الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 - كِتابُ الدَّعَوَاتِ
9 -
كِتابُ الدَّعَوَاتِ
(كتاب الدعوات)
مِنَ الصِّحَاحِ:
1589 -
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لِكُلِّ نبَيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فتعجَّلَ كُلُّ نبَيٍّ دَعْوَتَهُ، وإنِّي اختَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأمَّتي يومَ القيامَةِ، فهيَ نائلةٌ - إنْ شاءَ الله - مَنْ ماتَ مِنْ أُمَّتي لا يُشْرِكُ بالله شيئًا".
"من الصحاح":
" عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكل نبيٍّ دعوةٌ مستجابةٌ، فتعجَّل كلُّ نبيٍّ دعوتَه"، العَجَلة: ابتغاء الشيء قبل أوانه، والمراد به: أن كلَّ نبيٍّ دعا على أمته بالهلاك، كما أن نوحًا دعا على أمته حتى غرقوا بالطوفان، وصالحًا دعا على أمته حتى هلكوا بالصيحة، وكذلك شعيب وموسى وغيرهم.
"وإني اختَبأتُ دعوتي"، الاختباء: الستر والإخفاء؛ يعني: اتخذتها خبيئة وادَّخرتها.
"شفاعةً لأمتي"؛ أي: لأَنْ أَصرفَها لهم من جهة الشفاعة إلى يوم القيامة.
"فهي"؛ أي: الشفاعةُ.
"نائلةٌ"؛ أي: واصلةٌ ومُدرِكةٌ.
"إن شاء الله تعالى مَن ماتِ": في محل النصب على أنه مفعول به لـ (نائلة)؛ أي: نائلةٌ كلَّ مَن ماتَ.
"مِن أمتي لا يُشرِك بالله شيئًا": الجملة حال من فاعل (مات)، وإنما ذكر (إن شاء الله تعالى) مع حصولها له لا محالة؛ أدبًا وامتثالًا بقوله سبحانه:{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23 - 24].
* * *
1590 -
وقال: "اللهمَّ إنِّي أتَّخِذُ عِنْدَكَ عَهْدًا لنْ تُخْلِفَنيهِ، فإنَّما أنا بشرٌ، فأيُّ المُؤمِنينَ آذَيْتُهُ شَتَمْتُهُ لَعَنْتُهُ جَلَدْتُهُ فاجْعَلْهَا لهُ صلاةً، وزكاةً، وقُرْبةً تُقَرِّبُهُ بها إليكَ يومَ القيامَةِ".
"وعنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أتَّخذ"؛ أي: أَلتمسُ وأَسألُ.
"عندك عهدًا"؛ أي: أمانًا "لن تُخْلِفَنِيه"؛ أي: أرجو ألا تردَّني به؛ فإن دعاءَ الأنبياء لا يُرَدُّ.
"فإنما أنا بَشَرٌ": إشارة إلى ظلومية البشر وجهوليته، وتمهيد لعذره فيما يبدو منه عليه الصلاة والسلام من شتمٍ أو ضربٍ أو نحوهما؛ لأن المؤدِّي إليه الغضبُ، الذي هو من لوازم البَشَر.
"فأيُّ المؤمنين آذيتُه": بيان وتفصيل لِمَا كان يلتمسه صلى الله عليه وسلم بقوله: (أتخذ عندك عهدًا).
"شَتمتُه، لعنتُه، جلدتُه"؛ أي: ضربتُه، بيان لقوله:(آذيته)، ولذا لم يدخل العاطف.
"فاجعلْها له": تلك الأذيَة لمن آذيتُه "صلاةً"؛ أي: رحمةً.
"وزكاةً"؛ أي: طُهرةً من الذنوب والمصائب.
"وقُربةً تقرِّبُه بها": صفة لكل واحد من (الصلاة) وأخوَيه؛ أي: تقرُّبه بتلك الأذيَّة.
"إليك يومَ القيامة"، روي: أنه عليه الصلاة والسلام خرج يومًا من حُجرته إلى الصلاة، فتعلَّقت به عائشة رضي الله عنها والتمست منه شيئًا، وألحَّت عليه في ذلك، وتجذب ذيله، فقال لها:"قطعَ الله يدَك"، فتركتْه وجلستْ في حُجرتها مُغضبَةً ضيقةً الصدرِ، فلما رجع إليها ورآها كذلك قال:"اللهم إني أتخذ عندك عهدًا. . . " إلخ، تطييبًا لقلبها، فالسُّنةُ لمن دعا على أحدٍ أن يدعوَ له؛ جبرًا لفعله.
* * *
1591 -
وقال: "إذا دَعَا أحدُكُمْ فلا يَقُلْ: اللهمَّ اغْفِرْ لي إنْ شِئْتَ، ارْحَمْنِي إنْ شِئْتَ، ارْزُقْنِي إنْ شِئْتَ، ولْيَعْزِمْ مسأَلَتَهُ، إنَّهُ يفعلُ ما يشاءُ، لا مُكْرِهَ لَهُ".
وفي روايةٍ: "ولكن لِيَعْزِمْ، ولْيُعَظِّمْ الرَّغْبَةَ، فإنَّ الله لا يَتَعاظمُهُ شيءٌ أَعْطاهُ".
"وعنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دعا أحدُكم فلا يقل: اللهم اغفِرْ لي إن شئتَ، ارحمْني إن شئتَ، ارزقْني إن شئتَ"؛ لأن هذا شكٌّ في قَبول الدعاء، وهذا لا يجوز في حق الله تعالى؛ لأنه كريمٌ وقديرٌ.
"وَلْيَعزِمْ مسألتَه" أي: لِيَقطعْ وَلْيَجزِمْ فيها من غير شكٍّ وتردُّدٍ بالإجابة.
"أنه": بفتح الهمزة في الرواية المعتبرة: مفعولًا له للعزم؛ أي: لأنه "يفعل ما يشاء"، أو مفعولًا به للمسألة؛ أي: ليعزم مسألتَهُ فعلَ ما يشاء.
"لا مُكْرِهَ له"؛ أي: لا يَقدِرُ أحدٌ أنْ يُكرِهه على فعلِ أمرٍ وتركِه، بل يَفعَل ما يشاء ويَحكُم ما يريد.
"وفي رواية: ولكنْ لِيَعزِمْ وَلْيُعظم الرغبةَ؛ فإن الله تعالى لا يتعاظَمُه شيءٌ أعطاه"؛ أي: لا يَعظُمُ ولا يَكبُرُ عليه إعطاءُ شيءٍ، بل جميعُ الموجودات والمعدودات في أمره يسيرٌ.
* * *
1592 -
وقال: "يُسْتَجابُ للعبدِ ما لَمْ يَدْعُ بإثْمٍ أو قَطِيعَةِ رَحِمٍ، ما لمْ يَسْتَعْجِلْ"، قيلَ: يا رسُولَ الله، ما الاسْتِعْجَالُ؟، قال:"يقولُ: قَدْ دَعَوْتُ، وقدْ دَعَوْتُ، فلمْ أَرَ يُسْتَجَابُ لي، فيَسْتَحْسِرُ عندَ ذَلِكَ، ويَدَعُ الدُّعَاءَ".
"وعنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُستجاب للعبدِ ما لم يَدْعُ بإثمٍ"، مثل أن يقول: اللهم انصرْني على قتل فلان، وهو مُسلِم، أو: اللهم ارزقْني الخمرَ، ونحو ذلك.
"أو قطيعةَ رَحِم"، مثل أن يقول: اللهم باعِدْ بيني وبين أبي أو أمي أو أخي وغير ذلك؛ فإن مثلَ هذا الدعاء لا يُقبَل.
"ما لم يَستعجِلْ"؛ أي: يُقبَل دعاؤه بشرط ألا يَستعجلَ.
"قيل: يا رسولَ الله! ما الاستعجالُ؟ قال: يقول الداعي: قد دعوتُ، وقد دعوتُ"؛ أي: دعوتُ مرة ومرتين وأكثر.
"فلم أَرَ يُستجاب لي"؛ أي: لم أَرَ قَبولَ دعائي.
"فيَستَحْسِر"؛ أي: ينقطعُ ويَمَلُّ "عند ذلك" من الدعاء.
"ويَدَعُ الدعاءَ"؛ أي: يتركُه، فلا ينبغي للمؤمنين أن يملَّ من الدعاء؛ لأنه عبادةٌ.
وتأخير الإجابة إما لأنه لم يأتِ وقتُه؛ لأن لكلَّ شيءٍ وقتًا مقدَّرًا في الأزل، أو لأنه لم يُقدَّر في الأزل قَبولُ دعائه، فيُعطَى في الآخرة من الثواب عوضَه، أو يؤخِّر دعاءَه ليلحَّ ولِيبالغَ في الدعاء؛ فإنَّ الله يحبُّ المُلِحِّين في الدعاء.
* * *
1593 -
وقال: "دَعوةُ المَرءِ المُسلمِ لأخِيهِ بظهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عندَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لأخِيهِ بخَيْرٍ قالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بهَ: آمينَ، ولكَ بمِثْلهِ".
"عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوةُ المرءِ المسلِمِ لأخيه بظَهر الغيب"، (الظَّهر) مقحم، والمراد بالغيب: غَيبة المَدعوِّ له.
"مستجابةٌ"؛ لخُلوصِ دعائِه عن الرِّياء.
"عند رأسه مَلَك موكَّل، كلما دعا لأخيه بخير قال المَلَك الموكَّل به: آمين، ولك بِمثْلٍ": بكسر الميم على الأشهر، وتنوينُه عوضٌ عن المضاف إليه؛ يعني: بِمثْلِ ما دعوتَه.
وهذا في الحقيقة دعاءٌ مِن المَلَك بِمثْلِ ما دعاه لأخيه، قيل: كان السَّلَفُ إذا أراد أن يدعوَ لنفسه يدعو لأخيه المسلم بتلك الدعوة؛ ليدعوَ له المَلَكُ بِمثْلِها، فيكون أعونَ للاستجابة.
* * *
1594 -
وقال: "اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّه لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الله حِجابٌ".
"عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتَّقِ"؛ أي: احذَرْ "دعوةَ المظلوم"؛ يعني: لا تظلمْ أحدًا حتى لا يدعوَ عليك.
"فإنه ليس بينها"؛ أي: بينَ دعوتِه "وبينَ الله حجابٌ" إذا دعا على ظالمه يَقبَل الله دعاءَه.
* * *
1595 -
وقال: "لا تَدْعُوا على أنفُسِكُمْ، ولا تَدعُوا على أولادِكُمْ، ولا تَدعُوا على أموالِكُمْ، لا تُوافِقُوا مِنَ الله ساعةً يُسألُ فيها عَطاءٌ فَيُسْتَجابُ لكُمْ".
"وعن جابر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدعوا على أنفسكم"؛ أي: دعاءَ سوءٍ.
"ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم؛ لا توافقوا"؛ أي: كيلا توافقوا "من الله ساعةً يُسأل فيها عطاءً": الجملة صفة (ساعة)، و (العطاء): ما يُعطَى من خيرٍ أو شرٍّ، وأكثر استعماله في الخير؛ يعني: ساعةَ الإجابةِ.
"فيستجيب (1) لكم"، فتندموا على ما دعوتُم، ولا ينفعكم حينئذٍ الندمُ.
* * *
مِنَ الحِسَان:
1596 -
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الدُّعاء هو العِبادةُ"، ثم قرأ:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} .
(1) جاء على هامش "غ": "السُّنَّةُ أن يترصَّدَ لدعائه الأوقاتَ الشريفةَ، سَحَرًا: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}، يوم جمعة، يوم عرفة. إن يعقوب - عليه الصلاة السلام - لما قام وقتَ السَّحَر دعا وأولاده يؤمِّنون خلفَه، فأوحى الله إليه: إني قد غفرت لهم، وجعلتهم أنبياء. قال أبو هريرة، يرفعه: "إن أبواب السماء تُفتح عند زحف الصفوف في سبيل الله، وعند نزول الغيث، وعند إقامة الصلوات المكتوبة".
"من الحسان":
" عن النعمان أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدعاءُ هو العبادةُ"؛ لأن المقصودَ الأعظمَ من العبادة: الإقبالُ عليه تعالى، والإعراضُ عما سواه، بحيث لا يُرجَى ولا يُخاف إلا إياه، والدعاءُ لا ينفك عن هذه المعاني، فجعلَه عليه الصلاة والسلام نفسَ العبادة.
"ثم قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} ".
* * *
1597 -
ورُويَ: "الدُّعاءُ مُخَّ العِبادةِ".
"ويروى: الدعاءُ مُخُّ العبادِة"، مُخُّ الشيءِ: خالصُه.
* * *
1598 -
وقال: "ليسَ شيءٌ أكرمَ على الله مِنَ الدُّعاءِ"، غريبٌ.
"وعن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس شيءٌ أكرمَ على الله من الدعاء"؛ لأن فيه إظهارَ العجزِ، والاعترافَ بالفقرِ، والتذلُّلَ.
"غريب".
* * *
1601 -
وقال: "ما مِنْ أحَدٍ يَدْعُو بِدُعاءٍ إلَاّ آتَاهُ الله ما سأَلَ، أوْ كَفَّ عنه مِنَ السُّوءِ مِثْلَهُ، ما لَمْ يَدْعُ بإثْمٍ، أوْ قَطِيعَةِ رَحِم".
"وعن عبادة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما مِن أحدٍ يدعو بدعاء إلا آتاه الله تعالى ما سَألَ" إن جرى في الأزل تقديرُ إعطائِه ما سَألَ.
"أو كفَّ عنه من السوء مِثلَه"؛ أي: يدفعُ عنه البلاءَ عوضَ ما مُنِعَ مما سَأَل إن لم يجرِ التقديرُ.
"ما لم يَدْعُ بإثمٍ أو قطيعةِ رَحِمٍ".
* * *
1599 -
وقال: "لا يَرُدُّ القَضاءَ إلَاّ الدُّعاءُ، ولا يزيدُ في العُمْرِ إلَاّ البرُّ".
"وعن سلمان أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يَرُدُّ القضاءَ إلا الدعاءُ": قيل: المراد بـ (القضاء): ما يَخاف العبدُ من نزول ما يكرهه مجازًا، فإذا وُفِّقَ الدعاء رُفِعَ عنه ذلك.
وقيل: المراد: هو القضاء المُعلَّق بالدعاء، وهذا الحديث كحديث الرخصة في التداوي، مع أنه لا ينفع دواءٌ داءً إلا ما قُدِّرَ أزلًا نفعُه فيه فكذلك كلُّ قضاءٍ قُدِّرَ دفعُه بالدعاء اندفعَ، وما لا فلا.
"ولا يزيد في العمر إلا البِرُّ"، معناه: إذا برَّ لا يضيع عمره، فكأنه زاد، وقيل: يُزاد حقيقةً، قال تعالى:{وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} [فاطر: 11]، وقال تعالى:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39].
* * *
1600 -
وقال: "إنَّ الدُّعاءَ ينفعُ مما نزلَ، ومما لَمْ ينزِلْ، فعلَيْكُمْ - عِبادَ الله - بالدُّعاءِ".
"وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الدعاءَ ينفعُ مما نَزلَ، ومما لم ينزل"؛ أي: يسهِّل الله بسبب الدعاء تحمُّلَ ما نزل به من البلاء، فيصبِّره عليه، ويُرضيه به؛ حتى يصيرَ القضاءُ النازلُ به كأنْ لم ينزل؛ إما بالتخفيف، أو الصرف.
"فعليكم - عبادَ الله - بالدعاء"؛ أي: الزَمُوا الدعاءَ.
"غريب".
* * *
1602 -
وقال: "سَلُوا الله مِنْ فَضْلِهِ، فإنَّ الله يُحِبُّ أنْ يُسأَلَ، وأفضلُ العِبادَةِ انتِظارُ الفَرَجِ"، غريب.
"وعن ابن مسعود أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سَلُوا الله مِن فضلِه"؛ أي: اطلبُوا حوائجَكم من الله الكريم.
"فإن الله يحبُّ أنْ يُسألَ"؛ أي: يُطلَب منه الحاجات.
"وأفضلُ العبادةِ انتظارُ الفَرَج"، بترك الشِّكاية من البلاء النازل، والصبر عليه حتى يُفرَّجَ عنه؛ لأن الصبرَ في البلاء انقيادٌ لقضاء الله تعالى، وهو أفضلُ العبادة.
"غريب".
* * *
1603 -
وقال: "مَنْ لَمْ يَسْأَلِ الله يَغْضَبْ عليهِ".
"وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن لم يَسألِ الله يَغْضَبْ عليه"؛ لأن تركَ السؤالِ تكبُّرٌ واستغناءٌ، فهذا لا يجوز للعبد.
والمراد بـ (غضب الله): إرادةُ إيصالِ العقوبةِ إلى مَن غَضبَ عليه.
* * *
1604 -
وقال: "مَنْ فُتِحَ لَهُ مِنْكُمْ بابُ الدُّعاءِ فُتِحَتْ له أبوابُ الرَّحمةِ، وما سُئِلَ الله شيئًا - يعني أَحَبَّ إليهِ - مِنْ أنْ يُسألَ العَافِيةَ".
"وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن فُتِحَ له منكم بابُ الدعاء فُتحتْ له أبوابُ الرحمة، وما سُئلَ الله شيئًا أحبَّ إليه مِن أنْ يُسألَ العافيةَ"، والمراد هنا: وجدانُ الشخصِ كفافًا مِن قُوتٍ ولباسٍ وصحةِ بدنٍ، واشتغالُه بأمر دِينه، وتركُه ما لا ضرورةَ ولا خيرَ له فيه.
* * *
1605 -
وقال: "مَنْ سَرَّهُ أن يَسْتَجِيبَ الله لهُ عِندَ الشَّدائِدِ فلْيُكْثِرِ الدُّعاءَ في الرَّخاءِ"، غريب.
"وعن أبي هريرة أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: مَن سرَّه أن يَستجيبَ الله له"؛ أي: أراد أن يَقبَلَ الله دعاءَه.
"عند الشدائد" جمع: شديدة، وهي الحادثة والمَشقَّة.
"فَلْيُكثِرِ الدعاءَ في الرَّخاء" بفتح الراء: ضد الشِّدَّة.
"غريب".
* * *
1606 -
وقال: "ادْعُوا الله وأنتُمْ مُوقِنُونَ بالإجَابَةِ، واعْلَمُوا أن الله لا يَسْتَجِيبُ دُعاءً مِنْ قَلْبٍ غافِلٍ لاهٍ"، غريب.
"وعنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعوا الله وأنتم مُوقِنون بالإجابة"؛ أي: كونوا أوانَ الدعاءِ على حالةٍ تستحقُّون معها الإجابةَ، وذلك بإتيان المعروف واجتناب المُنكَر، وغير ذلك من مراعاة أركان الدعاء، لتكونَ الإجابةُ أغلبَ على القلب من الردِّ، ويتأيَّد بقوله:"واعلموا أن الله لا يستجيبُ دعاءً مِن قلبٍ غافلٍ"؛ أي: مُعرِضٍ عن الله، أو عما يَسألُه.
"لاهٍ"، من: لَهِيَ - بالكسر - يَلْهَى لَهْيًا؛ أي: تاركٍ، أو من: اللهو، اللعب؛ أي: لاعبٍ عما سأله، وقيل: معنى قوله: (وأنتم موقنون بالإجابة): كونوا معتقدين بحصول الإجابة؛ لأن الداعيَ ما لم يكن رجاؤُه واثقًا لم يكن دعاؤُه صادقًا.
"غريب".
* * *
1607 -
وقال: "إذا سأَلْتُمُ الله فاسْأَلُوهُ بِبُطونِ أَكُفِّكُمْ، ولا تسأَلُوهُ بظُهُورِها".
"وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سألتُم الله فاسألوا ببطون أكفِّكم" جمع: الكَفِّ؛ لأن الداعيَ ببطنِ الكَفِّ منتظر لنزول الرحمة والإجابة، فَلْيَبسطْ كفَّيه متواضعًا متخشِّعًا، ويمدَّهما إليه مَدَّ المحتاج إلى المحتاج إليه.
"ولا تسألوه بظهورها"؛ لأن ظَهَر الكَفِّ إشارةٌ إلى الدَّفع، لا إلى الطلب.
* * *
1608 -
ويُروى: "فإذا فَرَغْتُمْ فامْسَحُوا بها وجُوهَكُمْ".
"ويروى: فإذا فرغتُم"؛ أي: من الدعاء.
"فامسحوا بها"؛ أي: بكفِّكم "وجوهَكم"؛ فإنها تنزل عليها آثارُ الرحمة، فتصل بركتُها إلى الوجوه.
* * *
1609 -
وقال: "إنَّ ربَّكُمْ حَييٌّ كريمٌ، يَسْتحيي من عبْده إذا رفعَ يدَيهِ إليه أنْ يَرُدَّهُما صِفْرًا".
"وعن سلمان أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ربَّكم حَييٌّ": يُفسَّر في حق الله بما هو الغرض في النهاية، وغرضُ الحييِّ من الشيء: تركهُ والإباءُ عنه.
"كريم، يستحيي من عبده إذا رفعَ يدَيه إليه أن يردَّهما صِفْرًا. أي: خاليًا" من الرحمة.
* * *
1610 -
عن عُمر رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا رفعَ يَدَيْهِ في الدُّعاءِ لَمْ يَحُطَّهُما حتَّى يمسحَ بهما وجْهَهُ.
"وعن عمر (1) رضي الله عنه أنه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا رفعَ يديه في الدعاء لم يَحُطَّهما حتى يمسحَ بهما وجهَه"، وذلك على سبيل التفاؤل فكأن كفيه قد ملئتا من البركات السماوية والأنوار الإلهية.
* * *
1611 -
وقالتْ عائشةُ رضي الله عنها: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَسْتَحِبُّ الجَوامِعَ مِنَ الدُّعاءِ، ويَدَع ما سِوَى ذلك.
"وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَستحبُّ الجَوامعَ من الدعاء"، قيل: هي التي مَجْمَعُ الأغراض الصالحة والمقاصد الصحيحة، أو مَجْمَعُ الثناء عليه تعالى وآداب المسألة.
وقيل: هي التي تشتمل جميعَ الخيرات، مثل قوله: اللهم آتِنا في الدنيا
(1) في جميع النسخ: "عن ابن عمر".
حسنةً، وفي الآخر حسنةً. . . " إلى آخره.
"ويَدَعُ"؛ أي: يَتركُ "ما سوى ذلك".
* * *
1612 -
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أسْرَعَ الدُّعاءِ إجابةً دعوةُ غَائبٍ لغَائِبٍ".
"وعن عبد الله بن عمرو أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أسرعَ الدعاءِ إجابةً دعوةُ غائبٍ لغائبٍ"؛ لخلوصِه لله، وصدقِ النيةِ فيه، وبُعدِه عن شائبة الرِّياء والمُداهَنَة.
* * *
1613 -
وقال عُمر بن الخَطَّاب رضي الله عنه: اسْتَأْذَنْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في العُمْرَةِ، فأذِنَ لي وقال:"أشْرِكْنَا - يا أُخَيَّ - في دُعائِكَ، ولا تَنْسَنَا"، فقالَ كلمةً ما يَسُرُّني أن لي بها الدُّنيا.
"وقال عمر بن الخطاب: استَأذنتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في العمرة، فأَذِنَ لي وقال: أَشرِكْنا يا أخي في دعائك"، ويروى:(أُخيَّ) بالتصغير؛ تلطُّفًا وتعطُّفًا.
"ولا تَنْسَنا"، فيه: إظهارُ الخشوع والفاقة إلى الله في مقام العبودية بالتماس الدعاء ممن عُرف السبيلُ بهدايته.
وفيه: حثٌّ الأُمة على الرغبة في دعاء الصالحين والتبرُّك بهم.
وفيه: تعليمُهم بألا يخصُّوا أنفسَهم بالدعاء، وينسَوا إخوانَهم في مظانِّ الرجاء.
"فقال"؛ أي: الرسولُ عليه الصلاة والسلام "كلمةً": وهي (أَشرِكْنا)،
أو (يا أخي)، أو (لا تنسنا)، ولم يصرِّح بها؛ توقيًا عن تفاخُرٍ ونحوه من آفات النفوس.
"ما يسرُّني أن لي بها الدنيا"، (ما): للنفي، والباء في (بها): للمقابلة؛ أي: لو كانتِ الدنيا لي بدلَ تلك الكلمة لَمَا سرَّني؛ فإن تلك الكلمةَ خيرٌ من الدنيا وما فيها.
* * *
1614 -
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حينَ يُفْطِرُ، والإمامُ العادِلُ، ودعوةُ المَظْلومُ يَرفَعُهَا الله فوقَ الغَمامِ وَيُفْتَحُ لها أبوابُ السَّماءِ، ويقولُ الرَّبُّ: وعِزَّتي لأَنْصُرَنَّكَ ولو بعدَ حينٍ".
"وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثةٌ لا تُرَدُّ دعوتُهم"، سرعةُ قَبول الدعاء إنما يكون لصلاح الداعي، أو لتضرُّعه في الدعاء عنده تعالى.
"الصائم حين يُفطِر"، إنما يُقبَل دعاؤُه؛ لأنه فَرَغَ من عبادةٍ محبوبةٍ إلى الله تعالى مَرْضيَّةٍ، كما قال صلى الله عليه وسلم حكايةً عن الله تعالى:"الصومُ لي".
"والإمام العادل"؛ لأن عدَله أفضلُ العبادات، إذ عدلُ ساعةِ يَعدِلُ عبادةَ ستين سنةً.
"ودعوة المظلوم"؛ لأنه لمَّا لحقَه نارُ الظلم واحترقتْ أحشاؤُه خرج منه الدعاءُ عن التضرُّع، وصار مضطرًا إلى قَبول الدعاء، فيُقبَل دعاؤُه كما قال تعالى:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62].
"يرفعُها الله": حال من (دعوة المظلوم)؛ أي: يرفعُ الله دعوةَ المظلوم.
"فوقَ الغَمَام": قيل: هو السَّحَاب الأبيض فوق السماء السابعة.
"وَيفتَحُ لها"؛ أي: لدعوته "أبوابَ السماء"، ورفعها وفتح أبواب السماء كنايتان عن سرعة قَبول دعوته.
"ويقول الربُّ جلَّ ذِكُره: وعِزَّتي! لأنصُرَنَّكَ" أيُّها المظلومُ "ولو بعدَ حينٍ"، والحِين: يُستعمل لمطلقَ الوقت، ولستة أشهر، ولأربعين سنةً، والله أعلم بالمراد.
يعني: لا أُضيع حقَّك ولا أردُّ دعاءَك ولو مضى زمانٌ طويلٌ؛ لأني حليمٌ لا أعجلُ عقوبةَ العباد، فلعلهم يرجعون عن الظلم والذنوب إلى التوبة وإرضاء الخصوم.
* * *
1615 -
وقال: "ثلاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَاباتٍ لا شَكَّ فيهنَّ: دعوةُ الوالِدِ، ودعوةُ المُسافِرِ، ودعوةُ المَظْلُومِ".
"وعنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثُ دعواتٍ مستجاباتٍ لا شكَّ فيهن"، إنما أكَّدها به لالتجاء هؤلاء الثلاثة إلى الله بصدق الطلب، ورقة القلب، وانكسار البال.
"دعوة الوالد لولده"؛ لأنه لا يدعو له إلا على نعت الشفقة والرقة التامة، وكذا دعوته عليه؛ لأنه لا يدعو عليه إلا على نعت المبالغة من إساءته إليه، ويُقاس عليه دعوةُ الوالدة.
"ودعوة المسافر": يحتمل أن تكون دعوتُه بالخير لمن أَحسنَ إليه، وبالشر لمن آذَاه وأساءَ إليه؛ لأن دعاءَه لا يخلو عن الرقة.
"ودعوة المظلوم"؛ لأنه مضطرٌ لِمَا بيَّنَّا.
* * *