ثمَّ مَضَتْ فأفاضَتْ، كانَ ذلكَ اليومُ اليومَ الذي يكونُ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عِنْدَها.
"عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أرسل النبي عليه الصلاة والسلام بأم سلمة" الباء زائدة؛ أي: أرسلها صلى الله عليه وسلم "ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر" يدل على جواز الرمي قبله، وبه قال الشافعي، وقلنا: هذا رخصة خاصة لها.
"ثم مضت"؛ أي: ذهبت من منى.
"فأفاضتا"؛ أي: فانصرفت وطافت بالبيت.