المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌5 - باب المنهي عنها من البيوع - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ٣

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌8 - كِتَابُ فَضَائِل القُرْآنِ

- ‌فصل

- ‌ فصلً

- ‌9 - كِتابُ الدَّعَوَاتِ

- ‌2 - باب ذِكْرِ الله عز وجل والتَّقرُبِ إليهِ

- ‌3 - باب أَسْماءِ الله تعالى

- ‌4 - باب ثَواب التَّسبيح والتَّحميد والتَّهليل

- ‌5 - باب الاستِغفار والتَّوبة

- ‌فصل

- ‌6 - باب ما يقُول عند المصَّباح والمَسَاء والمَنام

- ‌7 - باب الدَّعَواتِ في الأَوْقاتِ

- ‌8 - باب الاستِعاذَة

- ‌9 - باب جامع الدعاء

- ‌10 - كِتَابُ الحَجِّ

- ‌1 - باب المَناسِك

- ‌2 - باب الإِحْرام والتَّلْبية

- ‌3 - قِصَّةُ حجة الوداع

- ‌4 - باب دُخُول مَكَّةَ والطواف

- ‌5 - باب الوُقوف بِعَرَفة

- ‌6 - باب الدفْع من عَرَفَةَ والمُزْدَلِفَة

- ‌7 - باب رَمْيِ الجِمَار

- ‌8 - باب الهَدْي

- ‌9 - باب الخلق

- ‌فصل

- ‌10 - باب الخُطْبة يومَ النحر ورَمْي أيام التشريق والتوديع

- ‌11 - باب ما يجتنبه المحرم

- ‌12 - باب المحرِم يَجتنِب الصيد

- ‌13 - باب الإِحْصَار وفَوْت الحَجّ

- ‌14 - باب حرَم مكةَ حرَسَها الله

- ‌15 - باب حرَم المَدينة على ساكنها الصلاةُ والسلام

- ‌11 - كِتَابُ البُيُوعِ

- ‌1 - باب الكَسْب وطلَب الحلال

- ‌2 - باب المُساهلةِ في المُعاملة

- ‌3 - باب الخِيَارِ

- ‌4 - باب الرِّبا

- ‌5 - باب المنهي عنها من البيوع

- ‌فصل

- ‌6 - باب السَّلَمِ والرَّهنِ

- ‌7 - باب الاحتِكارِ

- ‌8 - باب الإفلاسِ والإنظارِ

- ‌9 - باب الشَّركة والوَكالةَ

- ‌10 - باب الغَصْبِ والعاريَةِ

- ‌11 - باب الشُّفْعَةِ

- ‌12 - باب المُساقاةِ والمُزارعةِ

- ‌13 - باب الإجارةِ

- ‌14 - باب إحياء المَوَاتِ والشِّرْبِ

- ‌15 - باب العطايا

- ‌فصل

- ‌16 - باب اللُّقَطَة

- ‌17 - باب الفرائضِ

- ‌18 - باب الوصايا

- ‌12 - كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌2 - باب النَّظَرِ إلى المَخطوبة وبيانِ العَورات

- ‌3 - باب الوليِّ في النِّكاح واستِئذانِ المَرأةِ

- ‌4 - باب إعلانِ النكاحِ والخِطبةِ والشَّرطِ

- ‌5 - باب المُحرَّماتِ

- ‌6 - باب المُباشَرةِ

- ‌فصل

- ‌7 - باب الصَّداق

- ‌8 - باب الوَليمةِ

- ‌9 - باب القَسْمِ

الفصل: ‌5 - باب المنهي عنها من البيوع

"يأخذُ البعيرَ بالبعيرين"، مؤجَّلًا "إلى" أوانِ أَخْذِ "إبلِ الصَّدَقة"، وكان ذلك معلومًا عندهم، وهذا يدلُّ على جواز سَلَم الحيوان به، ولو من جنسه متفاضلًا، وبه قال الشافعيُّ وأحمد.

* * *

‌5 - باب المنهي عنها من البيوع

(باب المنهيِّ عنها من البيوع)

جمع على إرادة الأنواع، وهي على قسمين:

أحدهما: ما يدلُّ على فساد العَقْد، وهو كل ما نهي عنه لخللٍ في نفس العَقْد.

والثاني: ما نهي عنه لمجاورةِ ضرر إياه دون خَلَلٍ فيه.

* * *

مِنَ الصِّحَاحِ:

2067 -

عن ابن عُمَرَ قال: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن المُزَابنةِ: أَنْ يَبيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ إن كان نَخْلًا بِتَمْرٍ كَيلًا، وَإِنْ كان كَرْمًا أَنْ يَبيعَهُ بِزَبيبٍ كَيْلًا، وإنْ كان زَرْعًا أَنْ يَبيعَهُ بِكَيْلِ طَعَام، نهى عن ذلك كلِّهِ.

ويُروى: المُزَابنةُ أَنْ يُبَاعَ ما في رؤوسِ النَّخْلِ بِتَمْرٍ بِكَيْلٍ مُسَمَّى إن زَادَ فَلِي وإنْ نَقَصَ فَعَلَيَّ.

ص: 413

"من الصحاح": " عن ابن عمرَ أنه قال: نهى رسولُ الله عن المزابنة"؛ وهو: "أن يبيعَ تمرَ حائِطه"؛ أي: بستانه "إنْ كانَ نخلًا بتمرٍ كَيْلًا، وإن كانَ كَرْمًا أن يبيعَه بزبيبٍ كيلًا، وإنْ كانَ زَرعًا أن يبيعَه بكيلِ طعامٍ"؛ أي: من الحنطة.

وأصلُها من الزَّبن وهو الدَّفْع؛ لأن أحدَ المتبايعَين إذا غُبن أراد فسخَ العقد، والآخرُ إمضاءَه، فتزابنا؛ أي: تدافعَا فكأنَّ كلًا منهما يدفعُ صاحبَه عن حقِّه بالزيادة.

"نهى عن ذلك كله"؛ لأن ما عليه يقدِرُ خرصًا وهو حَدْس وظنٌّ لا يؤمَنُ فيه مِن التفاوت.

"ويروى: المزابنة: أن يباعَ ما في رؤوس النخلِ بتمرٍ بكيلٍ مسمَّى، إنْ زاد فلي، وإنْ نقصَ فعلَيَّ".

* * *

2068 -

عن جابرٍ رضي الله عنه قال: نهى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ المُخابَرةِ والمُحاقَلَةِ والمُزابنةِ، فالمُحاقَلةُ: أَنْ يَبيعَ الرَّجُلُ الزَّرْعَ بمائَةِ فَرْقٍ حِنْطَةٍ، والمُزَابنةُ: أَنْ يَبيعَ التَّمرَ في رؤُوسِ النَّخْلِ بمائَةِ فَرَقٍ، والمُخابَرَةُ: كِراءُ الأرضِ بالثّلُثِ والرُّبعِ.

"عن جابر أنه قال: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة والمحاقَلَة والمزابنة، فالمحاقَلَة أن يبيعَ الرجلُ الزرعَ" بعد اشتداد الحَبَّ.

"بمئة فَرْقُ حِنْطَة": والفَرْق - بسكون الراء وفتحها -: مكيالٌ بالمدينة يسع ستةَ عشرَ رَطْلًا، والتقييد بالمئة للتَّمثيل وإنما نهى لأن الحنطةَ اليابسةَ بالحنطةِ

ص: 414

القائمةِ على الزرعِ لا يُعرَفُ يقينا أنهما متماثِلان.

"والمزابنةُ أن يبيعَ التمرَ في رؤوس النخلِ بمئة فَرْق" تمرًا، وهذا لأنَّه بعد جفاف الرُّطَب لا يعرَف التماثُل أيضًا.

"والمخابرةُ كِراءُ الأرضِ بالثلثِ أو الربع"؛ يعني: هو أن يعطيَ الرجلُ أرضَه إلى غيرِه ليزرعَها، والبذْر من الزَّارع ليأخذَ صاحبُ الأرضِ بكِرى أرضه ربعَ الغَلَّة أو ثلثها، وما أشبَه ذلك، مشقة من الجُزْء من الخُبرة - بالضم - وهي النصيب، وإنما فسدَ لجهالةِ الأجرة، أو لكونها معدومةً.

* * *

2069 -

وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلةِ والمُزابنةِ والمُخابَرَةِ والمُعاوَمَةِ وعَنِ الثُّنْيَا، ورخَّصَ في العَرَايا.

"عن جابِرِ أنه قال: نهى رسولُ الله عن المحاقَلَة والمزابنة والمخابرة والمعاوَمة"، مفاعلة من العام، وهو أن يبيعَ ثمرةَ بستانِه سنةً قبل أن تظهرَ ثمارُه، وقيل: أن يَبيعه بالسنتين أو ثلاثًا فصاعدًا، وهذا فاسد لأنه بيعُ ما لم يُخلَق.

"وعن الثُّنْيا" - بضم الثاء وسكون النون -: اسمٌ من الاستثناء، وهو أن يَبيعَ ثمرةَ حائطه ويستثنيَ منه جزءًا غيرَ معلومِ القدرِ، فيفسدُ لجهالةِ المَبيع باستثناء غيرِ المعلوم منه.

"ورخصَ في العَرَايا": جمع عَرِيَّة، فسَّرها الأكثرون ببيع الرّطَب والعنبِ على الشجر بالتمر والزبيبِ على وجه الأرض خَرْصًا بتقدير الجفاف بقدْرٍ معلومٍ، فهذا جائز، وبه قال الشافعي.

وذلك لِمَا روي: أن فقراءَ المدينةِ جاؤوا إلى رسولِ الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقالوا: يا رسولَ الله قد نهيتَ عن بيعِ الرطَب بالتمر، وليس عندنا

ص: 415

الذهبُ والفِضَّة فنشتري به الرطبَ، ونشتهيه، فرخَّصَ لهم في ذلك.

* * *

2070 -

وعن سهلِ بن أبي حَثْمَةَ رضي الله عنه قال: نهى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيع التَّمرِ بالتَّمْرِ، إلَاّ أنَّهُ رَخَّصَ في العَرِيَّةِ أَنْ تُباعَ بِخَرْصها تَمْرًا يأكُلُها أهلُها رُطَبًا.

"وعن سهلِ بن أبي حَثْمَة أنه قال: نهى رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن بيع التمرِ بالتمر إلا أنه رَخَّص في العَرِيَّة أن تُباع بخَرْصِها"؛ أي: بقدْرها.

"تمرًا يأكلُها أهلُها"؛ أي: أهل العَرِيَّة وهم مُلَاّكها القديمة.

"رُطَبًا"، سُمِّيت عَرِيَّةً؛ لأنها عَرِيَتْ عن جملةِ التحريم؛ أي: خرجَتْ عنه، فعيلة بمعنى فاعلة.

* * *

2071 -

وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه "أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ في بيعِ العَرايا بخَرْصِها من التَّمْرِ فيما دُونَ خَمْسَةِ أوسقٍ، أوْ في خَمْسةِ أوسقٍ، شكَّ داوُدُ".

"وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أنه صلى الله تعالى عليه وسلم رخَّصَ في بيعِ العَرايا بخَرْصها من التمر فيما دون خمسة أَوْسُق"، الوَسْق: ستون صاعًا كلُّ صاعٍ أربعةُ أمداد، يحتملُ أن تكون هذه لقومِ بلغَ مقدارُ خَرْصِهم في العَرِيَّة هذا المقدار.

"أو في خمسة أَوْسُق، شكَّ داود" في أنه سمعَ خمسةَ أوسُق، أو دون خَمسةِ أَوْسُق، قيل: هو داود بن قيس، وقيل: داود بن أبي هند، وقيل: داود بن الحصين، وهو يَروي عن أبي سفيان مولى ابن أحمدَ عن أبي هريرة.

ص: 416

2072 -

عن عبدِ الله بن عمرَ رضي الله عنهما: "نهى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيع الثِّمارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُها، نهى البائِعَ والمُشْتَرِي" ويروى: "نهى عَنْ بَيع النَّخْلِ حتَّى تَزْهُوَ، وعَنِ السُّنْبُلِ حتَّى يَبْيَضَّ ويأمَنَ العاهَةَ".

"وعن عبدِ الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال: نهى رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن بيعِ الثمارِ حتى يبدوَ صلاحُها"، وبهذا منعَ الشافعيُّ بيعَ الثمارِ قبلَ ظهور الصلاحِ؛ أي: قبلَ الانتفاعِ بها؛ لأنها لا يؤمَن هلاكُها بورود آفة عليها لصغرِها وضعفِها، وإذا تلفت لم يبقَ للمشتري في مقابلة الثمنِ شيءٌ.

"نهى البائعَ" عن هذا البيع كي لا يكونَ أخذ مال المشتري لا بمقابلةِ شيءٍ مُسَلَّم.

"والمشتريَ" عن هذا الشّرَى كي لا يتلفَ ثمنه بتقدير تلفِ الثمار.

"ويروى: نهى عن بيع النخل حتى تزهوَ"؛ أي: تحمَرَّ، وذلك أمارة الصلاح فيها، ودليلُ خلاصها.

"وعن السنبل حتى يبيضَّ"؛ أي: اشتدَّ حبُّه.

"ويأمن العاهةَ"؛ أي: الآفةَ، وهذا يدلُّ على جوازِ بيعِ الحبِّ في سنبلهِ إذا اشتدَّ، وبه قلنا، ومالك بن أنس تشبيهًا بالجَوز واللَّوز: يباعان في قشريهما.

وقال الشافعي: لا يجوزُ؛ للنهيِ عن الغرر.

* * *

2073 -

وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: "نهى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عنْ بَيع الثِّمارِ حتَّى تُزْهِيَ. قيل: وما تُزْهِي؟ قال: حتَّى تحمَرَّ. قال: أَرَأَيْتَ إذا منعَ الله الثَّمَرَةَ بِمَ يَأْخُذُ أحدكم مالَ أَخِيهِ؟ ".

"وعن أنس رضي الله عنه أنه قال: نهى رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن

ص: 417

بيع الثمارِ حتى تُزْهيَ قيل: وما تُزْهِي؛"، يجوز أن يكونَ حكايةَ قولِ الرسول عليه الصلاة والسلام؛ أي: ما معنى قولك حتى تُزْهي.

"قال: حتى يحمرَّ، قال"؛ أي: النبيُّ عليه الصلاة والسلام: "أرأيتَ"؛ أي: أخبرني: "إذا منعَ الله الثمرةَ": بإرسال الآفةِ، وتَلَفِتْ.

"بم يأخذ أحدكم مال أخيه؛": استفهام للإنكار؛ أي: كيف يجوز له ذلك ولم يحصل للمشتري بمقابلة الثمن نفعٌ؟

* * *

2074 -

وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: "نَهى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيع السِّنِينَ، وأمَرَ بوَضْعِ الجَوَائِحِ".

"عن جابر رضي الله عنه: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن بيعِ السِّنين"؛ أي: عن بيع ثمار السنين وهي المُعَاوَمة.

"وأمر بوضع الجوائح" جمع جائحة وهي الآفة المستأصلة تُصيب الثمار ونحوها فتهلكها؛ أي: أمرَ بأن يترك البائع ثمنَ ما تلف، وهذا أمرُ ندبٍ عند الأكثر؛ لأن ما أصاب المبيعَ بعد القبض فهو من ضمان المشتري.

وعن مالك: إن كانت الجائحةُ دونَ الثلثِ فهو من مال المشتري، وإلا فَمِنْ مال البائع، وعنه أيضًا: تركُ ثلُثِ الثمن.

قال الطحاوي: هذا في الأراضي الخَرَاجية، وحكمُها إلى الإمام بوضع الجوائح عنهم لِمَا فيه من مصالح المسلمين ببقاء العمارة.

ص: 418

2075 -

وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ بعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمرًا فأصابَتْهُ جائِحَة فلا يَحِلُّ لكَ أَنْ تأخُذَ مِنْهُ شَيئًا، بمَ تأخُذُ مالَ أَخِيكَ بغَيرِ حَقّ؟ ".

"وعنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو بعتَ من أخيكَ ثَمَرًا فأصابته جائحة فلا يَحِلُّ لك أنْ تأخذَ منه شيئًا" يُحمل على ما إذا لم يَقْبضِ المُشتري الثِّمار، وعلى تقدير قبضه: يؤوَّل على التهديد، أو معناه: لا يحِلُّ في الورع والتقوى.

"بم تأخذ مال أخيك بغير حق".

* * *

2076 -

وعن ابن عمرَ رضي الله عنهما أنَّه قال: "كانُوا يَبْتَاعُونَ الطَّعامَ في أعلَى السُّوقِ فَيَبيعُونه في مكانِهِ، فَنهاهُمْ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبيعُوهُ في مكانِهِ حتَّى يَنْقُلُوه".

"عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كانوا يبتاعون (1) "؛ أي: يشترون الطعام "في أعلى السوق"؛ أي: في الناحية العليا منها، "فيبيعونه"؛ أي: ذلك الطعام، الفاء للتعقيب (2)، "في مكانه، فنهاهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يبيعوه"؛ أي: عن أن يبيعوا ذلك الطعام "في مكانه حتى ينقلوه" يدلُّ على أن قبض المنقول بالنقل والتحويل من موضع إلى موضعٍ آخر.

* * *

2077 -

وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَنِ ابتَاعَ طَعامًا فلا يَبعْهُ حَتَّى

(1) في "غ": "يتبايعون".

(2)

"الفاء للتعقيب" ليست في "غ".

ص: 419

يَسْتَوْفيه" ويُروى: "حَتَّى يَكْتَالَه".

"وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منِ ابتاعَ طعامًا"؛ أي: اشتراه "فلا يبعه حتى يستوفيه"؛ أي: يقبضه، "ويروى: حتى يكتالَه"؛ أي: يأخذه بالكَيل.

* * *

2078 -

وقال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنه: "أمَّا الذِي نهَى عَنْهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فهو الطَّعامُ أنْ يُباعَ حتَّى يُقْبَضَ. ولا أَحْسِبُ كُلَّ شَيءٍ إلَاّ مِثلَهُ".

"وقال ابن عباس: أمَّا الذي نهى عنه النبئ عليه الصلاة والسلام فهو الطعام أن يُباع"؛ أي: عن أن يباع، "حتى يُقبض، ولا أحسب"؛ أي: لا أظن "كل شيء إلا مثله"؛ أي: مثل الطعام في أنَّه لا يجوزُ للمشتري أن يبيعَه حتى يَقْبضَه، والأظهر أنه من قول ابن عباس.

* * *

2079 -

وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا تلَقَّوْا الرُّكبانَ لِبَيعٍ، ولا يَبعْ بعضُكُمْ على بَيْعِ بعضٍ، ولا تناجَشُوا ولا يَبعْ حاضر لبادٍ، ولا تُصَرُّوا الإبلَ والغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بعدَ ذلكَ فهوَ بخَيْرِ النَّظَرَيْن بعدَ أَنْ يَحْلُبَها، إنْ رَضيَهَا أَمْسَكَها، وإنْ سَخِطَهَا رَدَّها وصاعًا مِنْ التَّمرِ".

"وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسولَ الله عليه الصلاة والسلام قال: لا تَلقَّوا الرُّكبان لبيع"؛ يعني: إذا وقع الخبرُ بقدوم عَيرٍ بمتاع فلا تستقبلوهم لتشتروا من مَتاعهم بأرخصَ قبلَ أن يقدُموا السُّوقَ ويعرفوا سعرَ البلد، نهى عنه للخَديعة والضَّرر.

"ولا يبيع بعضُكم على بيع بعض" وهو أن يقول لمن اشترى شيئًا بالخيار:

ص: 420

افسخْ هذا البيعَ وأنا أبيعُك مثلَه بأرخصَ مِنْ ثمنِه، أو أجودَ منه بثمنه.

قيل: النهيُ مخصوصٌ بما إذا لم يكن فيه غُبن، فإذا كان فله أن يدعوه إلى الفَسخ ليبيعَ منه بأرخصَ دفعًا للضَّرر عنه.

"ولا تناجشوا" بحذف أحد التاءين، من النَّجْش وهو رفع قيمةِ السِّلعة من غير رغبة فيها لخدع المشتري، وترغيبه، ونفعِ صاحبها.

"ولا يبعْ حاضرٌ" أراد به مَنْ كان [من] أهل البلد "لباد" أراد به مَنْ كان من أهل البادية، كما إذا جاء البدويُّ بالطعام إلى البلد ليبيعَه بسعرِ يومِه ويرجع فيتوكَّل البلديُّ عنه ليبيعه بالسعر الغالي على التدريج، وهي حرامٌ عند الشافعيِّ، ومكروه عند أبي حنيفة، وإنما نهى عنه لأنَّ فيه سدَّ أبوابِ المرافق على ذوي البَياعات.

"ولا تُصرُّوا الإبل والغنم" من التَّصْرية وهو أن يَشُدَّ الضَّرع قبل البيع أيامًا ليظنَّ المشتري أنه لَبون فيزيد في الثمن، ومعنى النهي الخِداع.

"فمن ابتاعها"؛ أي: اشتراها "بعد ذلك" التصرية "فهو بخير النَّظَرين"؛ أي (1): من الإمساك والرَّد "بعد أن يَحْلِبها إنْ رَضيَها أمسكَها وإنْ سَخِطَها"؛ أي: لم يرضَ بها "ردَّها وصاعًا مِنْ تمر" عوضًا من اللَّبن، وبه قال الشافعيُّ وأحمد.

* * *

2080 -

ورُوِيَ: "مَنِ اشْتَرى شاةً مُصَرَّاةً فهوَ بالخِيارِ ثلاثةَ إيامٍ، فإِنْ رَدَّهَا ردَّ مَعَها صاعًا مِنْ طَعامٍ لا سَمْرَاءَ".

(1)"أي" ليست في "غ".

ص: 421

"ويروى: مَنِ اشْترى شاةً مُصَرَّاةً فهو بالخيار ثلاثةَ أيام" وبهذا قيل: خيار التَّصْرية يتقدَّر بالثلاثة حتى لو عَلِمَ قبل مُضي الثلاثة فله الخيار إلى تَمامها؛ لأنَّ الوقوفَ عليها قلَّما يكون في أقلَّ منها، إذِ النقصانُ في مُدَّتها قد يكون من اختلاف اليد وتبدُّل المكان.

وقيل: لا تأخيرَ له بعد العلم بالتصرية، فإن أخر يسقطُ الرَّد وهو القياس؛ لأنه خيارُ العيبِ، والتقديرُ بالثلاثة على الغالب.

"فإنْ ردَّها ردَّ معها صاعًا من طعام"؛ أي من تمر "لا سمراء" وهي الحِنطة، فيه دليلٌ على أنه لا يجوزُ غير التمر وإنْ رضي به البائعُ، وإنما تعيَّن لأنَّ طعامهم كان هو التمر واللبن غالبًا، فأقام التَّمر مقامَ اللبن لذلك، وقيل: يجوزُ غيرُه برضا البائعِ، فكأنه استبدل عن حقّه.

* * *

2081 -

وقال: "لا تَلَقَّوُا الجَلَبَ، فَمَنْ تلقَّاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ، فإذا أتى سيدُهُ السُّوقَ فهوَ بالخِيَارِ".

"وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلقَّوا الجَلَب" بفتحتين بمعنى المَجْلوب من الإبل والبقر والغنم والعبيد، يُجْلَب من بلد إلى بلد للتجارة.

"فمن تلقَّاه فاشترى منه، فإذا أتى سيدَه"؛ أي: صاحب الجَلَب "السوق"، واطلع على السعر "فهو بالخيار" في الاسترداد.

وفيه دليلٌ على صحة البيع، إذ الفاسدُ لا خيارَ فيه، أمَّا إذا كان سعرُه أعلى، أو كسعرِ البلد؛ ففيه وجهان: في وجهٍ يثبُتُ له الخيار لإطلاق الحديث، والأصحُّ أنه لا خيارَ له لعدم الغُبن.

ص: 422

2082 -

وعن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلَقَّوْا السِّلَعَ حَتَّى يُهبَطَ بها إلى السُّوقِ".

"وعن ابن عمرَ رضي الله عنه: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لا تلقَّوا السِّلَع" جمع سِلعة وهي المَتَاع.

"حتى يُهْبَط" على صيغة المجهول؛ أي: يُنْزَل بها "إلى السوق" والباء للتعدية؛ أي: حتى يُسْقِطها عن ظهر الدوابِّ في السوق.

* * *

2083 -

وقال "لا يَبعْ أحدُكُم على بَيع أخِيهِ، ولا يَخْطُبِ الرَّجُلُ على خِطْبةِ أخِيهِ حتَّى يترُكَ الخاطِبُ قبلَهُ أو ياْذَنَ لهُ الخاطِبُ".

"وعن ابن عمرَ رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يبيعُ أحدكم على بيع أخيه، ولا يخطِب الرجلُ على خِطْبة أخيه" وهي أن يَخْطِب الرجلُ امرأة وأجابت هي أو وليُّها= ليس لغيره أنْ يَخْطِبها.

"حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له لهُ الخاطِبُ" قيل: فيه دليلٌ على جواز الخطبة على خطبة الكافر؛ لقطعه - تعالى - الأخوةَ بين المسلم والكافر، وذهب الجمهور إلى منعه؛ حملًا للأخوة على الأعم وهو الأخوةُ من جهة كونهم من بني آدم.

* * *

2084 -

وقال: "لا يَسُمِ الرَّجُلُ على سَوْمِ أخِيهِ المُسلم".

"وعن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لا يَسُمِ الرجلُ على سَوم أخيه المسلم" وهو أن يزيد في الثمن بعد تقرير البيع لإرادة الشراء، فهذا مكروهٌ

ص: 423

ولكنَّ البيعَ صحيح.

* * *

2085 -

وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَبيعُ حاضرٌ لبادٍ، دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ الله بعضَهُم منْ بعضٍ".

"وعن جابرٍ رضي الله عنه: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لا يبيعُ حاضرٌ لبادٍ، دعُوا النَّاس"، أي: اتركوهم ليبيعوا متاعَهم رخيصًا "يرزق الله بعضهم من بعض".

* * *

2086 -

وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: نهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ لِبْسَتَيْنِ وعنْ بَيْعَتَيْن، نهَى عَنِ المُلامَسَةِ والمُنابَذَةِ في البَيعِ، والمُلامَسَةُ لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الآخَرِ بيَدِه باللَّيل أو بالنهارِ ولا يُقَلِّبُهُ إلَاّ بذلِكَ، والمُنابَذَةُ أنْ يَنْبذَ الرَّجُلُ إلى الرَّجُلِ بثَوْبهِ وينبذَ الآخر ثَوْبَهُ، ويكُونَ ذلكَ بَيْعَهُما عنْ غير نَظَرٍ ولا تَراضٍ، واللِّبْسَتَيْنِ: اشْتِمالُ الصَّمَّاءِ، والصَّمَّاءُ أنْ يجعلَ ثوْبَهُ على أحَدِ عاتِقَيْهِ فيَبْدُوَ أحَدُ شِقَّيْهِ ليسَ عليهِ ثوبٌ، واللِّبْسَةُ الأُخرَى احتِباؤُهُ بثَوْبهِ وهو جالِس ليسَ على فرجِهِ منهُ شَيءٌ.

"عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن لِبستين" أراد بهما لِبسةَ الصَّمَّاء ولِبسة الاحتِباء "وعن بيعتين" أراد بهما بيعَ الملامسةِ وبيعَ المنابذة.

"نهى عن الملامسة والمنابذة في البيع، والملامسةُ: لمسُ الرجلِ ثوبَ الآخر بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلبه إلا بذلك" اللمسِ من غير أن يجريَ بينهما إيجابٌ وقَبول في اللفظ.

ص: 424

"والمنابذة: أن ينبذَ الرجلُ إلى الرجل بثوبه" الباء زائدة؛ أي: يلقيه إليه "وينبذ الآخر بثوبه ويكون ذلك"؛ أي: تنبيذُ كلٍّ منهما ثوبَه إلى الآخر.

"بيعهما من غير نظر" بالبصر كل واحد ثوب الآخر، وقيل: بلا تأمّل، "ولا تراض" بالإيجاب والقَبول، وكان هذان من بُيوع الجاهلية، فنهى عليه الصلاة والسلام عنهما لِمَا فيهما من الغرَّر وهو ما خَفِيَ عليك علمُه.

"واللِّبستين: اشتمال الصَّمَّاء، والصَّماء: أن يجعلَ ثوبَه على أحد عاتقيه فيبدو أحدُ شِقَّيه ليس عليه ثوبٌ، واللِّبسة الأخرى: اختباؤه بثوبه وهو جالس"، يقال: احتبى الرجل: إذا جمع ظهره وساقيه جالسًا على مَقْعده "ليس على فرجه منه شيء"، إنما نهى عنهما لكراهة التكشف وإبداء العَورة، وهذان من لبس أهل الجاهلية.

* * *

2087 -

وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: نهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيع الحَصاةِ وعَنْ بَيع الغَرَرِ.

"وعن أبي هريرة رضي الله عنه: نهى رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن بيع الحَصَاة" وهو أن يقول المشتري للبائع: إذا نبَذْتُ إليك الحَصَاةَ فقد وجبَ البيعُ، أو يقولُ البائعُ: بعتُكَ من السِّلَع ما تقعُ عليه حَصَاتُكَ إذا رَمَيتَ بها، أو مِنَ الأرض إلى حيثُ تنتهي حصاتُكَ، وهذا أيضًا من بُيوع الجاهلية.

"وعن بيع الغرر" وهو الخطرُ الذي لا يدري أيكون أم لا؛ كبيع الطَّير في الهواء، والسَّمك في الماء، والعبد الآبق، والغائب، والمجهول من الغِرة - بالكسر -: الغفلة، وقيل: من الغرور، فهذا كله فاسد للجهل بالمبيع والعجز عن تسليمه.

ص: 425

2088 -

وعن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال: "نهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الحَبَلةِ، وكانَ بَيْعًا يتَبايَعُهُ أهلُ الجاهِليَّةِ، كانَ الرجُلُ يَبْتاعُ الجَزُورَ إلى أنْ تُنْتَجَ الناقةُ، ثمَّ تُنْتَجُ التي في بَطنِها".

"عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع حَبَلِ الحَبَلة" بالتحريك فيهما، مصدرٌ سُمِّي به المجهول كما سمِّي بالحَمْل، والتاء للمبالغة وللإشعار بالأنوثة؛ لأن معناه: أن يبيع ما سوف يحمله الجنين الذي في بطن الناقة على تقدير أن يكون أنثى، ونهى عنه لأنه غرر، وبيع شيء لم يُخْلَق بعدُ، وهو نِتاج النِّتاج، أو أنْ يبيعَ إلى أجل يَنتُج فيه الحملُ الذي في بطن الناقة.

"وكان بيعًا يتبايعه أهلُ الجاهلية؛ كان الرجلُ يَبتاع"؛ أي: يشتري "الجَزور" من الإبل، وهو يقعُ على الذَّكر والأنثى.

"إلى أن تنتج الناقة ثم تنتج التي في بطنها"؛ أي: ولد ولدِها، وهذا باطل لأنه مؤجَّل بمجهول.

* * *

2089 -

وقال: نهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عن عَسْبِ الفَحْلِ.

"وعن ابن عمر: أنه قال: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن عَسْب الفحل" وهو ضرَابُه، والمراد هنا: الكِراء المأخوذ على ضرابه على حذف المضاف؛ أي: عن كِراء عَسْب الفَحْل، نهى عنه للغَرر؛ لأنَّ الفحل قد يَضْرِب وقد لا يَضْرِب، وقد لا يلقّح الأنثى، وبهذا ذهبَ الأكثرُ إلى تحريمه.

* * *

2090 -

وعن جابرٍ رضي الله عنه: نهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عنْ بَيْعِ ضرابِ الجَمَلِ،

ص: 426

وعَنْ بَيْعِ الماءَ والأرضِ لِتُحْرَثَ.

"وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: نهى رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن بيع ضراب الجَمل" بكسر الضاد: نزوان الفحل على الأنثى.

"وعن بيع الماء والأرض لتُحرث" وهو أنْ يُعطي الرجلُ أرضَه والماء التي لتلك الأرضِ أحدًا ليكونَ منه الأرضُ والماء ومن الآخر البَذْر والحِراثة؛ ليأخذَ صاحبُ الأرضِ بعد الحاصل من الحُبوب وهو المُخَابرة.

* * *

2091 -

وقال: نهى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيع فَضْلِ الماء.

"وعنه: أنه قال: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فَضْلِ الماء"، والمراد بيعُه ممن أرادَ أن يَشْربَ أو يسقي دابَته، فأمَّا مَنْ أرادَ أن يَسْقِيَ زَرعًا فله البيعُ منه.

* * *

2092 -

وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُباعُ فَضْلُ الماءَ ليُباعَ بهِ الكَلأ".

"وعن أبي هريرة: قال رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا يُباع فَضْلُ الماءَ ليُباع به الكَلأ" بالقصر والهمزة.

قال الخطابي: تأويله: أن رجلًا إذا حفر بئرًا في مَوات فيملكها بالإحياء فإذا جاء قوم لينزلوا في ذلك الموات ويرعوا نباتَها وليس هناك ماء إلا تلك البئر، فلا يجوز له أن يمنع أولئك القوم من شرب ذلك الماء؛ لأنه لو منعهم منه لا يُمكنهم رعيُ ذلك المَوات، فكأنَّه منعهم عنه، وذا لا يجوز، ولا يجوز له أخذُ الثمن من ذلك الماء؛ أي: لا يباع فضلُه ليصيرَ به كالبائع للكَلأ؛ لأن الواردَ

ص: 427

حولَ ماءِ أحدٍ للرَّعي إذا منعه عن الورود إلا بعِوَضٍ اضطرَّ إلى شرائه، فيصيرُ كَمَن اشترى الكَلأ لأجل الماء.

وقيل: معناه: لا يُباع فضلُ الماء فيكون القصدُ في بيعه وعدم بذله مجانًا بيع الكَلأ الحاصل به، قيل: هذا النهي للتحريم، وقيل: حَمْلُه على الكراهية أولى.

* * *

2093 -

وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أن رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى صبْرَةِ طَعامٍ فأدْخَلَ يَدَهُ فيها، فنالَتْ أصابعُهُ بلَلًا، فقالَ:"ما هذا يا صاحِبَ الطَّعامِ؟ "، قال: أصابَتْهُ السَّماءُ يا رسُولَ الله، قال:"أفلا جعَلْتَهُ فوقَ الطَّعامِ حتَّى يراهُ النَّاسُ، مَنْ غشَّ فليسَ مِنِّي".

"وعنه: أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مَرَّ على صبْرة طعامٍ فأدخلَ يدَه فيها، فنالت أصابعُه بَلَلًا فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء"؛ أي: المطر "يا رسول الله، قال: أفلا جعلتَه فوقَ الطعام حتى يراه الناسُ، مَنْ غش (1) "، الغِشُّ: سَترُ حالٍ على أحد كفعل هذا الرجل.

"فليس مني (2) "؛ أي: ليس هذا من أخلاقنا وأفعالنا، أو: ليس هو على سنَّتنا وطريقتنا في مُناصحة الإخوان.

* * *

مِنَ الحِسَان:

2094 -

عن جابرٍ رضي الله عنه أن رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عَنِ الثُّنْيا إلَاّ أنْ يُعلَمَ.

(1) في "غ": "غشنا".

(2)

في "غ": "منا".

ص: 428

"من الحسان":

" عن جابر رضي الله عنه: أنه قال: نهى رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن الثُّنيا"، تقدم بيانه، "إلا أن يعلم"؛ أي: يكون المستثنى معلومًا كالثُّلث أو الربع، فيجوز البيعُ في هذا.

* * *

2095 -

وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: "نهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عنْ بَيع التَّمرِ حتَّى تَزْهُوَ، وعنْ بَيع العِنَبِ حتى يَسْوَدَّ، وعنْ بَيع الحَبِّ حتَّى يَشْتَدَّ". (غريب).

"عن أنس رضي الله عنه قال: نهى النبيُّ عليه الصلاة والسلام عن بيع الثَّمر حتى يَزْهو، وعن بيع العنب حتى يَسْود، وعن بيع الحَبِّ حتى يَشْتَد""غريب".

* * *

2096 -

وعن ابن عمرَ: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهَى عَنْ بَيع الكالئِ بالكالئِ.

"عن ابن عمر: أن النبيَّ عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع الكالئ بالكالى"، يقال: كلأ الدَّين كلؤ: إذا تأخَّر، فهو كالئ، معناه: بيع النسيئة بالنسيئة؛ مثل أن يشتريَ شيئًا إلى أجل فإذا حَلَّ ولم يجد ما يقضي به قال: بعْنيه إلى أجلِ آخر بزيادة شيء، فيبيعه منه من غير أن يجريَ بينهما تقايض.

* * *

2097 -

عن عَمرِو بن شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جدِّه رضي الله عنه قال: نهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ العُربانِ.

"عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن

ص: 429

بيع العُرْبان" وهو أن يشتري السّلعة ويدفع إلى صاحبها شيئًا، على أنه إِنْ مضى البيعُ حُسِبَ من الثمن، وإلا كان لصاحب السلعة والعُربان اسم لذلك الشيء المدفوع إليه، وكان ذلك بيع العرب، وهو باطلٌ لِمَا فيه من الشَّرط والغَرر.

* * *

2098 -

وعن عليٍّ قال: نهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عنْ بَيع المُضْطَرِّينَ وعنْ بَيع الغَرَرِ.

"وعن عليٍّ رضي الله عنه أنه قال: نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن بيع المُضْطرين" وهو أن يضطر إلى العقد إكراهًا عليه وهذا فاسد، أو يضطر لدين رَكِبَه أو مُؤنة تُرْهِقه فيعلمُ به المشتري، فلا يزال يتراغب عنه حتى يبيعَ ما في يده بالوَكْس والنَّجش للضرورة، وهذا جائز لكنه مكروه، والمروءة أن لا يبع عليه، بل يعاون بالإقراض والإمهال إلى الميسُرة، أو يشتري بالقيمة، "وبيع الغرر": مر معناه (1).

* * *

2099 -

عن أنسٍ رضي الله عنه أن رجلًا سأل النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عنْ عَسْبِ الفَحْلِ، فنهاهُ، فقال: إنَّا نطرِقُ الفَحْلَ فنكْرَمُ، فرَخَّصَ لَهُ في الكَرامَةِ.

"عن أنس: أن رجلًا سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن عَسْب الفحل، فنهاه، فقال"؛ أي: الرجل: "إنا نَطْرُق الفحل"؛ أي: نُعيره للضرَاب "فنكْرم" على صيغة المجهول؛ أي: يعطينا صاحبُ الأنثى شيئًا من المال من غير أن يَشْتَرِطَ أخذَ مال.

(1) في "غ": "تقدم بيانه".

ص: 430

"فرخَّص له عليه الصلاة والسلام في الكرامة".

* * *

2100 -

وعن حَكيم بن حِزامٍ قال: نهاني رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عنْ بَيْعِ ما ليسَ عِندِي.

2101 -

وقال حَكيم: يا رسُولَ الله، يأتيني الرجُلُ فيُريدُ مني البَيْع ليسَ عِندي، فابتاعُ لهُ مِنَ السُّوقِ؟، قال:"لا تَبعْ ما ليسَ عِندَكَ".

"وعن حكيم بن حِزام أنه قال: نهاني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عندي، فقال حكيم: يا رسول الله! يأتيني الرجلُ فيريدُ مني البيعَ وليس عندي، فأبتاعُ له من السُّوق" يحتمل أمرين:

أحدهما: أن يشتري له من أحد مَتاعًا فيكون دَلالًا، وهذا يَصِحُّ.

والثاني: أن يبيعَ منه متاعًا لا يملِكه ثم يشتريه من مالكه ويدفعه إليه.

"قال عليه الصلاة والسلام: لا تَبعْ ما ليس عندك" فهذا باطل؛ لأنه باعَ ما ليس في ملكه وقتَ البيع.

* * *

2102 -

وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: نهى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ في بَيْعَةٍ.

"وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن بَيعتين في بَيعة" معناه أن يقول: بعْتُ هذا منك بعشرة نقدًا، أو بعشرين نَسيئة إلى شهر، فالبيع باطل؛ لأن الثمنَ مجهولٌ، وأن يقول: بعتُ منك هذا العبدَ بعشرة على أن تبيعني جاريتَك بكذا، فهذا باطلٌ؛ لأنه بيع وشَرْطٌ.

ص: 431

2103 -

وعن عمرِو بن شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جدِّه رضي الله عنه قال: نَهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ في بَيْعَةٍ صَفْقَةً واحِدةً.

"عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أنه قال: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن بَيعتين في بيعة صَفقةً واحدةٍ" نُصب على المصدر، والصفقة: البيع، سُمّي العقدُ بيعاً وصفقة لأن عادة العرب عند البيع ضربُ كل واحد من المتعاقدَين يدَه على صاحبه.

* * *

2104 -

وقال: "لا يَحِلُّ سَلَفٌ وبَيعٌ، ولا شَرْطانِ في بَيع، ولا رِبحُ ما لمْ يُضْمَنْ، ولا بَيع ما ليسَ عِندَكَ". (صحيح).

"وعن عَمرو بن العاص أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يَحِلُّ سَلَفٌ وبيع" والمراد بالسَّلَف القرض؛ مثل أن يقول: بعتُك هذا الثوب بعشرة دراهم على أن تُقْرِضَني مائةَ درهم، فالبيعُ فاسد.

وقيل: هو أن يُقْرِضَ قرضاً ويبيعَ منه شيئاً بأكثرَ من قيمته فإنه حرامٌ، لأنَّ قرضه رَوَّجَ متاعَه بهذا الثمن.

"ولا شرطان في بيع" معناه أن يقول: بعتُكَ ثوبي هذا بكذا وعليَّ قَصَارتُه وخِياطَتُه، فهذا فاسدٌ، لا فرقَ بين شرطين أو شرط في الجهالة بالثمن عند سُقوط الشرط، وجوَّز أحمدُ الشرطَ الواحدَ بناءً على مفهومه.

"ولا رِبْح ما لم يُضْمن" وهو أن يبيع ما اشتراه قبلَ القبض، فإنه لا يَصِحُّ لأنه لم يدخل في ضمانه بالقبض.

"ولا تَبعْ ما ليس عندك" مر معناه، "صحيح".

* * *

ص: 432

2105 -

وعن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال: كنتُ أَبيعُ الإبلَ بالبقِيعِ بالدَّنانيرِ، فآخذُ مكانهَا الدَّراهِمَ، وأَبيعُ بالدَّراهِم وآخُذُ مكانهَا الدنانيرَ، فأتيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكرتُ ذلكَ لهُ، فقال:"لا بأسَ بأنْ تأخُذَها بسِعْرِ يومِها ما لَمْ تتَفَرقَا وبينَكُما شيء".

"وعن ابن عمر أنه قال: كنتُ أبيع الإبل بالنَّقِيع" بالنون والقاف، موضع قريب من المدينة، كان يستنقع فيه الماء؛ أي: يجتمع وينبُت العشب عند نُضُوبه.

"بالدنانير فآخذُ مكانهَا"؛ أي: مكانَ الدنانير "الدراهم، وأبيعُ بالدراهم فآخذ مكانها الدنانير، فأتيتُ النبيَّ عليه الصلاة والسلام فذكرتُ ذلك له فقال: لا بأسَ أنْ تأخذَها" يدل على جواز استبدال النقد عن النقد وإن كان ثمناً "بسعر يومها"؟ أي: بلا ربح "ما لم تفترقا وبينكما شيء"؛ أي: يشترط قبض العِوضين في المجلس.

* * *

2106 -

عن العَدَّاءَ بن خالدِ بن هَوْذَةَ، أخرجَ كِتاباً: هذا ما اشترَى العَدَّاءُ بن خالدِ بن هَوْذَةَ منْ محمَّدٍ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، اشترَى منهُ عبداً أوْ أمَةً، لا داءَ ولا غائِلةَ ولا خِبْثةَ، بَيع المُسْلِم المُسْلِمَ. (غريب).

"عن العَدَّاء بن خالد بن هَوذة: أخرج كتاباً"؛ أي: صَكاً كان مكتوباً فيه "هذا ما اشترى العَدَّاء بن خالد بن هوذة من محمد رسول الله؛ اشترى منه عبداً أو أمة" شكٌّ من الراوي "لا داء"؛ أي: يشترط أن لا يكون فيه داء، أرادَ به الجنون والجُذَام والبَرَصَ ونحوها مما يرد، وقيل: أراد به العيب الباطن.

"ولا غائلة" فسرها بعضٌ بالمسروق، وبعضٌ بالزنا، وقيل: معناها: لا حيلة عليك في هذا البيع.

ص: 433

"ولا خِبثة" - بكسر الخاء -: نوع من الخَبيث الحرام؛ يعني: لا يكون من قوم لا يَحِلُّ سبيُهم لعهد وأمان أو حرية أصل.

وقيل: الخبثة: ما يكون خبيثَ الأصل؛ بأن يكون ولدَ الزنا.

"بيع" نصبٌ على المصدر وهو مضاف إلى الفاعل؛ أي: باعه بيع "المسلم المسلم"؛ أي: كما يجري بين المسلمين، أو رفع فعلى أنه خبرُ مبتدأ محذوف؛ أي: هذا بيع المسلم المسلم، أو بيع المسلم المسلم يكون هكذا، وليس في ذلك ما يدل على أن المسلم إذا باع عبدَ المسلم جاز له أن يعامِلَه بما يتضمن غُبناً أو خيانة، وإنما قال ذلك على سبيل المبالغة، فإن المسلم إذا بايع المسلم يرى له من النُّصح أكثرَ مما يرى لغيره، والحديث يدلُّ على جواز كتابة الصُّكوك.

"غريب".

* * *

2107 -

عن أنس صلى الله عليه وسلم أن رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم باعَ حِلْساً وقَدَحاً، فقال: مَنْ يشتري هذا الحِلْسَ والقَدَح؟، فقال رجل: آخُذُهُما بدِرْهَم، فقالَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ يَزِيدُ على دِرْهَم؟ "، فأَعطاهُ رجل دِرْهَمَيْنِ فباعَهُما منهُ.

"عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم باع حِلْساً" وهو الكِساء الرقيق الذي على ظهر البعير تحت القَتَب لا يفارقه.

"وقدحاً"؛ أي: أراد بيعهما "فقال: مَنْ يشتري هذا الحِلْس والقَدَح؟ فقال رجل: أنا آخذهما بدِرهم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: مَنْ يزيد على درهم فأعطاه رجل درهمين فباعهما منه" هذا يدل (1) على جواز الزيادة على

(1) في "غ": "دليل".

ص: 434