الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! سَعِّر لنا" أمرٌ من التسعير، وهو وضع السعر على المَتاع.
"فقال النبيُّ عليه الصلاة والسلام: إنَّ الله هو المُسَعِّر"؛ أي: المُوسع للرزق "القابض"؛ أي: هو الذي يقبض الرزق بأن يقلِّله "الباسط الرازق"؛ أي: الذي يبسط الرزق، بأنْ يوسعه على مَنْ يشاء.
"وإني لأرجو أنْ ألقى ربي وليس أحدٌ منكم يطلبني بمَظْلِمة" - بكسر اللام - هو اسم ما أخذ منك ظلماً "بدم ولا مال" بدل عن مظلمة، وفيه إرشادٌ إلى أن المانع له من التسعير مخافةُ أنْ يَظْلِمَ في أموالهم، فإنَّ التسعير تصرُّف فيها بغير إذن أهلها، فيكون ظلماً.
* * *
8 - باب الإفلاسِ والإنظارِ
" باب الإفلاس"، يقال: أفلس الرجلُ: إذا لم يبقَ له مالٌ، معناه: صارت دراهمهم فلوساً، وقيل: صار إلى حالٍ يقال ليس معه فليس.
"والإنظار"؛ أي: الإمهال.
مِنَ الصِّحَاحِ:
2127 -
عن أبي هريرةَ: رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيما رجُلٍ ماتَ أو أفْلَسَ، فأدْرَكَ رجُلٌ مالَهُ بعَيْنهِ فهوَ أَحَقّ بهِ مِنْ غَيْرِهِ".
"من الصحاح":
" عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيما رجلٍ أفلسَ"؛ أي: صار ذا فلوسٍ بعد أنْ كان ذا دراهم، "فأدرك رجل مالَه بعينه"؛ أي: بذاته بأن
يكون غيرَ هالكٍ حساً أو معنى بالتصرفات الشرعية مثل الهِبَة والوَقْف وغيرهما.
"فهو أحق به"؛ أي: بماله "من غيره" وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد: البائع إذا وجد ماله عند المشتري المفلسِ فله أنْ يَفْسَخَ العقدَ ويأخذ المبيع، وعندنا ليس له الفسخُ والأخذ، بل هو كسائر الغُرماء، فحمَلْنا الحديثَ على العقد بالخيار، يعني: إذا كان الخيار للبائع وظهر له في مدَّته أن المشتري مفلسٌ فالأنسب له أن يختارَ الفسْخَ.
* * *
2128 -
وعن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه قال: أُصِيبَ رجُلٌ في عَهْدِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في ثِمارٍ ابْتاعَها، فكثُرَ دينُهُ. فقالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"تَصَدَّقُوا عليهِ". فتصدَّقَ النَّاس عليهَ فلمْ يبلُغْ ذلكَ وفاءَ دَيْنِهِ، فقالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لغُرمائِهِ:"خُذُوا ما وَجَدْتُمْ وليسَ لكُمْ إلَاّ ذلكَ".
"وعن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال: أُصيب رجل في عهد النبي عليه الصلاة والسلام"؛ أي: لَحِقَه خسرانٌ بسبب إصابة جائحة "في أثمارٍ ابتاعها"؛ أي: اشتراها ولم ينقُد ثمنها.
"فكثر دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدَّقوا عليه، فتصدَّق الناسُ عليه، فلم يبلغ ذلك وفاءَ دينِه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغُرمائه: خُذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك"؛ أي: أخذ ما وجدتم، والإمهال بمطالبة الباقي إلى الميسُرة، قال الله تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280]، لا زجره وحبسه؛ لأنه ظهر إفلاسُه وليس معناه أن يبطل لكم ما بقيَ مِنْ ديونكم.
* * *
2129 -
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "كانَ رجلٌ يُداينُ النَّاسَ،
فكانَ يقولُ لفتاهُ: إذا أتَيتَ مُعْسِراً تجاوزْ عنهُ لعلَّ الله أنْ يتجاوَزَ عنَّا، قال: فلَقِيَ الله فتجاوَزَ عنهُ".
"عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رجل يُداينُ الناسَ"؛ أي: يعاملهم ويعطيهم ديناراً، "فكان يقول لفتاه"؛ أي: لخادمه: "إذا أتيت مُعْسِراً تجاوزْ عنه" بصيغة الأمر؛ أي: تَسَامَحْ في الاقتضاء.
"لعل الله" بمعنى عسى؛ أي: عسى الله "أن يتجاوز عنَّا، قال"؛ أي: النبي عليه الصلاة والسلام: "فلقيَ"؛ أي: الرجل "الله فتجاوزَ عنه"؛ أي: عَفَى عن ذنبه.
* * *
2130 -
وقال: "مَنْ سَرَّهُ أنْ يُنْجِيَهُ الله تعالى مِنْ كُرَبِ يومِ القيامَةِ فَلينفِّسْ عنْ مُعْسِرٍ أو يضَعْ عنهُ".
"وعن أبي قتادة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ سَرَّه"؛ أي: أَفْرحه "أنْ يُنجيه الله" الجملة فاعل (سرَّه)"مِنْ كُرب يومِ القيامة فلينفّس عن مُعْسِر"؛ أي: ليؤخّر مطالبتَه إلى مدة يَجِدُ مالاً، "أو يضعُ عنه" بعضَ الدَّين.
* * *
2131 -
وقال: "مَنْ أنْظَرَ مُعْسِر" أو وَضَعَ عنهُ أنجاهُ الله مِنْ كُرَبِ يومِ القِيامَةِ".
"وعنه أنه: قال عليه الصلاة والسلام: مَنْ أنظر مُعسراً"؛ أي: أَمْهل مديونا فقيراً، "أو وضع عنه أنجاه الله من كُرب يوم القيامة"؛ أي: شدته.
* * *
2132 -
وقال: "مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً أو وضعَ عنهُ أظلَّهُ الله في ظِلِّه".
"وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي عليه الصلاة والسلام: من أنظر معسراً، أو وضع عنه، أظلَّه الله في ظله"، والمراد به الكرامة والحماية من مكاره المَوقِف، كما يقال: فلان في ظلِّ فلان؛ أي: في كَنفَه وحمايته؛ أي: نظر الله إليه يوم القيامة بنظر الرحمة ووَقَاه من حَرِّ يوم القيامة بأنْ وَقَفَه في ظلِّ العرش.
* * *
2133 -
عن أبي رافع رضي الله عنه قال: اسْتَسْلَفَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بَكْراً، فجاءَتْهُ إبل مِنَ الصَّدَقَةِ. قال أبو رافِع: فأمَرني أنْ أقضيَ الرجُلَ بَكْرَهُ، فقلتُ: لا أَجِدُ إلا جَمَلاً خِياراً رَبَاعيًّا، قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أعْطِهِ إيَّاهُ، فإنَّ خيرَ النَّاسِ أحسَنُهُمْ قضاءً".
"عن أبي رافع قال: استسلف"؛ أي: استقرض "رسولُ الله بَكراً" بالفتح ثم السكون الفتى من الإبل "فجاءته إبل من الصدقة، قال أبو رافع: فأمرني أنْ أقضيَ الرجلَ بكرة فقلت: لا أجدُ إلا جَمَلاً خياراً"؛ أي: مختارًا "رَباعياً" - بفتح الراء - هو من الإبل ما أتى عليه ست سنين ودخل في السابعة.
"فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطِه إيَّاه، فإنَّ خيرَ الناسِ أحسنُهم قضاء".
وفي الحديث دليل على جواز استسلاف الإمام للفقراء إذا رأى بهم حاجة ثم يؤدِّيه من مال الصدقة، وعلى جواز استقراض الحيوان، وبه قال الشافعيُّ، وعلى أن ردَّ الأحسن أو الأكثر من غير شرطٍ إحسانٌ.
* * *
2134 -
ورُوي: أن رجُلاً تقاضَى علَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فأغْلظَ لهُ، فهَمَّ بهِ أصحابُهُ، فقال:"دعُوهُ فإنَّ لصاحبِ الحقِّ مقالاً".
"وروي: أن رجلاً تَقَاضَى على النبيِّ عليه الصلاة والسلام"؛ أي: طلب منه قضاءَ الذين، "فأغلظ له" في القول، "فهمَّ [به] أصحابُه"؛ أي: قصدَ أصحابُ النبي عليه الصلاة والسلام بضربه وإيذائه.
"فقال دعوه"؛ أي: اتركوه، "فإنَّ لصاحب الحق مقالاً" يدلّ على جواز تشديد صاحب الحق على المديون المليء بالقول.
* * *
2135 -
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَطْلُ الغَنيِّ ظُلْم، فإذا أتبعَ أحَدكمْ عَلَى مَلِيءٍ فلْيتبَعْ".
"وعن أبي هريرة: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: مَطْلُ الغني"، أي: تأخير أدائه الدَّينَ من وقتٍ إلى وقت "ظلمٌ، فإذا أُتبع" بضم الهمزة وكسر الباء؛ أي: أُحيل "أحدُكُم على غني فليتبع"؛ أي: فليقبل الحوالةَ، ليس الأمرُ هنا للوجوب بل للرِّفق والإباحة، وفيه دليل على صحة الحوالة.
* * *
2136 -
عن كَعْبِ بن مالكٍ رضي الله عنه: "أنَّهُ تقاضَى ابن أبي حَدْرَد ديناً لهُ عليهِ، فارتفعَتْ أصواتُهُما، فخرجَ إلَيْهِما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ونادَى كَعْبَ بن مالك رضي الله عنه، فأشارَ بيَدهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ مِنْ دينِكَ، قال: قدْ فعلتُ. فقال: "قُمْ فاقْضهِ".
"عن كعب بن مالك: أنه تقاضى ابن أبي حَدْرد ديناً له عليه"؛ أي: طلبَ كعبٌ قضاءَ الدَّينِ الذي كان له على أبي حَدْرد، "فارتفعت أصواتُهما، فخرج إليهما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فنادى كعبَ بن مالك، وأشار بيده أنْ ضَعِ الشطر"؛ أي: أبرئه عن النصف؛ فإنه معسر، واطلبِ النصفَ الباقي بلا مُهْلة، أمره عليه الصلاة والسلام بذلك على سبيل البرِّ والمُسَاهلة، "قال قد فعلت
فقال"؛ أي: النبيُّ عليه الصلاة والسلام لابن أبي حَدْرد: "قُمْ فاقْضه"؛ أي: الشطرَ الباقي.
* * *
2137 -
عن سَلَمةَ بن الأكْوَعِ: أنَّه قال: كُنَّا عِندَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إذْ أُتيَ بجَنازةٍ فقالُوا: صَلِّ عليها، فقال:"هلْ عليهِ دين؟ "، قالوا: لا. فصلَّى عليها. ثُمَّ أُتيَ بجَنازة أُخرَى، فقال:"هلْ عليه دين؟ "، قِيل: نعمْ. قال: "فهلْ تركَ شيئاً"، قالوا: ثلاثةَ دنانيرَ. فصلَّى عليها. ثُمَّ أُتيَ بالثالثة، فقالَ:"هلْ عليهِ دين؟ "، قالوا: ثلاثةُ دنانيرَ. قال: "هلْ تركَ شيئاً؟ "، قالوا: لا، قال:"صلُّوا على صاحِبكُمْ". قال أبو قَتادة: صلِّ عليهِ يا رسول الله وعلي دَينُهُ، فصلَّى عليهِ.
"وعن سلمة بن الأكوع: أنه قال: كنا عند النبي عليه الصلاة والسلام إذ أُتي بجنازة، فقالوا: صلِّ عليها، فقال: هل عليه دينٌ؟ قالوا: لا"؛ أي لا دينَ عليه، "فصلَّى عليها، ثم أُتي بجنازة أخرى، فقال: هل عليه دينٌ؟ قالوا: نعم، قال: فهلْ تركَ شيئاً؟ قالوا: ثلاثة دنانير، فصلى عليها"، وفيه إيذان بأنَّ الله تعالى ألهمه بأنَ ما تركه ذلك الميت يَفِي بدينه، أو يزيدُ عليه.
"ثم أتي بالثالثة فقال: هل عليه دين؟ قالوا: ثلاثة دنانير، قال: هل تركَ شيئاً؟ قالوا: لا، قال: صَلُّوا على صاحبكم".
وإنما امتنع عليه الصلاة والسلام عن الصلاة على المَدْيون الذي لم يترك وفاءً؛ تحذيرًا عن الدَّين، واستعظاماً له، أو لكراهة أن لا يُتلقَّى دعاؤه بالإجابة، فيوقَف لِمَا عليه من حقوق الناس.
"قال أبو قتادة: صلِّ عليه يا رسول الله وعليَّ دينُه، فصلى عليه" فيه دليل على جواز الضمان عن الميت المُفْلِس، وبه قال الشافعي.
* * *
2138 -
وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَخَذَ أموالَ النَّاسِ يُريدُ أداءَها أدَّى الله عنه، ومَنْ أخذَها يُريدُ إتْلافَها أتْلَفَهُ الله عز وجل".
"وعن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ أخذ أموال الناس" أعم من أن يكون أخذَهُ بحق أو غيره، "يريد أداءَها، أدَّى الله عنه"؛ أي: يسَّر الله أداءه بإعانته، ويوسِّع رزقه، فإن لم يتيسَّر له الأداء حتى مات رُجِيَ منه تعالى أنْ يُرْضيَ خصمَه بكرمه، وفضله، وهذا جملة خبرية لفظاً ومعنى، ويجوز أن يكون إنشاء معنى بأن يخرج مَخْرجَ الدعاء له.
"ومَنْ أخذها يريد إتلافها أتلفه الله تعالى"؛ أي: لم يُعِنْه في أدائه.
* * *
2139 -
عن أبي قتادةَ رضي الله عنه قال: قالَ رجل: يا رسُولَ الله "أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ في سبيلِ الله صابراً مُحْتَسِباً مُقْبلاً غيرَ مُدْبرٍ يُكفرُ الله عني خَطايايَ؟ فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "نعمْ، فلمَّا أدْبَرَ ناداهُ، فقال:"نعمْ إلَاّ الدَّيْنَ، كذلكَ قال جِبريلُ".
"عن أبي قتادة قال: قال رجل: يا رسول الله "أرأيت"؛ أي: أخبرني "إن قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً"؛ أي: طامعًا في سبيل الله لا للرِّياء، "مقبلاً غيرَ مدبرٍ، يُكَفِّر الله" بحذف حرف الاستفهام داعن خطاياي؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: نعم"؛ يعني يكفِّر الله عنك خطاياك، "فلما أدبر ناداه"؛ أي: النبي عليه الصلاة والسلام ذلك الرجل.
"فقال: نعم إلا الدين" استثناء منقطع؛ أي: لكن الدين لا يكفِّر، والمراد به: حقوق الآدميين في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، ويجوز أن يكون متصلاً على حذف المضاف؛ أي: خطيئة الدَّين.
"كذلك قال جبرئيل عليه السلام" وهذا يدلُّ على أنه يلقِّن إياه عليه الصلاة والسلام أشياء غيرَ القرآن.
* * *
2140 -
وقال: "يُغْفَرُ للشَّهيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إلَاّ الدَّيْنَ".
"وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُغْفر للشهيد كل ذنب" صغائر كانت أو كبائر "إلا الدين" يدل على أن حقوقه تعالى مبنية على المساهلة، وحقوق العباد على المضايقة.
* * *
2141 -
وقال أبو هريرةَ رضي الله عنه: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُؤْتَي بالرَّجُلِ المُتَوفَّى عليهِ الدَّيْنُ، فيَسألُ:"هلْ تركَ لدَينِهِ قَضاءً؟ " فإنْ حُدِّثَ أنَّهُ تركَ وفاءً صلَّى عليهِ، وإلَاّ قال للمُسِلمينَ:"صلُّوا على صاحبكُمْ" فلمَّا فتحَ الله عليه الفُتوحَ قامَ فقال: "أنا أوْلَى بالمُؤمِنينَ مِنْ أنفُسِهِمْ، فمنْ تُوفِّيَ مِنَ المُؤمِنينَ فتركَ ديناً فعليَّ قضاُؤهُ، ومَنْ تركَ مالاً فهوَ لِوَرثتهِ".
"وقال أبو هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالرَّجل المتوفَّى عليه الدين، فيسأل: هل ترك لدينه قضاء؟ فإن حُدِّث"؛ أي: أُخبر "أنه ترك وفاء صلَّى، وإلا"؛ أي: إن لم يترك وفاء "قال للمسلمين: صلُّوا على صاحبكم، فلمَّا فتحَ الله عليه الفتوح قام فقال أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم"؛ أي: في كل شيء من أمور الدين والدنيا، وشفقتي عليهم أكثرُ من شفقتهم على أنفسهم، فأكون أولى بقضاء دَينهم لهم.
"فمن توفي من المؤمنين فترك ديناً" ليس له مال، "فعليَّ قضاؤه، ومَنْ
ترك مالاً فلورثته" بعد قضاء دينه.
* * *
مِنَ الحِسَان:
2142 -
عن أبي خَلْدَةَ الزُّرَقي قال: جِئْنا أبا هُرَيْرةَ في صاحِبٍ لنا قدْ أفْلسَ، فقال: هذا الذي قضَى فيهِ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أيما رجُلٍ ماتَ أو أَفْلَسَ فصاحِبُ المتاعِ أَحَقُ بمتاعِهِ إذا وَجَدَهُ بعَينهِ".
"من الحسان":
" عن أبي خَلْدة الزُّرقي: أنه قال: جئنا أبا هريرة رضي الله عنه في صاحب"؛ أي: شأن صاحب "لنا قد أفلس، فقال: هذا الذي"؛ أي: هذا مثل الرجل الذي "قضى فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أيما رجل مات أو أفلسَ فصاحبُ المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه" مر بيانه.
* * *
2143 -
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "نفسُ المُؤْمِنِ مُعَلَّقة بدَينهِ حتَّى يُقْضَى عنه".
"وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نفسُ المؤمن معلَّقة بدَينه"؛ أي: لا يدخل الجنة، أو لا تدخل روحُه بين أرواح الصالحين، أو لا تجد روحه اللذة ما دام عليه دين "حتى يُقضى عنه"، أو يرضى غريمُه.
* * *
2144 -
وقال: "صاحِبُ الدَّيْنِ مأسُور بدَيْنِهِ يَشْكُو إلى ربهِ الوَحْدَةَ يومَ القِيامَةِ".
"وعن البراء بن عازب: أنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: صاحبُ الدَّينِ مأسورٌ بدَينه"؛ أي: محبوسٌ بسببه فريداً لا يؤذن له في دخول الجنة، ولا في مصاحبة الصالحين.
"يشكو إلى ربه الوحدة يوم القيامة"؛ يعني: يكون تعبُه وعذابُه من الوحدة لا يرى أحداً يقضي عنه ويخلصه من قضاء الدين، فإنه يعذب بها حتى يخرج من عهدة الدين بأن يدفع من حسناته بقدر الدين إلى مستحِقِّه، أو يوضع من ذنوب مستحقِّه عليه بقدَرِه، أو يرضي الله خصمَه من فضله.
* * *
2145 -
ورُوي أن مُعاذاً كانَ يدَّانُ، فأتَى غُرَماؤُه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فباعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مالَهُ كُلَّهُ في دينهِ حَّتى قامَ مُعاذ رضي الله عنه بغيرِ شيءٍ، مرسل.
"وروي أن معاذاً كان يَدَّان" بتشديد الدال؛ أي: يأخذ الدين، "فأتى غرماؤه إلى النبي عليه الصلاة والسلام وطلبوا" من معاذ قضاءَ ديونهم، "فباع النبيُّ عليه الصلاة والسلام مالَه"؛ أي: مالَ معاذِ "كلَّه في دينه"، فقضى منه ديونهَم، "حتى قام معاذ بغير شيء"، وهذا يدلُّ على أن الغرماء إذا طلبوا من القاضي الحجرَ على المُفْلِس يَحْجُر، ويبيع مالَه، ويقسِم بينهم على قدر ديونهم.
"مرسل".
* * *
2146 -
عن عمرِو بن الشَّريدِ رضي الله عنه، عن أبيه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ليُّ الواجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وعُقُوبته".
"عن عمرو بن الشَّريد، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليُّ الواجد"؛ أي: مطل الغني القادر على قضاء دينه "يُحِلُّ عِرْضَه"؛ أي: يجوز لصاحب الحق
أن يُغْلِظ القول، ويُطيل لسانَه عليه، وينسِبه إلى سوء القضاء، "وعقوبته" بالحبس أو الضرب حتى يؤدِّي الحق.
* * *
2147 -
وعن أبي سعيدٍ الخُدرِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: أُتيَ النبي صلى الله عليه وسلم بجَنازةٍ ليُصلِّيَ علَيْها، فقال:"هَلْ عَلَى صاحِبكُمْ مِنْ دينُ؟ " قالوا: نعم، قال:"هَلْ تركَ وفاءً؟ " قالوا: لا، قال:"صلُّوا على صاحِبكُمْ، قالَ عليّ بن أبي طالِبٍ رضي الله عنه: عَلَيَّ دينُهُ. فتقدَّمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فصلَّى عليهِ. وقال: "فكَّ الله رِهانَكَ مِنَ النَّارِ كما فكَكْتَ رِهانَ أخيكَ المُسلم، ليسَ مِنْ عَبدٍ مُسلمٍ يَقضي عنْ أخيهِ دينَهُ إلَاّ فكَّ الله رِهانَهُ يومَ القِيامَةِ".
"وعن أبي سعيد الخدري أنه قال: أتي النبيُّ عليه الصلاة والسلام بجنازة ليصلي عليها، فقال: هل على صاحبكم دينٌ، قالوا: نعم، قال: هل ترك وفاء؟ قالوا: لا، قال: صلوا على صاحبكم، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: عليَّ دينه"؛ أي: قضاء دينه "فتقدم"؛ أي: النبيُّ عليه الصلاة والسلام "فصلى عليه وقال" لعلي: "فَكَّ الله رِهانَك" جَمْعُ رَهن، وفَكُّه: تخليصه؛ إذ كلُّ نفس مرهونة بعملها، كما قال الله تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} والمراد عتق رقبته "من النار"؛ يعني: أبرأ الله تعالى ذمَّتَك عن حقوق الآدميين وعن الآثام والأوزار، وأعتق رقبتَك من النار بالعفو عنها، والتجاوز عن سيئاتها التي يُحبس ويعذَّب بها يومَ القيامة.
"كما فَكَكْتَ رِهانَ أخيك المسلم"؛ أي: خَلَّصْتَه عن تعلُّق الدين به، فإن نفس المؤمن مرهونة بدينه بعد الموت، "ليس من عبد مسلم يقضي عن أخيه دينَه إلا فكَّ الله رِهانَه يومَ القيامة"، ذكر الرهان بلفظ الجمع تنبيها على أن الرهن
يتعدد بتعدُّد الآثام والأوزار.
* * *
2148 -
عن ثوبانَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ ماتَ وهو بريء مِنَ الكِبْرِ والغُلولِ والدَّيْنِ دخلَ الجَنَّةَ".
"عن ثوبان أنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ مات وهو بريء من الكِبر" قيل: هو إبطالُ الحق بأن لا يقبلَه ويحتقر الناس فلا يراهم شيئاً، "والغلول" وهي الخيانة، "والدَّين دَخَلَ الجنة".
* * *
2149 -
عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ أعظمَ الدُّنوبِ عندَ الله أنْ يلقاهُ بها عبدٌ بعدَ الكبائِرِ التي نهَى الله عنها أنْ يَمُوتَ رَجُل وعليهِ دين لا يدَعُ له قضاءً".
"عن أبي موسى، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: إن أعظم الذنوب عند الله أن يلقاه" حال، أو تمييز، أو بدل من الذنوب وهو الصواب، والضمير البارز يرجع إلى الله، "بها"؛ أي: بالذنوب "عبد" فاعل (يلقاه).
"بعد الكبائر التي نهى الله عنها أنْ يموت" خبر (أن)، أو بدل من (أن يلقاه) لأن لقاء العبد ربَّه إنما هو بعد الموت "رجل، مظهر أقيم مقام ضمير العبد، وفائدة ذكر العبد لاستبعاد ملاقاةِ ربه بهذا الشَّين، ثم إعادته بلفظ (رجل) وتنكيره تحقيراً لشأنه، وتوهيناً لأمره.
"وعليه دين لا يدع له قضاء"؛ أي: لا يترك لذلك الدين مالاً يقضي به، وهذا على سبيل المبالغة والتحذير عن كثرة التداين.
* * *