الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{فِي يَوْمَيْنِ} ؛ أي: في آخر اليومين الأولين من أيام التشريق.
{فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} ، ويسقط عنه مبيت الليلة الثالثة، ورمي اليوم الثالث، ولا دمَ عليه.
وإن قُدِّر لازمًا فمعناه: فمن تعجَّل في النفر وهذا أقرب.
{وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} ؛ أي: ليس في التعجيل ترك واجب، ولا في التأخير إلى اليوم الثالث ارتكابُ بدعة، بل هما سواء في الجزاء مع أن التأخير أفضل.
* * *
14 - باب حرَم مكةَ حرَسَها الله
(باب حرم مكة حرسها الله)
مِنَ الصِّحَاحِ:
1979 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْح مَكَّةَ: "لا هِجْرَةَ، ولكِنْ جِهادٌ وَنيَّةٌ، فإذا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا"، وقالَ يَوْمَ فَتْح مَكَّةَ:"إنَّ هذا البَلَدَ حَرَّمَهُ الله يَوْمَ خَلَقَ السَّماوَاتِ والأرضَ، فهو حَرَامٌ بِحُرْمَةِ الله إلى يَوْمِ القِيامَةِ، وإنَّه لَمْ يَحِلَّ القِتَالُ فيهِ لأحَدٍ قَبْلِي، ولَمْ يَحِل لِيْ إلا ساعةً مِنْ نهَارٍ، فهو حَرَام بحُرْمَةِ الله إلى يَوْمِ القيامَةِ، لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، ولا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، ولا يَلتَقِطُ لُقَطَتَهُ إلَّا مَنْ عَرَّفَهَا، ولا يُخْتَلَى خَلاه"، فقال العباسُ: يا رسولَ الله! إلَاّ الإذْخِرَ، فإنه لقَيْنهِمْ ولِبُيوتِهِمْ، قال:"إلَاّ الإِذْخِر".
"من الصحاح":
" عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: لا هجرةَ بعد
الفتح": يريد بها: الهجرة من مكة إلى المدينة، وكانت تلك فرضًا على كل مسلم مستطيع قبل فتح مكة؛ ليكونَ في سعة من العبادة متمكنًا من الطاعة بلا صارفٍ، ولينصرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في إعلاء كلمته وإظهار دينه، فلما فُتِحت رُفِعت الهجرة؛ لزوال الموجب.
"ولكن": بقي "جهادٌ"؛ أي: محاربة الكفار.
"ونيةٌ"؛ أي: قصد وعزم على إعلاء الدين وإظهاره، ينالون بهما ثوابًا ورتبة تقرب من رتبة المهاجرين.
وقيل: المعنى: ولكن جهاد في سبيل الله، ونية يفارق بها الرجل أهل الفسق، إذا لم يقدر على تغيير.
وقيل: المراد النية الخالصة في محبة الله ومحبة رسوله.
"وإذا استنفرتم"؛ أي: إذا طلبَ أمراؤكم النفر؛ أي: الخروج للجهاد.
"فانفروا"؛ أي: فاخرجوا حيث ما كنتم، وهذا حثٌّ على الجهاد، وأمرٌ بإجابة الداعي إليه، إنما قاله تحقيقًا لوجوبه؛ لئلا يختلجَ في صدورهم قياس الجهاد على الهجرة في السقوط.
* * *
"وعنه: أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: إن هذا البلد حرَّمه الله"؛ يعني: كتب في اللوح المحفوظ.
"يوم خلق السماوات والأرض": إن إبراهيم سيحرم مكة بأمر الله.
والفاء في "فهو" جزاء شرط محذوف؛ أي: إذا كان الأمر كذلك فهو "حرام بحرمة الله": بتحريمه أظهره على لسان إبراهيم، لا بتحريم من الناس باجتهاد شرعي.
وقيل: الحرمة: الحق؛ أي: بالحق المانع من تحليله.
"إلى يوم القيامة، وإنه لن يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي": عطف على (لن يحل)؛ أي: لم يحل لي القتال فيه.
"إلا ساعة من نهار": أراد بها ساعة الفتح قيل: أبيحت له فيها إراقة الدماء فقط؛ لأنها هي المحتاجة إليها للفتح، وهذا يدل على أن مكة فُتِحت عنوةً لا صلحًا، وبه قلنا، ومن قال: فتحت صلحًا، تأوله على إباحة دخوله عليه الصلاة والسلام مكة من غير إحرام، وعلى هذا الشافعي ومالك وأحمد، فعلى ما قلنا لا يجوز بيع دور مكة ولا إجارتها؛ لأنه عليه الصلاة والسلام أوقفها بعد الفتح، وعلى ما قالوا يجوز؛ لأنها مملوكة لأصحابها.
"فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه"؛ أي: لا يقطع شجره، وذكرُ الشوك دالٌّ على منع قطع سائر الأشجار بالطريق الأولى، وأراد به: ما لا يؤذي منه، فأما الشوكة المؤذي كالعوسج لا بأس بقطعه، كالحيوان المؤذي لا بأس بقتله، وهذا النفي بمعنى النهي.
"ولا ينفر صيده"؛ أي لا يتعرض له بالاصطياد.
"ولا يلتقط لقطته إلا مَنْ عرفها": معنى التعريف: التشهير وطلب صاحبها، فإنه يجوز له الأخذ للحفظ والتعريف حولًا كاملًا، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد، وإنما أورده هاهنا مع أن الحكم في لقطة الحل كذلك؛ لدفع وهم من يتوهم أن لقطة الحرم لا يملك أصلًا، كما هو أظهر قولي الشافعي.
"ولا يُختلَى خلاه": بالقصر؛ أي: لا يقطع حشيشه الرطب، وهذا يدل على جواز قطع اليابس من النبات للدواب، وهو أظهر الوجهي أصحابنا.
"فقال العباس: يا رسول الله! إلا الإذخرَ": وهو حشيشة طيبة الرائحة.
"فإنه لقينهم": واحد القيون، وهو: الحداد؛ أي: يحرقه الحدادون بدل الحطب والفحم.
"ولبيوتهم"؛ أي: يسقف بها البيوت بمنزلة القصب.
"فقال": له النبي عليه الصلاة والسلام: "إلا الأذخر": استثناه عليه الصلاة والسلام عن التحريم لحاجتهم.
* * *
1980 -
وفي روايةٍ: "لا تُعْضَدُ شَجَرتُها، ولا يَلْتَقِطُ سَاقِطَتَها إلَاّ مُنْشِد".
"وفي رواية: لا يعضد شجرتها، ولا يَلتقِطُ ساقِطها"؛ أي لقطتها.
"إلا مُنشِد"؛ أي: مُعرف، يقال: نشدت الضالة: إذا طلبتها مع رفع الصوت.
* * *
1981 -
وعن جَابرٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يَحِلُّ لأحَدِكُمْ أنْ يَحْمِلَ بِمَكَّةَ السِّلاحَ".
"عن جابر أنه قال: سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول: لا يحل لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح": أراد به: ما حمل لأجل المحاربة مع المسلمين، أما حمله للبيع والشراء والمحاربة مع الكفار، فيجوز.
* * *
1982 -
عن أنَسٍ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الفَتْح وعلى رَأْسِهِ المِغْفَرُ، فلمَّا نزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فقال: إنَّ ابن خَطَلٍ مُتَعَلِّق بأسْتَارِ الكَعْبةِ، فقال:"اقْتُلْهُ".
"عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر": وهو البيضة توضع على الرأس في الحرب، وهذا يدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان قد دخل مكة عند فتحها غير محرم، وإلا لكان رأسه مكشوفًا، وأما بعد ذلك، فلا يجوز له عند أبي حنيفة، وأحد قولي الشافعي، ويجوز عند مالك، وفي القول الثاني للشافعي.
"فلما نزعه"؛ أي: رفع المغفر عن رأسه، وجلس، "جاء رجل": هو نَضْلةُ بن عُبيد الأسلمي.
"فقال: إن ابن خَطَل" بفتحتين: اسمه عبد العزيز.
"متعلق بأستار الكعبة"؛ أي: بلباسها؛ كيلا يقتله أحد.
"فقال"؛ أي: النبي عليه الصلاة والسلام: "اقتله"، وإنما لم يقبل أمانه؛ لأنه كان مسلمًا بعثه في أمر مع رجل من الأنصار، فقتله في الطريق، وأخذ ما معه، وهرب من المدينة إلى مكة، فلما فتحت مكة أمر بقتله قصاصًا، وهذا يدل على أن من عليه القصاص إذا التجأ بالحرم يقتص فيه، وبه أخذ الشافعي، وعندنا يُحْبَسُ عنه القوتُ حتى يضطر ويخرج منه، فيتقص خارج الحرم.
* * *
1983 -
وعن جابرٍ رضي الله عنه: أن رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم دَخَلَ يومَ فَتْح مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةُ سَوْداءُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ.
"وعن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة وعليه عمامةٌ سوداءُ بغير إحرامٍ": يدل أيضًا على أنه صلى الله عليه وسلم دخلها غير محرم.
* * *
1984 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَغْزُو
جَيْش الكَعْبةَ، فإذا كانُوا ببَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ يُخْسَفُ بأوَّلهِمْ وآخِرِهِمْ"، قالتْ: يا رسُولَ الله!، كيْفَ يُخْسَفُ بأوَّلِهِمْ وآخِرِهِمْ وفيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهَمْ؟، قال: "يُخْسَفُ بأوَّلِهِمْ وآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ على نِيَّاتِهِم".
"عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يغزوا جيش الكعبة"؛ أي: يقصد الكعبة جيش في آخر الزمان؛ ليخربها، عبَّر بالغزو إشارة إلى شدة اهتمامهم بالأضرار، كما تُغرَم ديار الكفار.
"فإذا كانوا ببيداء من الأرض"؛ يعني: فلما بلغوا في طريقهم بأرض بيداء، وهي برية بعيدة.
"يخسف بأولهم وآخرهم"، أي: دخلوا قعر الأرض كلهم جميعًا.
"قلت: يا رسول الله! كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم": جمع السوق، والمراد: أهل أسواقهم.
"ومن ليس منهم؟ ": في الكفر والقصد بخراب الكعبة، كالضعفاء والإسراء.
"قال: يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم"؛ أي: فيما يخفون في قلوبهم من الصلاح والفساد، وفيه إخبار بهلاك الأخيار بشؤم الأشرار.
* * *
1985 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُخَرِّبُ الكَعْبةَ ذُو السُّويقَتَيْنِ مِنَ الحَبَشَةِ".
"عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يخربُ الكعبةَ ذو السُّويقتين": تثنية سويقة، وهي تصغير الساق، وهو مؤنث سماعي، وإنما
صغَّرها؛ لأن الغالب على سوق الحبشة الدّقة، يعني: يخربها في آخر الزمان ملك كافر "من الحبشة".
* * *
1986 -
وقال ابن عبَّاس رضي الله عنهما، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم:"كأنِّي بِهِ أَسْوَدَ أَفْحَجَّ، يَقْلَعُها حَجَرًا حَجَرًا".
"وقال ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: كأني به": يتعلق بمحذوف؛ أي: كأني أبصر به وأنظر إليه من غاية علمي به وبصورته، الضمير عائد إلى (ذو السويقتين).
"أسودَ أفْحَجَ": حالان من الضمير في (به)، أو بدلان منه، غير منصرفين.
(الفَحَج) بتقديم الحاء المهملة على الجيم: تباعد ما بين الفخدين، وهو من نعوت الحبشان.
"يقلعها"؛ أي: الكعبة، "حجرًا حجرًا": حال.
* * *
مِنَ الحِسَان:
1987 -
عن يَعلَى بن أُميَّة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "احْتِكَارُ الطَّعامِ في الحَرَمِ إلحَادٌ فيهِ".
"من الحسان":
" عن يَعلى بن أُمية أنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: احتكارُ الطعام": وهو حبسه إلى وقت الغلاء؛ لبيعِهِ بثمن أرفعَ مما اشتراه به.
"في الحرم إلحادٌ فيه"؛ أي: ميل عن الحق إلى الباطل في الحرم، قال الله
تعالى {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25]، والاحتكارُ منهي في كل البلاد حرام، وفي مكة أشد تحريمًا.
* * *
1988 -
عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لِمَكَّةَ: "ما أطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وأَحَبَّكِ إليَّ، ولولا أن قَوْمِي أَخْرَجُوني مِنْكِ ما سَكَنْتُ غيْرَكِ"، صحيح.
"عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة: ما أطيبَكِ من بلد": (ما) للتعجب مبتدأ، و (أطيب) فعل ماض فاعله مضمر فيه، والجملة خبره.
"وأحبك إلي! ": عطف عليه، خاطب عليه الصلاة والسلام مكة عام الفتح لغاية حب الكعبة، وحرم الله تعالى، ومسكن آبائه.
"ولولا أن قومي": أراد: كفار قريش.
"أخرجوني منك ما سكنتُ غيرك"؛ أي: ما ينبغي لي أن أسكن بلدًا غيرك، والبلد إذا كان أشرفَ يكون توطُّنُهُ أفضل، وترك الأفضل بالاختيار غير مرضي.
"صحيح".
* * *
1989 -
عن عبد الله بن عَدِيِّ بن الحَمْراء قال: رَأَيْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم واقِفًا على الحَزْوَرَةِ، فقال:"والله إنَّكِ لَخَيْرُ أرْضِ الله، وأَحَبُّ أرْضِ الله إلى الله، ولَوْلَا أنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ ما خَرَجْتُ".
"عن عبد الله بن عَدي بن حمراءَ أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفًا على الحَزْوَرَةِ": بوزن (القَسْوَرَة): اسم سوق بمكة، سميت بذلك، لأن فيه تلًا