المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌14 - باب إحياء الموات والشرب - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ٣

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌8 - كِتَابُ فَضَائِل القُرْآنِ

- ‌فصل

- ‌ فصلً

- ‌9 - كِتابُ الدَّعَوَاتِ

- ‌2 - باب ذِكْرِ الله عز وجل والتَّقرُبِ إليهِ

- ‌3 - باب أَسْماءِ الله تعالى

- ‌4 - باب ثَواب التَّسبيح والتَّحميد والتَّهليل

- ‌5 - باب الاستِغفار والتَّوبة

- ‌فصل

- ‌6 - باب ما يقُول عند المصَّباح والمَسَاء والمَنام

- ‌7 - باب الدَّعَواتِ في الأَوْقاتِ

- ‌8 - باب الاستِعاذَة

- ‌9 - باب جامع الدعاء

- ‌10 - كِتَابُ الحَجِّ

- ‌1 - باب المَناسِك

- ‌2 - باب الإِحْرام والتَّلْبية

- ‌3 - قِصَّةُ حجة الوداع

- ‌4 - باب دُخُول مَكَّةَ والطواف

- ‌5 - باب الوُقوف بِعَرَفة

- ‌6 - باب الدفْع من عَرَفَةَ والمُزْدَلِفَة

- ‌7 - باب رَمْيِ الجِمَار

- ‌8 - باب الهَدْي

- ‌9 - باب الخلق

- ‌فصل

- ‌10 - باب الخُطْبة يومَ النحر ورَمْي أيام التشريق والتوديع

- ‌11 - باب ما يجتنبه المحرم

- ‌12 - باب المحرِم يَجتنِب الصيد

- ‌13 - باب الإِحْصَار وفَوْت الحَجّ

- ‌14 - باب حرَم مكةَ حرَسَها الله

- ‌15 - باب حرَم المَدينة على ساكنها الصلاةُ والسلام

- ‌11 - كِتَابُ البُيُوعِ

- ‌1 - باب الكَسْب وطلَب الحلال

- ‌2 - باب المُساهلةِ في المُعاملة

- ‌3 - باب الخِيَارِ

- ‌4 - باب الرِّبا

- ‌5 - باب المنهي عنها من البيوع

- ‌فصل

- ‌6 - باب السَّلَمِ والرَّهنِ

- ‌7 - باب الاحتِكارِ

- ‌8 - باب الإفلاسِ والإنظارِ

- ‌9 - باب الشَّركة والوَكالةَ

- ‌10 - باب الغَصْبِ والعاريَةِ

- ‌11 - باب الشُّفْعَةِ

- ‌12 - باب المُساقاةِ والمُزارعةِ

- ‌13 - باب الإجارةِ

- ‌14 - باب إحياء المَوَاتِ والشِّرْبِ

- ‌15 - باب العطايا

- ‌فصل

- ‌16 - باب اللُّقَطَة

- ‌17 - باب الفرائضِ

- ‌18 - باب الوصايا

- ‌12 - كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌2 - باب النَّظَرِ إلى المَخطوبة وبيانِ العَورات

- ‌3 - باب الوليِّ في النِّكاح واستِئذانِ المَرأةِ

- ‌4 - باب إعلانِ النكاحِ والخِطبةِ والشَّرطِ

- ‌5 - باب المُحرَّماتِ

- ‌6 - باب المُباشَرةِ

- ‌فصل

- ‌7 - باب الصَّداق

- ‌8 - باب الوَليمةِ

- ‌9 - باب القَسْمِ

الفصل: ‌14 - باب إحياء الموات والشرب

يجفَّ عرقُه"، وإنما ذكر ذلك بصيغة الأمر ليعلم أن ذلك من المهام، لا أنه واجب في ساعته.

* * *

2202 -

و"وأعْطُوا السَّائِلَ وإنْ جاءَ على فَرَسٍ"، مرسل.

"وأعطوا السائل وإن جاء على فرس"؛ أي: لا ترد السائل وإن جاء على حالة مظِنة الغنى، فابذُلوا له مروءتكم كما بذل لكم وجهه، ولأن الفارس ربما انقطع زادُه واحتاج إلى القُوت ولم يكن له طريق إلا السؤال.

في بعض النسخ وقع في آخر هذا الحديث "مرسل" وهو سهو؛ لأنه وجد مسنداً إلى ابن عمر، وقيل: أوله مسند إلى ابن عمر، وأورد البقية أبو داود في كتابه بإسناده إلى الحسين بن علي رضي الله عنهما.

* * *

‌14 - باب إحياء المَوَاتِ والشِّرْبِ

" باب إحياء الموات والشرب" بكسر الشين: اسم للنصيب من الماء.

مِنَ الصِّحَاحِ:

2203 -

عن عائشةَ رضي الله عنها عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أعْمَرَ أرضاً ليستْ لأحَدٍ فهوَ أحقُّ بها".

"من الصحاح":

" عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: مَنْ أعمر أرضاً ليست لأحد فهو أحق بها"، والحديث بمنطوقه يدلُّ على أن العمارة

ص: 488

كافية في التملك بلا إذن السلطان، وبمفهومه على أن غيرها من التحجير والإعلام لا يكفي.

* * *

2204 -

وقال: "لا حِمَى إلَاّ لله ورسُولِهِ".

"وعن صعب بن جَثَّامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حمى" بكسر الحاء؛ بمعنى المحمي، وهو موضع الكَلاء يُحمى من الناس والماشية ليكثر كَلاؤه، "إلا لله ورسوله"، وهذا يؤول على إبطال فعل الجاهلية، كان الشريف فيها إذا نزل أرضاً في قبيلة استعْوى كلباً فحمى مدى عوائه من المكان الخصيب لخيله وماشيته، ولا يشركه فيه غيرُه، وهو يشارك القوم فيما يرعون، فنهى عليه الصلاة والسلام عن ذلك، فمعناه: لا حمى لأحد على الوجه الخاص، بل على الوجه الذي حَمَاه عليه الصلاة والسلام لمصالح المسلمين نحو حماية النَّقيع لمصالحهم للخيل المُعَدَّة لسبيل الله، ولرعي إبل الزكاة والجزية، مع أن الحمى كان جائزاً له لخاص نفسه، لكنه لم يفعل، ولا يجوز لأحد من الأئمة بعدَه عليه الصلاة والسلام أن يحمي لخاص نفسه، قيل: ولا للمصالح أيضاً؛ لهذا الحديث، والأكثر على جوازه للمصالح على نحوِ حِمَاه عليه الصلاة والسلام، وقد حمى عمر رضي الله عنه السرف والربذة.

* * *

2205 -

وعن عُرْوَةَ قال: خاصم الزُّبيرُ رجُلاً مِنَ الأنصارِ في شَريجٍ مِنَ الحَرَّةِ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"اِسْقِ يا زُبيرُ ثمَّ أَرسِلِ الماءَ إلى جارِكَ". فقال الأنصاريُّ: أنْ كانَ ابن عمَّتِكَ؟ فتلوَّنَ وَجْهُهُ ثمَّ قال: "اِسْقِ يا زُبيرُ ثمَّ احْبسْ الماءَ حتَّى يَرجِعَ إلى الجَدْرِ، ثمَّ أرسِلْ الماءَ إلى جارِكَ". فاسْتَوْعَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم -

ص: 489

للزُّبير حقَّهُ في صَريح الحُكْمِ حينَ أحفَظَهُ الأنصاريُّ، وكانَ أشارَ عليهِما بأمرٍ لهُما فيهِ سَعَة.

"عن عروة قال: خاصم الزبير رجلاً من الأنصار في شريج" - بكسر الشين المعجمة وفتحها - جمع شرج، وهو مَسيل الماء، وفي أكثر النسخ:(الشراج)، "من الحرة"؛ أي: من بين الحجارة إلى موضع السهل وكانت أرض الزبير أعلى من أرض الأنصاري، وكانا يسقيان من ماء واحد جارٍ في دار، فتنازعا في تقديم السَّقي، فترافعا إلى النبي عليه الصلاة والسلام، "فقال النبيُّ عليه الصلاة والسلام: اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك" يدل على أن مَنْ كانت أرضه أعلى فهو أحقُّ بالسقي أولاً، "فقال الأنصاري: إن كان"؛ أي: لأن كان، بحذف حرف الجر، ومتعلقه؛ يعني: حكمت لأجل أن كان "ابن عمتك"، وكان الزبير ابن عاتكة بنت عبد المطلب، وهي عمةُ النبيَّ عليه الصلاة والسلام، "فتلوَّن"؛ أي: تغير "وجهه" عليه الصلاة والسلام من الغضب واحمرَّ، "ثم قال: اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر" - بفتح الجيم وكسرها وسكون الدال المهملة وفتحها - هو الجدار الحائل بين المشارب، "ثم أرسل الماء إلى جارك، فاستوعى النبي عليه السلام"؛ أي: استوفى "الزبير حقه"؛ أي: أعطى الزبير حقه تاماً "في صريح الحكم" حيث قال عليه الصلاة والسلام: (حتى يرجع إلى الجدر) مأخوذ من الوعاء الذي يجمع فيه الأشياء كأنه جمعه في وعائه "حين أَخفظه"؛ أي: أغضبه "الأنصاريُّ، وكان عليه الصلاة والسلام أشار عليهما" أولاً "بأمرٍ" وهو قوله: "اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك""لهما فيه سَعة"؛ لأنه كان أمراً للزبير بالمعروف، وأخذاً بالمسامحة وحسن الجوار بترك بعض حقه دون أن يكون حكماً عليه منه، فلما رأى الأنصاري يجهل موضعَ حقِّه أَمَرَ الزبير باستيفاء تَمام حقه، وهذا يدل على جواز العفو عن التعزير لسوء أدبه، وإنما حكم عليه الصلاة والسلام على

ص: 490

الأنصاري في حال غضبه مع نهيه الحاكم أن يحكم وهو غضبان: لأنه كان معصوماً مِنْ أن يقول في السُّخط والرضا إلا حقاً.

* * *

2206 -

وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَمنعُوا فَضْلَ الماءِ لتَمنعُوا فَضْلَ الكَلإِ".

"وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام: لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا فضل الكلإ" مرَّ تأويلُه في حديث: "لا يباع فضل الماء ليباع به الكَلاء".

* * *

2207 -

وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: نهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عنْ بيعِ فضْلِ الماءِ.

"وعن جابر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء" مرَّ بيانُه.

* * *

2207/ -م - وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"ثلاثةٌ لا يُكَلِّمُهُمْ الله يومَ القيامةِ ولا ينظرُ إليهم: رجلٌ حَلفَ على سِلْعةٍ، لقد أَعْطَى بها أكثرَ مما أَعْطَى وهو كاذبٌ، ورجلٌ حلفَ على يمينٍ كاذبةٍ بعدَ العصرِ لِتقْتَطِعَ بها مالَ رجلٍ مُسلمٍ، ورجلٌ مَنَعَ فضلَ ماءٍ، فيقولُ الله تعالى: اليومَ أمنعُكَ فضلي كما مَنَعْتَ فضلَ ماءٍ لم تعملْ يداك".

"عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي عليه الصلاة والسلام: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة"؛ أي: كلام الرضا، "ولا ينظر إليهم"؛ أي: لا يلطف بهم: "رجل حلف على سلعة لقد أعطي بها"؛ أي: بالسلعة "أكثر مما أعطي"، كلا

ص: 491

الفعلين على بناء المفعول؛ يعني: رجل يشتري متاعه بمائة فحلف أنَّ رجلاً أعطاني قبلَ هذا بهذا المتاع مائة وعشرين "وهو كاذب" في هذا الكلام، وفي بعض النسخ: كلاهما على بناء الفاعل؛ أي: أعطى هو بها أكثر مما أعطى هو بها، ويجوز أن يكون الأول على بناء الفاعل، والثاني على بناء المفعول؛ أي: أعطى في ثمنها أكثر مما يعطيه المشتري سَوماً، "ورجل حلف على يمين كاذبة"؛ أي: بيمين كاذبة على محلوف عليه غير واقع وهو عالم به "بعد العصر" قيَّد به لأنَّ بعده هو وقت الرجوع إلى أهله بغير ربح، فحلف كاذباً ليربح، أو ذكره لشرف ذلك الوقت، فيكون اليمين الكاذبة في تلك الساعة أغلظ وأشد، أو لأنه عليه الصلاة والسلام كان يعقد للحكومة بعد العصر، "ليقتطع بها مال رجل مسلم"؛ أي: ليأخذه لنفسه متملكاً، "ورجل منع فضل ماء فيقول الله عز وجل: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك"؛ أي: لم يحصل بسعيك، فإني لو لم أخرجه لم يخرج بسعيك، ولو بالغت في الحفر كلَّ المبالغة.

* * *

مِنَ الحِسَان:

2208 -

عن جابرٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَن أحيا أرضاً مَيتَةً فهي له".

"من الحسان":

" عن جابر رضي الله عنه، عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: من أحيا أرضاً ميتة فهي له" مرَّ معناه (1).

(1) في "غ": "تقدم بيانه".

ص: 492

2209 -

وعن الحسنِ، عن سَمُرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَن أَحاطَ حائِطاً على الأرضِ فهو له".

"وعن الحسن، عن سمرة، عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: من أحاط حائطاً على أرض فهي له"؛ أي: مَنْ أحاط جداراً حول أرض موات لحظيرة غنم أو غيره صار ذلك المَحُوط ملكاً له، وقد يستدِلُّ به مَنْ يرى الملك بالتحجير، ولا حجةَ فيه؛ لأن التملك بالإحياء والعمارة.

* * *

2210 -

عن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أقطعَ للزُّبيرِ نخيلاً.

"عن أسماء بنت أبي بكر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع للزبير نخيلاً"؛ أي: أعطاه عليه الصلاة والسلام ذلك من الخُمس الذي هو سهمه، أو من نخيل الكفار، أو من نخيل مسلم مات ولم يخلِّف وارثاً فوقع في بيت المال لكونه مقاتلاً في سبيل الله، أو هو من النخيل التي آثر بها الأنصارُ المهاجرين، أو أقطعه مواتاً ليغرس فيه نخيلاً، والإقطاع: تعيين قطعة من الأرض.

* * *

2211 -

وعن ابن عمرَ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَقطعَ للزُّبيرِ حُضْرَ فرسِه، فأَجْرى فرسَه حتى قامَ، ثم رَمَى بسَوْطِه فقال:"أَعطُوه مِن حيثُ بلغَ السَّوْطُ".

"وعن ابن عمر رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام أقطع للزبير حضر فرسه" بضم الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة؛ أي: مقدار عَدْو فرسه، "فأجرى فرسه حتى قام"؛ أي: وقف ولم يقدر أن يمشي، "ثم رمى"؛ أي: الزبير "بسَوطه" في موضع وقال: أعطني يا رسول الله إلى حيث وَقَع فيه سوطي،

ص: 493

"فقال عليه الصلاة والسلام: أعطوه من حيث بلغ السوط"(من) فيه زائدة، وهذا يدل على جواز إقطاع الإمام من بلاد العَنْوة ما لم يَجْرِ عليه ملكُ مسلم.

* * *

2212 -

وعن عَلْقَمةَ بن وائلٍ، عن أبيه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَقطعَهُ أَرضاً بحضرَمَوْتَ.

"وعن علقمة بن وائل، عن أبيه: أن النبي عليه الصلاة والسلام أقطعه أرضاً بحضرموت" اسم بلد، وهما اسمان جُعلا واحداً.

* * *

2213 -

وعن أبيضَ بن حَمَّالٍ المَأرِبيِّ: أنَّه وفدَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فاستَقطَعَه المِلحَ الذي بمأرِبَ فأَقطعَه إيَّاهُ، فلمَّا ولَّى قال رَجُلٌ: يا رسولَ الله! إنما أَقطعْتَ له الماءَ العِدَّ، قال:"فرجَعَه منه"، قال: وسأله ماذا يُحمى من الأراكِ؟ قال: "ما لم تَنَلْه أخفافُ الإبلِ".

"وعن أبيض بن حَمَّال" بفتح الحاء المهملة والميم المشددة "المأربي"؛ أي: منسوب إلى مأرب وهو بفتح الميم وسكون الهمزة وفتح الراء وكسرها: موضع باليمن مملحة، قيل: أبيض أزدي، وإنما نسب إلى مأرب لنزوله به، وكان اسمه أسود فسماه عليه الصلاة والسلام أبيض، وقيل: مأرب من بلاد الأزد.

"أنه وفد"؛ أي: أتى "إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقطعه الملح"؛ أي: طلب منه إقطاع مَعْدنِ الملح "الذي بمأرب، فأقطعه إياه" لظنه أنه يستخرج منه الملح بالكَدِّ "فلما ولى"؛ أي: رجع "قال رجل" وهو أقرع بن حابس: "يا رسول الله! إنما أقطعت له الماء العد" بكسر العين وتشديد الدال المهملتين؛ أي: الدائم

ص: 494

الذي لا ينقطع مادته، قال: قيل: القائل هو الرجل، والظاهر أنه أبيضُ الراوي، "فرجعه منه"؛ أي: النبي عليه الصلاة والسلام من الإقطاع "قال: وسأله"؛ أي: الرجل النبيَّ عليه الصلاة والسلام، وفيه بيان أن المعدن الظاهر لا يجوز إقطاعه وهو الذي يحصل المقصود منه بلا كَدٍّ ومؤنة؛ كالملح والنفط والكبريت ونحوها، وبيان أن الحاكم إذا حكم بشيء ثم تبيَّن له أن الحق في غيره فعليه أن يرجع عن ذلك الحكم ويحكم ثانياً.

"ماذا يحيى" على بناء المفعول "من الأراك" أراد بالحمى هاهنا: الإحياء "قال عليه الصلاة والسلام: ما لم تنله أخفاف الإبل"؛ أي: ليكن الإحياء في موضع بعيد لا تَصِلُ إليه الإبل السَّارحة، فإنها ترعى إلى غايةِ ما تصل إليه بمشيها على أخفافها، وفيه دليل على أن الإحياء لا يجوز بقرب العمارة، وبما يحتاج إليه أهل البلد من مَرْعى مواشيهم.

* * *

2214 -

وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "المسلمونَ شركاءُ في ثلاثٍ: في الماءِ، والكَلإِ، والنَّارِ".

"وعن أبي خداش، عن رجل، عن النبي عليه الصلاة والسلام: أنه قال: المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء"، والمراد منه: المياه المباحة لكل واحد دون المُحْرز في الظُّروف والمستنبط بالسعي، "والكلاء" والمراد: هو الذي نبت في موات، "والنار" قيل المراد منها: الحجارة التي تُوري النار لا يمنع أحد أن يأخذ حجراً منها إذا كان في الموات، وأما التي أوقدها الرجلُ في منزله فله منعُ الغير منها، ولكن لا يمنع مَنْ يستصبح منها مصباحاً لأنه لا ينقص من عينها شيء.

ص: 495

2215 -

وعن أسمرَ بن مُضَرِّسٍ أنه قال: أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فبايعتُه فقال: "مَن سَبقَ إلى ماءٍ لم يسبقْهُ إليه مُسلمٌ فهوَ لهُ".

"عن أسمر بن مضرس قال: أتيت النبي عليه الصلاة والسلام فبايعته، فقال: من سبق إلى ماء لم يسبقه إليه مسلم"؛ أي: إلى ماء مباح وكذا غيره من المباحات؛ كالكَلاء والحطب ونحوهما "فهو له"، أي: ما أخذه صار ملكاً له دون ما بقي في ذلك الموضع، فإنه لا يملكه.

* * *

2216 -

ورُوِيَ عن طاوسٍ مُرسَلاً أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَن أَحيا مَواتاً مِنَ الأرضِ فهو له، وعادِيُّ الأرضِ للهِ ولرسولهِ، ثم هي لكم مِنِّي".

"وروي عن طاوس مرسلاً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أحيا مواتاً من الأرض فهو له، وعادي الأرض"؛ أي: قديمها، كأنه منسوب إلى عاد قوم هود؛ لتقادم زمانهم، والمراد بها الخراب الذي لا يعرف له مالك من المسلمين، "لله ولرسوله"؛ أي: هي فيء يتصرف فيها الرسول عليه الصلاة والسلام ما يستصْوِبه، "ثم هي لكم مني"؛ أي: إعطائي إياها لكم بأن أَذنتُ وجوَّزتُ لكم أنْ تُحيوها وتَعْمُروها.

* * *

2217 -

ورُوِيَ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أقطعَ لعبد الله بن مسعودٍ الدُّورَ، وهي بينَ ظَهْرانيِ عِمارةِ الأنصارِ مِن المنازلِ والنخلِ، فقالَ بنو عبدِ بن زُهرَة: نَكِّبْ عنَّا ابن أُمِّ عبدٍ، فقالَ لهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"فَلِمَ ابتَعَثَني الله إذاً؟ إنَّ الله لا يُقَدِّسُ أُمَّةً لا يُؤْخَذُ للضَّعيفِ فيهم حَقُّهُ".

"وروي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع لعبد الله بن مسعود الدور" وتأويل هذا

ص: 496

الإقطاع على وجهين؛ أحدهما: أنه أقطعه العَرْصة ليبني فيها، والعربُ تسمي المنزل قبل البناء داراً، فعلى هذا صارت ملكاً له بالبناء، والثاني: أن إقطاع المهاجرين كان على سبيل العارية، وإليه ذهب أبو إسحاق المروزي، فعلى هذا: لا يجري فيها الإرث، وتركت في أيدي أزواجهم بعدهم على سبيل الإرفاق بالسُّكنى.

"وهي بين ظهراني عمارة الأنصار"، يقال أقام بين ظهرانيهم؛ أي: بينهم على سبيل الاستظهار بهم والاستناد إليهم، زيدت الألف، والنون مفتوحة للتأكيد، "من المنازل والنخل" بيان لعمارة الأنصار، "فقال بنو عبد بن زهرة" هم حي من قريش أخوال النبي عليه الصلاة والسلام كانوا من المهاجرين، وكانت أمه عليه الصلاة والسلام منهم، "نكِّب"؛ أي: اصْرِف "عنا ابن أم عبد"، يعنون به عبد الله بن مسعود، وإنما قالوا ذلك استهانة بقربه، وسآمة عن مجاورته، وسألوا الرسول عليه الصلاة والسلام أن يسترد منه ما أقطعه، "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلم ابتعثني الله إذاً"؛ أي: فما الفائدة في ابتعاثي إلى الخلق بالرسالة إذا لم أُسوِّ بين الضعيف والقوي في أخذ الحق من صاحبه له، وإن ابن مسعود ضعيف فقير وأنتم أقوياء أغنياء، فلا أترك معاونته ولا أسترد ما أعطيته لأجل رضاكم، "إنَّ الله لا يقدِّس أمة"؛ أي: لا يطهرهم من الذنوب والآفات، "لا يؤخذ للضعيف" الجملة صفة (أمة)، "فيهم حقه" لا يؤخذ حق الضعيف الذي فيهم.

* * *

2218 -

عن أبي صِرْمَةَ رضي الله عنه صاحبِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَن ضارَّ أَضَرَّ الله بهِ، ومَن شاقَّ شَقَّ الله عليه".

"عن أبي صرمة" بكسر الصاد "صاحب النبي عليه الصلاة والسلام، عن

ص: 497

النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: من ضار"؛ أي: أوصل ضرراً إلى أحد "أضرَّ الله به"؛ أي: أوصل إليه ضرراً، "ومن شاق"؛ أي: أوصل مشقة إلى المسلمين وفرَّق جماعتهم، "شق الله عليه"؛ أي: أوصل إليه مشقة وفرَّق أمره.

* * *

2219 -

عن عمرِو بن شُعيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَضَى في سيلِ المهْزُور، أن يُمسَكَ حتى يبلغَ الكعبينِ، ثم يُرسلَ الأعلى على الأسفلِ.

"عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في سيل مهزور" بالإضافة وتقديم الزاي المعجمة على الراء المهملة، وادٍ لبني قريظة بالحجاز كان يجري فيه الماء ويسقي منه جماعةٌ مزارعَهم، فأمر عليه الصلاة والسلام "أن يمسك حتى يبلغ"؛ أي: الماء في أرضه إلى "الكعبين، ثم يرسل الأعلى إلى الأسفل"؛ أي: إلى مَنْ هو أسفل منه، فعلى هذا الترتيب.

* * *

2220 -

عن سَمُرةَ بن جُندُبٍ رضي الله عنه: أنه كانت لهُ عَضَدٌ مِن نخلٍ في حائطِ رَجُلٍ من الأنصارِ، ومعَ الرَّجلِ أهلُه، وكان سَمُرَةُ رضي الله عنه يدخلُ عليه فيَتأذَى به، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكرَ ذلك لهُ، فطلبَ إليهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لِيَبيعَهُ فأَبى، فطلبَ أنْ يُناقلَه فأَبى، قال:"فهَبْهُ لهُ ولك كذا"، أمراً قَدْ رَغَّبهُ فيهِ فأَبى، فقال: أنتَ مُضارٌّ، فقالَ للأنصاري:"اِذهبْ فاقطَعْ نخلَهُ".

"عن سمرة بن جندب: أنه كان له عضد"؛ أي: صف "من نخل في حائط رجل من الأنصار، ومع الرجل أهله، فكان سمرة يدخل عليه" لإصلاح النخيل، أو لقطف الثمار، "فيتأذى به"؛ أي؛ الرجل بدخول سمرة، "فأتى النبي

ص: 498